
الأمم المتحدة لم تتحرّك لوقف الإبادة الجماعية… على الرغم من الأدلّة عليها
ترتكب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، ويوجد من الأدلة ما يكفي لإثبات النيّة الإبادية منذ إعلان الحرب لجعل غزّة مكاناً غير صالح للعيش بذريعة عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
على مدى العامين الماضيين، كان عدّاد ضحايا الإبادة الجماعية يرتفع باطراد، دمّرت إسرائيل القطاع تدميراً كاملاً بالمعنى الحرفي، وفرضت المجاعة بفعل حصار مطبق، ومنعت المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وشرّدت 99% من السكّان مراراً وتكراراً، وعطّلت النظام الصحي واستهدفت الاسعاف والاطفاء والعاملين الصحيين والصحافيين… ومع ذلك، بقي خطاب الأمم المتّحدة متحفّظاً ومتردّداً، ففي حين توفّر منظمات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والأزمات والكوارث أدلة دامغة على ارتكاب إسرائيل جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، إلا أن الخطاب الرسمي المعتمد في الأمم المتحدة لا يزال يتعامل مع ما تقوم بها إسرائيل كأزمة إنسانية لا كجريمة متمادية يجب التدخل سريعاً لإيقافها ومعاقبة الجاني.
على الرغم من الحجج التي قد تثار عن استخدام المصطلحات بدقة، كون «الإبادة الجماعية» مصطلح قانوني لديه معنى محدد في «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، وهناك آليات قضائية محددة للاتهام وإصدار الأحكام. ولكن هذه الحجج لا تعفي الأمم المتحدة من موجبات المادة الثامنة، التي تجيز لأجهزة الأمم المتحدة المتخصّصة «أن تتخذ، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية». وهذا ما تتقاعس عن القيام به، وتقتصر استجابتها على التدخلات الإنسانية المحدودة. لقد أقرت الكثير من الدول والمنظمات غير الحكومية والهيئات الأكاديمية، إلى جانب بعض أجهزة الأمم المتحدة، بارتكاب إسرائيل الإبادة جماعية في غزة، وعلى الرغم من ذلك، تواصل الأمم المتحدة تجاهل هذا الواقع، ما يثير تساؤلات عن قوة القانون الدولي أمام قوّة بعض الدول ونفوذها.
تعرّف الاتفاقية الإبادة الجماعية الأفعال المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وتشمل (أ) قتل أعضاء من الجماعة، (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. (د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
فيما يلي محطات رئيسة على طريق اثبات أن إسرائيل ارتكبت أكثر من عنصر من عناصر هذه الجريمة:
29/12/2023: جنوب أفريقيا تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة أمام محكمة العدل الدولية
في كانون الأول/ديسمبر قدمت جنوب أفريقيا، طلباً لرفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، بشأن الانتهاكات لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة.
حتى الآن، لم تصدر محكمة العدل الدولية بعد قراراً نهائياً بشأن ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت إبادة جماعية إذ سيتم البت في ذلك لاحقاً، لكن قرارها المؤقت الصادر في كانون الثاني/يناير 2024 يؤكد وجود «خطر حقيقي ووشيك بأن تتعرض حقوق الفلسطينيين في غزة لأضرار لا يمكن إصلاحها» وفقاً لاتفاقية الإبادة الجماعية، وأكدت على إسرائيل بضرورة العمل بشكل فعلي على منع حصول إبادة جماعية في غزة.
يتوقّع الكثير من الخبراء أن تقود دعوى جنوب أفريقيا في نهاية المطاف إلى إقرار المحكمة بارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية، ونقلت الغارديان عن المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبازنيزي تأكيدها أنه لا داعي لانتظار قرار محكمة العدل الدولية، موضحة أن التأخير في إصدار الحكم يعود إلى الازدحام في جدول القضايا أمام المحكمة. بينما يرى وليام شاباس بروفيسور القانون الدولي في جماعة مدلسكس في بريطانيا أن دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل تُعد أقوى القضايا التي قُدمت على الإطلاق أمام محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية.
