
لماذا لا تدين دول البريكس الإبادة الجماعية الجارية في غزة؟
اجتمعت دول البريكس (البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا) في ريو دي جانيرو في 6 و7 تموز/يوليو، وكانت قد وافقت على انضمام 5 دول جديدة (مصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران). حضرت السعودية لكنّها لم تنضم بصفة دولة عضو رسمياً، كما حضر ممثلو 20 دولة شريكة.
وفي حين يصعّد الرئيس الأميركي الخطوات الأحادية الجانب على الصعيدين العسكري والاقتصادي، تدافع دول البريكس عن العمل المتعدد الأطراف ونظام الأمم المتحدة المأزوم حالياً. كما تدافع في الوقت نفسه عن نمط الإنتاج الرأسمالي الاستخراجي الذي يستغل العمل البشري ويدمّر الطبيعة.
تمثّل دول البريكس نصف التعداد السكاني العالمي، و40% من موارد الطاقة الأحفورية، و30% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و50% من النمو العالمي. تمتلك هذه الدول الموارد لتغيير نمط تنميتها الرأسمالي الموجه نحو التصدير، لكنّها لا تريد ذلك.
لا بد لنا من الإعراب عن موقف نقدي واضح من البريكس. وهذا الموقف لا يمنعنا من إدانة السياسات الإمبريالية لحكومة الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا ومنطقة الهندوباسيفيك (اليابان وأستراليا وسواهما).
تتجلى هذا السياسات بوضوح في دعمها لدولة إسرائيل، المسؤولة عن الإبادة الجارية في غزة والعدوان العسكري على البلدان المجاورة. تؤدي إسرائيل وظيفة الذراع المسلح للولايات المتحدة في المنطقة. ولولا الدعم اللامحدود من واشنطن وتواطؤ أوروبا الغربية، لما استطاعت الحكومة الإسرائيلية الفاشية الجديدة مواصلة هذه الإبادة.
لا تتخذ دول البريكس ككتلة أي إجراءات ملموسة لمنع استمرار المجازر والإبادة.
في هذه السلسلة من الأسئلة والأجوبة، يحلّل الكاتب البيان الختامي لقمة البريكس الصادر في 6 تموز/يوليو 2025، إلى جانب السياسات العملية التي تتبعها البريكس والمؤسسات التي أنشأتها.
هل صحيح أنّ دول البريكس لا تدين الإبادة الجماعية الجارية في غزة؟
نعم، ففي البيان الختامي لقمة البريكس في 6 تموز/يوليو 2025، لم يرد مصطلح إبادة جماعية لوصف ما يحدث في غزة. انتقدت دول البريكس استخدام إسرائيل للقوة في الفقرات 24 إلى 27 من بيانها، لكنها لم تستخدم أبداً مصطلحات مثل «إبادة جماعية» أو «تطهير عرقي» أو «مجزرة».
واللافت أيضاً أنّ الجزء الخاص بغزة في بيان 6 تموز يكاد يطابق ما ورد في البيان الختامي للقمة السابقة للبريكس التي عُقدت في قازان بروسيا في تشرين الأول/أكتوبر 2024 (الفقرة 30 من البيان الختامي).
وكأنّ الأدلة المتزايدة يوماً بعد يوم على وقوع الإبادة لا تكفي بعد لتبرير الاستخدام الصريح لهذا المصطلح.
هل صحيح أنّ دول البريكس لا تقترح فرض عقوبات على إسرائيل؟
نعم، هذا صحيح؛ ففي بيانها الختامي، لم تقترح دول البريكس فرض عقوبات على إسرائيل. ولم تطرح إلغاء الاتفاقيات المتنوعة التي تربطها بدولة إسرائيل. غير أنّ الإبادة والمجازر المستمرة بحق سكان غزة الباحثين عن الغذاء تبرر وتستدعي اتخاذ إجراءات تتجاوز حدود الاحتجاجات التي تصدر عن دول البريكس وغيرها من الدول.
لم تكن الاحتجاجات التي عبّرت عنها دول البريكس بأي حال كافية في تشرين الأول/أكتوبر 2024 في خلال قمة قازان، فكيف بها في العام 2025. ولا يمكن أن تتخذ الإجراءات الملموسة والقوية المطلوبة إلا الحكومات والهيئات متعددة الأطراف. ولا ريب أنّه لا غنى عن المظاهرات الشعبية، واحتلال الساحات العامة والجامعات، والمبادرات القانونية التي تتولاها المنظمات الشعبية، لكنّها لا تحل محل تحرك الدول والمؤسسات الدولية.
هل تتخذ دول البريكس إجراءات ملموسة ضد الحكومة الإسرائيلية؟
لا تنفذ دول البريكس ككتلة أي إجراءات ملموسة ضد الحكومة الإسرائيلية، مثل المقاطعات أو الحظر. وصحيح أنّ جنوب أفريقيا بادرت إلى رفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي خطوة إيجابية، لكنّ ممارساتها تتناقض مع هذا التحرك القانوني؛ إذ تواصل علاقاتها التجارية مع إسرائيل، ولا سيما عبر السماح لشركاتها بتصدير الفحم إلى إسرائيل بانتظام عن طريق السفن.
ومنذ بدء الإبادة، تُقدَّر الشحنات المرسلة بـ 17 شحنة نقلت 1.6 مليون طن من الفحم لتغذية شبكة الكهرباء الإسرائيلية. وقد شهدت هذه الممارسات احتجاجات شارك فيها المئات، دعت إليها حملة التضامن مع فلسطين ومجموعات مجتمعية في مناطق استخراج الفحم، إضافة إلى نشطاء بيئيين ضد شركة غلينكور في 22 آب/أغسطس 2024 و28 أيار/مايو 2025 (اليوم العالمي للتحرك)، وكذلك ضد شريكها المحلي أفريكان رينبو مينيرالز في 5 نيسان/أبريل 2025. وهذه الشركة يديرها باتريس موتسيبي، صهر رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا.
هل تحتفظ دول البريكس بعلاقات تجارية مع إسرائيل؟
باستثناء إيران، تحافظ دول البريكس الأعضاء على علاقات تجارية مع إسرائيل. فإلى جانب جنوب أفريقيا، تواصل روسيا والبرازيل والإمارات العربية المتحدة ومصر والصين بيع الوقود (نفط وغاز وفحم… إلخ) إلى إسرائيل. ويمثل ذلك دعماً مهماً للحكومة الإسرائيلية التي تحتاج إلى تنويع مصادر الطاقة لمواصلة مجهودها الحربي وضمان سير عملها ومنع وصول سخط السكان الإسرائيليين إلى حدّ يفلت من السيطرة.
وسنستعرض بإيجاز العلاقات بين دول البريكس الأعضاء وإسرائيل.
