Preview سحب الاستثمارات

اتجاهان لحركة سحب الاستثمارات الجامعية

بعد شهور من الإبادة الإسرائيلية المتصاعدة والمفتوحة في فلسطين، ظهرت مؤشرات تفيد بتراجع حركة مناهضة الحرب على الصعيد العالمي. فالمظاهرات والمسيرات كانت تضجّ بها شوارع المدن في الولايات المتحدة وكندا على مدار الأسبوع منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وكان نشطاء التضامن ينفّذون في أماكن عديدة أنشطة لافتة ومتنوعة بانتظام.

قامت الأنشطة المباشرة بإغلاق خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ والجسور وجميع أنواع الطرق. بل إنّ أحد الأنشطة الصباحية المبكرة منع توصيل صحيفة نيويورك تايمز. وظهرت حملات لتوسيع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في النقابات العمّالية ومجالس المدينة ودور النشر.

قام النشطاء حتى باقتحام المجال الانتخابي، وهو عادة ما يكون محصّناً ضدّ أي ذكر للتضامن مع فلسطين، ما أدّى إلى انقسام الحزب الديمقراطي مع النجاح المفاجئ لأصوات «غير ملتزمة» أو «غير موجّهة» في مرحلة الانتخابات التمهيدية ضد الصهيونية المتصلّبة للرئيس جو بايدن.

لكن بعد مرور 24 أسبوعاً من النشاط المستمرّ، لم تعد التظاهرات تتزايد في الحجم وبدأت تصدر عن بعض النشطاء شكاوى عن تسلسل نوع من «الروتينية» إلى الحركة، لتأتي بعدها مخيّمات الاعتصام في أحرام الجامعات وتغيّر كل شيء.

الحركة تندلع

كان الإنجاز العظيم لمخيّمات الاعتصام الجامعية أن جعلت حركة التضامن مع غزة راديكالية. قبل تلك المخيّمات، التفت الحركة حول شعار مركزي (وقف إطلاق النار الآن) عبّر عن الضرورة الملحّة والعفوية للحركة التي بدأت فجأة كما بدأ قصف إسرائيل الرهيب.

العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة تعني أنّ أي مساعدات تتلقّاها إسرائيل يمكنها توجيهها نحو الجيش، ما يعني تدفق مليارات الدولارات بحرّية وانتظام في مالية قوات الاحتلال الإسرائيلي

تكمن قوة شعار «وقف إطلاق النار» في أنه ركز على ما يجمع معظم أطراف الحركة، إذ إن المهمة العاجلة التي لا يمكن الجدال فيها هي وقف مذبحة إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

كما أنّ شعار «وقف إطلاق النار» سمح بتجاوز اللحظة الحالية، إذ أوضح النشطاء المناهضون للصهيونية أنّ «إطلاق النار» لم يبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولن يتوقف بمجرّد وقف القصف في حين يستمر الحصار العسكري الإسرائيلي على غزة وتستمر جميع سياسات الفصل العنصري الاستيطاني الاستعماري. ولكنه سمح بالمقابل ببعض الغموض بشأن هذه النقاط.

ثم، مع اتضاح فظائع الإبادة الجماعية الإسرائيلية، بدأت الحكومات التي تسلح إسرائيل وتموّلها وتدعمها في انتقاد سياسة الحرب التي ينتهجها نتنياهو، وانتهى بها الأمر إلى الدعوة إلى وقف إطلاق نار «مؤقت»، مع كل التحفظات التي أضعفت قوة المطلب الأصلي.

في هذا السياق، كانت مطالبة حركة الحرم الجامعي بسحب الاستثمارات - بوصفها وسيلة لتحقيق وقف إطلاق نار دائم - تطوراً راديكالياً. وهذه المطالبة أعادت توطين السياسة الخاصة بحركة التضامن مع غزة على أرضية محلية ودولية في آن واحد.

