Preview الجامعات الاميركية

خريطة الاقتصاد السياسي لجامعة كولومبيا

غدت المواجهة المتوتّرة في حرم جامعة كولومبيا بين الطلاّب المتظاهرين، والمتظاهرين المضادين لهم، وإدارة الجامعة، والجهات المولجة بإنفاذ القانون، موضوعاً مثيراً للتعاطف والتنديد في جميع أرجاء الولايات المتّحدة وخارجها. أثارت هذه المواجهات تحرّكات جامعية في جميع أنحاء البلاد، وتم الردّ عليها بالقمع والانتشار المسلّح للشرطة. تتمحور القضايا المطروحة حول الحرب على غزّة، وإسرائيل في الثقافة السياسية للولايات المتّحدة، وقواعد السلوك وحرّية التعبير في الحرم الجامعي، فضلاً عن مزاعم معاداة السامية والإسلاموفوبيا وممارسات القسر والضبط. لكن الصراع، في جامعة كولومبيا في الأقل، يدور أيضاً حول الاقتصاد السياسي، بل تدخل مسائل الاقتصاد السياسي في صلب الاحتجاج إلى حدِّ مدهش. وفي الوقت نفسه، ثمّة اعتقاد واسع الانتشار بأنّ المخاوف المالية تؤدّي دوراً في ردّة الفعل المتهورة التي أبدتها إدارة الجامعة.

يوم السبت الماضي، لدى زيارتي مخيّم الاحتجاج في الحديقة الجنوبية لجامعة كولومبيا، أعطاني أحد المتظاهرين هذا المنشور:

Previewأدم توز

وفي داخله يبرز هذا الرسم البياني الآسر: 

Previewأدم توز

يسعى الرسم البياني المزيّن باقتباس مثير من تشارلز أ. بيرد، إلى إظهار ديناميات السلطة في الجامعة التي عملت فيها منذ العام 2015. ومن المفاعيل اللافتة لهذا الرسم البياني هو توضيح سياقات بعض الشخصيات، لا سيما رئيسة الجامعة نعمت شفيق، بعد أن غدت مركز اهتمام التقارير الصحافية. وذلك بخلاف ما يسعى إليه المحلّلون الطلاب عبر تركيز اهتمامنا على بنية سلطة الشركات وتدفقات رأس المال والسيطرة التي تتعدّى الجامعة.

يوضح المنشور أن القضية المطروحة، بالنسبة إلى جزء كبير من الاحتجاج في الأقل، هي الاقتصاد السياسي بكل ما للكلمة من معنى. وما يسعون إلى تسليط الضوء عليه هو الطريقة التي تُشبَك بها مؤسّسة تعليمية قوية مثل جامعة كولومبيا في شبكات السلطة والنفوذ، بدءاً من التمويل العالمي إلى المجمع الصناعي العسكري، و«المنظمات الثقافية الصهيونية»، والتطوير العقاري المحلي في مانهاتن ولاسيما في هارلم، جارتنا المباشرة.

من يقف وراء هذه النشرة هو فريق جامعة كولومبيا لمناهضة الفصل العنصري (Columbia University Apartheid Divest أو CUAD). وهو تحالف يضمّ 89 منظّمة طالبية تقول إنها تمثل 3,000 طالب، وتشكّل جزءاً كبيراً من الهيئة الطالبية في الجامعة. لم يولد هذا التحالف في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بل كان يحشد ويعبّئ الطلاب في الحرم الجامعي منذ وقت طويل، وسبق أن مارس ضغوطاً على الرئيس السابق بولينغر في العام 2016. ولا يقتصر عمله على الاحتجاج والتحريض، بل يسعى إلى الجمع بين تحليلات كالتي نجدها في المنشور الموزّع، وبين النضال والتعبئة الانتخابية.

في العام 2020، أجرى تحالف جامعة كولومبيا لمناهضة الفصل العنصري استفتاءً لطلاب الجامعة، صوّت فيه 61% من أصل 1,771 طالباً مشاركاً في الاستفتاء، أي 1,081 طالباً، لصالح سحب الاستثمارات من إسرائيل. وصوّت 485 طالباً ضده، وامتنع 205 طلاب عن التصويت. رداً على ذلك، أعلن رئيس الجامعة لي بولينغر أن النتائج لن تؤثر في استثمارات الجامعة لأنه «ينبغي ألّا تغيّر الجامعة سياساتها الاستثمارية على أساس آراء معيّنة في قضية سياسية معقّدة، لاسيما حينما يفتقد الإجماع داخل الجامعة على تلك القضية».