ما موقع الصين في العلاقات التجارية مع إسرائيل؟
تُعد الصين أكبر مصدر لواردات إسرائيل. وتستثمر بكثافة داخل الأراضي المحتلة، إذ بلغت قيمة صادراتها إلى إسرائيل 13 مليار دولار في العام 2022، و16 مليار دولار في العام 2023، و19 مليار دولار في العام 2024، ومن المتوقع استمرار النمو في العام 2025، ليتجاوز بسهولة مبلغ 20 مليار دولار إذا لم تُفرض قيود أو مقاطعات. وبحسب بيانات واردات إسرائيل من الصين ووكالة أنباء شينخوا الصينية، ظلت الصين أكبر مصدر لواردات إسرائيل للعام 2023، وللسنة الرابعة على التوالي، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية. وفي 2024، تأكدت الهيمنة الصينية.
من بين السلع المصنّعة التي تبيعها الصين لإسرائيل طائرات مسيّرة لم تُصمم أصلاً لأغراض عسكرية، لكن الجيش الإسرائيلي يحولها إلى أسلحة لقتل المدنيين الفلسطينيين
تهيمن المنتجات عالية التقنية على المبادلات التجارية بين الطرفين: المعدات الكهربائية/الإلكترونية (استيراداً وتصديراً)، والآلات الصناعية، والمنتجات البصرية والطبية من بين الفئات الرئيسة المتبادلة.
يعاني الميزان التجاري الإسرائيلي مع الصين من عجز كبير، إذ تستورد إسرائيل من الصين أكثر بكثير مما تصدره إليها، وقد ارتفع هذا العجز بشكل حاد في السنوات الأخيرة متجاوزاً 10 مليارات دولار في العام 2024.
ومن الجدير بالذكر أنّه إذا جُمعت دول الاتحاد الأوروبي معاً، فإنّ الاتحاد يمثل المورد الرئيس لإسرائيل، بنحو 26 مليار دولار من الصادرات إلى إسرائيل في 2024. لكن في الواقع، تورد كل دولة أوروبية لإسرائيل على حدة، وتتصدَّر ألمانيا القائمة بنحو 6 مليارات دولار من الصادرات. لهذا تُعد الصين المورِّد الأول (19 مليار دولار من الصادرات الصينية إلى إسرائيل في 2024)، والولايات المتحدة المورِّد الثاني (بقليل يزيد على 9 مليارات دولار من الصادرات إلى إسرائيل في 2024).
ومن بين السلع المصنّعة التي تبيعها الصين لإسرائيل طائرات مسيّرة لم تُصمم أصلاً لأغراض عسكرية، لكن الجيش الإسرائيلي يحولها إلى أسلحة لقتل المدنيين الفلسطينيين. وقد كشف عن ذلك تحقيق أجرته وسيلة الإعلام الإسرائيلية المستقلة «+972 ماغازين»، أشارت فيه إلى أنّ هذه الطائرات تُنتجها الشركة الصينية الخاصة أوتيل روبوتيكس (ومقرها شينزن) التي تنتج طائرات إيڨو المسيّرة. وهاك مقتطف مما ظهر إلى العلن: «حوّل الجيش الإسرائيلي أسطولاً من الطائرات المسيّرة التجارية المصنَّعة في الصين إلى أسلحة لمهاجمة الفلسطينيين في مناطق من غزة يسعى إلى تفريغها من السكان. هذا ما كشفه تحقيق أجرته +972 ماغازين ولوكال كول. وبحسب مقابلات مع 7 جنود وضباط خدموا في القطاع، تُشغِّل هذه الطائرات قواتٌ على الأرض يدوياً، وتُستخدم بكثرة لقصف المدنيين الفلسطينيين (بمن فيهم الأطفال) في محاولة لإجبارهم على مغادرة منازلهم أو منعهم من العودة إلى المناطق التي أُخليت. يستخدم الجنود في الغالب طائرات إيڨو المسيّرة من الشركة الصينية أوتيل روبوتيكس المخصصة أساساً للتصوير، والبالغ ثمنها نحو 10 آلاف شيكل (قرابة 2,500 جنيه إسترليني) على موقع أمازون. لكن يمكن للمسيّرة بعد إضافة قطعة عسكرية، معروفة بـ«الكرة الحديدية»، حمل قنبلة يدوية وإسقاطها بضغطة زر لتنفجر على الأرض. واليوم، تستخدم غالبية الوحدات العسكرية الإسرائيلية في غزة هذه الطائرات. الجندي س، وهو جندي إسرائيلي خدم في منطقة رفح هذا العام، نسّق هجمات بالطائرات المسيّرة على حي أمر الجيش بإخلائه. وطوال 100 يوم تقريباً من وجود كتيبته هناك، نفذت القوات عشرات الضربات الجوية بالطائرات المسيّرة، بحسب ما ورد في التقارير اليومية لقائد الكتيبة التي اطلعت عليها +972 ولوكال كول. وفي هذه التقارير، صُنّف جميع الضحايا الفلسطينيين «إرهابيين»، إلا أنّ س شهد بأنّه باستثناء شخص واحد عُثر بحوزته على سكين، ومواجهة واحدة مع مقاتلين مسلحين، كان بقية الضحايا عزلاً - بمعدل شخص واحد يومياً في منطقة عمليات كتيبته. وأكد أنّ الضربات الجوية نُفذت بقصد القتل، على الرغم من وجود غالبية الضحايا على مسافة من القوات لا تسمح بتهديدها.»
وفي مقال نشره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (وهو منظمة غير حكومية مستقلة مقرها جنيف) في شباط/فبراير 2024، لاقى استخدام الجيش الإسرائيلي لطائرات تنتجها أوتيل روبوتيكس في غزة إدانة مسبقة. وقد دعا المرصد، المتخصص بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، الشركات الصينية، بما فيها أوتيل، إلى الالتزام بالقانون الدولي: «في المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة، تواجه الشركات خطراً متزايداً بأن تصبح متواطئة في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان. لذا يتعين على الشركات العاملة في هذه البيئات ممارسة العناية الواجبة المعززة لتخفيف هذه المخاطر بفاعلية. وبتحديد أدق، حين يُساء استخدام منتج ما بطريقة تتعارض مع التزامات الشركة الدولية وقيمها غير العنيفة، ولا سيما إذا كان الاستخدام لأغراض عسكرية تؤدي إلى ارتكاب جرائم دولية وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، يجب على الشركة التحرك بحزم، واتخاذ خطوات فورية لوقف أو منع مساهمتها، وتسخير نفوذها للتقليل من الأثر المتبقي إلى أقصى حد ممكن. ويشدد المرصد على أنّ على الشركات، ومنها أوتيل روبوتيكس، الالتزام بالقانون الدولي.»
كما يستخدم الجيش الإسرائيلي طائرات مسيّرة مدنية من شركة صينية أخرى في حربه على الفلسطينيين في غزة، وهي شركة دي جي آي (دا جيانغ إينوفيشنز)، ومقرها شينزن في الصين، وتعد أكبر مصنع في العالم للطائرات المسيّرة المدنية والمهنية.
