الأمم المتحدة: 57% نسبة العجز في تمويل الاستجابة الإنسانية في العالم
لم تستطع الأمم المتحدة حشد سوى أقل من 43% من التمويل المطلوب من أجل الاستجابة الإنسانية للحروب والأزمات والكوارث في 77 بلداً في العالم في العام 2024. وعلى الرغم من أنها قدّرت عدد الذين احتاجوا إلى مساعدتها في هذا العام بنحو 323.4 مليون شخص، إلا أنها لم تستهدف سوى 197.9 مليون منهم، أي نحو 61% من الضحايا والمتضرّرين، في حين بقي 125.5 مليون شخص من دون أي مساعدة في ظل أوضاع مأساوية.
كشف تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة تحت عنوان «لمحة عامّة عن العمل الإنساني العالمي لعام 2025» عن التقاعس المتزايد في تمويل خطط الاستجابة الإنسانية في المجتمعات التي تعصف بها الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية. سجّل العام 2024 واحداً من أعلى معدّلات العجز التمويلي في تاريخ الأمم المتّحدة، إذ وصلت قيمة الحاجات التمويلية إلى نحو 49.6 مليار دولار في حين لم يتجاوز التمويل المتاح 21.2 مليار دولار، لإغاثة نحو 197.9 مليون شخص، أي بمعدّل 107 دولارات للشخص الواحد، أو 9 دولارات شهرياً، أو دولارين في الأسبوع، وهذا يشمل على سبيل المثال لا الحصر إطعام المحاصرين في غزة، وإغاثة الضحايا في لبنان، وإيواء النازحين الداخليين في سوريا، وحماية النساء المعنّفات في فنزويلا، وتدريب القابلات في جنوب السودان…
طبعاً، تبقى المتوسطات العامّة قاصرة عن تصوير الواقع الحقيقي، إذ ظهرت تفاوتات في التدخلات وحجم التمويل لكل بلد من البلدان الـ77 المشمولة في التقرير، والتي تعاني من أوضاع مأساوية. ففي سوريا مثلاً، تم تحديد خطة الاستجابة الإنسانية بنحو 4.1 مليار دولار لكن لم يتم تأمين إلا 27% من المبلغ، علماً أن عدد المستهدفين اقتصر على 10.8 مليون شخص فقط من أصل 16.7 مليون محتاج، بذلك خفض برنامج الغذاء العالمي المساعدات الغذائية الشهرية بنسبة 80% في سوريا، ولم يخدم سوى ثلث السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بينما يواجه نصف مراكز الرعاية الطارئة التوليدية وحديثي الولادة البالغ عددها 63 مركزاً خطر الإغلاق، ما يعرّض صحة 1.3 مليون امرأة وحياتهن للخطر.
في أفغانستان، تركت تخفيضات التمويل مناطق بأكملها من دون مساعدات غذائية، مع توفير 41% فقط من متطلبات خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بينما في إثيوبيا، تم خفض حصص الحبوب بنسبة 20% مع توفير 25% فقط لا غير من 3.2 مليار دولار مطلوبة في خطة الاستجابة الانسانية التي استهدفت 15.5 مليون شخص من 21.4 مليون محتاج. في الفلبين لم يتم تأمين أي دولار من مبلغ 24.7 مليون دولار كانت مطلوبة لخطة «النداء الإنساني العاجل» التي استهدفت 210 آلاف شخص من نحو 892 ألف شخص محتاجين.
في لبنان، حيث قدّر عدد المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية بنحو مليون شخص، لم يتم تأمين إلا 60% من 425.7 مليون دولار مطلوبة لخطة «النداء الإنساني العاجل» التي وضعتها الأمم المتحدة.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يتم علاج أكثر من 220 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم المهدّد للحياة من دون سن الخامسة بحلول نهاية العام 2024 بسبب نقص التمويل. وفي أوغندا، تركت الموارد المحدودة 11 من أصل 13 مستوطنة تستضيف اللاجئين غير قادرة على تلبية الحد الأدنى من معيار المياه البالغ 20 ليتراً للشخص الواحد يومياً، على الرغم من ارتفاع أعداد الوافدين الجدد وتدهور البنية التحتية. وفي جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، انتشرت فاشيات التهاب الكبد الوبائي (هـ) وأمراض أخرى منقولة بالمياه بسبب عدم كفاية الدعم للمياه والصرف الصحي. في اليمن، تأثرت الاستجابة للكوليرا بشكل خطير بإغلاق 165 مركزاً للإماهة الفموية و33 مركزاً لعلاج الإسهال، ولم يتبقَ سوى 14 مركزاً من هذه المراكز من المتوقع أن تظل عاملة بعد كانون الأول/ديسمبر 2024. في جنوب السودان، حيث معدلات وفيات الأمهات هي الأعلى في العالم، تهدّد التخفيضات في برامج تدريب القابلات بترك الأجيال الحالية والمستقبلية من دون قابلات ماهرات. وفي فنزويلا، فقدت 4 فتيات من أصل 5 فتيات الدعم الأساسي للوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له.
خطة العام 2025
تقدّر الأمم المتحدة أن يكون هناك 305.1 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الانسانية في العام 2025، ولكنها تتوقع ألا تستهدف في تدخلاتها سوى 190 مليون شخص، أو 62% من المحتاجين، وتطلب توفير تمويل بقيمة 47 مليار دولار.
يخشى المسؤولون من استمرار تخفيض التمويل من الدول الغربية، بما في ذلك المانح الأكبر الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي عطّل بعض إنفاق الأمم المتحدة في خلال ولايته الأولى، لكنه ترك ميزانيات مساعدات الأمم المتحدة سليمة.
ووفق توقعات الأمم المتحدة، تستضيف منطقة جنوب وشرق أفريقيا أكبر عدد من الأشخاص المحتاجين للمساعدة الإنسانية (85 مليوناً)، حيث تمثل الأزمة الكارثية في السودان 35% من إجمالي المحتاجين في المنطقة، وأدت الأزمة المتصاعدة في السودان إلى زيادة متطلّبات التمويل في شرق وجنوب أفريقيا إلى ما يقرب من 12 مليار دولار.
تأتي بعدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يحتاج 59 مليون شخص إلى المساعدة والحماية، وفي حين تستمر الأزمة السورية في دفع أعلى مستوى من الاحتياجات في المنطقة - حيث يحتاج 33 مليون شخص إلى المساعدة والحماية داخل سوريا وفي البلدان المجاورة - فإن شدة الاحتياجات لا مثيل لها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتزايد بسرعة في لبنان، بفعل الحرب الإسرائيلية الوحشية على البلدين. وتحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الآن إلى 15.9 مليار دولار، وهو ما يمثل 34% عن اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي.
في غرب ووسط أفريقيا، هناك حاجة إلى 7.6 مليار دولار، مع تزايد نداء تشاد بسبب استمرار وصول اللاجئين السودانيين. أيضاً، تحتاج منطقة آسيا والمحيط الهادئ الآن إلى 5.1 مليار دولار، بما في ذلك زيادة في نداء ميانمار، بينما تحتاج أوروبا إلى 3.3 مليار دولار، خاصة لأوكرانيا. في جميع أنحاء أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يدعو الشركاء الإنسانيون إلى 3.6 مليار دولار، بما في ذلك زيادة كبيرة في التمويل المطلوب لهايتي، حيث أدى تصاعد العنف إلى زيادة الاحتياجات بسرعة.