تعليمات الجبهة الداخلية تتسبَّب بخسائر اقتصادية
التصعيد الإسرائيلي ضدّ لبنان وتوسيع رقعة الغارات والقصف المتبادل تثير الهلع على جانبي الحدود. وفي حين تغيب الإجراءات الوقائية من قِبَل الدولة اللبنانية وتقتصر على الإغاثة والإسعاف وتقديم الخدمات الإستشفائية للمصابين في الأعمال العدوانية، أعلنت قيادة الجبهة الداخلية لدولة الاحتلال عن تعديلات على إرشادات حماية المستوطنين من نيران المقاومة، وشملت منع التجمّعات لأكثر من 10 أشخاص في الخارج، ومنع العمل ما عدا في الأماكن القريبة من أماكن الاحتماء والملاجىء، وكذلك تعطيل النشاطات الدراسية حتى يوم الإثنين مساءً. وشملت التعليمات المستوطنات عند خطّ التماس المباشر مع لبنان، وكامل منطقة الجليل، والجولان السوري المحتلّ، وخليج حيفا، والوديان الشمالية حتى بيت شيعان، أي على بعد نحو 63 كيلومتراً داخل فلسطين المحتلّة من لبنان.
تغطّي المنطقة الشمالية المحتلّة، التي شملتها التعليمات الجديدة، حوالي 4.5 ألف كيلومتر مربع من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ويعيش فيها أكثر من 1.5 مليون نسمة بحسب أرقام العام 2021، وتضمّ مدناً على تماس مباشر مع الحدود اللبنانية مثل كريات شمونة (22 ألف نسمة)، ونهاريا (61 ألف نسمة)، وتتضمّن كامل الجليل ووادي يزرعيل والجولان السوري المحتلّ، ما يجعل عرقلة نشاطها ذي أثر كبير على الاقتصاد الإسرائيلي.
ووفق تقرير نشره موقع «كالكاليست» الإسرائيلي، فإن ردود حزب الله الأخيرة، وتوسيع رقعة استهداف المواقع العسكرية والأمنية إلى كريات ووادي يزرعيل وبحيرة طبريا، أدّت إلى المزيد من تعطيل النشاط الاقتصادي في شمال فلسطين المحتلّة.
وكشف التفتيش، الذي أجرته المنطقة الشمالية لتجمّع الصناعيين، أمس الأول، أن نحو 40% من المصانع في هذه المنطقة تعمل بشكل جزئي، من ضمنها 15% مقفلة كلّياً. ووفقاً لبيانات اتحاد المصنعين في حيفا والشمال يوجد في هذه المنطقة نحو 350 مصنعاً تشغل أكثر من 20 عاملاً. وأشار مدير تنفيذي لأحد المصانع هناك أن متوسط حضور العمّال إلى المصانع التي لا تزال تعمل لم يتجاوز 70% في الأيام الأخيرة. ويتوقع أن تتزايد نسب الغياب عن العمل في حال استمر تعليق الدراسة في المدارس نظراً لاضطرار الوالدين للمكوث في منازلهم ورعاية أولادهم أو بهدف البقاء بالقرب من الملاجىء، علماً أن الكثير من المدارس قرّرت التحوّل إلى التعليم من بعد على غرار ما حصل في جائحة كورونا.
وأقفلت أكثرية المحلات التجارية في جميع أنحاء شمال فلسطين، ويعود ذلك جزئياً إلى القيود المفروضة على التجمعات من قبل قيادة الجبهة الداخلية، وفق ما ورد في تقارير صحافية عدّة. وتم إغلاق المجال الجوي بين الخضيرة والشمال منذ نهاية الأسبوع، تفادياً لخطر الطيران على خلفية النشاط المتزايد لسلاح الجو في الشمال والنشاط الملحوظ لأنظمة الدفاع الجوي، التي تحاول اعتراض الصواريخ والمسيرات، وتتسبّب بأضرار ومخاطر إضافية وفق هذه التقارير.
المعروف أن دولة الاحتلال قرّرت إجلاء حوالي 61 ألف مستوطناً من المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان، واختارت آلاف الأسر التي لم تشملها أوامر الإجلاء الهروب طوعياً نحو مناطق بعيدة عن الحدود. ويتوقع المراقبون أن يساهم التصعيد الأخير بزيادة عدد المستوطنين النازحين على عكس مزاعم حكومة الاحتلال التي وضعت إعادة النازحين من الشمال ضمن أهداف الحرب الجارية.
تمثل الزراعة أهم القطاعات الاقتصادية في الجليل، نظراً إلى خصوبة التربة وارتفاع المعدّل السنوي لهطول الأمطار، ومن أهم المحاصيل: الحبوب والخضار والفواكه والزيتون. ومن القطاعات الرئيسة كذلك، تربية الحيوانات لانتشار المراعي الطبيعية واتساع نطاق الغطاء النباتي، وتُعرف المنطقة بالصناعات اليدوية والغذائية.
شملت الإرشادات وادي يزرعيل شديد الخصوبة، أهم أودية المنطقة الشمالية، يقع الوادي عند جنوب الجليل، وهو بلا شك القلب الزراعي للشمال المحتل، وهو بمثابة «سلة الخبز» الحقيقية للبلاد، بفضل محاصيل القمح التي تُزرع فيه، ويحتوي على حقول القطن وعبّاد الشمس وأشجار الزيتون وبرك الأسماك ومزارع الماشية، ويزرع المزارعون فيه الفاصولياء البيضاء والحمص والبطيخ والليمون والحامض والكرز، ويعدّ مصدراً رئيساً لمنتجات الحليب.
الزراعة هي أيضاً القطاع الاقتصادي الرئيس في الجولان. وبفضل التربة الخصبة والبنية التحتية الزراعية الواسعة، تُعتبر محاصيل الجولان من المنتجات عالية الجودة في جميع أنحاء البلاد، وكذلك في جميع أنحاء العالم، وتُزرع فيه الفاكهة والخضروات والزهور وتُنتج فيه اللحوم والحليب، ويوجد في الجولان 15 خزاناً اصطناعياً تعمل على تجميع مياه الأمطار لريّ المزروعات.
خارج المنطقة الشمالية، تشهد حيفا استنفاراً يذكرها بحرب تموز/يوليو 2006، على الرغم من أن تعاليم قيادة الجبهة الداخلية لم تشمل كل مقاطعة حيفا. وتجدر الإشارة إلى أن المدينة بمفردها تحتوي على نحو 640 ألف نسمة (2021)، ويحتوي خليج حيفا على أكبر ميناء بحري في إسرائيل، ومجمع مصفاة بازان للنفط، ومصنع أسمدة كبير، وخزّانات النفط الخام المتعدّدة على شاطئ البحر، وفيه خليط من المصانع والمستودعات وورش العمل.
منذ إعلان تعليمات قيادة الجبهة، انتقل مشفى رمبام في حيفا وهو أكبر مستشفيات شمال إسرائيل، للعمل في أحد مواقف السيّارات تحت الأرض، بحسب التلفزيون العربي، بالإضافة إلى ذلك تباطأت حركة الملاحة بشكل كبير في ظل ما يُطرح من سيناريوهات في وسائل إعلام إسرائيلية تتحدّث عن احتمال تعرض الميناء للقصف، وقد تنسحب حالة الاستنفار القائمة في ميناء حيفا على كلّ المنشآت الإستراتيجية في إسرائيل، بما في ذلك منصّات استخراج الغاز، لا سيما حقل كاريش الواقع قبالة الحدود اللبنانية وحقول الغاز قبالة حيفا.