وكما كتبت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في تقريرها «من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية» الصادر في حزيران/يونيو 2025: «حين تواصل الكيانات التجارية أنشطتها وعلاقاتها مع إسرائيل، مع اقتصادها وجيشها وقطاعاتها العامة والخاصة المرتبطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، قد تجد نفسها ضالعة عن علم في: انتهاك حق الفلسطينيين في تقرير المصير؛ وضم الأراضي الفلسطينية؛ وإدامة احتلال غير قانوني وبالتالي ارتكاب جريمة العدوان وما يرتبط بها من انتهاكات لحقوق الإنسان؛ وجرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية، وغيرها من الجرائم والانتهاكات المصاحبة. ويمكن اللجوء إلى القوانين الجنائية والمدنية في ولايات قضائية مختلفة لمحاسبة هذه الكيانات أو مديريها على انتهاكات حقوق الإنسان و/أو الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي».
ومن ثمّ، يقع على عاتق سلطات البلدان الكائن فيها مقرات هذه الشركات، وعلى عاتق الشركات نفسها، واجبُ تجنّب أي شكل من أشكال التواطؤ مع السلطات الإسرائيلية. وينسحب هذا الالتزام على الصين كما ينسحب على سائر بلدان العالم.
هل تستثمر الصين في إسرائيل؟
استثمرت الصين استثمارات كبيرة في ميناءين إسرائيليين استراتيجيين على البحر الأبيض المتوسط، هما ميناء حيفا وميناء أشدود. وقامت شركة تشاينا هاربور إنجنيرينغ كومباني، وهي شركة تابعة لشركة الصين للاتصالات والبناء، بتحديث وتطوير محطة الميناء في أشدود. رفع المشروع قدرة مرافق الميناء وحسّن البنية التحتية لاستيعاب النمو في التجارة الدولية. وميناء أشدود من المراكز التجارية الرئيسة في إسرائيل. وقد عزز تحديثه موقعه الاستراتيجي في المنطقة في تيسير حركة التجارة بين الصين وإسرائيل، ولا سيما في إطار مبادرة الحزام والطريق.
أما المؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري، وهي شركة صينية كبرى أخرى، فقد استحوذت على حصة مهمة في محطة الحاويات في ميناء حيفا، في إطار شراكة مع الحكومة الإسرائيلية. وكما هو الحال في مشروع ميناء أشدود، مكّن هذا الاستثمار إسرائيلَ من جذب تمويل لتطوير بنيتها التحتية المينائية. وفي حالة مرافق ميناء حيفا، يجري جزء من الاستثمار الصيني بالتعاون مع شركات هندية. وفضلاً عن الموانئ، تستثمر الشركات الصينية أيضاً في قطاعات بنية تحتية أخرى في إسرائيل، منها النقل والطاقة والتقنيات العالية. على سبيل المثال، يجري حالياً تطوير مشروعات في مجالات تقنيات النقل الذكي والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والاتصالات، بمشاركة شركات صينية كبرى منها هواوي وزد تي إي.
ما طبيعة العلاقات بين الحكومتين الروسية والإسرائيلية؟
من المعروف أنّ فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو يحمل كلّ منهما رأياً إيجابياً بالآخر، على الرغم من الانتقادات العلنية التي توجهها روسيا لسياسات إسرائيل في الشرق الأوسط. وحتى الآن، لم يُقدِم بوتين في أيٍّ من تصريحاته على إدانة الإبادة الجماعية الجارية في غزة. لكنّه بالمقابل استخدم مراراً مصطلح الإبادة الجماعية لتبرير غزو أوكرانيا وضمّ جزء من أراضيها. ففي خطابه بتاريخ 24 شباط/فبراير 2022، دفاعاً عن شن «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، صرّح بوتين:
«غايتنا حماية الناس الذين تعرضوا لإبادة جماعية على يد نظام كييف طيلة 8 سنوات. وسنسعى إلى نزع سلاح أوكرانيا واجتثاث النازية منها». 1
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنّ سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، صرّح في 1 تموز/يوليو 2025، قبل أيام من توجهه إلى قمة البريكس في ريو: «يسرّنا الإشارة إلى أنّ زعيم الحكومة الإسرائيلية الجديدة، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد أعرب عن دعمه لحلّ الدولتين للمسألة الفلسطينية مرتين في الشهر الماضي. ونأمل أن تُعضَد هذه المواقف بخطوات عملية. ومن جانبنا، سنواصل تيسير استئناف المفاوضات، سواء عبر القنوات الثنائية أو في محافل دولية مختلفة، وفي المقام الأول ضمن صيغة اللجنة الرباعية الدولية للوسطاء في الشرق الأوسط. من الضروري مراقبة الوضع في قطاع غزة حيث لا يزال السكان يواجهون صعوبات إنسانية جسيمة. وتوجد حاجة ملحّة لاتخاذ خطوات تهدف إلى رفع الحصار أو على الأقل تخفيفه». 2
يتضح من هذا التصريح أنّ سيرغي لافروف لا يدين الإبادة الجماعية الجارية، وموقفه تجاه رئيس الوزراء الفاشي بنيامين نتنياهو إيجابي، وهذا أمر غير مقبول إطلاقاً.
لا تطبّق إسرائيل عملياً العقوبات الغربية ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا، مثلما أنّ روسيا لا تفرض عقوبات على إسرائيل على الرغم من الإبادة الجماعية الجارية
ولا تزال إسرائيل تعتمد جزئياً على روسيا في مجال الغذاء (الحبوب) والطاقة (النفط والغاز والفحم)، على الرغم من التوترات الجيوسياسية. وتصدّر إسرائيل إلى روسيا منتجات عالية القيمة المضافة: منتجات زراعية ومعدات طبية ومواد كيميائية وإلكترونيات. وتُسجّل إسرائيل عجزاً تجارياً كبيراً مع روسيا. ففي العام 2023، تراجع حجم التبادل التجاري نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا عقب غزو أوكرانيا، لكنّه عاد وارتفع في العام 2024. وقد بلغ حجم التجارة 3.5 مليار دولار في العام 2022، وانخفض إلى 2.6 مليار في 2023، ثم ارتفع مجدداً إلى 3.9 مليار في 2024.
وخلاصة القول، لا تطبّق إسرائيل عملياً العقوبات الغربية ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا، مثلما أنّ روسيا لا تفرض عقوبات على إسرائيل على الرغم من الإبادة الجماعية الجارية.
وتجدر الإشارة إلى أنّه منذ غزو أوكرانيا في العام 2022، جرى تحويل مئات ملايين الدولارات (حوالي 300 مليون دولار كل 3 أشهر) إلى إسرائيل عبر حسابات الأوليغارشية أو المهاجرين الجدد. كما تجدر الإشارة إلى أنّ زهاء 500 جندي إسرائيلي يحملون جوازات سفر روسية شاركوا في العمليات في قطاع غزة بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وآذار/مارس 2024، وقد قُتل منهم 9 جنود، وفق ما أفادت به السلطات الإسرائيلية.
