الحرب المستمرة

لا تتوقّف الجرافات والحفّارات عن العمل لحظة واحدة في غزّة، وليس من المتوقّع أن يتغيّر ذلك. ومصادقة المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية على السيطرة على مدينة غزّة تمنح القوات الإسرائيلية مزيداً من الشهور بوسعها فيها تدمير آلاف المنازل والمباني الأخرى. وهذا مشروع هندسي غير مسبوق.

هدّد عمال مرفأ جنوى بوقف الشحنات من الموانئ الأوروبية إذا اعترضت إسرائيل أسطول «صمود» المتجه إلى غزة، في خطوة تكشف قدرة العمّال على تحويل التضامن مع فلسطين من فعل رمزي إلى تعطيل مادي يضرب شرايين الرأسمالية المبنية على التدفق المستمر لرأس المال.

الاعترافات الغربية الأخيرة بـ«دولة فلسطين» لا تعني سيادة حقيقية، بل تكريس كيان نشأ من أوسلو: سلطة بلا شرعية انتخابية، تعتمد على التمويل الخارجي وأجهزة أمنية ضخمة، مكبّلة بالاستيطان وبشروط المستعمِر.

في غزة، لم يعد الجوع شعوراً عابراً بل مجاعة تتفكّك معها الأجساد ببطء. أطفال يتوقّفون عن البكاء حين لا تبقى لهم طاقة، أمهات يجفّ حليبهن، مرضى ينهارون بلا دواء. ما يجري في غزّة ليس مأساة طبيعية، بل جريمة حرمان متعمّد من أبسط شروط البقاء.

تُعد مجاعة غزة الأسرع والأشد في التاريخ الحديث، حيث يعيش شخص من كل 3 تحت ظروف المجاعة، ما يجعلها دليلاً دامغاً على استخدام إسرائيل التجويع كسلاح إبادة ضد الفلسطينيين.

لم تكتفِ إسرائيل بالقصف والتجويع في غزّة، بل حوّلت الماء نفسه إلى سلاح إبادة. هذا «الأبارتهايد المائي» يكشف أنّ السيطرة على الماء ليست أزمة إنسانية، بل سياسة استعمارية ممنهجة هدفها خنق الفلسطينيين ديمغرافياً واقتلاعهم من أرضهم.

منذ النكبة وحتى اليوم، واجه الفلاح الفلسطيني محاولات اقتلاعه من أرضه عبر القتل والتهجير ومصادرة الأراضي، وصولاً إلى التحكم بما يزرع ويأكل. لكن تجربة قرية فرخة في سلفيت قدّمت نموذجاً مضاداً. لقد أثبت الأهالي أن الزراعة ليست فقط غذاء، بل مقاومة وصمود، وأن الاكتفاء الذاتي والتمسك بالأرض هما سياجها الحقيقي. 

تصوير سياسة إسرائيل في تجويع غزة على أنها «أزمة إنسانية» فحسب، يُعَدُّ وسيلةً لصرف الانتباه عن العواقب الأخلاقية والسياسية والقانونية والاقتصادية للاعتراف بنية إسرائيل الإبادية.

دول البريكس على الرغم من شعاراتها عن «نظام عالمي أعدل» تدافع بالدرجة الأولى عن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، غالباً على حساب مبادئ العدالة الدولية.