اقترح تحالف جامعة كولومبيا لمناهضة الفصل العنصري إجراء استفتاء جديد في آذار/مارس 2024، سأل فيه إن كان يتوجّب على الجامعة سحب استثماراتها المالية من إسرائيل، وإلغاء مركز تل أبيب العالمي، وإنهاء برنامج الشهادات المزدوجة لكولومبيا مع جامعة تل أبيب. صدرت نتائج الاستفتاء في 22 نيسان/أبريل الماضي، بعد أن قامت شرطة نيويورك، بدعوة من قيادة الجامعة، بتفكيك المخيّم الأول واعتقال كثير من منظّميه. وبيّنت النتائج أنّ سحب الاستثمارات حظي بتأييد 76.6% من المصوّتين، في حين حصل الاقتراحان الآخران على تأييد 68.4% و65.6%. وبلغت نسبة مشاركة المصوتين في الاستفتاء 40.3%. وقد صوّت 2,013 طالباً، وهو ما تجاوز عتبة الحدّ الأدنى لمشاركة المصوّتين، البالغة 30% المفروضة بحسب دستور المجلس الطالبي لجامعة كولومبيا.

يركز اقتراح سحب الاستثمارات على الأسهم المتداولة وحيازات السندات.

  • أخلاقياً، من الضروري والملح والحيوي والمهم، ووفق المتفق عليه في مجتمع الجامعة، أنّ تسحب جامعة كولومبيا و/أو تمتنع عن الاستثمار في الشركات التالية وجميع شركاتها التابعة: Microsoft Corp.، Amazon.com Inc.، Inc Airbnb، Inc Alphabet.
  • وللأسباب المذكورة أعلاه، نحثُ الجامعة على سحب أصولها فوراً من صناديق الاستثمار المتداولة لدى شركة BlackRock، التي تخضِع جامعة كولومبيا للشركات Hyundai وCaterpillar Inc وLockheed Martin Corp. وBoeing Co. وBarclays Bank plc.
  • مرة أخرى، وللأسباب المذكورة أعلاه، ندعو جامعة كولومبيا إلى الامتناع عن الاستثمار بشكل مباشر وغير مباشر في: Elbit Systems، وVolvo ومقرّها السويد/الصين، وJC Bamford Excavators ومقرّها المملكة المتحدة، وCAF، وHikVision، وTKH Security.

يجد القارئ الحيازات التي يستهدفها التحالف في جدول البيانات المرفق. قدّم التحالف اقتراحه إلى اللجنة الاستشارية للاستثمار في الجامعة في كانون الأول/ديسمبر 2023. وناقشت هذه اللجنة القضية مرّتين من دون مناقشة المزايا الخاصّة لاقتراح سحب الاستثمارات، لأنها صرفت اهتمامها إلى مسألة أخرى وهي ما إذا كان التحالف قد حقق إجماعاً واسعاً داخل الجامعة فيما يتعلق بالقضية المطروحة». واعتبرت اللجنة أن التحالف لم يحقق ذلك الإجماع، ورفضت اللجنة اقتراحه في شباط/فبراير الماضي.

تحوّلت القضية، كما صاغتها اللجنة الاستشارية، إلى قضية التعريف بجامعة كولومبيا كمجتمع. اقتصرت الاستفتاءات التي استخدمها التحالف لإثبات شرعية مطالبه على المسجّلين في برنامج البكالوريوس الأساسي في الحرم الجامعي. فأتى رد اللجنة الاستشارية بأن تلك قاعدة ضيّقة للغاية. في الواقع، تعرّف اللجنة الاستشارية «مجتمع جامعة كولومبيا» تعريفاً أوسع، يشمل طلاب الدراسات العليا الذي يرفع إجمالي الطلاب في كولومبيا إلى 36,000 طالب، ويتعدّاه إلى 4,600 عضو في الهيئة التعليمية. ولم تتوقف اللجنة الاستشارية عند هذا الحد. بل أصّرت على أن «مجتمع جامعة كولومبيا» يشمل أيضاً جميع الخرّيجين الأحياء البالغ عددهم 385,000 خريج. ولكي يحظى الاقتراح بقبول اللجنة الاستشارية، فإن المطلوب ليس مجرّد غالبية، بل «إجماعاً واسع النطاق» عبر هذه الشبكة مترامية الأطراف.