أما في العام 2025، فلا تتوافر معلومات دقيقة عن الأعداد، لكن من المعروف أنّ جنوداً إسرائيليين يشاركون في الإبادة الجماعية يحملون الجنسية الروسية إلى جانب جنسيتهم الإسرائيلية. والسلطات الروسية لا توجّه أي انتقاد للروس الذين جُنّدوا في الجيش الإسرائيلي، بمن فيهم المشاركين في عمليات غزة.
ما الحالة التجارية بين الهند وإسرائيل؟
تستورد الهند أكثر من ثلث صادرات إسرائيل من الأسلحة. تشهد التجارة بين الهند وإسرائيل نمواً ملحوظاً وتبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار. وتزوّد الهندُ إسرائيلَ بمنتجات نفطية، وألماس وأحجار كريمة أخرى، ومواد كيميائية وأدوية، إضافةً إلى الأسلحة (بما فيها الطائرات المسيّرة). وفي المقابل، تصدّر إسرائيل إلى الهند أسلحة (صواريخ) وذخائر وأنظمة دفاعية. ووفقاً لموقع موني كونترول، أحد أبرز المواقع المالية في الهند، فقد ارتفعت تجارة السلاح بين الهند وإسرائىل 33 ضعفاً في 10 سنوات، من 2015 حتى 2024، لتصل قيمتها في العام 2024 إلى 185 مليون دولار.
أصبحت الهند طرفاً أساسياً في تجارة السلاح الإسرائيلية، وأكبر مستورد للأسلحة في العالم، وأوثق مشترٍ لإسرائيل، إذ تستحوذ على 37% من إجمالي صادراتها العسكرية
وتشير مجلة نيو إنترناشوناليست في عددها الصادر في كانون الثاني/يناير 2025 إلى أنّ: «شركات هندية، منها أداني إلبيت أدفانسيد سيستمس إنديا وبريمير إكسبلوسيڨز والشركة الحكومية ميونيشنس إنديا تزوّد إسرائيل بطائرات مسيّرة وأسلحة في ظل الحرب الإسرائيلية الإبادية على الشعب في غزة. وفي نيسان/أبريل، وحرصاً على عدم الإضرار بهذه الترتيبات، امتنعت الهند عن التصويت على قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى فرض حظر أسلحة على إسرائيل. وفي المقابل، واصلت إسرائيل تزويد الهند بالمعدات العسكرية بلا انقطاع، وهذا التزام له دلالته بالنظر إلى أنّ إسرائيل أخّرت تصدير أسلحة بقيمة تزيد على 1.5 مليار دولار إلى دول أخرى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومنذ وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة في العام 2014، أصبحت الهند طرفاً أساسياً في تجارة السلاح الإسرائيلية، وأكبر مستورد للأسلحة في العالم، وأوثق مشترٍ لإسرائيل، إذ تستحوذ على 37% من إجمالي صادراتها العسكرية.»
وتشير المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانتشيسكا ألبانيزي، إلى أنّ التكتلات العاملة في مجالي الاستخراج والتعدين، وإنْ وفّرت مصادر للطاقة المدنية، قد ساهمت أيضاً في دعم البنية التحتية العسكرية والطاقية في إسرائيل، وكلتاهما تُستخدم لخلق ظروف معيشية تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني.
ولا مؤشّر على أيّ رغبة في تغيير موقف رئيس الوزراء الهندي المؤيد لإسرائيل (وقد حضر شخصياً قمة البريكس في ريو في تموز/يوليو 2025). وتأمل الهند وإسرائيل في إبرام اتفاقية تجارة حرة قبل نهاية العام 2025. وبحسب تقرير لصحيفة تايمز أوف إسرائيل بتاريخ 18 شباط/فبراير 2025: «تسعى إسرائيل والهند إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة المنتظرة منذ زمن هذا العام، وذلك عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة تنظيم خطط ممرّ تجاري بين الولايات المتحدة والهند يمرّ عبر إسرائيل.»
وعلى صعيد الموقف من فلسطين، شهدت السياسة الهندية تحوّلاً كبيراً لصالح إسرائيل، لا سيما منذ انتخاب مودي. فقد كسر التقاليد في العام 2017 حين أصبح أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل من دون زيارة فلسطين. وتجنّبت حكومته انتقاد إسرائيل مباشرةً، وبالتحديد إبان قصف غزة (2014 و2021 و2023 و2024 و2025) وفي أثناء اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية. وداخل الهند، يتعرض التضامن مع فلسطين على نحو متزايد للهجوم والتشويه ونزع الشرعية من قبل اليمين الهندوسي، لا سيما في المناخ السياسي والفكري الذي تصوغه سياسة حزب باراتيا جاناتا بزعامة مودي.
ما طبيعة العلاقات بين جنوب أفريقيا وإسرائيل؟
لا شكّ أنّ إقدام حكومة جنوب أفريقيا على رفع دعوى ضدّ إسرائيل في 29 كانون الأول/ديسمبر 2023 أمام محكمة العدل الدولية، وهي الهيئة القضائية التابعة للأمم المتحدة المكلّفة بحلّ النزاعات بين الدول، خطوةٌ إيجابية كبرى. فقد اتهمت بريتوريا إسرائيل بارتكاب انتهاكات لأحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في سياق هجومها العسكري على غزة.
15% من الفحم الذي تستهلكه إسرائيل يأتي من جنوب أفريقيا
وقد عرضت جنوب أفريقيا في دعواها جملة من الاتهامات ضمن ما وصفته بالسياق الأشمل لسلوك إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني على مدى 75 عاماً من نظام الفصل العنصري، و56 عاماً من الاحتلال العسكري العدواني للأراضي الفلسطينية، و16 عاماً من الحصار المفروض على قطاع غزة. وفي قرارها الصادر في 26 كانون الثاني/يناير 2024، أمرت المحكمة إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب أفعال إبادة جماعية في غزة، لكنّها لم تستجب لطلب جنوب أفريقيا بإلزام إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية. ومنذ ذلك الحين، واصلت إسرائيل ارتكاب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وشدّدت حصارها على دخول المساعدات الإنسانية.
وفي كانون الثاني/يناير 2025، ساعدت جنوب أفريقيا في تأسيس مجموعة لاهاي لتنسيق الإجراءات القانونية والدبلوماسية ضد سياسات إسرائيل في غزة. وبحسب البيان التأسيسي، تشمل أبرز الالتزامات: المطالبة بتنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية ومذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق القادة الإسرائيليين، وحظر نقل الأسلحة أو الوقود لأغراض عسكرية يمكن استخدامها في النزاع، ومنع السفن المحمّلة بالمعدات العسكرية إلى إسرائيل من دخول الموانئ. وتضم الدول المؤسسة للمجموعة: جنوب أفريقيا وكولومبيا وبليز وبوليفيا وكوبا وهندوراس وماليزيا وناميبيا والسنغال. وقد عُقد اجتماع طارئ في منتصف تموز/يوليو 2025 في بوغوتا.
