معاينة favela brazil and police

من الفافيلا في البرازيل إلى غزة
كيف تُشكّل العسكرة والغسيل الأخضر العلاقات والمقاومة والتضامن مع فلسطين

تضامَن المجتمع المدني البرازيلي والحركات الاجتماعية البرازيلية مع فلسطين على مدار عقود ظلت فيها القضية الفلسطينية أساسية ومحورية على الأجندة، لكن في السنوات العشر الأخيرة تصاعدت المطالباتُ بالمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، تلبية لدعوة أطلقها المجتمع المدني الفلسطيني في 2005.

بين 2003 و2016، حكم حزب العمال اليساري البرازيل، وبعد قرار إخراج الرئيسة ديلما روسيف من السلطة في 2016، كان ميشيل تيمر هو الرئيس حتى تولى السلطة الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو في 2019، وظل في السلطة حتى 2022 ثم عادت الحكومة اليسارية. وفي ظل حكومة حزب العمال، اعترفت البرازيل رسمياً بالدولة الفلسطينية، في 2010، وتكرّرت إدانتها لأفعال إسرائيل. على مدار العقدين الماضيين، تزايد اضطراب سياسات البرازيل بشأن هذه القضية، فقد تراوحت بين التأكيد المبدئي على التضامن مع فلسطين على جانب، وتعميق الأواصر السياسية والاقتصادية مع النظام الإسرائيلي على الجانب الآخر. حتى في ظل حُكم حزب العمال – وخصوصاً في عهد حكومة بولسونارو – توسّعت البرازيل في شراء الأسلحة من إسرائيل واستمرت في تصدير النفط إلى دولة الفصل العنصري، وعمّقت من تجارتها في المنتجات الزراعية معها، وهي أشكال من التعاون دعّمت مُجتمعة البنية التحتية للاحتلال الإسرائيلي. 1

على مدار عقود، اصطفّ المركّب العسكري-الصناعي البرازيلي، وقطاع الأغري-بيزنس، والساسة اليمينيون، وتكتلات الضغط الإنجيلية-الصهيونية، من أجل تكريس العلاقات بين البرازيل وإسرائيل. وتعمل هذه الأطراف معاً على تطبيع التجارة مع إسرائيل تحت ستار الشراكات التكنولوجية والزراعة الصديقة للمناخ؛ بما يفضي فعلياً إلى تبييض جرائم النظام الإسرائيلي.

وفي ظل هذا التناقض الظاهر بين التضامن المُعلن مع فلسطين وتعميق العلاقات الاقتصادية مع النظام الإسرائيلي، قادت حركات التضامن في البرازيل – وكثير منها متجذر في الفافيلات 2، وفي الحركات الحضرية المطالبة بالسكن، وحركات الفلاحين بلا أرض، وحركات العدالة المناخية، والفئات المتضررة من ممارسات الشركات، بالإضافة إلى اتحادات الطلبة والنقابات العمالية – حملات مُهمّة تربط بين العسكرة الإسرائيلية والعنف الذي تمارسه الدولة البرازيلية والنهب البيئي والاستخراجية الزراعية. ومنذ بداية الإبادة الجماعية المنقولة على الهواء في غزة، وتوسّع المستوطنات والجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ تزايدت الحاجة الملحّة إلى كشف روابط التواطؤ هذه، وإبراز كيفية تأثير العلاقات الإسرائيلية-البرازيلية على الفئات المهمّشة في البرازيل، وهي قضايا باتت تحظى باهتمام متزايد وتحتلّ مساحة غير مسبوقة في وسائل الإعلام الرئيسة.

على الرغم من هذا النزوع نحو توسيع مجال الدعم للحقوق الفلسطينية، تستمرّ غالبية دول أميركا اللاتينية – لا سيما الاقتصادات الكبرى مثل البرازيل والأرجنتين والمكسيك – في تأطير مواقفها بالاستعانة بفكرة ضرورة وجود «توازن»

يحلل هذا المقال الصلات الرئيسة بين البرازيل وإسرائيل، ويوضّح كيف ترتبط بالنضالات على الأرض في البرازيل. كما يحلل بعض الانتصارات التي حققتها الحملات المناصرة لفلسطين، والتحديات التي عطّلت تحقيق مزيد من التقدم، بما يشمل جهود تحويل الأقوال إلى أفعال تضامناً مع فلسطين؛ ويشمل التحليل التحرّكات المنتظرة أثناء انعقاد المؤتمر الثلاثين للدول الأطراف في اتفاقية المناخ، كوب-30.

العلاقات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية بين البرازيل وإسرائيل

تجمع علاقة البرازيل بإسرائيل منذ أواسط القرن العشرين بين الاصطفاف الرمزي والتعاون البراغماتي. في 1947، أدّى الدبلوماسي البرازيلي أوسوالدو أرانها – في منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة حينئذ – دوراً إجرائياً وسياسياً محورياً في الدفع بخطة تقسيم فلسطين (قرار الأمم المتحدة رقم 181). كان أرانها وراء تأجيل التصويت بهدف تأمين أغلبية الثلثين لصالح الخطة، وحَشَد لتأييد الوفود للخطة – وهي أفعال حظي بسببها بتكريم علني في إسرائيل في خلال العقود التالية، بحسب الوكالة اليهودية. وقد ترك بروزه في الأمم المتحدة بصمة مبكرة للارتباط بين الدبلوماسية البرازيلية وإضفاء الشرعية الدولية على قيام دولة إسرائيل.

وفي مطلع الستينيات من القرن العشرين – في عهد الرئيس البرازيلي اليساري خواو غولارت – كانت العلاقات الثنائية ودّية لكن اتسمت بإعلاء النفعية، ولم يشكلها التوافق الأيديولوجي بقدر ما صاغتها الحسابات المرتبطة بعلاقات عديدة الأطراف، والرغبة في التعاون التكنولوجي. ولقد دشّنت الدكتاتورية العسكرية (1964-1985) اصطفافاً كان من الواضح أنه – وبشكل علني – على أرضية أمنية وتكنولوجية-علمية. فالمواد الأرشيفية التي تقتبس منها التقارير والتحقيقات تشير إلى علاقات طيبة بين إسرائيل والعسكر البرازيليين، واشتملت على صفقات سلاح وتبادل للخبرات العسكرية وتعاون نووي مبكّر. ثمة اتفاق بين البلدين تناقلت التقارير إبرامه في 10 آب/أغسطس 1964، بعد 4 أشهر لا أكثر من بدء الانقلاب، ثم اتفاقات أخرى في 1966 و1967 و1974.3 وتشير المصادر إلى اصطفاف حدث سريعاً فور وقوع الانقلاب، بين البلدين، وكان يعتمد أساساً على المصالح المشتركة في مجالات الأمن وتطوير القدرات النووية، بما يتسق مع سعي النظام الديكتاتوري للحصول على التكنولوجيات الاستراتيجية. وكانت نتيجة هذا الاصطفاف نمط استفاد النظام البرازيلي بموجبه من الصلات العسكرية والعلمية مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه شهد تعميق الشراكة النووية مع ألمانيا الغربية (1975)، في ظل الاحتفاظ ببرنامج نووي موازٍ وسرّي استمرّ بعد نهاية الديكتاتورية العسكرية في مطلع التسعينيات.

وفي العهد الديمقراطي (بدءاً من 1985)، تبدّل موقف البرازيل بين الدعم الرمزي للحقوق الفلسطينية (الاعتراف بفلسطين والموقف الدبلوماسي على سبيل المثال) والاستمرار في العلاقات البراغماتية مع إسرائيل في مجالات التجارة والأمن والتكنولوجيا. إذن يكشف منظور التاريخ طويل الأمد عن مسارين: الدور البرازيلي الأصيل في الشرعنة الدولية للدولة الإسرائيلية في 1947 ثم – بعد عقود – التعاون بعد بدء الانقلاب، الذي أدّى إلى غرس الخبرات الإسرائيلية في تجربة التحديث السلطوي البرازيلية.