في مقابل التحليل شديد التركيز للسلطة والنفوذ الذي رسمه التحالف، قدّمت اللجنة الاستشارية تعريفاً فضفاضاً وغامضاً لمجتمع جامعة كولومبيا بحيث يجعل من المستحيل فهمه أو التعبئة حوله. فكيف يمكن للمرء أن يأمل في التوصّل إلى إجماع واسع بين أكثر من 420 ألف شخص أدرجتهم اللجنة الاستشارية في تصوّرها عن «مجتمع كولومبيا».

أيُّ من التعريفين بريء. يسعى الأول إلى كشف بنية السلطة الخفية ليتحدّاها. في حين يخفي الثاني الوضع الراهن في كيان غامض يجعل من المستحيل رؤية المشهد بصورته الكاملة. فكيف يمكن تجاوز هذين الخيارين نحو رؤية شاملة للاقتصاد السياسي لجامعة كولومبيا، تكون أكثر شمولاً من رؤية التحالف، وإنما غير فضفاضة ومُبهمة كتلك التي قدّمتها اللجنة الاستشارية؟

دار في الحرم الجامعي مؤخّراً صراع آخر بشأن النقابات، فرض بدوره تعريفاً آخر. الناشطون النقابيون مشغولون بأن تكون النظرة إلى كولومبيا نظرة كليّة، كي يتمكّنوا من قياس ما يمكن أن يحصلوا عليه من امتيازات مالية. في العام 2023، كلّف اتحاد باحثي ما بعد الدكتوراه في جامعة كولومبيا وفرع كولومبيا للرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات، البروفيسور هوارد بونسيس من جامعة ميشيغان الشرقية، المتخصّص في العمليات التجارية للجامعات الأميركية، بوضع تقرير عن الوضع المالي لجامعة كولومبيا. ونجد في تحليله وجهة نظر ثالثة عن مسألة الاقتصاد السياسي لكولومبيا يمكن إدخالها مع اقتراح التحالف.

كانت استنتاجات بونسيس واضحة. فعلى الرغم من أن كولومبيا عادة ما تتذرّع بـ«فقرها» في الردّ على مزاعم المنظّمين النقابيين، فإنّها في الواقع مؤسّسة ثرية حقاً، تمتلك موارد هائلة ويمكن أن تمتلك المزيد إذا ما أُديرت على نحو أفضل، وكان الثقل المالي لإدارتها أخف. 

ومقارنة بموارد كولومبيا الوفيرة، كانت مطالب النقابات العمّالية متواضعة، وبالتالي لفهم معارضة الإدارة لتلك المطالب بشكل أفضل، لا بدّ من معرفة أن هذه المعارضة لا ترتبط بتنازلات اقتصادية يفترض أن تقدّمها الإدارة، وإنما بسعيها لتأكيد سلطتها. الإدارة ببساطة لا تريد التنازل لهيئات الموظّفين لتقديم المطالب بالنيابة عن أعضائها.

يبقى تحليل بونسيس شاملاً، لكن أول ما لاحظه هو مدى غموض كثير من التقارير المالية في كولومبيا. سبق لبونسيس أن أعدّ تقارير مماثلة عن مئات الجامعات والكليات الأميركية، والتقارير المحاسبية في كولومبيا ليست جيدة بالنسبة له. وإذا ما قورنت بجامعات أخرى، فإنّ جامعة كولومبيا لا تفصّل نفقاتها كما يجب. ومن الواضح أن أحد المطالب التي يتعيّن على كلّ من يهتم بمستقبل جامعة كولومبيا أن يطالب بها هو المطالبة بدرجة أعلى بكثير من الشفافية بشأن قيمة النفقات ووجهة إنفاقها.