تقلّص هذه المطالبة المسافة بين جامعة كولومبيا وغزة من خلال انقلاب فذّ في حركة رأس المال العالمي. فالعلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة تعني أنّ أي مساعدات تتلقّاها إسرائيل يمكنها توجيهها نحو الجيش، وبما أنّ إسرائيل تتلقّى مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية، فإن تلك الدولارات تتدفّق بحرّية وانتظام في مالية قوات الاحتلال الإسرائيلي وكأنها تتدفّق في ولاية أوريغون.

وكما يجادل جويل بينين، تتضح هذه العلاقة على وجه الخصوص في مجال السلع الفكرية والتكنولوجية، حيث يوجد «تداخل غير عادي» بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ويقول بينين: «على مستوى الأفراد، ينتقل العاملون في مجال التكنولوجيا العالية ذهاباً وإياباً بين وادي السيليكون وإسرائيل كل أسبوعين».

تكشِف هذه المطالبة عن مدى حميمية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لما فيه إدانة الهياكل المحلية للسلطة الأميركية في الحرب الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين. ويمتدّ هذا الكشف إلى الحياة الاجتماعية اليومية في الولايات المتحدة (وأيضاً في كندا وأجزاء من أميركا اللاتينية وأوروبا حيث تنشط الحركات الجامعية في ألمانيا والنمسا وهولندا وبريطانيا) ويميط اللثام عن برنامج دولي للعمل الجماعي.

بيد أن في هذه الشعارات اتجاهٌ ثانٍ. فإذا انتُزِعَت هذه المطالبة من نشطاء الساحات أو الشوارع، يمكن عندئذٍ تحييدها وتحويلها إلى «مشكلة سياساتية» يستحسن معالجتها من طرف موظّفين إداريين في قاعات الاجتماعات. في بعض الجامعات، بدأ هذا الانتزاع وبدأ تحويل المطالبة إلى محض مشكلة سياساتية بالفعل.

اختيار القمع بالعنف

كانت الاستجابة الأولية على حركة الجامعات من قبل الإدارة وحشية. فلم يستغرق الأمر أكثر من 30 ساعة لاستدعاء رئيسة جامعة كولومبيا، وبطش الشرطة بأول مخيم تضامني مع غزة.

لكن ردّ الطلاب بالاستيلاء على قاعة هاملتون في جامعة كولومبيا، وتغيير اسمها إلى قاعة هند تكريماً للطفلة الفلسطينية هند رجب ذات الست سنوات التي قُتلت برصاص الاحتلال الإسرائيلي بينما كانت عالقة في سيارة «تطلب النجدة عبر هاتف محمول محاطة بأفراد عائلتها القتلى»، كما ورد في بيان الطلاب.

مع كل مداهمة شرطية لمخيّم اعتصام تضامني مع غزة، ترسم الدولة الإمبريالية خطها الأحمر، حيث لا مجال للعقل؛ إنّه نقطة الغليان حيث يتبخّر الحوار وتظهر أدوات القوة الغاشمة المتربّصة تحت سطح المنطق الليبرالي

ويقول أعضاء من معتصمي جامعة كولومبيا إنّهم قرّروا بدء حملة قاعة هند استجابة لتصعيد الجامعة بتصعيد مضاد. وكتبوا في بيانهم: «نحن بانتقالنا من الحديقة وتحريرنا مبنًى جامعياً، قمنا بتصعيد استراتيجياتنا لزيادة الضغط على الإدارة ولإلهام الآخرين لاتخاذ خطوات جريئة».

وهذا التكتيك الوارد هنا يصوب على هدفين: الإدارة التي رفضت الاعتراف بمطالب المعتصمين في الحديقة، وأيضاً تحفيز بقية أطراف حركة التضامن مع غزّة في الولايات المتحدة.

