الحرب المستمرة

تُعد مجاعة غزة الأسرع والأشد في التاريخ الحديث، حيث يعيش شخص من كل 3 تحت ظروف المجاعة، ما يجعلها دليلاً دامغاً على استخدام إسرائيل التجويع كسلاح إبادة ضد الفلسطينيين.

لم تكتفِ إسرائيل بالقصف والتجويع في غزّة، بل حوّلت الماء نفسه إلى سلاح إبادة. هذا «الأبارتهايد المائي» يكشف أنّ السيطرة على الماء ليست أزمة إنسانية، بل سياسة استعمارية ممنهجة هدفها خنق الفلسطينيين ديمغرافياً واقتلاعهم من أرضهم.

منذ النكبة وحتى اليوم، واجه الفلاح الفلسطيني محاولات اقتلاعه من أرضه عبر القتل والتهجير ومصادرة الأراضي، وصولاً إلى التحكم بما يزرع ويأكل. لكن تجربة قرية فرخة في سلفيت قدّمت نموذجاً مضاداً. لقد أثبت الأهالي أن الزراعة ليست فقط غذاء، بل مقاومة وصمود، وأن الاكتفاء الذاتي والتمسك بالأرض هما سياجها الحقيقي. 

تصوير سياسة إسرائيل في تجويع غزة على أنها «أزمة إنسانية» فحسب، يُعَدُّ وسيلةً لصرف الانتباه عن العواقب الأخلاقية والسياسية والقانونية والاقتصادية للاعتراف بنية إسرائيل الإبادية.

دول البريكس على الرغم من شعاراتها عن «نظام عالمي أعدل» تدافع بالدرجة الأولى عن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، غالباً على حساب مبادئ العدالة الدولية. 

في 9 آذار/مارس 2025، اختطفت سلطات الهجرة الأميركية الناشط الفلسطيني محمود خليل في إطار حملة أوسع لتجريم التضامن مع فلسطين، تعكس منطقاً استعمارياً عنصرياً يتجاوز حدود فلسطين ليُصدَّر عالمياً. إن سياسات الحدود الصهيونية تتقاطع مع أنظمة قمع المهاجرين في أميركا وأوروبا، عبر تصدير تقنيات المراقبة والعسكرة وتجريم النشطاء، وتحالفات مع أنظمة قومية عنصرية.

تتجاوز الجرائم الإسرائيلية حدود العنف العسكري لتطال البيئة، وتحوّل غزة إلى نموذج للإبادة البيئية. فالتدمير المنهجي للأراضي الزراعية، مصادر المياه، الغطاء النباتي، والبنية التحتية، هو جزء من مشروع استيطاني استعماري يستخدم البيئة كسلاح للهيمنة والمحو، ويعمّق التفاوتات المناخية في سياق نظام فصل عنصري مائي وبيئي.

تُستخدم العقوبات الأحادية الأميركية للحفاظ على القوة الاقتصادية العالمية لأميركا. وبهذا المعنى، يمثّل تقرير ألبانيزي تهديداً للأمن القومي الأميركي، الذي لطالما قام على الهيمنة الاقتصادية التي تستمد قوتها من الحرب الدائمة.

غزة ليست مجرد منطقة محاصَرة، بل مختبر تُدار فيه أدوات السيطرة الحديثة، حيث يُستخدم الجوع كسلاح سياسي لإعادة تشكيل العلاقة بين السيادة والخضوع.

من «درع أبراهام» إلى أنفاق فصل الضفّة، ترسم المشاريع الإسرائيلية والإقليمية والدولية مشهداً سريالياً: إعمارٌ بلا شعب وخطط استثمارية فوق الخراب.