جامعة كولومبيا

ما تنشره جامعة كولومبيا كافٍ ليبين لنا أنّها متناقضة في الأقل على المستويين المالي والاقتصادي. فهي هيئة تبلغ إيراداتها 5.8 مليار دولار وتتكوّن من سبعة كيانات أساسية على الأقل.

  • مجمع طبي صناعي.
  • مجمع أبحاث مموّل خارجياً.
  • مدارس مهنية ضخمة: أعمال، قانون وغيرها.
  • جامعة كولومبيا لطلاب البكالوريوس.
  • إمبراطورية عقارية: صلب الهبات التي تحصل عليها الجامعة.
  • إدارة صندوق الأصول المالية للهبات. 
  • ذراع التطوير التي تجمع الأموال من الخريجين.

ويمكن الحكم على الأهمية النسبية لهذه المكونات السبعة من خلال جدول بونسيس عن تدفق الإيرادات.

جامعة كولومبيا

ليست الرسوم الدراسية في كولومبيا المصدر الأكبر للإيرادات، بل المجمع الصناعي الطبي. يمثّل صافي الرسوم الدراسية، بما فيها الحسومات الدراسية نحو 1.469 مليار دولار، أي 25% من الإيرادات. ويشكّل طلاب البكالوريوس نحو 27% من مجموع الطلاب، ويشكل طلاب البكالوريوس الذين ينشط بينهم التحالف لمناهضة الفصل العنصري نحو 13.5% من مجمل المسجلين في العام 2023، في حين كانوا يشكلون 15.5% قبل بضع سنوات.

أخيراً، تشكّل إيرادات الرسوم الدراسية من طلاب البكالوريوس في جامعة كولومبيا 3.25% على الأكثر من الإيرادات السنوية لجامعة كولومبيا، ومن المحتمل أن تكون أقل بالنظر إلى الرسوم المرتفعة المفروضة على بعض الاختصاصات والحسومات التي تمنح على الرسوم الدراسية الجامعية.

جامعة كولومبيا

يضع ذلك المعضلة التي تواجه إدارة كولومبيا في سياقها، وأيضاً سوء تقديرها الكارثي للتكاليف والمنافع. وعندها يمكن معرفة سبب نفاد صبر الإدارة تجاه مطالب بضعة آلاف من الطلاب. كما يمكن معرفة سبب خوفها من مهاجمة الكونغرس لما يزيد على 1.2 مليار دولار من المنح التمويلية ومنح بيل الفيدرالية التي تصل قيمتها إلى نحو 100 مليون دولار (تذهب لنحو 20% من الطلاب الجامعيين من ذوي الدخل المنخفض). ولكن لماذا التصعيد؟ لماذا لا يُنزع فتيل ما يعدُّ حتى في حرم جامعة كولومبيا حادثاً محلياً؟ لماذا المخاطرة بسمعة الشهادات العلمية الممنوحة لعشرات آلاف الطلاب الآخرين بحملة قمع شديدة، واهتمام إعلامي واسع، ومزيد من الاحتجاجات؟ إن الدافع لفرض السيطرة قسراً على الحرم الجامعي في مواجهة الانتقادات الخارجية الشرسة قد أدى إلى نتائج عكسية كارثية.

من الواضح أنّ نعمت شفيق تعرّضت لضغوط رهيبة في جلسات الاستماع في الكونغرس، ولا شك أنها تتعرّض لمضايقات من أصوات مُهدِّدة من جميع الجهات. ومن بين هذه الأصوات خرّيجي كولومبيا من أصحاب المليارات. ووفقاً لقائمة فوربس للمليارديرات، يبلغ عدد هؤلاء ما لا يقل عن 19 شخصاً وهم: روبرت أغوستينيلي، لويس بيكون، لين بلافاتنيك، بيتر باك، وارن بافيت، ليون جي كوبرمان، نيوم غوتسمان، روبرت كرافت، هنري كرافيس، ريتشارد ليفراك وعائلته، دانييل لوب، ديفيد سينسبري، توماس ساندل، شين دونغ. بن، جيري شباير، هنري سويكا، إس. روبسون والتون، دانييل زيف، ديرك زيف.

