معاينة jordan west bank border crossing

دور البنوك الأردنية في فلسطين المحتلة
الصيرفة الاستعمارية

بتاريخ 11 نيسان/أبريل من العام 1987، وفي مكان ما في العاصمة البريطانية لندن، استضاف منزل القيادي في حزب العمال اللورد فيكتور ميشكون اجتماعاً سرياً ضمّ كل من الملك الحسين بن طلال ورئيس وزرائه زيد الرفاعي ووزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز ومستشاره يوسي بيلين، وفي الاجتماع اتُفق على عقد مؤتمر دولي يشرف على عملية السلام يشارك فيه الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وأيضاً على إشراك الفلسطينيين، من خارج منظمة التحرير، في الوفد الأردني الذي سيحضر هذا المؤتمر.

نُظر إلى هذا الاجتماع الذي بات يُعرف باسم اتفاقية لندن، التي توجت سلسلة من اللقاءات السرية بين بيريز والحسين، على أنه محاولة أردنية إسرائيلية لإعادة ضم الضفة الغربية إلى الأردن، والتي كانت قد انتزعت منه على إثر هزيمة حزيران/يونيو 1967، وما أنتجته من سيطرة إسرائيلية على كامل فلسطين التاريخية، حيث جرى التوافق على قيام عمّان بالتفاوض نيابة عن الفلسطينيين ومن ثم ترك حق تقرير المصير للفلسطينيين في إطار المملكة الأردنية الهاشمية، إلا أنه، وكما بات معلوماً، فشلت الاتفاقية بسبب معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق شامير لها، بالإضافة إلى اندلاع الانتفاضة الأولى مع نهاية العام 1987، وما تلاها من قرار أردني بفك الارتباط القانوني والإداري عن الضفة الغربية في تموز/يوليو 1988، إلى جانب عدم وجود ثقل عربي يدعم الأردن في سعيه لتمثيل الفلسطينيين، وانتهاءً بتوقيع كل من الجانب الأردني والفلسطيني اتفاق «سلام» منفصل مع الجانب الإسرائيلي.

في وقت الاتفاقية، شغل طاهر المصري منصب وزير الخارجية الأردني قبل أن يتسلم رئاسة الوزراء مطلع التسعينيات، وطاهر هو ابن عم صبيح المصري الذي جمعته علاقة قوية بالملك حسين، والذي كان - وما زال - أحد المساهمين الكبار في  بنك القاهرة عمان، أول بنك أردني عاد إلى العمل في مدينة نابلس في الضفة الغربية في العام 1986، الأمر الذي تم شرعنته على نحو غير مباشر في اتفاقية لندن.1

بعد اتفاق أوسلو، تسابقت البنوك الأردنية لممارسة أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، طمعاً بحجز جزء من كعكة المساعدات والتحويلات المالية، التي تدفقت إلى هناك بهدف المساهمة في بناء «الدولة» الفلسطينية الموعودة. وقد يكون مرد ذلك حينها استمرار معاناة الأردن من تبعات الأزمة الاقتصادية التي أصابت البلاد في نهاية الثمانينيات، والتي هَوَت بنصف قيمة الدينار، وأنتجت ركوداً وتضخماً كبيرين وسجلت بداية انخراط الأردن في برامج التصحيح الاقتصادي المفروضة من صندوق النقد الدولي لإعادة جدولة الديون التي تخلف الأردن عن سداد جزء منها، هذا قبل أن يتفاقم الأمر سوءاً مع اندلاع حرب الخليج الثانية التي أثرت سلباً على التبادل التجاري مع العراق، الذي كان يمثل أحد أبرز الشركاء التجاريين للأردن على المستوى الإقليمي.

ساهمت البنوك الأردنية بقوة في ولادة الفكرة الخبيثة القائلة بإمكانية تأسيس قطاع مصرفي تحت سلطة الاحتلال في مجتمع لا يمتلك عملة وطنية

سياسياً، كان النظام الأردني حريص على فتح فروع لبنوكه في الأراضي المحتلة، بل هدد بأن ذلك سيتم حتى لو لم تسمح منظمة التحرير الفلسطينية به2، إلا أن هذه المنظّمة وقعت اتفاقاً اقتصادياً مع عمّان في 7 كانون ثاني/يناير 1994 يقضي بإعادة فتح البنوك الأردنية في الضفة الغربية3، نلاحظ هنا أن هذا الاتفاق وُقع بعد اتفاق أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993 وقبل بروتوكول باريس الاقتصادي الذي وُقع في نيسان/أبريل 1994 لـ«ينظم» العلاقات الاقتصادية الفلسطينية الإسرائيلية، وقبل اتفاق وادي عربة الذي أعلن السلام بين الأردن وإسرائيل في تشرين ثاني/نوفمبر من العام نفسه.

