البنك وصندوق النقد الدوليين: فهم خاطئ لواقع المنطقة العربية
فيما شرارات الثورة تشتعل كان صندوق النقد والبنك الدوليين يشيدان بالأنظمة الاستبدادية أو الديكتاتورية التي حكمت المنطقة العربية لعقود عدة. لقد ركّزت التحليلات الرئيسة للمؤسّستين الماليتين على تونس ومصر، وهما البلدان اللذان اندلعت فيهما الانتفاضات الشعبية بين كانون الأول/ديسمبر 2010 وكانون الثاني/يناير 2011، وامتدحت قيادتي بن علي ومبارك، الّلتين حكمتا لمدة 24 و30 عاماً على التّوالي. على الرغم من كون هذين الطاغيتين حليفين وفيين للقوى الغربية، واضطرّا للتخلّي عن مواقعهما في كانون الثاني/يناير 2011 بعدما طبّقا سياسات نيوليبرالية بتشجيع من صندوق النقد والبنك الدوليين.
بعد عشر سنوات، لا يوجد أي تحليل رسمي من البنك الدولي يمكن أن يساعد على فهم جذور الانتفاضات والثورات. بل على العكس، يواصل البنك الدولي في أخطائه بشكل أعمى، ويصدر دراسات سطحيّة محاولاً تبرير تلك الأخطاء.
يعاني صندوق النقد والبنك الدوليين من مشكلة واضحة: إذا كانت توصياتهما، كما يزعمان، تسير في الاتجاه الصحيح ويجب أن تُطبّق بصرامة أكبر، كيف يمكن تفسير الحركات الشعبية العارمة التي هزّت العالم العربي، من المغرب إلى اليمن ولبنان؟ منذ أكثر من عقد من الزمان وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال الشعوب العربية تعبّر عن استيائها.
الفجوات بين توقّعات البنك الدولي والنتائج المحقّقة كبيرة لدرجة لا يمكن تجاهلها. اضطر البنك الدولي إلى إصدار تصريحات غير مقنعة للعلاقات العامّة لتفسير أن أحداث مماثلة لم يتم التنبّؤ بها.
تظهر اقتباسات عدّة من البنك الدّولي، مثل البيان الصحافي الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2015، أنه غير قادر على فهم أسباب الثّورة:
«إذا أطلقنا الأحكام بالاستناد إلى البيانات الاقتصادية فقط، ما كان ينبغي أبداً أن تحدث ثورات الربيع العربي في 2011. كانت الأرقام المستقاة من العقود السابقة تحكي قصّة مشرقة: كانت المنطقة تحقّق تقدّماً ثابتاً نحو القضاء على الفقر المدقع، وتعزيز الرخاء المشترك، وزيادة معدّل الالتحاق بالمدرسة، وتقليل الجوع ووفيات الأطفال والأمّهات. كانت الإصلاحات جارية، والنمو الاقتصادي معتدلاً.
ثم، في أواخر العام 2010 وبداية العام 2011، خرج الملايين من الناس إلى شوارع المدن الكبرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مطالبين بالتغيير، وحكت الشوارع العربية قصّة لم تكن المؤشرات الكمّية التقليدية قد تنبّأت بها».
يعترف البنك الدولي بفهمه العميق الخاطئ لواقع المنطقة العربية ويحاول بطرق شتّى أن يشرح سبب تمرّد السكان على الرغم من «حكمة» البنك ونصائحه التي تبدو ناجحة للأنظمة الاستبدادية الحاكمة.