كان بوب كرافت، مالك فريق نيو إنغلاند باتريوتس، صريحاً إذ أشار إلى أنه سوف يوقف التبرعات. وقال في بيان نُشر على موقع X: «لم أعد واثقاً من قدرة كولومبيا على حماية طلابها وموظّفيها، ولست مرتاحاً لدعم الجامعة قبل اتخاذ إجراء تصحيحي». كرافت هو خريج كولومبيا ومانح قديم من مانحيها، وهو أيضاً داعم للقضايا اليهودية: ساعد في تمويل مركز مدرسة روبرت كرافت للحياة الطالبية اليهودية وأطلق مؤسسة مكافحة العداء للسامية. أما هنري سويكا، فقد استقال في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي من مجلس إدارة كلية إدارة الأعمال في كولومبيا.

تُنسب إلى كوبرمان وبلافاتنيك وكرافت تبرّعات لكولومبيا تبلغ قيمتها ما يقرب من 100 مليون دولار. وهذا مبلغ كبير. ولكن بالنظر إلى الهبات الممنوحة لجامعة كولومبيا والتي تقترب من 15 مليار دولار، يصعب أن نرى لماذا يجب لمساهمة كهذه مقسّمة بين ثلاثة مانحين على مدى سنوات عديدة أن تشكّل فارقاً. لا شك أن الخوف هو أن يحذو الآخرون حذو كرافت. ولعلّ الأمر الأكثر خطورة هو اتجاهات «الصندوق السنوي» للجامعة الذي يغطّي تكلفة المنح الدراسية وحياة الطلاب والتدريب، حيث يمكن أن تنخفض مشاركة المانحين بنسبة 25% إلى 30% هذا العام.

تسمح لنا البيانات الاستثنائية التي جمعتها مجموعة Altrata بقياس حجم مجموع المانحين خارج نخبة المليارديرات.

أفضل الجامعات أميركية التي تخرّج أكثر الخريجين ثراءً مع صافي ثروة يزيد عن 30 مليون دولار هي: 

  • جامعة هارفارد 17,660
  • جامعة ستانفورد 7,972
  • جامعة بنسلفانيا 7,517
  • جامعة كولومبيا 5,528
  • جامعة نيويورك 5,214

تجمع Altrata أيضاً بيانات عن قادة الأعمال وانتماءاتهم الجامعية، ومرّة أخرى، نجد أنّ لدى كولومبيا شبكة كبيرة ولديها الكثير لتخسره. وإذا صدقنا هذه البيانات، يبدو أن ما يقرب من 2.3% من جميع كبار المسؤولين التنفيذيين في الولايات المتحدة لهم بعض العلاقات مع كولومبيا. وتأتي كولومبيا، بخريجيها البالغ عددهم 1,557 ممن يعملون كمديرين تنفيذيين في كبرى الشركات العالمية، في المركز الرابع بعد جامعة هارفارد بـ 3,879، وبنسلفانيا بـ 2,387 وستانفورد بـ 2,017.

هكذا، ربما يكون جمع التمويل، والمخاوف المتعلقة بالتطوير، هي الدافع وراء محاولات الإدارة إسكات الاحتجاجات. لكننا حين ننظر في البيانات المحاسبية، لا يتضح لنا لماذا يجب أن تكون لهذه الأشياء الأولوية. إنّ عائدات الاستثمار المنح المالية الموجودة أهم بكثير من التدفق المتواضع نسبياً للمنح الجديدة.

جامعة كولومبيا

قد يصبح الاختلال أكبر إذا ما حققت كولومبيا بالفعل معدل عائد أفضل على منحها. فمنذ العام 2016، كان معدل العائد ضعيفاً بشكل ملحوظ. وفي كل عام منذ العام 2016، كان أداء منح كولومبيا أدنى من مؤشر S&P500.

جامعة كولومبيا

لو اكتفت كولومبيا بوضع أموالها في صندوق مرتبط بمؤشر واسع التداول لبلغت العائدات المستوى نفسها لمنحها الحالية وربما أكثر، من دون أن تضطر لاجتذاب سنت واحد من تبرعات جديدة لخرّيجين أو مانحين. ولا بد هنا من السؤال: كيف يمكن لصندوق كبير كالذي تديره جامعة كولومبيا أن تكون عوائده أدنى من عوائد الاستثمار في S&P500؟ الجواب هو أن غالبية أموال جامعة كولومبيا لا تُستثمر في الأسواق العامة.