وبغضّ النظر عن هذه الصورة، شهدت العلاقات الدبلوماسية البرازيلية بإسرائيل تحولات لافتة، مع تغيّر الحكومات والرؤساء، وإن كانت الآونة الأخيرة فقط هي التي شهدت تخفيض وتراجع هذه العلاقات بشكل كبير. في العقد الأول من الألفية، شهدت أميركا اللاتينية في المجمل إعادة ضبط لارتباطاتها ومواقفها مع القضية الفلسطينية ومنها. ولقد تأثر ذلك التحوّل بصعود اليسار عبر صناديق الاقتراع وصعود حكومات يسار-الوسط عبر أميركا اللاتينية، وهي المرحلة التي شهدت صعود العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دول ومناطق الجنوب، في سياق صعود تجمّع دول البريكس و«سياسة البرازيل الخارجية النشطة والإيجابية». مثّلت هذه التطورات بيئة حاضنة لمحاولات التأكيد على قدر أكبر من الاستقلالية في مواجهة الولايات المتحدة، وشجّعت على تنويع الشراكات الدولية. وفي هذا السياق أصبح التعامل مع القضية الفلسطينية – بالنسبة إلى عدد من حكومات أميركا اللاتينية – أداة استراتيجية من أدوات تخطيط ورسم المواقف الدولية لهذه الدول.4

وعلى الرغم من هذا النزوع نحو توسيع مجال الدعم للحقوق الفلسطينية، تستمرّ غالبية دول أميركا اللاتينية – لا سيما الاقتصادات الكبرى مثل البرازيل والأرجنتين والمكسيك – في تأطير مواقفها بالاستعانة بفكرة ضرورة وجود «توازن». كثيراً ما رافق التعبير عن التضامن مع فلسطين تأكيد حق إسرائيل في الأمن؛ وهو الموقف الكاشف لاستراتيجية مزدوجة صاغها نموذج «توازني» يجمع بين الاعتراف الرمزي على جانب، والدبلوماسية البراغماتية على الجانب الآخر.5 على سبيل المثال، فإن موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بين كانون الأول/ديسمبر 2010 وآذار/مارس 2011 – التي مثّلت توجهاً إقليمياً مفاده الاعتراف الرسمي بالسيادة الفلسطينية – صيغت بالاستعانة بخطاب شدد على «التوازن» و«تعزيز السلام»، بدلاً من تحرّي خطاب ضرورة فرض العقوبات على إسرائيل أو كيل الانتقادات إليها.6

وكانت البرازيل في عهد لولا مثالاً صارخاً على هذا النهج «المتوازن»: بصفتها قوة صاعدة تطمح إلى ممارسة نفوذ عالمي، سعت البرازيل في خلال ولايتيّ لولا الأولى والثانية (2003–2010) إلى إبراز قيادتها الدبلوماسية في ما يتعلّق بالشرق الأوسط، وأبدت حكومته حساسية غير مسبوقة تجاه المنظور الفلسطيني للقضية، تُوّجَت باعتراف البرازيل بدولة فلسطين في كانون الأول/ديسمبر 2010. في حين اختارت فنزويلا وبوليفيا المواجهة العلنية من خلال قطع العلاقات مع إسرائيل في 2009، قادت البرازيل في عهد لولا غالبية دول أميركا اللاتينية في تبنّي سياسة تجمع بين الاعتراف بفلسطين والحفاظ في الوقت نفسه على العلاقات الثنائية مع إسرائيل.7

يُعدّ قطاع الأغري-بيزنس وقطاع النفط أكبر المستفيدين من العلاقات التجارية بين البرازيل وإسرائيل. وتُظهر البيانات أنّ هذين القطاعين يؤدّيان دوراً محورياً في الحفاظ على العلاقات بين الدولتين، بغضّ النظر عمّن يتولّى السلطة

عُطَلت هذه السياسة أثناء رئاسة جايير بولسونارو، ففي عهده اصطفت البرازيل بشكل صريح وتام مع إسرائيل؛ فقد افتتحت مكتباً تجارياً لها في القدس في 2019، وفكّرت في نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس (وإن لم تفعل هذا في نهاية المطاف) وانضمّت إلى «تجمّع حلفاء إسرائيل».8 ولقد أدّى هذا الموقف المُعلن من تصاعد وتيرة الاصطفاف الأيديولوجي البرازيلي مع التيارات الإنجيلية المُحافظة ونخب قطاع الأعمال.9

وفي خلال ولاية لولا الثالثة، التي بدأت في 2023، عادت البرازيل إلى سياستها السابقة؛ ففي العام نفسه، تحدّث لولا عن أهمية حلّ «القضية الفلسطينية» وضرورة «الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة»، غير أنّ البرازيل واصلت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وامتنعت عن الاعتراف بأنها دولة فصل عنصري. لكن بعد بدء الإبادة الجماعية في تشرين الأول/أكتوبر 2023، صعّدت حكومة لولا من انتقاداتها للعمليات العسكرية الإسرائيلية. وفي شباط/فبراير 2024، شبّه لولا ممارسات إسرائيل في غزة بالإبادة النازية. وردّت إسرائيل بإعلان لولا شخصاً غير مرغوب فيه، فسارعت البرازيل إلى استدعاء سفيرها من تل أبيب وخفّضت مستوى تعاملها الدبلوماسي برفض اعتماد السفير الإسرائيلي في برازيليا حتى الآن.10 ومنذ بداية الإبادة الجماعية، أكدت البيانات الرسمية على استمرار دعم البرازيل لقيام الدولة الفلسطينية وللقانون الدولي، وعلا صوتها في انتقاد حكومة نتنياهو. وفي الوقت نفسه، سعت هذه التصريحات إلى التمييز بين الحكومة الإسرائيلية الحالية والدولة الإسرائيلية ذاتها، في ما أبقت البرازيل على علاقاتها التجارية والعسكرية مع إسرائيل إلى حدٍّ كبير.

المهم هنا أنّه على الرغم من الإبادة استمرت العلاقات الاقتصادية بين البرازيل وإسرائيل – في ظل حدوث بعض الاستثناءات – في اتّباع النمط القائم منذ عقود. فمنذ مطلع عقد الألفية ومن بعده عمّقت البرازيل وإسرائيل من علاقاتهما الاقتصادية. في 2007، في عهد لولا، قادت البرازيل توقيع «الميركوسور»11 على اتفاق للتجارة الحرة مع إسرائيل. وورد في بيان حيثيات القرار بالموافقة على اتفاق التجارة الحرّة أن التبادل التجاري في 2007 بين البرازيل وإسرائيل بلغ  مليار رياس (نحو 200 مليون دولار)، بواقع 30% زيادة عن حجم التبادل التجاري في 2006 (البرلمان البرازيلي، 2009).12

يُعدّ قطاع الأغري-بيزنس وقطاع النفط أكبر المستفيدين من العلاقات التجارية بين البرازيل وإسرائيل. وتُظهر البيانات أنّ هذين القطاعين يؤدّيان دوراً محورياً في الحفاظ على العلاقات بين الدولتين، بغضّ النظر عمّن يتولّى السلطة. ويتحمّل هذان القطاعان مسؤولية الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان والحقوق البيئية في المناطق الريفية البرازيلية. وفي هذين القطاعين بعض أبرز الداعمين للساسة اليمينيين المتطرفين في البرازيل.

إن الاصطفاف بين قطاعي الأعمال الزراعية (أغري-بيزنس) والنفط، والساسة اليمينيين المتطرفين في البرازيل، وإسرائيل – في اصطفاف ثلاثي – يتكشّف لنا إذا نظرنا إلى بيانات تُظهر أنه بين 2019 و2022 (فترة حكم بولسونارو) زادت صادرات هذين القطاعين إلى إسرائيل عاماً بعد عام؛ إذ كانت بحجم 371 مليون دولار وأصبحت 1.8 مليار دولار. وفي 2023 تراجع المبلغ إلى نحو 662 مليون دولار،13 21% منها نفط خام، و19% لحم بقري و18% فول صويا.14 على أنه حتى بعد عودة لولا تبقى صادرات البرازيل النفطية إلى إسرائيل – في 2024 – كافية لجعلها أحد أكبر المورّدين النفطيين لإسرائيل،15 بواقع 9% من النفط الخام الذي استوردته إسرائيل ذلك العام.