تشتهر محكمة العدل الدولية بالبطء في اتخاذ القرارات، ويرشّح خبراء في عمل المحكمة عدم صدور الحكم قبل نهاية العام 2027 على الأقل، ما يثير التساؤل عن قدرة المحكمة على منع جرائم الحرب.
26/02/2024: المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة تقدّم تقريراً يشير إلى أدلّة معقولة حول تحقق عناصر الإبادة الجماعية في غزة
قدّمت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، فرانشيسكا ألبانيزي، تقريراً بعنوان «تشريح الإبادة الجماعية» إلى الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، وأشارت إلى وجود أدلّة معقولة على ارتكاب إسرائيل لأعمال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية في غزة. واتهم التقرير إسرائيل بتحريف مبادئ «قانون الحرب» (jus in bello) بشكل متعمد، في محاولة لتبرير العنف الإبادي ضد الشعب الفلسطيني.
ويُذكر أن المقررين الخاصين هم خبراء مستقلون تعيّنهم الأمم المتحدة لتقديم المشورة وإعداد التقارير عن قضايا أو أوضاع محددة تتعلق بحقوق الإنسان. وتشغل فرانشيسكا ألبانيزي، الباحثة القانونية الإيطالية، هذا المنصب منذ العام 2022.
21/11/2024: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة الإسرائيلية) ويوآف غالانت (وزير الحرب السابق) والقائد في حركة حماس محمد الضيف بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وجدت الدائرة أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.
يُذكر أن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانوناً عن الأمم المتحدة، على الرغم من تأييد الجمعية العامة لها، وأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ليست جميعها أطرافاً في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يمكن للمحكمة إجراء تحقيقات وفتح قضايا تتعلق بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضي دولة طرف أو من قبل مواطن دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية أو دولة قبلت اختصاصها.
5/12/2024: منظمة العفو الدولية تقر بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة
أعلنت منظمة العفو الدولية، التي اكتسبت صفة استشارية لدى الأمم المتحدة في العام 1964، في تقريرها الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2024، أنها توصلت إلى وجود أدلة كافية للاستنتاج بأن إسرائيل ارتكبت، ولا تزال ترتكب، جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل.
وجاء التقرير تحت عنوان «بتحسّ إنّك مش بني آدم: الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة»، ويوثق ما وصفته المنظمة بأنه حملة من الدمار والجحيم التي تشنها إسرائيل ضد سكان غزة، بشكل متواصل ومتعمد، وبلا أي محاسبة أو رادع.
وأكدت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، أن التقرير يثبت أن إسرائيل ارتكبت أفعالاً محظورة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وبنية واضحة تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني في غزة.
16/06/2025: المقررة الخاصة للأمم المتحدة تنشر تقرير عن «اقتصاد الإبادة الجماعية» في غزة والضفة الغربية
دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، فرانشيسكا ألبانيزي، إلى فرض عقوبات دولية وحظر لتوريد الأسلحة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى محاسبة الشركات العالمية التي تحقق أرباحاً من «الإبادة الجماعية» في غزة، وذلك في تقرير بعنوان «من اقتصاد الإحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية».
وفي حديثها للغارديان عن التقرير قالت ألبانزيري «لقد تابعت الأحداث يوماً بيوم على مدى 630 يوماً، وبصراحة، بعد 5 أشهر فقط كان واضحاً بالنسبة لي أنها إبادة جماعية. لا تحتاج إلى خبير علمي لإثبات ذلك، بل يكفي ربط الحقائق ببعضها».
28/07/2025: منظمتان إسرائيليتان تنشران تقرير بعنوان «إبادتنا»
توصلت منظمتان إسرائيليتان بارزتان لحقوق الإنسان، بيتسيلم (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) و«أطباء لحقوق الإنسان – إسرائيل»، إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل.