جامعة كولومبيا

كولومبيا هي ضحية موضة الاستثمارات البديلة والأسهم الخاصة وصناديق التحوّط وما شابههم. ومن ثمّ، وبسبب الافتقار إلى أي معلومات عامة عن كيفية توزيع منح كولومبيا، فإن الطلاب الناشطين مضطرون إلى تركيز نيرانهم على القليل من الأموال التي تُستثمر في الأصول المتداولة علناً والصناديق المتداولة في البورصة. وهذا ما يجعل الأصول التي يرغبون في سحبها ضئيلة للغاية. بضع ملايين هنا أو هناك قياساً بمنحة تبلغ نحو 15 مليار دولار.

هكذا يبدو النزاع بمجمله، من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، أشبه بمعركة غير المعركة الحقيقية. مجموعة صغيرة من الطلاب المعتصمين في حديقة واحدة من مجمّع جامعي ضخم يطالبون بإعادة ترتيب مالية بسيطة نسبياً ضمن سلة من المنح الواسعة وسيئة الإدارة، ويتحوّلون بسبب الإجراءات القمعية التي اتخذتها إدارة الجامعة بضغط من سياسيين ومانحين، إلى خبر أول بين الأخبار العالمية، ما يثير الشك في مكانة هيئة تعليمية وبحثية وطبية لديها مليارات الدولارات. يعد ذلك مثالاً على نزعات السيطرة المذعورة. ولو لم تكن القضية التي يحتج عليها الطلاب بهذه الخطورة، ولو لم تكن الافتراءات التي انهمرت عليهم ظالمة بشكل فاضح، لكان الأمر برمته أشبه بكوميديا سوداء. يخطر في الذهن هنا فيلم توم وولف Bonfire of the Vanities من إنتاج «نيويورك كلاسيك» في ثمانينيات القرن العشرين. 

لا شك أنّ خبراء الشؤون المالية الجامعية سوف يجدون ما أقوله مبسطاً. وسوف يشكّكون في التحليل المطمئن لثروات كولومبيا، ويتساءلون ما إذا كان لدى الإدارة حقّاً ما أشرت إليه بما يتيح لها التحرّك بهامش من الاستقلالية. لا شك أن ثمّة قضايا معقّدة تتعلق بإدارة الميزانية وتخصيص الأموال. جامعة كولومبيا ليست شركة كبيرة حسنة التنظيم كما تصوّرها الروايات، بل مقسّمة إلى كثير من القطاعات لكل منها حساباتها وقيودها المالية الخاصة. ما يجعل أي حكم مالي على موقفها وما ينطوي عليه أكبر من تمرين مجرّد فحسب. ثمّة وكالات مستقلة عن سياسات الحرم الجامعي لا تتوقف عن إجراء مثل هذه التقييمات. وثمّة عشرات مليارات الدولارات من الدَّين تتوقّف على تلك الأحكام. أتحدّث هنا عن وكالات التصنيف التي تقيّم السندات التي تصدرها الجامعات الأميركية.

يوضح الرسم البياني أعلاه أن تصنيف وكالة موديز للوضع المالي لجامعة كولومبيا مبالغ فيه. كولومبيا ليست مجرّد درجة استثمارية، بل تندرج ضمن فئة الطبقة العليا من الجامعات الأميركية التي تصدّر ديوناً بتصنيف AAA. ولا يتمتع بمثل هذه المكانة الرفيعة سوى عدد قليل جداً من مصدري الديون الخاصين. وكما أوضحت وكالة موديز، فإن هذا التصنيف يعتمد على تقويم شامل لميزانية كولومبيا بين تدفق الإيرادات والتكاليف. ويشمل هذا الحساب علاقاتها مع الخريجين والمانحين. ولو صنّفت وكالة موديز كولومبيا في مرتبة أقل، لكانت كولومبيا على بعد أميال من الضغوط المالية الخطيرة، لكن ذلك سيعني أن الأزمة الحالية قد دخلت مرحلة جديدة من الخطورة.

جامعة كولومبيا

نشر هذا المقال على مدوّنة الكاتب في 26 نيسان/أبريل 2024.