أما الصادرات الإسرائيلية إلى البرازيل فأغلبها أسمدة ومنتجات تكنولوجيا زراعية؛ فإسرائيل من أكبر الموردين للبرازيل في ما يخص هذه المنتجات. وفي 2023 استوردت البرازيل ما قيمته نحو 1.4 مليار دولار من هذه المنتجات، 45% منها أسمدة و11% مبيدات زراعية، بالأساس من شركتي «حيفا غروب» و«أداما» الإسرائيليتين.16 وتستورد البرازيل أيضاً تكنولوجيا زراعية إسرائيلية، تشمل طائرات مسيّرة تُستخدم لتشغيل عمليات التسميد وأنظمة الري. وتأتي هذه التكنولوجيا بالأساس من «حيفا غروب» و«أداما» و«نيتافيم». 

من المهم تسليط الضوء هنا على الدور الذي تؤدّيه هذه الشركات وغيرها من شركات التكنولوجيا الزراعية في عملية «الغسيل الأخضر» الإسرائيلية. ويُشير هذا المصطلح إلى استخدام إسرائيل الاستراتيجي للخطاب البيئي لإخفاء ممارساتها في الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والسلب لمقدّرات الفلسطينيين. في السردية الدعائية التي تروّج لها هذه الشركات، تُقدَّم إسرائيل بوصفها رائدة عالمياً في مجالي الاستدامة والابتكار، فيما يُخفى عمداً الضرر البيئي الحقيقي والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي ترتكبها هذه الشركات والدولة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وبيئتهم. ويروّج قطاع الأعمال الزراعية الإسرائيلي للأسطورة الصهيونية القائلة إنّ المستوطنين الصهاينة في فلسطين «جعلوا الصحراء تزهر وتخضرّ»، مُسوِّقاً تقنيات الري والزراعة في المناطق القاحلة بوصفها حلولاً عالمية لتغيّر المناخ وانعدام الأمن الغذائي، مع تجاهل التهجير التاريخي للفلاحين الفلسطينيين والدمار البيئي الناجم عن التوسّع الاستيطاني.

تُعدّ شركتا «أداما» و«نيتافيم» المذكورتان من أضخم شركات الأغري-بيزنس في إسرائيل، وتؤديان دوراً محورياً في استراتيجيات «الغسيل الأخضر» التي تتبعها الدولة. وتُعرف «نيتافيم» على نطاق واسع بدورها الريادي في تطوير تقنيات الريّ بالتنقيط، وتسوّق نفسها بوصفها جهةً توفّر حلولاً لمشكلة ندرة المياه العالمية ولتحديات تغيّر المناخ. ويُبرز خطابها التسويقي مفاهيم الكفاءة والاستدامة والأمن الغذائي، بما يمنحها صورة المسؤولية البيئية. غير أنّ عمليات الشركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تكشف عن تناقض صارخ؛ إذ توفّر «نيتافيم» أنظمة الريّ للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية. ومن خلال تقديم تقنياتها على أنها ابتكارات مستدامة بيئياً، تُخفي الشركة الواقع المادي المتمثل في السلب وتحويل موارد المياه بعيداً من المجتمعات الفلسطينية.

من هذا المنظور إذن، تعمل السمعة العالمية التي تتمتّع بها شركة «نيتافيم» كمبتكرة بيئية بمثابة درع يحول دون مساءلتها عن تواطئها في التوسّع الاستعماري الاستيطاني. أما شركة «أداما»، وهي من كبريات الشركات العالمية المنتجة للمواد الكيماوية الزراعية، فهي متورطة بدورها في ديناميات «الغسيل الأخضر»؛ إذ تروّج لمحفظتها من منتجات حماية المحاصيل والأسمدة وأنظمة مكافحة الآفات بوصفها أدوات للزراعة المستدامة تُحسّن الإنتاج وتحدّ من الأضرار البيئية. غير أن أنشطة «أداما» ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنموذج الأوسع للأغري-بيزنس في إسرائيل، القائم على الاستيلاء على الأراضي، والزراعة الأحادية المكثفة، وتهميش الممارسات الزراعية الفلسطينية. فضلاً عن ذلك، تستفيد الشركة من استراتيجية الدولة الإسرائيلية في التسويق الدولي، التي تُقدّم الزراعة الإسرائيلية كمثال على «الزراعة الذكية مناخياً» القابلة للتصدير إلى أنحاء العالم، وهو ما يؤثر بصورة خاصة على المجتمعات في الجنوب العالمي. وتعمل هذه السردية القائمة على الاستدامة فعلياً على إخفاء التكلفة البيئية لاستخدام المواد الكيماوية بكثافة، وتدهور التربة، وإزاحة النظم الزراعية المحلية.

إذن تُعد «نيتافيم» و«أداما» معاً مثالاً دالاً على كيف تستعين شركات الأغري-بيزنس الإسرائيلية بالوسم الأخضر لتطبيع وشرعنة بُنى السلب والتوسع الاستعماري. تساعد سمعتها الدولية كشركات رائدة في الزراعة المستدامة في دمج إسرائيل بأجندات التعاون الدولي واستراتيجيات التكيف المناخي وبرامج الأمن الغذائي، بما يشمل في مساحات مثل مؤتمرات كوب.

شراء المنتجات العسكرية ذات الاستخدام المزدوج يدمج التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية ضمن الاقتصاد الأخضر العالمي؛ ما يسهم في مزيد من تطبيع صناعة الأسلحة الإسرائيلية

وهناك مثال آخر معروف على نهج إسرائيل في الغسيل الأخضر، يتمثل في شركة «ميكوروت» المملوكة للدولة، والتي تتخصص في تصدير خبراتها بمجالي تحلية المياه والريّ، وتشتبك في الوقت نفسه في «الأبارتيد المائي»: أي نهب الموارد المائية الفلسطينية عن طريق تحويلها إلى المستوطنات الإسرائيلية، وتقييد وصول الفلسطينيين إلى المياه النظيفة، واستخدام ندرة المياه كأداة للسيطرة السياسية.17 وعلى الرغم من أن «ميكوروت» لم تفلح حتى الآن في دخول السوق البرازيلية – بفضل حملات قائمة ضدها – فللشركة تواجد قوي في مناطق أخرى من أميركا اللاتينية وفي أفريقيا.18

وتشمل استراتيجية التسويق والوسم التجاري الإسرائيلية – وبشكل أكثر بروزاً – القطاع العسكري-الصناعي. فهذه الصناعات تخدم قطاع الأغري-بيزنس في البرازيل، وهو القطاع الذي يُخضع صغار المنتجين والفلاحين والمجتمعات التقليدية والشعوب الأصلية، من خلال نزع الأراضي، والتلوث بالمبيدات والأسمدة، بل وأحياناً عبر العنف الجسدي والنفسي أيضاً. علاوةً على ذلك، فإن شراء المنتجات العسكرية ذات الاستخدام المزدوج يدمج التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية ضمن الاقتصاد الأخضر العالمي؛ ما يسهم في مزيد من تطبيع صناعة الأسلحة الإسرائيلية. ولهذا السبب، تبرز الأهمية القصوى لفرض حظر شامل على إسرائيل، لا مجرد حظر معداتها العسكرية المحددة.

وفي مقابل صادرات المجمّع العسكري-الصناعي الإسرائيلي إلى قطاع الأغري-بيزنس البرازيل، زادت البرازيل أيضاً وارداتها من الأسلحة الإسرائيلية بين 2010 و2019؛ إذ تسلّمت طائرات نفاثة وطائرات مسيّرة وصواريخ وأنظمة قيادة وتحكّم. وقد أنفقت البرازيل في 2024 ما لا يقل عن 167 مليون دولار على الآلات العسكرية والأسلحة والذخائر المستوردة من إسرائيل. وهذه الأرقام لا تشمل المشتريات التي تقوم بها الولايات والبلديات داخل البرازيل، والكثير من العقود تُصنَّف سرّية، فضلاً عن تسجيل المعدات ذات الاستخدام المزدوج ضمن فئات أخرى. ومع ذلك، فإن فئة الآلات العسكرية والمفاعلات النووية والغلايات شكّلت ثالث أكبر فئة من الواردات من إسرائيل، بعد المواد الكيماوية الزراعية ومنتجات البلاستيك.