بنوك وافدة ولكن

إذن، لم يُعر البيروقراطيون الأردنيون، ممن يمثلون مصالح صيارفة عمّان، أي اهتمام لضرورة إنشاء عملة وطنية فلسطينية، باعتبارها إحدى العوامل المساعدة لقيام الدولة الفلسطينية، من ناحية الاستجابة لاحتياجات الاقتصاد الفلسطيني، وعوضاً عن ذلك تأسّست فروع البنوك الأردنية إلى جانب البنوك الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، لتتسلم إدارة سيولة الشيكل من البنوك الإسرائيلية التي كانت تعمل هناك.

نظرياً، تعتبر البنوك الأردنية في الأراضي الفلسطينية، بنوكاً وافدة خاضعة من الناحية التنظيمية والرقابية لسلطة النقد الفلسطينية (بمثابة بنك مركزي)، لكن الأمر يتعدى هذه الصورة التقنية إلى أن النشاط المصرفي الأردني عميق وأساسي إلى درجة أن افتراض انسحابه من السوق يعني انهيار القطاع المصرفي الفلسطيني بالكامل، فبحسب أرقام العام 2024 تستحوذ البنوك الأردنية4على 8.6 مليار دولار تشكل 38% من إجمالي موجودات القطاع المصرفي الفلسطيني  مع العلم أنه من أصل 7 بنوك فلسطينية و5 بنوك أردنية وافدة، يمتلك البنك العربي (برئاسة صبيح المصري منذ 2012) وبنك فلسطين حوالي ثلثي الحصة السوقية للقطاع بأكمله.5

هذا بالإضافة إلى ملكية حصص معتبرة في البنوك الفلسطينية، مثل ملكية بنك الاتحاد لـ 10% والبنك الأردني التجاري لـ 6% من البنك الوطني الفلسطيني، كما ويمتلك البنك الأردني الكويتي 10% من بنك القدس، في حين يمتلك بنك القاهرة عمان حوالي 60% من بنك الصفا الإسلامي، وهنا يجب أن ننتبه إلى أن هذه النسب تُعامل على أنها استثمارات في حقوق الملكية وليس باعتبارها من ضمن موجودات البنوك الأردنية العاملة في الأراضي الفلسطينية، وما يثبت ذلك هو أن البنك الأردني الكويتي وبنك الاتحاد والبنك التجاري الأردني، خرجا من السوق الفلسطينية مع إبقائهم على حصصهم في بنوك هناك.6

البنوك الأردنية في الأراضي الفلسطينية، كما نظيرتها الفلسطينية، تتعامل بالشيكل الإسرائيلي باعتباره العملة الأكثر تداولاً هناك (الدولار= 3.5 شيكل تقريباً)، وتمتلك حسابات لدى بنك ديسكاونت الإسرائيلي، بينما تتعامل البنوك الفلسطينية مع  بنك هبوعليم، من أجل تسوية مدفوعات التجار الفلسطينيين من وإلى إسرائيل والتي تتم بالشيكل، حيث 85% من الصادرات الفلسطينية تذهب إلى إسرائيل و55% من الواردات تأتي منها، وأيضاً تقوم بالتعامل مع البنوك الإسرائيلية كبنوك مراسلة في حالات الاستيراد والتصدير، إذ أن التراسل لا بد أن يجري بواسطة النظام المصرفي الإسرائيلي في حال استخدام الشيكل.