جاءت الاستجابة الأولى من الإدارة بأن أرسلت الشرطة مجدداً لاعتقال 300 شخص بكل وحشية. والأخبار الواردة من قاعة هند عن استجابة الشرطة تثير القشعريرة:

«تعاملت معنا فرقة الاستجابة الاستراتيجية التابعة لشرطة نيويورك بوحشية واعتقلوا المدافعين عنا خارج المبنى، وأسقطوا أحد المحتجين على الدرج وتركوه فاقداً للوعي، وسحلوا آخرين كانوا يحاولون المساعدة. داخل قاعة هند، واجهنا قنابل صوتية، وطلقة نارية عشوائية من «خنزير» متحمس، وهراوات ومناشير دائرية، ودوساً على الوجوه، وإصابات في الرأس، وكسور في العظام، والتواءات وجروح وكدمات. وحين أصبحنا في عهدة الشرطة، قاموا بانتزاع الحجاب من على رؤوس المسلمات، وتحرّشوا جنسياً برفاقنا المهمّشين جندرياً، وهدّدونا وسخروا منا».

ولكن بعدما سحقت الشرطة بعنف اعتصام قاعة هند، بدأ الطلاب في إقامة مخيّمات اعتصامية في عشرات الجامعات في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والمكسيك.

إن قرار رؤساء الجامعات بالرد على حركة المخيّمات بالعنف قرار لا مبرّر له ولعله مفاجئ بعض الشيء - لو كانت هذه الحركة من أجل أي قضية أخرى. لماذا مهاجمة الطلاب بهذه القوة الغاشمة والمروعة؟ لماذا لا يتفاوضون أو يعقدون تسويات رمزية وينتظرون خبو الحركة بمجرد انتهاء الفصل الدراسي؟

يجادل فورست هيلتون، على مدونة Sidecar في موقع New left Review، بأنّ الأمر يتعلّق بتطبيق النيوليبرالية على الجامعات. في خلال العقدين الماضيين، كانت الخصخصة «وبالاً على المبادئ والممارسات الديمقراطية»، سواء لجهة الطلاب الذين يتعيّن عليهم دفع رسوم دراسية باهظة، أو لجهة أعضاء هيئة التدريس الذين فقدوا أمانهم الوظيفي. والآن، يعمل ثلثا أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأميركية من خارج المَلاك، في حين أن الأمان الوظيفي للثلث الآخر تحت التهديد.

يساهم هذا، إلى جانب اصطفاف هذه الجامعات الشركاتية مع القوات العسكرية الأميركية والإسرائيلية المتشابكة بعمق، في تفسير افتقار رؤساء الجامعات إلى الضوابط المجتمعية والمساءلة التي قد تمنعهم من مهاجمة الطلاب.

بيد أنّ هذا لا يفسر سبب اختيارهم العنف في هذه الحالات بالذات بدلاً من التسويات التفاوضية التي قد تكون أكثر فعالية في الحفاظ على سيطرتهم على جامعاتهم.

هذا العنف الحكومي لغةُ مستبدٍ مغرور محاصر، نوبة غضب لملك متعجرف. ومع كل مداهمة شرطية لمخيم اعتصام تضامني مع غزة، ترسم الدولة الإمبريالية خطها الأحمر، حيث لا مجال للعقل؛ إنّه نقطة الغليان حيث يتبخّر الحوار وتظهر أدوات القوة الغاشمة المتربّصة تحت سطح المنطق الليبرالي.

سحب الاستثمارات كوسيلة للضغط

يختار المسؤولون استخدام العنف لأنّهم يجدون الشروط السياسية للنقاش التي وضعتها مخيّمات التضامن مع غزة غير مقبولة. ومن البديهي أن يرفض رؤساء الجامعات - الذين تتركّز وظيفتهم في الجامعة الشركاتية على إدارة الأصول المالية وجمع التبرّعات أكثر من أي شيء له علاقة بالأكاديميا - مراجعة محافظهم الاستثمارية تحت إشراف الطلاب والمساءلة المجتمعية.