يقول البنك الدولي إن أفقر 40% من السكان كانوا أقل استياءً بكثير من الطبقات الوسطى ولم يكن لديهم حاجة للنزول إلى الشوارع. ويتناقض هذا بوضوح مع الظروف التي أشعلت الاحتجاجات
تفسيرات خاطئة
إن مجرّد قراءة عنوان البيان الصحافي توضح الكثير: «أشعل إحباط الطبقة الوسطى الربيع العربي». يؤكّد البنك الدولي أن الفقر والتفاوتات كانت في اتجاه تنازلي قبل العام 2011؛ وسجّل تقدّم في «تعزيز الازدهار المشترك»؛ و«زيادة نسبة الالتحاق بالمدارس، وتقليل الجوع ووفيات الأطفال والأمّهات». ووفقاً للبنك الدّولي، كانت الطّبقات الوسطى غير راضية لأنها لم تحصل على ما تعتبره نصيبها العادل من الوفرة.
يقول البنك الدولي إن أفقر 40% من السكان كانوا أقل استياءً بكثير من الطبقات الوسطى ولم يكن لديهم حاجة للنزول إلى الشوارع. ويتناقض هذا بوضوح مع الظروف التي أشعلت الاحتجاجات في الشوارع في تونس، حيث بدأت الحركة.
يجب التذكير أنه في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، أقدم محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول شاب، على إحراق نفسه بعد يأسه من مصادرة الشّرطة لبضاعته. شكّل ذلك بداية مظاهرات جمعت مئات الآلاف من الطبقات الشعبية خصوصاً الفقراء. لم تكن الطبقات الوسطى وحدها هي التي ثارت. التفسيرات التي قدّمها البنك ليست مقنعة على الإطلاق كما أظهرت انتقادات عدة.
انتقادات لتشخيص البنك الدولي لأحداث الربيع العربي
أظهر جيلبير الأشقر، وهو مؤلف لكتب عدّة مهمّة عن المنطقة العربية (شمال أفريقيا والشرق الأوسط) وكذلك عن الرّبيع العربي،1 في دراسة موثّقة نُشرت في العام 2020، أن تأكيدات البنك الدولي غير مستندة إلى الواقع، مشيراً إلى أنّه من غير الصحيح القول إن مستويات عدم المساواة أقل أهميّة في المنطقة العربية مقارنةً بمعظم المناطق النامية الأخرى في العالم. وأظهرت دراساته أن عدم المساواة في الدخل ازداد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بين عامي 1980 و2011، وانخفضت مداخيل الطبقات الشعبية في حين ارتفعت مداخيل الأغنياء وثرواتهم.
استخدم البنك الدولي طرقاً غير موثوقة لجمع بيانات الدخل وإنفاق الأسر، إذ تم الاعتماد على عدد محدود جدّاً من العيّنات. تتناقض النتائج المستخلصة بوضوح مع التأثيرات الملحوظة لسياسات البنك الدولي.
في دراسات نُشرت بين عامي 2014 و2018، وتغطي الفترة من 1990 إلى 2016، خالف كل من توماس بيكيتي وفاكوندو ألفاريدو وليديا أسود ادّعاءات البنك الدولي بأن الشرق الأوسط أقل تفاوتاً من أجزاء أخرى من العالم. وفقاً لبيكيتي وزملائه: «يبدو أن الشرق الأوسط هو الأكثر تفاوتاً في العالم، إذ تبلغ حصّة أعلى 10% من الدّخل نحو 64%، مقارنةً بـ37% في أوروبا الغربية، و47% في الولايات المتّحدة، و55% في البرازيل».
في الصفحة 17، يذكر المؤلّفون أن «نسبة دّخل أعلى 1% تبلغ حوالي 30% في الشرق الأوسط، في مقابل 12% في أوروبا الغربية، 20% في الولايات المتّحدة، 28% في البرازيل، 18% في جنوب أفريقيا، 14% في الصين، و21% في الهند».
الدّراسة التي أجراها جلبير الأشقر إلى جانب تلك التي قام بها توماس بيكيتي، وفكوندو ألفاريدو، وليديا أسود، تتعارض بشكل صارم مع تصريحات البنك الدولي التي صدرت على عجل في محاولة لرفض الانتقادات الحادّة.