بشكل عام، يستخدم  الفلسطينيون الشيكل على نطاق واسع في التعاملات التجارية واليومية، في حين يفضلون الدولار والدينار للاستثمارات طويلة الأمد. مع نهاية العام 2024، احتل الشيكل 41% من موجودات القطاع المصرفي البالغة 24.5 مليار دولار، مقابل 39% للدولار و18% للدينار، أما إجمالي ودائع القطاع المصرفي (ودائع عملاء وودائع مصرفية) البالغة حوالي 20 مليار دولار، فتتوزع هيكليتها كالتالي: 43.5% شيكل، 37.5% دولار، 16.3% دينار، 2.7% عملات أخرى.7

بالطبع، يقوم القطاع المصرفي بإقراض «الحكومة الفلسطينية»، ويستحوذ هذا البند على نسب متنامية بالنظر إلى تردي الأوضاع السياسية والأمنية الجارية على قاعدة اقتصادية مهترئة من الاقتصاد الاستهلاكي، ما يزيد الحاجة إلى توسيع الإنفاق الجاري. وبلغ صافي اقتراض الحكومة 2.8 مليار دولار خلال العام الماضي، ما يشكل حوالي 24% اجمالي التسهيلات الإئتمانية للبنوك في ذلك العام، حيث يبلغ الدين الداخلي ما نسبته 68.5% من إجمالي الدين العام البالغ 4.2 مليار دولار (70% منه بالشيكل) والذي يشكل 30% من الناتج المحلي الإجمالي.8

ساهمت البنوك الأردنية بقوة في ولادة الفكرة الخبيثة القائلة بإمكانية تأسيس قطاع مصرفي تحت سلطة الاحتلال في مجتمع لا يمتلك عملة وطنية، وبأنه لا بأس أن يشتغل هذا القطاع المصرفي بمنطق الربح والخسارة إلى أقصى حد، وفوق كل ذلك يجب العمل على تلبية متطلبات استمراريته باعتباره المحرك الأساسي للتنمية بحسب توصيفات سلطة النقد الفلسطينية. وهذا ما جعل البنوك الأردنية برفقة نظيرتها الفلسطينية الفاعل المفصلي في تفاقم المشكلات الاقتصادية الناجمة عن والمتفاعلة مع تصاعد الاحتلال.

حان وقت الحصاد

سمحت الفقرة الرابعة من بروتوكول باريس الاقتصادي، للبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية تحويل فائض الشيكل لديها إلى بنك إسرائيل عبر سلطة النقد الفلسطينية، التي تأسست بموجب البروتوكول المذكور، وإبداله بعملة أجنبية، على أن تتحدد قيمة هذا الفائض عبر طرح كمية الشيكل التي دخلت إلى إسرائيل من الأراضي الفلسطينية من كمية الشيكل التي اتخذت مساراً معاكساً، أي من إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية9، وبطبيعة الحال، فرض نمو الاقتصاد الفلسطيني زيادة تدريجية في كمية الشيكل، الذي أصبح يغرق قنوات التداول ويسد خزائن البنوك لعدم وجود منافذ استثمارية يمكن أن تستوعبه. 

في السنوات الماضية، نجحت سلطة النقد في إقناع بنك إسرائيل بالموافقة على شحنات استثنائية من فائض الشيكل تفوق الحد المقرر المتمثل بـ18 مليار سنوياً، فهذا ما جرى مثلاً في العام 2022 عندما رحّلت سلطة النقد 7.5 مليار شيكل إضافية، إلا أن هذا الحل التسكيني بات ممنوعاً منذ العام 2023.

نستنتج أن المشكلة الأساسية المسببة لتراكم الشيكل ليس رفض سلطات الاحتلال استقباله، فهي تستقبل 18 مليار شيكل كل عام على دفعات ربع سنوية، وإنما رفضها رفع سقف هذا الفائض الذي يجب أن يكون في حدود 30 مليار شيكل بحسب عدد من المعنيين بالشأن الاقتصادي الفلسطيني. في الوقت الحالي هناك 9 مليارات شيكل خاملة في خزائن البنوك بعد تحويل الدفعة الدورية الثالثة لهذا العام والبالغة 4.5 مليار شيكل بدأ شحنها منذ مطلع تموز/يوليو الماضي.

تراكم الشيكل تاريخياً بفعل أجور العمالة الفلسطينية في إسرائيل وسياحة العرب من داخل الخط الأخضر في الضفة الغربية ناهيك عن التبادل التجاري الذي جله بالشيكل، وأموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة بالشيكل أيضاً، وعلى الرغم من أن سلطات الاحتلال وعلى إثر أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ألغت تصاريح الغالبية العظمى من العمال الفلسطينيين الذي أدخلوا لوحدهم  11.4 مليار شيكل10 إلى الاقتصاد الفلسطيني في خلال العام 202311، بالإضافة إلى الحد من زيارات عرب الداخل إلى الضفة الغربية، إلا أن أزمة الفائض تصاعدت، بسبب التعنت الإسرائيلي وزيادة عمليات تهريب العملة من الداخل إلى أراضي الضفة واستثمارها في شراء الذهب والعقارات.