من المهم الإشارة هنا إلى أنّ حجم الواردات العسكرية-الصناعية من إسرائيل إلى البرازيل كان ليكون أعلى في 2024 لولا الضغوط الشعبية المناهضة لهذا النوع من التجارة. ففي 2024، وأثناء الإبادة الجماعية وبعد اعتراف الرئيس لولا بأنّ ما يجري هو إبادة فعلية، شرع الجيش البرازيلي في مفاوضات لإبرام صفقة تتراوح قيمتها بين 150 مليون و200 مليون دولار لشراء 36 قطعة مدفعية ذاتية الحركة من طراز «أتموس – ATMOS» من شركة «إلبِت سيستمز»، وهي من أهم – إن لم تكن الأهم – الشركات الإسرائيلية المنتجة والمصدّرة للتكنولوجيا العسكرية. وجاء ذلك على الرغم من تصاعد التوتّرات السياسية في البرازيل بشأن هذه القضية، ومع ازدياد ضغوط المجتمع المدني وحلفائه للمطالبة بفرض حظر وعقوبات على إسرائيل. وفي نهاية المطاف، نجحت الحملة المناهضة لواردات السلاح الإسرائيلي في جذب تغطية إعلامية واسعة، وسحبت الحكومة عرضها قبل توقيعه في أواخر 2024.

كما تصدّر البرازيل بعض المنتجات إلى القطاع العسكري الإسرائيلي، في حين ترتبط الكثير من الشركات البرازيلية عبر روابط مالية وروابط المِلكية المشتركة مع شركات سلاح إسرائيلية. على سبيل المثال، فإن شركة «أيه إي إل سيستيماس» وهي شركة تصنيع عسكرية مقرها بورتو أليغري في جنوب البرازيل، أصبحت شركة تابعة لشركة «إلبِت».19 وتنتج «أيه إي إل» معدات دفاع برازيلية باستخدام تكنولوجيا إسرائيلية، بدعم من الحكومة الفيدرالية وهيئات حكومية أخرى، وتصدّر قطع غيار عسكرية إلى إسرائيل (برازيل دي فاتو، 2023أ). ولقد أصبحت «إلبِت» شريكاً أقوى للمؤسسة العسكرية البرازيلية عبر شركة تابعة أخرى اشترتها، هي «آريس للنظم الجوية والدفاعية» في ولاية ريو دي جانيرو.20

ترتبط قطاعات صناعية أخرى في البرازيل كذلك بالقطاع العسكري الإسرائيلي. ففي 2025، كشف صحافيون وحركات اجتماعية في البرازيل عن قيام شركات بتصدير حديد صلب برازيلي إلى شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية «آي إم آي»، وهي شركة مرتبطة بـ«إلبِت»، لاستخدامه في تصنيع الأسلحة. وقد أدت تسريبات عن خطط بتصدير 60 طناً من قضبان الفولاذ إلى إسرائيل، إلى اندلاع احتجاجات في سانتوس وريو دي جانيرو، وإلى مطالبات بتدخل إداري لوقف الشحنة، فيما أشار صحافيون إلى أنّ الفولاذ كان ضمن قائمة أهم عشر صادرات برازيلية إلى إسرائيل في 2024، وهو اتجاه استمر خلال 2025، بحسب نقابة عمال النفط.

يُعدّ النفط بدوره من الصادرات ذات الصلة بالقطاع العسكري الإسرائيلي. كشف تحقيق نُشر في 2024 أنّ البرازيل غطّت نحو 9% من إجمالي النفط الخام الذي زوّدَت إسرائيل به بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتموز/يوليو 2024، بما في ذلك ناقلات غادرت بعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في شباط/فبراير 2024.21 وفي خلال إدارة بولسونارو (2019–2022)، ارتفعت صادرات النفط إلى إسرائيل، وبلغت ذروتها في 2022 عند 1.07 مليار دولار. غير أنّ تصدير النفط استمر في ظلّ رئاسة لولا. ولقد زادت صادرات النفط إلى إسرائيل في 2024 بنسبة 51% مقارنة بـ 2023. أما الشركات الرئيسة المعنية فهي «شل» و«بتروبراس» (شركة النفط الوطنية البرازيلية).

بالنسبة إلى شبكات التضامن مع فلسطين والحركات الاجتماعية البرازيلية، أصبحت التدفقات النفطية هذه هدفاً مهماً للحملات. فأكبر اتحادات نقابية تمثل عمال النفط، الاتحاد الفيدرالي لعمال البترول (إف يو بي) والاتحاد الوطني لعمال البترول (إف إن بي) قد أصدرا بيانات في أيار/مايو 2025 تنادي بتعليق الصادرات النفطية إلى إسرائيل على ضوء أعمالها العسكرية في غزة. هذا الحشد أطّر النفط بصفته مادة تربط بين الموارد البرازيلية وتعميق واستمرار الحرب الإسرائيلية، مع المحاججة بأن استمرار هذه التجارة يقوّض التزامات البرازيل بمجال حقوق الإنسان ومبادئها الدستورية القاضية بتعزيز السلام وحق تقرير المصير. ولقد ضمّت هذه الحملة حركة «بي دي إس» ونقابات وأطراف أخرى بالمجتمع المدني. وعلى الرغم من تراجع حجم صادرات النفط ومشتقاته إلى إسرائيل، فهناك شكوك بوجود صادرات غير مباشرة ومن خلال أطراف ثالثة، لذا تستمر الضغوط من أجل الحظر الرسمي للصادرات وبالتزام الدولة البرازيلية بسياسة تجارة قائمة على المبادئ.

ويُعدّ تعليق صفقة شراء مدافع «إلبت» ذاتية الحركة (المشار إليها أعلاه) مؤشراً على تغيّر حديث في موقف الحكومة تجاه واردات السلاح الإسرائيلية. ومن المؤشرات الأخرى إعلان وزير الخارجية في آب/أغسطس 2025 أن البرازيل تدرس إمكانية حظر تصدير المواد العسكرية إلى إسرائيل. ومع ذلك، لم تُقدِم الحكومة البرازيلية حتى الآن على إلغاء أيّ من الاتفاقات الكبرى في المجالين العسكري أو الزراعي، كما لم تنسحب من أطر التعاون الأساسية مثل اتفاقية التجارة الحرة بين «ميركوسور» وإسرائيل. ويجدر التنويه في هذا السياق إلى أن من بين 4 اتفاقات ثنائية وُقّعت مع إسرائيل في عهد بولسونارو في 2021 (3 منها تتعلق بالتعاون في مجالات الدفاع والأمن والطيران)، دخل واحد منها حيّز التنفيذ، فيما لا تزال 3 في انتظار موافقة مجلس الشيوخ البرازيلي. وقد دعت حركة «بي دي إس» وشركاؤها إلى إلغاء هذه الاتفاقات بقرار من الرئيس، وهو إجراء يمتلك صلاحية اتخاذه قبل طرحها للتصويت في الكونغرس البرازيلي.22

وعلى ضوء إخفاق الحكومة الراهن في اتخاذ القدر الكافي من الخطوات الملموسة، يزيد المجتمع المدني في كل من البرازيل وفلسطين من ضغوطه من أجل وقف العلاقات بين البلدين.23