وبدلاً من الدفاع عن دراستهم على أساس علمي، فضّل مؤلفو دراسات البنك الدولي المنتقدة، فلاديمير هلاسني وباولو فيرمي، اتّهام الأشقر وبيكيتي وآخرين بجعل القضية سياسية بدلاً من مناقشتها على أساس تقني. وقالوا: «تخلص المراجعة النقدية لجلبير الأشقر إلى أن أبحاث أبطال نقاش «لغز التفاوت العربي» تظهر انحيازاً نيوليبرالياً منهجياً وتجاهلاً متعمداً لحقيقة أن «وصفاتهم كانت مسؤولة عن الانفجار الاجتماعي والسياسي الهائل للربيع العربي وزعزعة استقرار المنطقة بشكل مطوّل» (ص. 768). نحن نرى أن استنتاج الأشقر خاطئ ويعتمد على تفسير مضلّل للأدلة، ومراجعة انتقائيّة للدراسات الموجودة، وتصنيف خاطئ للباحثين، وفهم غير كافٍ لقياس التفاوت في الدّخل. تبدو المراجعة محاولة لتسييس ما كان خلافاً صحّياً تقنياً بشأن التفاوت في الدخل في مصر».2
عدم المساواة في الدخل ازداد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط بين عامي 1980 و2011، وانخفضت مداخيل الطبقات الشعبية في حين ارتفعت مداخيل الأغنياء وثرواتهم
للتوضيح، انتقادات الأشقر موجهة إلى التحليل الخاطئ للبنك الدولي عن المنطقة العربية ومصر بشكل خاص. ويدين الأشقر حقيقة أن التحليلات تعتمد على بيانات مقدّمة من مصادر رسمية تخضع لمراقبة الأنظمة السلطوية.
رد جلبير الأشقر على مؤلّفي البنك الدولي كما يلي: «من المدهش حقّاً أن يدّعي أحد أن النقاش بشأن موضوع مثل مدى صحّة البيانات الرسمية في ظل الأنظمة السلطوية، وسببية الانتفاضات الشعبية الكبرى ضدّ هذه الأنظمة نفسها، هو نقاش «تقني» بحت، يجب أن يقتصر على الاقتصاديين فقط، مستثنياً الاقتصاديين السياسيين وكل العلماء الاجتماعيين الآخرين - ناهيك عن النشطاء الاجتماعيين والسياسيين الذين يعرفون غالباً عن بلدانهم أكثر مما يعرفه الخبراء الأجانب».3
تحويرات البنك الدولي بشأن التفاوت في الدخل ومنحنى كوزنتس
والجدير بالذكر أن البنك الدولي لا يعتبر ارتفاع مستوى عدم المساواة أمراً سلبياً. يتبنى في الواقع النظريّة التي طوّرها الاقتصادي سيمون كوزنتس4 في خمسينيّات القرن الماضي، والتي تفترض أن أي دولة يشهد اقتصادها انطلاقة وتقدّماً لا بدّ أن تمرّ بمرحلة يزداد فيها عدم المساواة. وفقاً لهذا المبدأ، ستبدأ عدم المساواة في الانخفاض بمجرّد أن يصل البلد إلى عتبة أعلى من التنمية. هذه النظرية هي بمثابة تبرير تستخدمه الطبقات الحاكمة لإسكات المضطهدين الذين يعيشون حياة مليئة بالمعاناة.
الحاجة إلى تزايد عدم المساواة متجذّرة في سياسة البنك الدولي. ففي العام 1961، قال رئيس البنك الدولي آنذاك يوجين بلاك: «عدم المساواة في الدخل هو نتيجة طبيعية للنمو الاقتصادي، وهو السبيل الذي يخرج به الناس من الفقر».5 ومع ذلك، فإن الدراسات التي أجراها البنك في سبعينيات القرن الماضي، بقيادة هوليس تشينري، تناقض هذا التصوّر.