يكشف مطلب سحب الاستثمارات عن هوية مؤسسات المجتمع المدني الليبرالية المتماهية مع الدولة العسكرية والشرطية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ويُحدث شرخاً خطابياً في الادعاء الصهيوني الراسخ بأنّ انتقاد إسرائيل يعني معاداة اليهودية

هذا هو التحدّي الاقتصادي والمادي الذي تفرضه مخيّمات سحب الاستثمارات. لكن مطلب سحب الاستثمارات يؤثر أيضاً في الأيديولوجيات السائدة التي تدعمها الجامعات: الأكاذيب التي تحافظ على قوة البرجوازية في الولايات المتحدة وفي النظام الإمبريالي العالمي الذي تظل إسرائيل فيه قاعدة أمامية مهمة.

على مستوى السياسة الداخلية، يكشف مطلب سحب الاستثمارات عن هوية مؤسسات المجتمع المدني الليبرالية المتماهية مع الدولة العسكرية والشرطية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. ويُحدث شرخاً خطابياً في الادعاء الصهيوني الراسخ بأنّ انتقاد إسرائيل يعني معاداة اليهودية.

كان دور الطلاب اليهود على الخط الأمامي في المخيّمات جزءاً مهماً من قوة هذا التحدّي، والخطر الذي تخشاه الإدارة قد حدث بالفعل، فقد انكسر الرابط الأيديولوجي بين إسرائيل والشعب اليهودي في الولايات المتحدة.

الآن، كل ضربة من هراوة شرطة تهوي دفاعاً عن الصهيونية تؤكّد زيف الربط بين سلامة اليهود في العالم و«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

يهدف القمع البوليسي إلى ترهيب الطلاب حين يعبّرون عن هذه الأفكار، مصنفةً الشرطة إياها خارج حدود الكلام المقبول. وهذا الإرهاب الأولي الذي ارتكبه رجال الشرطة المتحمّسون بإيعاز من الإداريين القلقين تعمل حكومات الولايات وإدارات الجامعات على تنظيمه وتقنينه، مثل الأمر التنفيذي لحاكم تكساس غريغ أبوت في 27 آذار/مارس الذي يفرض على الجامعات معاقبة الطلاب الذين يعبرون عن معارضتهم للصهيونية.

هذه المحظورات القانونية والتشديد الثقافي المقابل لقيود حرية التعبير عزّزتها مشاهد العنف البوليسي السابقة التي أعيد تصويرها كدليل على تطرّف الطلاب والعنف المتأصّل في حركة التضامن مع غزة، بما يتطلّب تدابير استثنائية لإيقافها.

وبمجرد أن بدأ الإرهاب البوليسي، تصرفت كل إدارة جامعية تحت ظله. وحتى حين قدمت الإدارات التي لم تستدعِ رجال مكافحة الشغب تسويات تفاوضية، ظل تهديد العنف البوليسي يلوح من خلفها.

اتفاقيات مشكوك فيها

تُوّجت نصف دزينة من المخيمات التضامنية مع غزة باتفاقيات مع الجامعات وُصِفَت، في الغالب بشكل غير دقيق، بأنّها اتفاقيات سحب استثمارات أو انتصارات لحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. لقد كان العنصر الأوضح والملزم في معظم هذه الاتفاقات تخفيض حركة الحرم الجامعي من تصعيدها وإنهاء تحركاتها وتفكيك مخيمها الاعتصامي. أما التزامات معظم إدارات الجامعات، فأقل وضوحاً بكثير.

تنص الاتفاقية في جامعة نورث وسترن على قيام حركة التضامن مع غزة في الحرم الجامعي بتفكيك مخيمها، وعدم استخدام نظام صوتي للتجمعات، و«قصر الدخول إلى منطقة التظاهر على طلاب نورث وسترن وأعضاء هيئة التدريس والموظفين» في التجمعات المستقبلية، بما في ذلك تعاون المحتجين في التحقق من هويات الأشخاص في التجمعات.