المقاومة والتضامن: نضالات مشتركة 

لطالما كان للاعتراف بالنضال في سبيل القضية الفلسطينية حضور في الحركات الاجتماعية البرازيلية، لكن ظهر التضامن الحقيقي والملموس بسبب تقدير وتثمين أوجه التشابه والتوازي التاريخية بين معاملة إسرائيل للفلسطينيين – كدولة استعمار استيطاني تفرض نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين كأمر واقع وبموجب قوانين وأنظمة رسمية – ومعاملة السود والشعوب الأصلية والفئات المهمشة الأخرى في البرازيل. تقرّ حركات السود في البرازيل بأن التكتيكات المستخدمة ضد الفلسطينيين قد جرى تصديرها ليستخدمها الجهاز العسكري في البرازيل ضد السود والشباب المهمش والشعوب الأصلية.24 على العكس من إسرائيل، ليست البرازيل دولة فصل عنصري بموجب القانون، لكن لديها ميراث ثقيل من العنف الاستعماري، الذي ويؤدي إلى تمكين السلطات على مسار القضاء على وتحييد الجماعات التي توجد تصورات بكونها تهدّد نظم التراكم القائمة وعلاقات الملكية والسيطرة السياسية. على سبيل المثال، فإن شعب اليانومامي – من الشعوب الأصلية - يعاني25 من موت المئات من أفراده على صلة بالتعدين غير القانوني، في حين تعاني المجتمعات السوداء من عنف الدولة الممنهج عبر إدارتها الشُّرطية المُعسكرة لمناطقها وما يُسمى بالحرب على المخدرات، كما يظهر من أعمال القتل في الآونة الأخيرة بمنطقة بايسادا سانتيستا.26

تخدم سياسات التوسّع الاستعماري الاستيطاني والإبادة الجماعية أهدافاً اقتصادية إلى جانب غاياتها السياسية

تسهم الضرورات الاقتصادية في تغذية هذه الديناميات القمعية في البلدين. ففي البرازيل، أتاح نهج التحرير الاقتصادي في عهد بولسونارو عمليات الاستخراج غير القانوني في أراضي الشعوب الأصلية – ولا سيما داخل محمية يانومامي – ودمج الذهب المستخرج بطريقة غير مشروعة في الأسواق العالمية. أمّا في إسرائيل، فقد أدّت الأزمة الاقتصادية بعد 2008 إلى تصاعد الضغوط لمصادرة الأراضي الفلسطينية بوصفها استجابة لأزمة غلاء المعيشة الداخلية. وتُظهر الحالتان كيف تخدم سياسات التوسّع الاستعماري الاستيطاني والإبادة الجماعية أهدافاً اقتصادية إلى جانب غاياتها السياسية.27

في كلا السياقين يؤثر عنف الدولة بشكل غير متناسب على الفئات المهمشة عِرقياً، إذ تُعتبر مقاومتها تحدياً جوهرياً لنظام الدولة القائم على التراكم وعلاقات الملكية والسيادة السياسية. وتنطوي هذه الديناميات على ممارسة ما يُعرف بـ «قوة الإقصاء»، التي تتجلّى في القتل والطرد والاندماج القسري والعزل. وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى ترسيخ السيادة الاستعمارية على الأراضي المصادَرة وتيسير التراكم الأوّلي. ومن المهم الإشارة إلى أن الاستغلال والإقصاء لا يُشكّلان نقيضين، بل هما صورتان متبادلتان لسلطة الاستعمار الاستيطاني المتموضعة ضمن العلاقات الرأسمالية.28

يرى الكثير من الفاعلين في المجتمع المدني في البرازيل – ولا سيما حركات السود وحركات الفافيلا – أن عسكرة الأراضي في البرازيل وفلسطين يمكن قراءتها بوصفها تجسيداً لأنظمة حكم عنصرية مترابطة، تقوم على منطقٍ مشترك من الاستثناء والإحاطة والمراقبة، على الرغم من تباين السياقات التاريخية والقانونية التي تتجلّى فيها. في الفافيلا والمناطق المهمّشة في البرازيل، تُشكّل العمليات الشُّرطية-العسكرية، وأنظمة المراقبة الرقمية، والرقابة البيئية بنيةً تحتية للسيطرة تُطبع القتل وتُعلّق إعمال الحقوق. أما في المناطق الفلسطينية المحتلّة، فإن نقاط التفتيش، والمداهمات، والحدود المزوّدة بتقنيات الاستشعار تؤدي وظيفة موازية في هندسة القيود. ويربط بين هذه المواقع تدفّق عابر للحدود للعقائد الأمنية والتكنولوجيات وشبكات التوريد (الطائرات المسيّرة؛ ومنصّات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع؛ وأنظمة التنبؤ الشُّرطي؛ وحُزَم «المدن الذكية»)، وهي قنوات يترجم من خلالها المورّدون والأجهزة البيروقراطية الأمنية تقنياتٍ جُرّبت ميدانياً، إلى ممارسات إدارية روتينية في سياق آخر. والنتيجة هي نموذج مترابط ومتعاضد من «الأمن والتنمية» يتعامل مع الفئات المُعرّضة لسياسات الفصل العرقي بوصفها تهديدات قابلة للإدارة، ومع الفضاءات باعتبارها مختبرات للتجريب الإداري، في الوقت الذي يُخفي فيه أوجه اللامساواة البنيوية الكامنة وراء سرديات الكفاءة والتحديث وإدارة المخاطر.

لقد أسهمت الفعاليات الكبرى التي أُقيمت مؤخراً في البرازيل، ولا سيما أولمبياد ريو 2016، في ترسيخ مفهوم «عسكرة الحياة اليومية» في البلاد؛ إذ جرى تطبيع أنظمة الأمن الاستثنائية وجعلها اعتيادية، وتسريع عمليات الشراء للمعدات ذات الصلة، وبناء بنية تحتية للمراقبة، ثم إعادة توظيفها في إدارة الفافيلا والمجتمعات الحضرية بصورة روتينية. ويعكس هذا التطبيق المحلي للإجراءات الاستثنائية دوائر عابرة للحدود من التكنولوجيا والعقيدة الأمنية، ما يجعل حوكمة المدن في البرازيل تتماهى مع نماذج صيغت في سياقات أخرى من الاحتلال والإحاطة، ويعزز في الوقت نفسه التعامل مع الفضاءات الهشّة بوصفها مختبرات للتجريب الإداري.29

في هذا السياق، تنامت حركة التضامن البرازيلية مع فلسطين منذ أواسط عقد الألفية. واتخذت هذه الحركة التضامنية استراتيجيات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) مهاداً لها، ومعها استراتيجيات التحالفات التقاطعية وانتقاد العسكرة والغسيل الأخضر. ولقد ظهرت حركة بي دي إس في 2005 على صورة دعوة موحدة من أكثر من 170 منظمة مجتمع مدني فلسطينية تطالب بإنهاء الاحتلال والاستعمار، وبالمساواة الكاملة للفلسطينيين وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي واحترام حق اللاجئين في العودة. وفي البرازيل وأميركا اللاتينية، اكتسبت الحركة الزخم عبر أنشطة النقابات واتحادات الطلاب والنقابات الأكاديمية، منذ 2006،30 وحركات نشطت في الفافيلات وفي الريف، ترجمت منصة بي دي إس العالمية إلى حملات محلية وضغط على المؤسسات الحكومية ومقاطعة ثقافية ومطالبات خاصة بسياسات مشتريات الدولة، مع وضع فلسطين في صميم النضالات الأوسع نطاقاً ضد العنصرية والعسكرة والأغري-بيزنس والاستخراجية.

وفي 2010 تشكلت مجموعة تابعة لحركة بي دي إس في البرازيل – وبشكل رسمي – للمرة الأولى، وقد ركّزت على مقاومة العسكرة وشنت حملات ضد شركة «إلبِت». وعمّقت المجموعة من تحالفاتها مع التضامن الفلسطيني والحركات التي خرجت من الفافيلات وحركات «كيلومبوس» الحضرية.31 وفي الوقت نفسه نُظمت «فعاليات يوليو الأسود»32 في ريو دي جانيرو وساو باولو، وقد ربطت بين عنف الدولة في مناطق البرازيل المهمشة – على صورة الإدارة الشُّرطية العنصرية والظلم في سياسات السكن – والاحتلال العسكري الإسرائيلي لفلسطين. وفي 2014 حققت حركة بي دي إس في البرازيل نصراً كبيراً، إذ أوقفت مقترحاً بالتوسع في أعمال شركة «إلبِت» في بورتو أليغرو.