بدأ البنك الدولي في دراسة مسألة توزيع الدخل في البلدان النامية كعامل يؤثّر على إمكانيّات التنمية فقط في العام 1973. خصّص فريق تشينري الاقتصادي جهداً كبيراً لهذه القضية، ونتج عن ذلك نشر كتاب رئيس للبنك بشأن الموضوع بعنوان «إعادة التوزيع مع النمو» في العام 1974.6 أدرك تشينري أن النمو الذي يروّج له البنك من خلال سياساته التمويلية يولّد عدم المساواة. عبّر البنك عن هذا القلق بشكل متكرر، إذ أكّد روبرت ماكنمارا، رئيس البنك آنذاك، أنه: «إذا لم يتمّ تقليل عدم المساواة والفقر، سوف تحدث انفجارات اجتماعية متكرّرة، وسوف تكون ضارّة بمصالح العالم الحرّ بقيادة الولايات المتّحدة».
بعد رحيل تشينري في العام 1982 وتعيين آن كروغر، وهي اقتصادية محافظة تتبنّى النيوليبرالية، تخلّى البنك الدولي تماماً عن الاهتمام بتزايد أو استمرار عدم المساواة. بل توقّف عن نشر بيانات بشأن هذا الموضوع في تقرير التنمية العالمي. لم تتردّد كروغر في إعادة تبنّي منحنى كوزنتس، معتبرة أن تزايد عدم المساواة شرط ضروري لبداية النمو، بناءً على الاعتقاد المشكوك فيه بأن ثروات الأغنياء تغذّي الاستثمار.
في كتابه «رأس المال في القرن الواحد والعشرين»،7 يقدّم توماس بيكيتي تحليلاً مثيراً للاهتمام لمنحنى كوزنتس. يشير بيكيتي إلى أن كوزنتس نفسه شكّك في البداية في أهمية هذا المنحنى، إلا أن ذلك لم يمنعه من تطوير نظرية اقتصادية استمرّت لفترة طويلة، وحصل على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية (1971). منذ ذلك الحين، وصلت مستويات عدم المساواة إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البشرية، نتيجة لدينامية الرأسمالية العالمية والدعم الذي تتلقّاه من المؤسسات الدولية والحكومات التي تفضل مصالح 1% من السكان على حساب الغالبية العظمى في الدول النامية كما في غيرها.
عند فحص موقف البنك الدولي من أحداث الربيع العربي، يظهر أنهم يتمسّكون بمعتقد أن التفاوتات الاجتماعية تدعم التنمية الاقتصادية. يمكننا أن نقول هنا إن اعتبارات البنك الدولي بشأن الربيع العربي محاطة بالتناقضات: فهو يدّعي أن مستويات التفاوت أقل أهمية في المنطقة العربية، وهذا يُعدّ علامة مُقلقة على أن الأمور ليست كما ينبغي في النجاح الاقتصادي المزعوم للمنطقة. كأتباع مخلصين لنظريات كوزنتس، يصرّح فلاديمير هلاسني وباولو فيرمي بأن «التفاوت المنخفض لم يكن مؤشّراً على اقتصاد صحّي».8
عند فحص موقف البنك الدولي من أحداث الربيع العربي، يظهر أنهم يتمسّكون بمعتقد أن التفاوتات الاجتماعية تدعم التنمية الاقتصادية
يختصر جيلبير الأشقر الموقف الذي تبناه باولو فيرمي كما يلي: «من وجهة نظر دراسة البنك الدّولي لعام 2014، ينبغي أن يتم إدانة النفور من التفاوت وليس التفاوت نفسه، لأن التفاوت يجب أن يرتفع حتماً مع التنمية وفقاً لمنظور كوزنتس. لو كان نمو الناتج المحلي الإجمالي مصحوباً بتأثير تدفّق الثروات، لكان المصريون ينظرون بشكل أكثر إيجابية للتفاوت، إذ «لا يمكن للناس تقدير التفاوت إذا لم تتحسّن حالتهم وحالة أقرانهم».9 ووفقاً للمنطق نفسه، من أجل التوافق مع منحنى كوزنتس، تحتاج مصر إلى مزيد من التّفاوت وليس أقل».