العنصر الأوضح والملزم في معظم الاتفاقات بين المخيمات التضامنية والجامعات أدّت إلى تخفيض حركة الحرم الجامعي من تصعيدها وإنهاء تحركاتها وتفكيك مخيمها الاعتصامي

في المقابل، لم تلتزم جامعة نورث وسترن سوى بإعادة تفعيل «لجنة الاستثمار المسؤول» التابعة لها، مع تمثيل غير محدد للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين فيها، وتقديم معلومات عن استثماراتها الحالية.

وفي جامعة براون، وافق تحالف براون لسحب الاستثمارات على إزالة مخيمه و«عدم استئناف أي نشاط متعلق به»، كما وافقوا على «عدم مشاركة أي من قادة التحالف في أي أنشطة مرتبطة بأي مخيم أو أي نشاط احتجاجي غير مصرح به في خلال هذا العام الدراسي، بما في ذلك خلال عطلة التخرج وعطلة لقاء الخريجين».

في المقابل، التزمت جامعة براون بتشكيل لجنة فرعية للاستماع إلى تقرير بشأن سحب الاستثمارات من 5 طلاب؛ وستقدم هذه اللجنة الفرعية بعد ذلك توصية إلى الرئيس، و«سيتم إدراج المسألة في جدول أعمال اجتماع أعمال مؤسسة [الجامعة] للتصويت في تشرين الأول/أكتوبر 2024».

كما وافقت جامعة براون على إسقاط التهم الموجهة إلى 40 طالباً اعتُقِلوا في أحد احتجاجات كانون الأول/ديسمبر، وعلى عدم قيامها بأية إجراءات انتقامية إضافية نظير احتجاجات سابقة.

والاتفاقيات الموقعة في جامعة روتجرز، وجامعة مينيسوتا، وجامعة ويسكونسن-ميلووكي، وجامعة تشابمان في كاليفورنيا تحمل جميعها هذه الميزات الأساسية: سيتوقف الطلاب فوراً عن جميع الأنشطة المزعجة، وستستمع الجامعة إلى تقرير، وتشكل لجنة فرعية، أو تضيف بنداً جديداً للتنوع لتحسين تمثيل بعض الطلاب الفلسطينيين في الكلية.

أما الاستثناءات فكانت في إيفرغرين كوليدج في ولاية واشنطن وجامعة كاليفورنيا-ريفرسايد، لكن حتى هذه الأمثلة الإيجابية نسبياً لا تتضمن اتفاقيات لسحب الاستثمارات.

في ريفرسايد، وافق المفاوضون الممثلون لمخيم التضامن مع غزة على تفكيكه مقابل التزام الجامعة بالكشف العلني عن استثماراتها وتشكيل فريق عمل يضم طلاباً يعيّنهم مجلس التنوع في الجامعة «لبحث... استثمار أموال الوقف الخاصة بريفيرسايد بطريقة تكون في مصلحة الجامعة مالياً وأخلاقياً، مع الأخذ في الاعتبار الشركات المشاركة في تصنيع وتوريد الأسلحة».

على عكس معظم الكليات، فقد التزمت ريفرسايد بمراجعة استثماراتها، ولكنها اقتصرت على محفظة الوقف الخاصة بها، وليس جميع استثماراتها، وهي لا تستهدف الاستثمارات الإسرائيلية. وحتى إذا نُفِّذت الاتفاقية بالكامل، فإنّ أي عمليات سحب استثمارات من ريفرسايد لن تساهم اقتصادياً أو سياسياً في الضغط على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

وفي إيفرغرين كوليدج، قدمت الإدارة ربما أكبر التنازلات، حيث أنشأت 4 لجان فرعية تضم 3 ممثلين عن الطلاب في كل لجنة، يعيّنهم اتحاد الطلاب وليس الجامعة. تشير اثنتان من هذه اللجان إلى الفصل العنصري الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما تتعلق اللجنتان الأخريان بالشرطة.