بدأت أنشطة حركة بي دي إس التي استهدفت قطاعي الزراعة والبيئة بمحاولاتٍ لمواجهة مساعي شركة «ميكوروت» لدخول السوق البرازيلية. ففي 2009، قادت مركزية نقابات العمال حملة ضد اتفاق بين «ميكوروت» وشركة توزيع المياه العامة في ولاية ساو باولو، شارك فيها عمال وصغار مزارعين. وفي 2014، تعاونت حركة المتضررين من السدود (ماب) وحركة المنتجين الصغار (إم بي أيه) لمنع إبرام اتفاق بين «ميكوروت» وولاية باهيا. ومؤخراً، ربطت قيادة حركة الفلاحين بلا أرض (إم إس تي) علناً بين قضية إصلاح الأراضي والمطالب المناهضة للاستخراجية من جهة، والتضامن مع فلسطين من جهة أخرى، معتبرةً القضيتين نضالاً ضد الاستحواذ الرأسمالي والعسكرة.

وتميل مجموعات «بي دي إس» في البرازيل إلى تبنّي العمل الائتلافي، وغالباً ما تتعاون مع الأحزاب اليسارية. فقد تعاونت مع حزب الاشتراكية والحرية (بي إس أو إل)، الذي أصدر في 2018 قراراً جدّد فيه دعمه لحركة المقاطعة ودعا إلى فرض حظر على الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى البرازيل، رابطاً بين التكنولوجيا الإسرائيلية وأشكال القمع الداخلي.

وفي 2019، ركزت التغطية الإعلامية في البرازيل على تأثير الحركة المتراكم والانتصارات الظاهرة لها، وهو ما ساعد على تعميم تكتيكات الحركة – من فك الارتباط بالشركات وتكتيك المقاطعة الثقافية والمناقشات السياسية بشأن التجارة والتعاون العسكري. هذه الديناميات تشدد على طبيعة «بي دي إس» المزدوجة، بصفتها مشروع طويل الأجل تضرب جذوره في القانون الدولي ومناهضة العنصرية، وخطة استراتيجية تستهدف التواطؤ المؤسسي بدلاً من استهداف الأفراد.

لقد حقّقت احتجاجات يوليو الأسود الشعبية في ساو باولو وريو دي جانيرو، إلى جانب احتجاجات مماثلة أخرى، اختراقاً رمزياً لكنه بالغ الأهمية، من خلال الربط المباشر بين منظومات الأسلحة الإسرائيلية وسياسات الشرطة المُعسكرة في الفافيلا البرازيلية. ومن خلال إعادة صياغة التضامن مع فلسطين بوصفه جزءاً لا يتجزأ من النضال من أجل العدالة العرقية ونزع العسكرة وحماية البيئة داخل البلاد، وسّعت هذه الحركات قاعدتها الاجتماعية وربطت التضامن العالمي بالمطالب المحلية.

على الرغم من التقدّم الذي أحرزته حركة «بي دي إس»، ظلّت اتفاقية التجارة الحرة بين «ميركوسور» وإسرائيل سارية المفعول، ما ضمن لإسرائيل وضعاً تجارياً تفضيلياً، في حين واصلت صادرات البرازيل من المنتجات الزراعية والنفطية تقويض خطاب المقاطعة. وأدّت حالة الجمود الحكومي والضغوط السياسية إلى تعطيل أي تحرّك تشريعي أو تنفيذي أوسع بشأن هذه المسألة، وهو ما يعكس حدود الانتصارات الشعبية حين تواجه مصالح اقتصادية ودبلوماسية راسخة.

ثم جاءت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وبين 2023 و2025، ازداد نشاط حركة «بي دي إس» حضوراً في البرازيل؛ وحقّقت الحركة انتصارات ملموسة بفضل سلسلة من التعبئات والحملات. فكما ذُكر سابقاً، تم في 2024 تعليق أكبر عقد عسكري مع شركة «إلبِت سيستمز» طُرح في السنوات الأخيرة. كذلك أُلغيّ في العام نفسه معرض الابتكار المشترك في الجامعة الاتحادية في سيارا، والذي كان من المقرّر أن يعرض شراكات مع مؤسسات إسرائيلية في مجالات مثل إدارة المياه والأمن الغذائي. وفي 2025، ألغت 4 جامعات برازيلية اتفاقياتها مع الجامعات الإسرائيلية.

تحققت هذه الإنجازات في ظلّ تحوّل في الرأي العام. ففي حزيران/يونيو 2025، وقّع أكثر من 15,000 شخص – من بينهم أسماء بارزة في مجالات الفنون والموسيقى والسياسة – عريضة تطالب بفرض عقوبات على إسرائيل، تشمل حظراً عسكرياً شاملاً وإنهاء اتفاقية التجارة الحرة. وفي آب/أغسطس، أعلن وزير الخارجية، وللمرة الأولى، أن البرازيل تدرس اتخاذ تدابير اقتصادية محددة ضد إسرائيل، من بينها إعادة تقييم اتفاقية التجارة الحرة وصادرات الأسلحة.

الهجمة المضادة والتحديات الكبيرة

على الرغم من المنجزات المذكورة، فالمقاومة السياسية والمعوقات الهيكلية مستمرة في تقييد تقدم حركة «بي دي إس» في البرازيل، والتضامن مع فلسطين بشكل عام. يشمل هذا شبكات اللوبي الصهيوني، وإحجام الحكومة عن الاستجابة بشكل أسرع، والتبعات القانونية، والتأطير الأيديولوجي لإسرائيل بصفتها شريكاً جيّداً بمجال الابتكار.

تتواجد منظمتا لوبي صهيوني أساسيتان في البرازيل، هما «مؤسسة حلفاء إسرائيل (آي أيه إف)» والكونفدرالية الإسرائيلية في البرازيل (كونيب). تحافظ آي أيه إف على تجمّع مناصر برازيلي بالأساس، من البرلمانيين المنحازين إلى الكُتل الإنجيلية والمحافظة، وهم يعملون على مناوئة الحشد لمناصرة فلسطين في البرازيل. هؤلاء المشرّعون يعارضون تحركات «بي دي إس» ويعززون العلاقات الإسرائيلية في المحافل التشريعية. وتعمل كونيب كوسيط محوري بين المؤسسات المجتمعية والدولة، فتدافع عن القوة الناعمة الإسرائيلية وتتحدى الخطاب الانتقادي، لا سيما في الإعلام والدوائر الأكاديمية.

إلى جانب لجوئها إلى التهديدات القانونية والحرب القضائية، تسعى الشبكات المؤيدة لإسرائيل إلى تصنيف انتقاد إسرائيل على أنه خطاب كراهية، زاعمةً أن انتقاد السياسات الإسرائيلية غالباً ما يُخفي نوايا معادية للسامية، وهي استراتيجية تُستخدم لتجريم الناشطين ونزع الشرعية عنهم. وبموجب القانون البرازيلي، تُعدّ معاداة السامية شكلاً من أشكال العنصرية وجريمة يعاقب عليها القانون، غير أنه لا توجد تعريفات رسمية للمصطلح. وتضغط الجماعات الصهيونية من أجل تبنّي تفسير واسع لمعاداة السامية يمكن استخدامه لقمع أنشطة التضامن مع فلسطين. 

الدور التاريخي للبرازيل في الجنوب العالمي وصلاتها الاقتصادية العميقة بإسرائيل يمنحانها قدرة فريدة على ترجيح كفّة المساءلة. والآن، أمام البرازيل فرصة تاريخية لدعم فلسطين مع استضافتها لقمة كوب-30 وقمة الشعوب

وعلى الرغم من مواقف الرئيس والحكومة البرازيليين الحازمة منذ بداية الإبادة، فإن التحولات السياسية حتى الآن لا تزال محدودة. فقد بقيت اتفاقية التجارة الحرة بين «ميركوسور» وإسرائيل سارية المفعول، ولم تُلغِ الهيئات الحكومية الالتزامات الكبرى في مجالي التسليح أو التجارة. وفي الوقت نفسه، ما زالت الولايات والبلديات تواصل شراء المعدات الإسرائيلية. ولم يُفرض حتى الآن حظر رسمي، فيما تستمر عمليات الشحن غير المباشر.