يجب أن نضيف أن البنك الدولي يدّعي، على الرغم من كل الأدلة، أن الفقراء لم يكونوا من بين الطبقات الاجتماعية الرئيسة التي شاركت في الاحتجاج ضد الأنظمة الاستبدادية الحالية وسياساتها المناهضة للعدالة الاجتماعية. من المهم للبنك أن يقول هذا لأنه يُفترض أن يقدّم المساعدة للفقراء. نظراً لأن البنك الدولي يتخيّل عالماً خيالياً كانت فيه مستويات الفقر منخفضة، فإن الفقراء لا يمكن أن يكونوا قد ثاروا في تونس ومصر في كانون الثاني/يناير 2011. وفقاً لخبراء البنك الدولي، كانت الطبقات الوسطى هي التي تحرّكت للاحتجاج ضد التقدّم غير الكافي في ظروف معيشتها. وفقاً للبنك، فإن هذا التقدّم غير الكافي كان بسبب الدّولة التي كانت تتدخّل بشكل مفرط في الاقتصاد وتسيّر الأمور العامّة بشكل سيء.
علاوة على ذلك، يحتاج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى كبش فداء، ولا يتردّدون في إدانة وانتقاد الحكام المستبدين والفاسدين الذين كانوا يدعمونهم حتى اللحظة الأخيرة.
لم يغيّر البنك الدولي نظرته اتجاه المنطقة العربية
بعد مرور عشر سنوات على الربيع العربي، لا يزال صندوق النقد والبنك الدوليين يضغطان على الدّول المعنيّة لتطبيق السياسات التي كانت سائدة قبل الأحداث والتي كانت السبب الجذري لها. بالنسبة إليهما، هناك حاجة لخصخصة قطاعات كبيرة من الاقتصاد، وإتاحة الوصول إلى الأسواق الحرّة، وتقديم تنظيمات أكثر ملاءمة لجذب الاستثمارات الأجنبيّة، وأن يقتصر دور الحكومة على تنظيم التدفّق الحر لقوى السوق.
يجب تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، على الرغم من كون هذه الهياكل غالباً أكثر إفادة لمصالح المستثمرين مقارنة بالمصلحة العامة. يقول البنك: «ما يجب على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فعله هو فتح الأسواق للمنافسة، وإدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتنشيط الأجزاء غير الفعّالة أو الخاملة تماماً من اقتصاداتها».
ويضيف البنك في الوثيقة نفسها: «يجب على الحكومات، وهي تقوم بدورها المطلوب، أن تبذل جهوداً هائلة لتجهيز الشّباب للنمو والمنافسة في عالم أكثر عولمة». بكلمات أخرى، يجب على الشباب أن يستعدوا للتنافس مع بعضهم البعض لتقديم قدراتهم الوظيفية لأصحاب العمل في القطاع الخاص. ويجب، بحسب البنك، تجنّب خلق وظائف عامة ذات رواتب عالية وفوائد اجتماعية مهما كلّف الأمر، إذ يستطيع القطاع الخاص القيام بذلك وتلبية احتياجات الموظّفين المناسبين.
لا يزال صندوق النقد والبنك الدوليين يضغطان على الدّول المعنيّة لتطبيق السياسات التي كانت سائدة قبل الأحداث والتي كانت السبب الجذري لها
مرة أخرى، في هذه الوثيقة نقرأ أن النساء يقمن بـ«أداء» أفضل لذا ينبغي على السلطات اعتماد سياسات تجذب المزيد من النساء إلى سوق العمل.