وعلى صعيد البريكس، لم تنضم أيّ من الدول الأربع المؤسسة (البرازيل وروسيا والهند والصين) حتى الآن إلى دعوى جنوب أفريقيا، في حين انضمّت 15 دولة أخرى بشكل أو بآخر. ومن بين دول البريكس العشر في العام 2025، وحدها مصر انضمّت إلى الدعوى حتى الآن، وأعلنت البرازيل، وبشكل متأخر جداً في تموز/يوليو 2025، نيتها الانضمام في المستقبل.
أما ما يبعث على الأسف البالغ في الموقف الجنوب أفريقي، فهو استمراره في التجارة مع إسرائيل على الرغم من هذه الدعوى العادلة، ولا سيما عبر تزويدها بالفحم. وتشير بعض المصادر إلى أنّ 15% من الفحم الذي تستهلكه إسرائيل يأتي من جنوب أفريقيا. وقد دأب الأكاديمي الجنوب أفريقي باتريك بوند على التنديد بتلك الشحنات.
وبحسب بوند، تبرّر السلطات في بريتوريا استمرارها بأنّها مضطرة لتجنّب خرق قواعد منظمة التجارة العالمية، وهو تبرير يراه بوند واهياً، إذ إنّ كثيراً من الدول انتهكت هذه القواعد في السنوات الأخيرة من دون أن تواجه عواقب، فضلاً عن أنّ وقف التجارة مع إسرائيل سيكون إجراءً مشروعاً تماماً لجنوب أفريقيا.
وفي هذا السياق، تذكر المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانتشيسكا ألبانيزي، في الفقرة 89 من تقريرها من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية: «إنّ التكتلات العاملة في مجالي الطاقة الاستخراجية والتعدين، وإنْ وفّرت مصادر للطاقة المدنية، قد ساهمت أيضاً في دعم البنية التحتية العسكرية والطاقية في إسرائيل، وكلتاهما تُستخدم لخلق ظروف معيشية تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني».
ويُذكر أنّ هذا التقرير الجوهري نُشر في أواخر حزيران/يونيو 2025، قبل قمة البريكس، ومع ذلك لم يرد له أيّ ذكر في البيان الختامي الصادر في 6 تموز/يوليو 2025.
وقد أعدّ بوند ملفاً موسّعاً عن مجموعة باراماونت الجنوب أفريقية للصناعات العسكرية التي يرأسها إيفور إيتشيكوفيتز، كشف فيه عن التعاون الوثيق بين هذه الشركة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ولا سيما تعاونها مع شركة إلبيت الإسرائيلية للصناعات العسكرية. ويُدين بوند هذا التعاون بشدّة. وقد نُشر ملفه بعنوان «هل تشمل التجارة بين جنوب أفريقيا وإسرائيل أسلحة؟» في 21 كانون الأول/ديسمبر 2024.
والجدير بالذكر أنّ إيفور إيتشيكوفيتز نفسه انتقد دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وكتب في مجلة فورتشن: «إنّ الموقف الأخير لجنوب أفريقيا، المعادي تماماً لإسرائيل والمتعاطف كثيراً مع حماس، وقد بلغ ذروته في سَوق دولة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، كان ليؤدي إلى معاقبة جنوب أفريقيا واستبعادها من مبادرة أغوا – وهو احتمال لا يزال يخيم على علاقات الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا.»
ويواصل بوند، ومعه حركات جنوب أفريقية عديدة ونشطاء كثر، دعوة سلطات بريتوريا إلى فرض عقوبات على إسرائيل عبر حظر صادرات الفحم إليها ووقف جميع العلاقات التجارية معها.
ما طبيعة العلاقات التجارية بين البرازيل وإسرائيل؟
يبلغ حجم التجارة بين البرازيل وإسرائيل قرابة ملياري دولار أميركي. تستورد البرازيل من إسرائيل أكثر مما تصدّره إليها. وأبرز صادرات البرازيل إلى إسرائيل النفط الخام الذي يشكّل نحو ربع صادراتها، إضافة إلى اللحوم بنسبة تقارب 20%، وفول الصويا المعدّل وراثياً بنسبة مماثلة، إلى جانب الدجاج المُعَدّ وفق الشريعة اليهودية (كوشر)، والأسلحة، وغيرها.
هل يعني ذلك وجود تجارة أسلحة بين البرازيل وإسرائيل؟
نعم. فقد صدّرت البرازيل إلى إسرائيل في العام 2024 أسلحة بقيمة محدودة (أقل بقليل من مليوني دولار)، لكنّها كانت ذخائر حربية. وفي العام نفسه، استوردت البرازيل من إسرائيل أسلحة حربية بقرابة من 9 ملايين دولار. وبذلك، حافظت البرازيل على تجارة السلاح مع إسرائيل على الرغم من الإبادة الجارية، بل وواصلت تعاوناً واسعاً معها في مجال تكنولوجيا الدفاع، لا سيما عبر شركة إلبيت الإسرائيلية وفرعها البرازيلي أريس أيروسبيسيال إي ديفيسا.
حافظت البرازيل على تجارة السلاح مع إسرائيل على الرغم من الإبادة الجارية، بل وواصلت تعاوناً واسعاً معها في مجال تكنولوجيا الدفاع
تجدر الإشارة إلى أنّ شركة إلبيت قد ورد اسمها صراحة في تقرير المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانتشيسكا ألبانيزي، بوصفها من الشركات العسكرية الضالعة في الإبادة. فقد جاء في الفقرة 31 من تقريرها: «لقد أصبح المجمع الصناعي العسكري العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي. وبين العامين 2020 و2024، كانت إسرائيل ثامن أكبر مصدر للسلاح عالمياً. وتُعدّ شركتا إلبيت سيستمس التي تأسست عبر شراكة بين القطاعين العام والخاص ثم خُصخصت لاحقاً، وإسرائيل أيروسبايس إندستريس المملوكة للدولة، من بين أكبر 50 شركة تصنيع سلاح في العالم. ومنذ العام 2023، عمقت إلبيت تعاونها مع العمليات العسكرية الإسرائيلية عبر إيفاد موظفين كبار إلى وزارة الدفاع، وحصلت على جائزة الدفاع الإسرائيلية للعام 2024. وتوفّر الشركتان إمداداً محلياً حيوياً بالسلاح، كما تعزّزان التحالفات العسكرية لإسرائيل عبر صادرات الأسلحة والتطوير المشترك للتكنولوجيا العسكرية».
وتضيف في الفقرة 33: «كانت الطائرات المسيّرة، بما فيها الطائرات السداسية والمروحية الرباعية، حاضرة دوماً في سماء غزة كآلات قتل. وقد طوّرت الشركتين هذه الطائرات وزوّدتها لإسرائيل، وظلّت تحلّق إلى جانب المقاتلات، تراقب الفلسطينيين وتوفّر معلومات الاستهداف. وخلال العقدين الماضيين، وبدعم من هاتين الشركتين وبالتعاون مع مؤسسات مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، اكتسبت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية أنظمة تسليح آلية وقدرة على الطيران بتشكيلات أسراب».