ومن أسباب هذا التقدّم المحدود أن المشرعين الموالين للصهيونية (وبعضهم حلفاء للحكومة) والنخب من قطاع الأعمال، مستمرون في الضغط على الوزارات البرازيلية لصالح الاحتفاظ بالروابط التجارية بين البرازيل وإسرائيل في مجالات الأمن والزراعة والطاقة. من الأمثلة الدالّة، التصويت بالإجماع في مجلس الشيوخ البرازيلي في حزيران/يونيو 2025 لصالح جعل يوم 12 نيسان/أبريل يوم الصداقة الإسرائيلية-البرازيلية، احتفالاً بالأواصر التاريخية والاقتصادية بين البلدين – في خضمّ الإبادة في غزة. كانت تلك رسالة واضحة إلى الرئاسة، بما يشمل من أعضاء مجلس الشيوخ من حزب الرئيس – بعد بيانات لولا القوية ضد التصرفات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، دافعت وزارة الدفاع – التي تنفذ إلى الآن أعمالاً تنسيقية مع شركاء على صلة بشركة «إلبِت» وتتاجر مع الأسواق الإسرائيلية – دافعت علناً عن شراكاتها مع الشركات الإسرائيلية، ووصفت محاولات وقف هذه العلاقات بأنها «تدخلات أيديولوجية».

ثمّة عامل قد يفسّر توجه النخب البرازيلية الإيجابي نحو إسرائيل، هو استراتيجية الوسم العالمية لإسرائيل، التي تروّج من خلالها لصورتها، والتي تشدّد على التفوق التقني في مجال المناخ والابتكار الزراعي والتعاون الأمني. وبناء على هذه الاستراتيجية، تشارك إسرائيل في الكثير من معارض وفعاليات الابتكار في البرازيل. هذه الاستراتيجية – في المجمل – تسمح لإسرائيل بتصوير نفسها بصفتها شريك للتنمية في البرازيل، ما يعني عملاً قيامها بالغسل الأخضر لسياساتها الاحتلالية. هذه السرديات تصادف هوى النخب البرازيلية وتُعمي عن مطالبات المحاسبة.

المراحل التالية: استراتيجيات لضمان أن تلعب البرازيل دوراً قيادياً في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين

تحتلّ البرازيل موقعاً محورياً في مشهد السياسة الخارجية لأميركا اللاتينية بصفها عضوة في البريكس، وأكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية، ومن أكبر عشر اقتصادات في العالم في 2025. إنّ الدور التاريخي للبرازيل في الجنوب العالمي وصلاتها الاقتصادية العميقة بإسرائيل يمنحانها قدرة فريدة على ترجيح كفّة المساءلة. والآن، أمام البرازيل فرصة تاريخية لدعم فلسطين مع استضافتها لقمة كوب-30 وقمة الشعوب. 

في هذا السياق، يعتمد نجاح حركة التضامن مع فلسطين في البرازيل على بناء تحالفات واسعة ومتقاطعة تربط بين النضالات الحضرية والريفية والبيئية والعمالية ومناهضة العنصرية. يشمل هذا كشف استراتيجيات الغسيل الأخضر والوسم الخاص بالتكنولوجيا الأمنية التي تتبناها إسرائيل. وقد أظهرت حركات مثل حركة الفلاحين بلا أرض (إم إس تي) وحركة المتضررين من السدود (ماب) وحركة المنتجين الصغار (إم بي أيه) والحركة السوداء الموحّدة (إم إن يو) والمجموعات النشطة في الفافيلا الإمكانات الكامنة في ربط قضايا إصلاح الأراضي والعدالة السكنية والدفاع البيئي بتحرّر فلسطين. كما تُعدّ النقابات العمالية والمنظمات النسوية والحركات السوداء وحملات العدالة المناخية واتحادات الطلبة حلفاء أساسيين في هذا المسار. ولقد نجحت الحركات الاجتماعية بالفعل في وقف العقود مع «ميكوروت» و«إلبِت»، ودفعت الجامعات إلى إلغاء معارض إسرائيلية وفرضت نقاشات عامة على صادرات النفط والحظر الطاقي الكامل. تسلط هذه الجهود الضوء على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وكيف أنه ليس ظاهرة معزولة أو بعيدة جغرافياً، بل يرتبط بنفس المنطق الاستخراجي والعسكري الذي يُلحق الضرر بالمجتمعات المهمّشة في البرازيل.

لكن يتعيّن أيضاً على الفاعلين القاعديين من مستوى الحركات الشعبية ممارسة الضغط على الحكومة للانتقال من الإدانة الخطابية إلى الفعل العملي. دعت حركة «بي دي إس» باستمرار إلى فرض عقوبات وتدابير للمساءلة تكون فعّالة وقانونية ومتوازنة، وموجَّهة نحو تفكيك بُنى القمع. إنّ تبنّي مثل هذه التدابير يُعدّ واجباً قانونياً لا خياراً سياسياً. وعلى الصعيد الوطني، ويجب على البرازيل أن تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي. ولتحقيق ذلك، تبرز الحاجة إلى اعتماد التدابير التالية للمساءلة:

1. إنهاء جميع صادرات الأسلحة القائمة مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

2. حظر أسلحة شامل على إسرائيل، ويشمل تصدير واستيراد المعدات العسكرية والمواد مزدوجة الاستخدام، والإنهاء الفوري لجميع اتفاقات التعاون العسكري والأمني مع إسرائيل.

3. إلغاء اتفاق التجارة الحرة القائم حالياً مع إسرائيل. 

4. تعليق اتفاقات السفر من دون تأشيرات لمواطني إسرائيل وفرض إجراءات تحقق لضمان أن من يدخلون البلاد لم يتورطوا في جرائم إبادة.

5. تدعيم التزام البرازيل بملاحقة الأفراد قضائياً – بغض النظر عن جنسياتهم (بما يشمل مزدوجي الجنسية البرازيلية-الإسرائيلية) – المشتبهين بالتورط (ويشمل التحريض) في جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الفصل العنصري. 

6. الانضمام إلى مجموعة لاهاي والتوقيع على إعلان المجموعة، لإظهار التزام البرازيل بالعمل الجماعي دفاعاً عن القانون الدولي وحمايةً للحقوق الأساسية.

أثناء انعقاد مؤتمر كوب-30 في بيليم، سوف تعقد الحركات القاعدية الشعبية قمة الشعوب، والتي ستجمع أصواتاً من الحركات الاجتماعية من جميع أنحاء العالم، بما يشمل حركات ومنظمات فلسطينية. أثناء القمة، سوف تضع مجموعات التضامن البرازيلية فلسطين على الأجندة، لتقوية التشبيك مع النقابات والحركات الحقوقية والبيئية، ولبناء تضامن قوي يتصدى للنضالات المتقاطعة. معاً، سوف ترسل هذه الحركات رسالة واضحة مفادها أن تحرير فلسطين جزء لا يتجزأ من تحقيق العدالة المناخية الحقيقية.  

تتحمّل البرازيل واجباً أخلاقياً ولديها قوةً سياسية كافية بما يتيح لها تجاوز حدود التضامن الخطابي. فمن خلال الإنهاء الكامل للتواطؤ – العسكري والدبلوماسي والاقتصادي – يمكنها الإسهام في تنظيم عملية إعادة اصطفاف إقليمي، ودفع الحملة العالمية الرامية إلى تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. وإذا ما اغتنمت هذه الفرصة، تستطيع البرازيل أن تصبح صوتاً رائداً في مواجهة نظام الفصل العنصري والعسكرة الإسرائيليَّين، سواء داخل الجنوب العالمي أو في المحافل الدولية مثل البريكس وميركوسور ومنظمة الدول الأمريكية وحتى الأمم المتحدة. وستُحدّد السنوات المقبلة ما إذا كانت البرازيل ستستمر في دور المُمكِّن للعسكرة، أم ستتقدّم بالكامل نحو دورها التاريخي كمدافع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي. إن مستقبل النضال الفلسطيني، والنضال الأوسع ضد أنظمة القمع العالمية، سيتأثر جزئياً بهذا الخيار.

نُشِر النسخة الأصلية والأطول في اللغة الإنكليزية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر في TNI، وترجم إلى العربية ونشر في موقع «صفر» بموجب اتفاق مع الجهة الناشرة. 