وفي تقرير نُشر بتاريخ 28 تموز/يوليو 2025 بعنوان «إبادتنا»، وصفت منظمة بيتسيلم تطور نظام إبادي في إسرائيل يعمل على تدمير المجتمع الفلسطيني في غزة. كما نشرت منظمة أطباء لحقوق الإنسان – إسرائيل تحليلاً قانونياً وطبيبياً يوثق الدمار المتعمد والمنهجي لنظام الرعاية الصحية في غزة.
ويُعدّ تقريرهما تطوراً جديداً في توثيق الإبادة الجماعية، إذ إنه لم يصدر عن جهة محايدة، بل عن مؤسسات مسجلة لدى الدولة القائمة بالإبادة. مع ذلك، تظل آراء هاتين المنظمتين غير شائعة داخل المجتمع والرأي العام الإسرائيلي.
22/08/2025: أعلى هيئة لرصد الأمن الغذائي في العالم تعلن المجاعة في غزة
تم إعلان المجاعة في غزة في تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، الذي يضم 21 وكالة من بينها منظمات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية. صرح توم فليتشر، رئيس الإغاثة في الأمم المتحدة، للصحافيين في جنيف عند صدور تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي قائلاً: «هذه شهادة مؤكدة… نحن أمام مجاعة، مجاعة غزة». وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن نتائج تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) لم تكن مفاجئة: «إنها كارثة من صنع الإنسان، وإدانة أخلاقية – وفشل للبشرية نفسها». وهو ما يثير التساؤل لماذا لا تقوم الأمم المتحدة بالاعتراف بحدوث إبادة جماعية في غزة، وتسمية إسرائيل التي تستخدم سلاح التجويع.
31/08/2025: أهم تجمع لعلماء الإبادة الجماعية في العالم يعترف بحصول إبادة في غزة
أيد اتحاد علماء الإبادة الجماعية الأبرز في العالم قراراً يؤكد أن أفعال إسرائيل في غزة تندرج ضمن التعريف القانوني للجريمة. شارك في التصويت 28% من أعضاء الاتحاد الدولي لعلماء الإبادة الجماعية، ويأتي ذلك ضمن النطاق المعتاد لمشاركة الأصوات في التصويت على القرارات، والذي يتراوح عادة بين 25% و34%، وأيد القرار 86% من المشاركين. وينص القرار على أن «سياسات وأفعال إسرائيل في غزة تندرج تحت التعريف القانوني للإبادة الجماعية وفقاً للمادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبتها لعام 1948».
ويضم الاتحاد، الذي تأسس في العام 1994، نخبة واسعة من الأكاديميين والمؤرخين وعلماء السياسة وناشطي حقوق الإنسان، وقد أصدر سابقاً قرارات تحدّد حالات إبادة جماعية، بما في ذلك حالات تاريخية مثل الإبادة الأرمنية.
16/09/2025: لجنة التحقيق المستقلة لدى الأمم المتحدة تقر بأن إسرائيل ترتكب إبادة في غزة
قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل، في تقرير لها، إن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
حققت اللجنة على مدى العامين الماضيين في الأحداث التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخلصت إلى أن السلطات الإسرائيلية والقوات الأمنية الإسرائيلية ارتكبت 4 من أصل 5 أفعال تُعرف بالإبادة الجماعية وفق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، وهي: القتل، وإلحاق أضرار جسدية أو نفسية جسيمة، وفرض ظروف معيشية تهدف عمداً إلى تدمير الفلسطينيين كلياً أو جزئياً، واتخاذ إجراءات لمنع الولادات.
أنشأت الأمم المتحدة لجنة تحقيق مستقلة (COI) في العام 2021، ويضم فريقها 3 خبراء مستقلين. ويُعد تحليل هذه اللجنة أقوى استنتاج أصدرته جهة أممية حتى الآن، إلا أن نتائجها لا تعكس الموقف الرسمي للأمم المتحدة.