أما التعاون العسكري بين البرازيل وإسرائيل عبر إلبيت وفرعها البرازيلي فراسخ، إذ زوّدت أريس الجيش البرازيلي بمحطات أسلحة يتم التحكم بها عن بُعد (RCWS, REMAX) بعقد بلغت قيمته نحو 100 مليون دولار. ويتجاوز التعاون تبادل المعدات إلى نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك والتدريب.
وفي نيسان/أبريل 2024، اختار برنامج المدفعية الذاتية البرازيلية، تحت ضغط وزارة الدفاع، منظومة ATMOS-2000 عيار 155 ملم المثبّتة على شاحنات (Tatra T-815 6×6) التي طوّرتها شركة إلبيت، بعد منافسة مع أنظمة Caesar (فرنسا) وSH-15 (الصين) وZuzana 2 (سلوفاكيا/التشيك). وينص العقد الأولي على شراء 36 مدفعاً، منها وحدتان للتقييم الفني والتشغيلي في خلال 12 شهراً، والباقي يُسلّم سنوياً حتى 2034. وتقدَّر قيمة العقد الإجمالية بين 150 و200 مليون دولار، وربما تصل إلى 210 ملايين وفق بعض المصادر.
لكن في وقت كتابة هذا المقال، جُمّد المشروع منذ تشرين الأول/أكتوبر 2024 بسبب انتقادات الرئيس لولا دا سيلفا لإسرائيل وحربها على غزة. وحتى الآن لم يُوقَّع أي مرسوم تنفيذي بإلغاء المشروع، ويسعى مسؤولو الدفاع وقادة الجيش لإقناع الرئيس باستئناف التنفيذ وتسليم الوحدتين النموذجيتين. وفي أواخر تموز/يوليو 2025، أعلن وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا تشديد موقف البرازيل من إسرائيل ووقف تجارة السلاح معها.
كيف تتصرف مصر، العضوة في البريكس، إزاء التضامن مع الشعب الفلسطيني؟
لقد لاحظنا على مدى سنوات ازدياد التعاون بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة على حساب التضامن مع الشعب الفلسطيني.
أولاً، لا بد من التشديد على أنّ السلطات المصرية في حزيران/يونيو 2025 قمعت آلاف الأشخاص القادمين من عشرات الدول ومنعتهم من التنقّل داخل البلاد للوصول إلى معبر رفح الحدودي بهدف التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف الإبادة والمطالبة بالتوصل إلى وقف إطلاق النار. ففي 10 حزيران/يونيو 2025، أطلق ناشطون من أكثر من 50 دولة المسيرة العالمية نحو غزة، وهي مبادرة مدنية مدعومة من تحالف دولي واسع للتنديد بالحصار الإسرائيلي والمطالبة بفتح ممر إنساني إلى غزة عبر معبر رفح.
يواصل النظام المصري قمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين بشكل منهجي، حتى أنّ حركة رمزية مثل رفع العلم الفلسطيني قد تؤدي إلى اتهامات بالإرهاب
غير أنّ السلطات المصرية حالت دون انطلاق المسيرة، وشنّت منذ البداية حملة تشويه إعلامية ضد المنظّمين، ثم صعّدت القمع عبر الاعتقالات (في الشوارع والفنادق والمطاعم)، ومصادرة جوازات السفر، وتكسير الهواتف، ومنع القوافل من مغادرة القاهرة. كما أُبلغ عن حالات عنف واعتقال في الإسماعيلية، حيث جرى توقيف نحو 200 ناشط. وسُجّلت أيضاً عمليات طرد وإبعاد في المطار.
يعكس هذا القمع ازدياد التعاون بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة على حساب التضامن مع فلسطين. ففي خلال عهد جمال عبد الناصر، رفضت مصر أي تطبيع مع إسرائيل واستمرت في انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. لكنّ خَلَفه، أنور السادات، وقّع في العام 1979 معاهدة سلام مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة، وهي خطوة رآها الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، بما فيها مصر، خيانة ومهّدت الطريق لتعاون عسكري وأمني واقتصادي متنامٍ.
وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بلغ هذا التطبيع مستوى غير مسبوق، مع تعزيز التعاون الأمني، وزيادة الاعتماد الاقتصادي على الغاز الإسرائيلي، وتقديم دعم ضمني لحصار غزة، وتشديد السيطرة على معبر رفح، وتدمير الأنفاق التجارية المؤدية إلى القطاع. كما يواصل النظام المصري قمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين بشكل منهجي، حتى أنّ حركة رمزية مثل رفع العلم الفلسطيني قد تؤدي إلى اتهامات بالإرهاب.
ما الحالة التجارية الراهنة بين مصر وإسرائيل؟
في العام 2022، قُدِّرت التجارة بين مصر وإسرائيل بنحو 300 مليون دولار، مقابل نحو 330 مليون دولار وفق تقرير العام 2021. وفي العام 2023، ارتفعت التجارة بنسبة 56% مقارنة بالعام 2022، لتصل إلى نحو 468 مليون دولار. أما في العام 2024، فقد تسارع النمو في الربع الأخير من العام بقفزة بلغت 168%، من دون أن يُحدَّد المجموع السنوي بدقة. ويُعدّ الغاز الطبيعي المنتج الرئيس الذي تشتريه مصر من إسرائيل، إذ شكّل الغاز الإسرائيلي ما بين 15% و20% من الاستهلاك المصري في مطلع العام 2025.
هل من تعاون عسكري بين مصر وإسرائيل؟
نعم، يوجد تعاون عسكري سري لكن جوهري بين مصر وإسرائيل، على الرغم من تاريخهما الحافل بالصراعات (حروب 1948 و1967 و1973). فمنذ العام 2007، تنظّم الدولتان عملياً حصاراً على غزة (فرض قيود على حركة البضائع والأفراد، ومراقبة الأنفاق). كما تنفّذ مصر وإسرائيل عمليات مشتركة لتدمير الأنفاق بين غزة ومصر، بمساعدة تكنولوجية إسرائيلية. وقد اشترت مصر أنظمة مراقبة إسرائيلية (منها رادارات من شركة إلبيت) عبر وسطاء أوروبيين. وبحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال بتاريخ 7 آذار/مارس 2024، نفّذت إسرائيل ضربات سرّية ضد أسلحة تمرّ عبر مصر إلى غزة، بموافقة ضمنية من السلطات المصرية. وتمنح الولايات المتحدة مصر مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، مشروطة بتعاون القاهرة مع إسرائيل، وتحرص واشنطن على التأكد من تنفيذ هذا الشرط.
ما طبيعة العلاقات الإماراتية مع إسرائيل؟
في العام 2020، وتحت رعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أسفرت الاتفاقات الإبراهيمية3 عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وفي 29 آب/أغسطس 2020، وبعد أسابيع قليلة من إعلان الاتفاقات، ألغت الإمارات القانون الاتحادي الصادر في العام 1972 الذي كان يحظر العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، ما أتاح شرعنة التجارة والاستثمار المتبادل، واستيراد وبيع المنتجات الإسرائيلية، والتعاون العلمي والثقافي والتكنولوجي، وغير ذلك. وقبل هذا الإلغاء، كانت العلاقات بين الجانبين تشهد تقارباً تدريجياً.