  • 1

    ناكامورا، 2024: 

    Nakamura, J. (2024) ‘Entenda a relação comercial entre Brasil e Israel em 3 gráficos’, CNN Brasil, 19 February. https://www.cnnbrasil.com.br/economia/macroeconomia/entenda-a-relacao-comercial-entre-brasil-e-israel-em-3-graficos/ 

  • 2

    مصطلح دال على المناطق السكنية الحضرية في البرازيل التي قام الأهالي ببنائها بأنفسهم. في حين كان معهد الجغرافيا والإحصاء البرازيلي يشير إلى هذه المناطق بمسمى تقني هو «تجمعات دون الطبيعية»، فقد أعادت الحركات الاجتماعية استخدام كلمة «فافيلا» نظراً لدقتها التاريخية الاجتماعية-السياسية ولتجنب كلمات تجميلية من قبيل «مجتمع» أو «مناطق هامشية». إذن سعت الحركات الاجتماعية إلى تأكيد تصميم السكان وكفاحهم ضد الإخفاء والتهميش. أدى هذا بمعهد الجغرافيا والإحصاء في 2022 إلى استخدام مصطلح «فافيلا» إلى جانب «مجتمعات حضرية» (Educação e Território، 2024).

  • 3

    ماك، 2018: 

    Mack, E. (2018) ‘When Israel enjoyed cozy ties with Brazil’s military dictatorship’, +972 Magazine, 18 November. https://www.972mag.com/hope-regime-lasts-israels-cozy-ties-brazils-military-dictatorship/ 

  • 4

    بايزا، 2012: 

    Baeza, C. (2012) ‘América Latina y la cuestión palestina (1947–2012)’. Araucaria. Revista Iberoamericana de Filosofía, Política y Humanidades 14(28): 111–131. Universidad de Sevilla. https://core.ac.uk/display/51408650

  • 5

    بايزا، 2012: 

    Baeza, C. (2012) ‘América Latina y la cuestión palestina (1947–2012)’. Araucaria. Revista Iberoamericana de Filosofía, Política y Humanidades 14(28): 111–131. Universidad de Sevilla. https://core.ac.uk/display/51408650

  • 6

    بايزا، 2012: 

    Baeza, C. (2012) ‘América Latina y la cuestión palestina (1947–2012)’. Araucaria. Revista Iberoamericana de Filosofía, Política y Humanidades 14(28): 111–131. Universidad de Sevilla. https://core.ac.uk/display/51408650

  • 7

    بايزا، 2012: 

    Baeza, C. (2012) ‘América Latina y la cuestión palestina (1947–2012)’. Araucaria. Revista Iberoamericana de Filosofía, Política y Humanidades 14(28): 111–131. Universidad de Sevilla. https://core.ac.uk/display/51408650

  • 8

     تجمع حلفاء إسرائيل هو جماعة برلمانية/سياسية تنسق مع مؤسسة حلفاء إسرائيل، وهي تربط المشرّعين المناصرين لإسرائيل (من كتل برلمانية دينية/إنجيلية المرجعية غالباً) من أجل النهوض بالسياسات المؤيدة لإسرائيل، وتعميق الروابط الثنائية، ومعارضة المبادرات من قبيل «بي دي إس».

  • 9

     هوبرمان، 2023: 

    Huberman, B. and Fernandes, S. (2023) ‘Descolonizar futuros palestinos: O papel da comunidade internacional para a resolução justa da Questão Palestina/Israel’, Revista Marx e o Marxismo 11(21): 15–37. https://doi.org/10.36311/2447-8723.2023.v11n21.p15 

  • 10

    MercoPress (2023) ‘Lula compares Gaza to genocide, declares ambassador persona non grata, recalls diplomat’. Retrieved from https://en.mercopress.com 

  • 11

     السوق المشتركة الجنوبية، مكوّنة من البرازيل والأرجنتين والباراغواي وأوروغواي، وانضمّت إليها فنزويلا لاحقاً (وجاري الآن تجميد عضويتها). 

  • 12

     البرلمان البرازيلي، 2009: 

    Brasil. Congresso Nacional (2009) ‘Decreto Legislativo nº 936, de 17 de dezembro de 2009. https://www2.camara.leg.br/legin/fed/decleg/2009/decretolegislativo-936-17-dezembro-2009-598630-exposicaodemotivos-137505-pl.html

  • 13

    بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الفيدرالية البرازيلية. لكن قواعد البيانات الدولية تكشف عن أن الأرقام الحقيقية تبلغ ضِعف هذا المعدل، إذا أضيف إليها مشتريات الدولة (https://tradingeconomics.com/brazil/imports/israel).

  • 14

     ناكامورا 2024، مرجع سابق.

  • 15

    لخاني ونيرانجان، 2024: 

    Lakhani, N. and Niranjan, A. (2024) ‘Countries fueling Israel’s Gaza war may be complicit in war crimes, experts warn’, The Guardian, 20 August. https://www.theguardian.com/world/article/2024/aug/20/israel-war-gaza-fuel-war-crimes-warning

  • 16

     ناكامورا 2024، مرجع سابق.

  • 17

     شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية – بينغون، 2021: https://www.pengon.org/articles/view/114/en 

  • 18

     بينغون، 2024: https://www.pengon.org/articles/view/181/en 

  • 19

    انظر/ي: 

    AEL Sistemas (no date) ‘AEL Sistemas: Construindo o futuro da defesa’. Retrieved from https://www.ael.com.br/

  • 20

     انظر/ي: 

    Ares (2019) ‘Empresa | Ares | Segurança e Defesa’ [web page]. Retrieved from https://ares.ind.br

  • 21

    نخاني ونيرانجان، 2024، مرجع سابق.

  • 22

    بلومر، 2024.

  • 23

    انظر/ي: 

    Badil Resource Center (2024) ‘International Viewpoint dossier on BDS and Mercosur’. Retrieved from https://badil.org/publications/al-majdal/issues/

  • 24

     ألمابريتا، 2023: 

    Almapreta (2023) ‘Movimento negro do Brasil tem histórico de solidariedade com a Palestina’, 11 October. Retrieved from https://almapreta.com.br 

  • 25

    اليانومامي هم أكبر قبيلة شبه معزولة في أمريكا الجنوبية، ويعيشون في الغابات المطيرة والمناطق الجبلية شماليّ البرازيل وجنوبيّ فنزويلا.

  • 26

     ألمابريتا، 2023، مرجع سابق.

  • 27

    هوبرمان، 2024، مرجع سابق.

  • 28

    هوبرمان، 2024، مرجع سابق.

  • 29

    المركز البرازيلي للبحوث السياسية والاجتماعية – PACS، 2017: 

    PACS (2017) ‘Militarização do cotidiano: Um legado olímpico’. Instituto Políticas Alternativas para o Cone Sul. https://www.pacs.org.br

  • 30

     في 2006، أصدرت النقابة العامة لمعلمي الجامعات الوطنية قراراً رسمياً بدعم دعوة المجتمع المدني الفلسطيني إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وأصدرت مركزية نقابات العمال البرازيلية – وهو أكبر اتحاد كونفدرالي للنقابات العمالية في أمريكا اللاتينية – بياناً يرفض اتفاق ميركوسور-إسرائيل المقترح للتجارة الحرة، بعد إطلاق دعوة للمقاطعة حاججت فيها «المركزية» بأن البرازيل متواطئة في الفصل العنصري الإسرائيلي. 

  • 31

    كيلومبوس هي تجمعات مدينية ترجع إلى تقاليد الاستقلال الذاتي «كيلومبو» السوداء، حيث ينظم السود بشكل جماعي النضالات الثقافية والمعيشية والسياسية ضد العنصرية والسلب والفصل المكاني.

  • 32

    يوليو الأسود هي حركة دولية ولدت في 2016 ضد العسكرة والعنصرية والفصل العنصري في شتى أنحاء العالم، ونظمتها حركات لأمهات المفقودين والضحايا وأقاربهم، من ضحايا عنف الدولة، ونظمتها أيضاً حركات من الفافيلا والضواحي ومن مجتمعات السود في ريو دي جانيرو في البرازيل.