تموّل البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية منذ أوسلو جميع الأنشطة الاستهلاكية اللاإنتاجية، ولم تراع حقيقة الارتباط الاقتصادي الهيكلي بإسرائيل ولم تسع للإنفكاك عنها

بحسب التيار السائد في جمعية البنوك في فلسطين وسلطة النقد الفلسطينية ومحللين في الشان الاقتصادي، يُرتّب فائض الشيكل على البنوك تكاليف التأمين والتخزين والنقل وما إلى ذلك، وهذا ما أجبر البنوك على خفض الإيداع بالشيكل من 20 ألف شيكل يومياً إلى ما بين 5 و7 آلاف شيكل شهرياً، كما يواجه الفلسطينيون مشاكل في سحب ودائعهم بالدينار او الدولار حيث يجبرون على سحبها بالشيكل الذي بات عبئاً على البنوك يُراد التخلص منه بأي طريقة، وعدم استقبال الشيكل يدفع المواطنين إلى إبداله في السوق السوداء بأسعار صرف أعلى من نظيرتها الرسمية ما يعني خسارة جزء من أموالهم. 

على خلفية هذه الأزمة أعلنت سلطة النقد الفلسطينية في 29 أيار/مايو الماضي أن فائض الشيكل وصل إلى مستويات حرجة تهدد قدرة النظام المصرفي على استمرار تمويل التجارة مع إسرائيل، فإذا تم رفض إيداعات المستوردين الفلسطينيين بالشيكل كيف سيتمكنون من استيراد البضائع من إسرائيل؟

يُقال أيضاً أن فائض الشيكل يسبب للبنوك خسارة فرص ضائعة كان يمكن أن يستثمر بها هذا الفائض الخامل، لكن ما هي هذه الفرص تحديداً، فالبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية منذ أوسلو، تمول جميع الأنشطة الاستهلاكية اللاإنتاجية من قروض سكنية وعقارات وأنشطة تجارية وغيرها، في سياق سياسة ائتمانية توسعية فاقمت من أزمة فائض الشيكل، ولم تراع حقيقة الارتباط الاقتصادي الهيكلي بإسرائيل وما يولده من مشاكل وتحديات، بل إنها لم تسع للإنفكاك عنها.

أم أن المقصود بالخيارات الاستثمارية الضائعة هو الاستفادة مما يوفره استبدال فائض الشيكل من عملة صعبة، ليوظفها القطاع المصرفي إلى جانب ما يجنيه من تدفق المساعدات الأجنبية وحوالات المغتربين في استثمارات خارجية بلغ الصافي منها مع نهاية الربع الأول من العام الحالي حوالي 6.3 مليار دولار، حيث تشكل استثمارات القطاع المصرفي 75% من مجمل الأصول الفلسطينية في الخارج، وتتجه للاستثمار بالدرجة الأولى في الودائع البنكية وشراء سندات الدين خارج فلسطين للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة.12

بكلمات أخرى، تحتاج البنوك إلى العملة الصعبة للاستثمار في الخارج لعدم قدرتها على الاستثمار بالشيكل في الخارج، ومن المرجح أن جزء معتبر من هذه «الاستثمارات» موجهة لشراء السندات والأذونات الصادرة عن الحكومة الأردنية ذات العائد المرتفع، لحضور فروع البنوك الأردنية العضوي في القطاع المصرفي الفلسطيني وقدرتها على إرسال التحويلات بالدينار والدولار إلى بنوكها الأم في عمان دون المرور بالنظام المصرفي الإسرائيلي، إلا أنه لا إثبات إحصائي واضح لهذه الفرضية.