تنخرط القوات المسلحة الإماراتية والجيش الإسرائيلي في تعاون عسكري، تدفعه جزئياً العداوة المشتركة تجاه إيران ونفوذها الإقليمي
وبعد تلك الاتفاقات، وفي 31 أيار/مايو 2022، وُقّعت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة ودخلت حيّز التنفيذ في 1 نيسان/أبريل 2023، وقد تضمنت إلغاءً أو تخفيضاً كبيراً للرسوم الجمركية على نحو 96% من البنود الجمركية و99% من قيمة التجارة، بهدف رفع حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 10 مليارات دولار في خلال 5 سنوات. وعلى الرغم من أنّ حرب غزة قلّلت من الزخم الإعلامي للتجارة في العام 2024، فقد استمر النشاط التجاري ونما، إذ يُتوقّع أن يرتفع حجمه من 2.5 مليار دولار في 2022 إلى 5 مليارات دولار في 2025.
ووفق وكالة بلومبرغ، يوجد نحو 600 شركة إسرائيلية تعمل في الإمارات في العام 2025، وأفاد تقرير لغرفة تجارة دبي (2023) بأنّ أكثر من 200 شركة إماراتية أقامت شراكات أو افتتحت فروعاً في إسرائيل منذ بدء التطبيع.
هل من تجارة أسلحة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة؟
نعم، منذ تطبيع العلاقات في العام 2020، حدث بالفعل تبادل عسكري فعلي بين إسرائيل والإمارات، يتمحور حول أنظمة الدفاع الجوي (مثل سبايدر وباراك 8 والقبة الحديدية)، والطائرات المسيّرة، والتقنيات الإلكترونية، بالإضافة إلى التعاون الصناعي. وعلى الرغم من حساسية العقود المحددة، فقد تسارع هذا التبادل منذ العام 2022، وازدادت مظاهره العلنية منذ عامَي 2024 و2025، ولا سيما عبر معارض السلاح مثل آيدكس الذي يُقام كل عامين. ففي نسخة شباط/فبراير 2025 من المعرض، شاركت 34 شركة سلاح إسرائيلية، وتتعاون شركة إيدج الإماراتية المتخصصة في الصناعات العسكرية مع شركات إسرائيلية مثل إلبيت ورافايل وآي إيه آي وآر تي وثيرد آي.
هل من تعاون مباشر بين القوات المسلحة الإماراتية والجيش الإسرائيلي؟
على الرغم من غياب الاعتراف الرسمي من الطرفين، تنخرط القوات المسلحة الإماراتية والجيش الإسرائيلي في تعاون عسكري، تدفعه جزئياً العداوة المشتركة تجاه إيران ونفوذها الإقليمي، فضلاً عن المصالح المشتركة في مواجهة الحوثيين في اليمن.
منذ اندلاع الحرب اليمنية في العام 2015، وسّعت الإمارات وجودها العسكري في المنطقة، خصوصاً في جزيرة سقطرى اليمنية. احتلت الإمارات الجزيرة وأنشأت عليها قاعدة عسكرية بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي على الأرض. وتكمن أهمية أرخبيل سقطرى المطل على المحيط الهندي قبالة سواحل اليمن في سيطرته على ممرات بحرية حيوية بين البحر الأحمر وخليج عدن، يمرّ عبرها سنوياً نحو 20 ألف سفينة شحن، 9% منها ضمن تجارة النفط العالمية.
كما تتعاون الإمارات مع إسرائيل والهند وعدة دول أوروبية (إيطاليا وألمانيا وفرنسا واليونان) في مشروع لإنشاء طريق بري يربط خليج دبي بميناء حيفا مروراً بشبه الجزيرة العربية عبر الرياض، بهدف تجاوز قناة السويس في التجارة بين آسيا وأوروبا. ويمثّل المشروع نوعاً ما بديلاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
مم يتألف التعاون العسكري بين الإمارات والولايات المتحدة؟
لا بد لنا من الإشارة إلى أنّ الإمارات الدولة هي الوحيدة في مجموعة البريكس التي تستضيف قاعدة عسكرية أميركية دائمة على أراضيها، وهو ما يرتبط بكل وضوح بسياساتها في التعاون مع إسرائيل. الوجود العسكري الأميركي في الإمارات قديم واستراتيجي، ويعود إلى ما بعد حرب الخليج 1991، ضمن إطار تعاون دفاعي ثنائي تعزّز على مدى العقود الماضية. بالقرب من العاصمة أبوظبي، تستضيف القاعدة الأميركية مقاتلات إف 22 وأحياناً إف 35 وطائرات استطلاع أواكس وجيستارز وطائرات مسيّرة مسلحة أم كيو – 9 ريبير، وطائرات للتزويد بالوقود جواً، وغيرها. تشكّل هذه القاعدة مركزاً لوجستياً محورياً لعمليات الولايات المتحدة في الخليج العربي والعراق وسوريا، والقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إضافة إلى مراقبة إيران. يتواجد فيها على الدوام أو بالتناوب نحو 2,000–3,000 جندي أميركي.
نشرت الولايات المتحدة في الإمارات منظومات دفاع جوي من بينها باتريوت باك 3. تتعاون الإمارات مع الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في البحرين. وتشارك في مناورات بحرية مشتركة ومبادرات من قبيل التعاون الدولي لأمن الملاحة في مضيق هرمز، وتضمن وصول الأسطول الأميركي وحلفائه إلى الموانئ الإماراتية.
كيف تتصرف إثيوبيا إزاء إسرائيل؟ وهل من تعاون عسكري بينهما؟
على الرغم من الإبادة الجماعية الجارية في غزة، لا يزال التعاون العسكري مستمراً بين إسرائيل وإثيوبيا العضو الكامل في البريكس.
وبحسب مصادر عدة، تُعَدّ إسرائيل من أبرز موردي السلاح لإثيوبيا، لا سيما في مجال أنظمة الدفاع الجوي مثل سبايدر-أم آر، المخصصة لحماية سد النهضة الإثيوبي الكبير من أي هجمات جوية.
تُعَدّ إسرائيل من أبرز موردي السلاح لإثيوبيا، لا سيما في مجال أنظمة الدفاع الجوي مثل سبايدر-أم آر، المخصصة لحماية سد النهضة الإثيوبي الكبير من أي هجمات جوية
ولم يتوقف التعاون بين البلدين على الرغم من تغيير النظام في أديس أبابا، ويرجع تاريخه إلى فترة الستينيات والتسعينيات، حين درّبت إسرائيل وحدات المظليين وقوات مكافحة التمرد (فرقة نيبالبال)، وزوّدت الجيش الإثيوبي بـ150 ألف بندقية وقنابل عنقودية، وأرسلت مستشارين عسكريين لتدريب الحرس الرئاسي. ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020، تسري اتفاقية تعاون بين الموساد وجهاز الأمن الإثيوبي يشمل تبادل الخبرات ومهارات مكافحة التمرد.