ثم يقترح البنك أن التدابير الاجتماعية مكلفة للغاية: «يجب على حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إعادة النظر أيضاً في نهجها في الحماية الاجتماعيّة، الذي تم السعي إليه من خلال سياسات تعتمد على إعانات مكلفة وغير مجدية. لقد اختارت الدول لفترة طويلة الطريق السهل سياسياً والمدمّر اقتصادياً لعقد اجتماعي معيب، إذ تتوفر السلع والخدمات الأساسيّة بأسعار «محميّة» لشراء الولاءات السياسية و«السلام الاجتماعي». وهكذا، يدفع البنك لخفض الإعانات ذات الفائدة الاجتماعيّة.
يختتم البنك دوغما النيوليبراليّة الخاصة به: «لتجنّب عقد آخر ضائع، يجب أن يرنّ جرس الإنذار في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - من المحيط إلى الخليج». المهمة الفورية هي فتح الأبواب أمام المشاريع الخاصة، وكسب المقاومة لتخفيف القيود عن الاقتصاد، وتمكين الشباب من الفرص التي تتناسب مع إمكاناتهم غير المحدودة». آمين!
من المهم التأكيد على أن البنك الدولي يدعم عموماً الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. على وجه الخصوص، يدعم النظام الاستبدادي في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي منذ العام 2014 ويعتبر الملكية الاستبدادية في المغرب نموذجاً يُحتذى به.
في نقد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحكومات المنطقة، تؤكد CADTM أنه لتجنّب عقد آخر من الآمال الضائعة والإحباط، يلزم الوعي عبر كامل المنطقة، من الأطلسي إلى الخليج. يجب على شعوب المنطقة أن تستمر في العمل الذي بدأته منذ العام 2011 من خلال التنظيم الذاتي وإنشاء حكومات تحدث قطيعة جذرية مع كل من النظام الرأسمالي ونسخته النيوليبرالية وتنفيذ إصلاحات اجتماعية عميقة لصالح العدالة والتحرّر من جميع أشكال القمع، سواء كانت أبوية أو دينية أو غيرها.
نُشِر هذا المقال في CADTM في 11 أيلول/سبتمبر 2024 بموجب رخصة المشاع الإبداعي.
- 1Gilbert Achcar, Le choc des barbaries, terrorismes et désordre mondial, Brussels, 2002, Éd. Complexe, 166 p., rééd. Paris, 10/18, 2004, 188 p. Gilbert Achcar, Le Peuple veut. Une exploration radicale du soulèvement arabe, Sinbad, Actes Sud, 2013, 431 p. (in French)
- 2Vladimir Hlasny et Paolo Verme, « On the ‘Arab Inequality Puzzle’: A Comment », January 2021 in the Revue Development and Change of the Social Studies Institute of The Hague, p. 1.
- 3Gilbert Achcar « Comment On the ‘Arab Inequality Puzzle’: A Rejoinder »,anuary 2021 in the Revue Development and Change of the Social Studies Institute of The Hague, p2
- 4Kuznets Simon. 1955. « Economic Growth and Income Inequality », American Economic Review, n°49, mars 1955, p.1-28.
- 5Cited byDevesh Kapur, John P. Lewis, Richard Webb. 1997. The World Bank, Its First Half Century, Volume 1, p. 171.
- 6Chenery Hollis B. et al. 1974. Redistribution with Growth, Oxford University Press for the World Bank and the Institute of Development Studies, London.
- 7Capital in the Twenty-First Century (Cambridge, MA: Belknap Press, 2014)
- 8Vladimir Hlasny et Paolo Verme,” On the ‘Arab Inequality Puzzle’: A Comment”, published in the January 2021 issue of Development and Change of the Hague institut of Social Studies, p. 4.
- 9Paolo Verme et al. (2014) Inside Inequality in the Arab Republic of Egypt: Facts and Perceptions across People, Time, and Space. Washington, DC: World Bank.