كما هي العادة، هناك قدسية لمفهوم وضرورة الربح بالنسبة إلى القطاع المصرفي، حتى وإن كان هذا القطاع من النوع الفلسطيني، مثلاً يستحيل الدعوة أو مجرد التفكير بإقدام البنوك على تمويل السلطة الفلسطينة بشروط ميسرة طويلة الأمد، فتتمكن الأولى من تصريف فائض الشيكل، وتتمكن الثانية من دفع رواتب موظفيها الذين يستلمون نسب معينة من رواتبهم على خلفية قيام سلطات الاحتلال منذ العام 2019 باحتجاز أموال المقاصة التي تشكل أكثر 65% من إيرادات السلطة، نتحدث عن الضرائب (تخليص جمركي، ضريبة قيمة مضافة، ضريبة دخل) التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة، والتي بلغت المبالغ التي احتُجزت منها منذ 2019 حوالي 10 مليارات شيكل أي حوالي 3 مليارات دولار. 

وما يزيد هذا المشهد قتامة، تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بإنهاء حصانة البنوك الإسرائيلية المراسلة، وهذا يعني إلغاء كتاب يصدر عن وزارة العدل الإسرائيلية تتعهد بموجبه للبنوك المراسلة، بالدفاع عنها ضد أي تبعات قانونية من قضايا قد تُرفع ضدها على إثر تعاملها مع مصارف متهمة بدعم الإرهاب، في إشارة إلى البنوك الفلسطينية، وكتاب آخر يصدر عن وزارة المالية يتعهّد بتعويض البنوك المراسلة إذا تعرضت لملاحقات قانونية في الخارج على خلفية التهمة نفسها. وتنتهي صلاحية الكتابين (الرسالتين) الحاليين مع نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

في هذا الوضع الحرج الذي تراكم على مدار أكثر من 3 عقود، لا مجال الآن لرسم الاستراتيجيات ولا منطق في البحث بإمكانية إيجاد سبل تلتف على النظام المصرفي الإسرائيلي أو بالأحرى تحيّده، من قبيل التوجه صوب أنظمة مصرفية أخرى في المحيط العربي لضخ الأموال (العملة الصعبة) في القطاع المصرفي الفلسطيني، أو لإيجاد آلية مراسلة مالية بديلة عن البنوك الإسرائيلية تهدف إلى تضييق مساحة الشيكل في حيز التداول، فمن سيقبل الآن بإدخال الشيكل إلى قطاعه المصرفي؟ إجراء كهذا كان يحتاج إلى تعزيز التجارة مع الدول العربية منذ فترة طويلة بحيث تتعزز مواقع عملتها في السوق الفلسطينية، لكن الاقتراح مجمله هو غير واقعي بحكم السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المعابر داخل وعلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

عمل مصرفي يعزز الاحتلال

مطلع التسعينيات، وفي غمرة اجتياح السياسات النيوليبرالية للعالم النامي التي ارتبطت بلحظة تسووية عربية وتزامنت مع انكفاء القوى العالمية المناهضة للإمبريالية، أُعيد تشكيل المشهد الاقتصادي الفلسطيني على نحو يتصدره الصيارفة وكبار المستوردين ومن يمثلهم في شبه الجهاز البيروقراطي الخاضع للاحتلال المسمى السلطة الفلسطينية، أتى ذلك على حساب اتباع ممارسات اقتصادية كان يُمكن لها أن تعزز الصمود الشعبي، كدعم الجوانب الإنتاجية المحلية وما يترافق معها من ثقافة استهلاكية وطنية لا تلهث وراء البضاعة المستوردة الآتية في غالبيتها من المحتل، إلا أن الجزء الفاعل من السياسيين الفلسطينيين كانوا على عجلة من أمرهم للارتماء في أحضان أريكة اقتصادية من الطراز العمّاني حيث الريع اللاإنتاجي وإدارة الحسابات المالية وتسول المساعدات الخارجية والإنفاق عبر تضخم قناة الدين العام.