كان العنصر الأساسي المسكوت عنه في غرف المفاوضات التي أفرزت هذه الاتفاقيات هو العنف البوليسي في جامعة كولومبيا وجامعة مدينة نيويورك وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وجامعة أوستن. في بعض الحالات، ربما اقترن هذا العامل التهديدي بشعور لدى المفاوضين بأنّه مع غياب عمليات صنع قرار ديمقراطية راسخة في مخيمات الاعتصام التي لم يتجاوز عمرها بضع أيام، كان قبول أي صفقة، مهما كانت، أفضل من انهيار المخيم وقتل روحه المعنوية بغارة شرطة حتمية، أو فقدان الزخم مع نهاية الفصل الدراسي – أي هذه كانت أفضل نتيجة يمكن الحصول عليها.

النظر إلى المستقبل

لا يبدو المستقبل أمام حركة سحب الاستثمارات في الجامعات واضحاً. فلا تتضمن الاتفاقيات التي أسفرت عن إزالة المخيمات أي سلطة نقض أو إشراف لحركة التضامن مع غزة. ولكن كيف يمكن أن تتضمن ذلك، والحركة ليست مؤسسة أو هيئة صناعة قرار حكومية؟

القوة المحركة الحقيقية للحركة مصدرها المقاومة الفلسطينية، وهذه المناقشات السياساتية لا علاقة لها بإيقاف الحرب على غزة أو تحرير فلسطين

إنّ دروس حركة حياة السود مهمة لا بد مفيدة هنا. فأياً كانت الإيماءات أو الوعود بسحب التمويل المقدَّمة من المدن في خلال ذروة تلك الحركة القوية، تلاشت مع تباطؤ زخم الحركة.

يعتمد وجود الحركات على قوة زخمها، ومع تباطؤ ذلك الزخم، يُفقد التأثير. ويبدو أنّ إداريي الجامعات والمدن والولايات قد تعلموا هذا الدرس جيداً، ويجب علينا أن نتعلمه أيضاً.

لقد انحرف بعض المخيمات الاعتصامية الجامعية نحو آمال مسدودة في إصلاح السياسات من خلال لجان فرعية تحت سيطرة الإداريين. لكن لا يجب علينا المبالغة في تقدير أهمية هذه العملية المضادة للتمرد.

فحتى لو أُضِلّ بعض القطاعات إلى قاعات سياساتية مسدودة، فهذه القاعات لن تستطيع أن تقيّد آفاق الحركة وعزمها. فالقوة المحركة الحقيقية للحركة مصدرها المقاومة الفلسطينية، وهذه المناقشات السياساتية لا علاقة لها بإيقاف الحرب على غزة أو تحرير فلسطين.

مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي الربيعي وتعامل المخيمات الجامعية مع تهديدات القمع من قبل الشرطة وتحييدها عبر قاعات السياسات، دعا بعض الأفراد في المخيمات إلى «تصعيد» الجهود من أجل تجديد الحركة ورفض الروتين ومواصلة النضال للدفاع عن غزة.

كانت المخيمات الجامعية أماكن لتكتيكات متنوعة. لكن التكتيكات قد تُصنَّم وتُرومنس أحياناً. وما لم تنبثق التكتيكات من انشغال سياسي واضح، فإنّ هناك خطراً من فقدان الرؤية حول مكانها ضمن استراتيجية عامة. يجب استيعاب وفهم دروس حركة المخيمات الجامعية لرفع تلك المبادئ إلى المرحلة التالية من الحركة.

لقد كانت سياسة المخيمات مصدر قوتها – ذلك الانشغال المحلي والعالمي في آن واحد، والمطلب العملي والبرنامجي لسحب الاستثمارات، مع هدف محلي واضح لم يغفل أبداً عن نضال الفلسطينيين.

مهما كانت المرحلة التالية من الحركة، فإنّها ستحتاج إلى أن تُوجّه على هدي هذه المبادئ لمواصلة الضغط على آلة الحرب الإسرائيلية-الأميركية.

نُشِر هذا المقال في Against The Current، في عدد تموز/يوليو - آب/أغسطس 2024، وتُرجم وأعيد نشره في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة. 

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.