يبرز دور البنوك الأردنية كفاعل رئيس في هذا الوضع البائس عبر ممارسة عمل مصرفي أثبتت الوقائع أنه ساهم في تعزيز سطوة الاحتلال، وأدى إلى جانب مجمل السياسات الاقتصادية النيوليبرالية إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني وسلبه أدوات المجابهة، وبالطبع لا يهم البنوك الأردنية والفلسطينية قيام دولة من عدمه، فهذا القطاع استمر في تسجيل الأرباح حتى مع الإبادة الشاملة لغزة التي خسّرته مليار دولار من أصوله والإنكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 30% تقريباً، لذا ليس من المستغرب أن يستمر في العمل مع استمرار قضم الضفة الغربية وتقطيع أوصالها، فكل ما يهمه هو استمرار نقل القطع الأجنبي إلى الخارج وإدارة دفاتره المالية على نحو يضمن الربح.

table

ملاحظة: تم حساب مؤشري العائد على الموجودات والعائد على حقوق الملكية للبنوك الأردنية، وذلك للفترة من 2015 وحتى 2022، لأن البنك العقاري المصري العربي وهو بنك مصري ذو حضور هامشي، كان يُدرَج في بند البنوك الوافدة مع البنوك الأردنية، لذا جرى طرح موجوداته وحقوق ملكيته من إجمالي موجودات وحقوق ملكية البنوك الوافدة التي هي جميعها أردنية. 

  • 1

    Yitzhak Reiter, "The Palestinian-Transjordanian Rift: Economic Might and Political Power in Jordan", Middle East Journal, Vol. 58, No. 1 (Winter, 2004), p 89

    على سبيل المثال، أنتجت محادثات بيريز الحسين تعيين ظافر المصري الحاصل على شهادة الاقتصاد من الجامعة الأميركية في بيروت والمقرب من عمان، رئيسًا لبلدية نابلس في كانون أول 1985، قبل أن تغتاله الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الثاني من آذار 1986.

  • 2

    "عمان تعيد فتح فروع المصارف في الأراضي المحتلة حتى لو لم توقع المنظمة الاتفاق الاقتصادي"، السفير (بيروت)، 18\12\1993

  • 3

    Chronology 16 November 1993-15 February 1994, Journal of Palestine Studies, Vol. 23, No. 3 (Spring, 1994), pp. 174

  • 4

    في الوقت الراهن هناك خمس بنوك أردنية عاملة في الضفة الغربية هي: البنك العربي، بنك القاهرة عمان، بنك الإسكان للتجارة والتمويل، بنك الأردن، البنك الأهلي.

  • 5

    جمعية البنوك في فلسطين، الأداء المقارن للبنوك العاملة في فلسطين خلال عامي 2023 – 2024، ص4

  • 6

    في 3 أيلول 2025، باع البنك التجاري الأردني معظم حصته في البنك الوطني والبالغة 15% لتصبح 6.3%، وتم البيع لصالح رجل أعمال الأردني مشيل فايق الصايغ الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الأردني.

  • 7

    سلطة النقد الفلسطينية، التقرير السنوي 2024، ص49، 52

  • 8

     سلطة النقد الفلسطينية، التقرير السنوي 2024، ص 24، 55

  • 9

    سلطة النقد الفلسطينية ترى أن فائض الشيكل هو الذي يفوق نسبة 6% المحتفظ بها كسيولة من إجمالي جميع الودائع بمختلف العملات. وبحسب حدود البحث لا يعترف الجانب الإسرائيلي نظريًا أوعمليًا بهذا الناظم لمبادلة فائض الشيكل، بل على العكس يرى البنك المركزي الإسرائيلي أن حجم الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني يتجاوز بكثير الفارق بين ما يدخل ويخرج من هذه العملة إلى الأراضي الفلسطينية، في اتهام إلى أن هذا الفائض عبارة عن أموال هربت من ضرائب الاقتصاد الإسرائيلي للاستثمار في الضفة الغربية.

    معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، نشرة الاقتصاد الفلسطيني حزيران 2025، ص3

  • 10

    معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، نشرة الاقتصاد الفلسطيني آب 2024، ص4.

  • 11

    بحسب آخر الأرقام انخفض عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل من 100 ألف إلى 8 آلاف، وداخل المستوطنات في الضفة الغربية من 40 ألف إلى 10 آلاف.

  • 12

    ارتفعت الأرصدة المصرفية الخارجية للبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية إلى 4 مليار دولار، وهذه الأرصدة هي ما يستثمره القطاع المصرفي الفلسطيني في الخارج بحثًا عن مستوى ربحية أعلى بما في ذلك الاستثمار في الأدوات المالية للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، في المقابل بقيت الودائع البينية بين البنوك الفلسطينية في حدود 300 مليون دولار فقط. سلطة النقد الفلسطينية، التقرير السنوي 2024، ص57