وعلى الرغم من عدم إبراز هذا التعاون بسبب الإبادة في غزة، يظل جزءاً محورياً من استراتيجية الأمن الإثيوبية ومن أدوات النفوذ الإسرائيلي في شرق أفريقيا، ويشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، التنسيق الاستراتيجي، وبناء القدرات العسكرية الإثيوبية.
الجدير بالذكر أنّ إسرائيل لديها علاقات ممتازة في هذه المنطقة مع نظام موسيفاني في أوغندا (وقد مثَّلها في قمة ريو نائب الرئيس).
حجم التجارة بين إسرائيل وإثيوبيا متواضع، إذ لا يتجاوز 100 مليون دولار سنوياً، لكن الشركات الإسرائيلية تُبدي اهتماماً متزايداً بالاستثمار في القطاع الزراعي الإثيوبي.
ما طبيعة العلاقات بين إندونيسيا وإسرائيل؟
إندونيسيا، أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم وعضو كامل في البريكس، لا تربطها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، لكن الواقع العملي يكشف صورة مغايرة. ففي أيار/مايو 2024، كشفت تحقيقات مشتركة بين صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ومنظمة العفو الدولية، ومجلة تِمبو الإندونيسية، أنّ إندونيسيا استوردت تقنيات تجسس ومراقبة من إسرائيل.
أظهرت التحقيقات أنّه ما بين عامي 2017 و2023، استوردت إندونيسيا واستخدمت مجموعة واسعة من برمجيات التجسس الفائقة وأنظمة المراقبة المتقدمة المصنّعة في إسرائيل. وقد توصلت التحقيقات إلى أنّ شركات إسرائيلية عدّة زوّدتها بطريقة غير مباشرة بالبرامج، ومنها إن أس أو غروب (عبر شركة كيو سايبر تكنولوجيس المسجلة في لوكسمبورغ) المطوّرة لبرنامج التجسس الشهير بيغاسوس؛ وإنتليكسيا كونسورتيوم المعروفة ببرنامج بريدايتور؛ وكانديرو/سايتو تك؛ ووينتيغو سيستمز. صُممت برمجيات التجسّس المقتناة من إندونيسيا، مثل بيغاسوس وبريدايتور، للعمل بسرية تامة، وإصابة الأجهزة من دون تفاعل مباشر من المستخدم، مع إمكانية الوصول الكامل للصور والرسائل والمكالمات وتحديد الموقع الجغرافي وغيرها. وقد شملت الجهات الإندونيسية التي حصلت على هذه التقنيات الشرطة الوطنية الإندونيسية، والوكالة الوطنية للأمن السيبراني والتشفير، وبحسب بعض التقارير الإعلامية، وزارة الدفاع. وحذّرت منظمة العفو الدولية من أنّ هذه الأجهزة تمثل خطراً كبيراً على الحقوق المدنية، بما في ذلك حرية التعبير وحق الخصوصية.
في منتصف تموز/يوليو 2025، انضمت إندونيسيا رسمياً إلى «مجموعة لاهاي» في خلال القمة الطارئة في بوغوتا يومي 15 و16 تموز/يوليو 2025، لتصبح واحدة من 13 دولة تعهّدت باتخاذ إجراءات ملموسة ومنسقة لفرض القانون الدولي في مواجهة الإبادة الجماعية الجارية في غزة.
أما من حيث التبادل التجاري، فلا يزال محدوداً، إذ يقل عن 200 مليون دولار سنوياً.
غزة والبريكس : رفض إدانة الإبادة أو فرض العقوبات
يكشف تحليل مفصّل لمواقف وممارسات دول مجموعة البريكس في مواجهة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة عن تناقض فاضح بين خطابها الرسمي - المتمحور في الغالب حول القانون الدولي، وتعددية الأطراف، وسيادة الشعوب - وبين أفعالها الملموسة، كما في حالة غزو روسيا لأوكرانيا أو سياسات الإمارات. أما دول بريكس بلس، أي الدول العشر الأعضاء، فترفض توصيف الجريمة المرتكبة في غزة بالإبادة الجماعية، على الرغم من توثيقها الواسع وإدانتها من قِبل الهيئات الدولية والمقرّرة الخاصة للأمم المتحدة، فرانتشيسكا ألبانيزي.
عملياً، لم تتخذ البريكس أي إجراءات قوية مشتركة: لا عقوبات، ولا قطع للعلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية، ولا حظر، ولا حتى تعليق رمزي للتعاون مع إسرائيل. بل على العكس، استمرت العلاقات التجارية - ولا سيما في المجالات الاستراتيجية للطاقة، وتقنيات المراقبة، والبنية التحتية، والتسليح - وتعمّقت في عامي 2024 و2025. وتُعدّ جنوب أفريقيا استثناءً بتقديمها الشكوى أمام محكمة العدل الدولية، لكنّ هذا الموقف الإيجابي تقوّضه مواصلة تصدير الفحم إلى إسرائيل وغيرها من أشكال التجارة معها.
تسلط هذه الازدواجية الضوء على حقيقة أساسية: دول البريكس على الرغم من شعاراتها عن «نظام عالمي أعدل» تدافع بالدرجة الأولى عن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، غالباً على حساب مبادئ العدالة الدولية. وهذه الحقيقة تحطّم آمال بعض الأوساط التقدمية التي كانت تتطلع إلى قطب «بديل» تمثّله هذه الكتلة.
مَن لا يزال من اليساريين يعلّق أوهاماً على استعداد البريكس لاتخاذ مبادرات واضحة لصالح الشعوب، فالقمة الأخيرة، وموقف الكتلة إزاء الإبادة في غزة، وعلاقات أعضائها مع إسرائيل، ينبغي لها أن تفتح أعينهم.
نُشِر هذا المقال في 7 آب/أغسطس 2025 في CADTM بموجب رخصة المشاع الإبداعي.
- 1
في مقابلة مع تاكر كارلسون في 9 شباط/فبراير 2024، زعم بوتين أنّ «أوكرانيا، تحت التحكم الغربي، قد شنت حرباً على شعبها في الدونباس. كان قتل الأطفال والنساء والشيوخ يحدث كل يوم. أليست هذه إبادة جماعية؟»
- 2
تجدر الإشارة إلى أنّ لافروف بدأ خلال العامين 2024 و2025 باستخدام مصطلح الإبادة الجماعية في توصيف أفعال إسرائيل في غزة. ويبدو جليّاً وجود تقاسُم للأدوار بين بوتين الذي يتجنب إدانة الأفعال الإبادية الإسرائيلية، ووزير خارجيته. وتجدر الإشارة إلى أنّ لافروف مثّل روسيا في قمة البريكس في ريو في يوليو/تموز، ولم يستخدم مصطلح الإبادة الجماعية في تصريحاته العلنية في القمة. وكما ورد في مستهل هذا المقال، لم يرِد مصطلح الإبادة الجماعية في البيان الختامي لقمة ريو الذي ساهم لافروف في صياغته.
- 3
الاتفاقات الإبراهيمية هي معاهدتا سلام، إحداهما بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، والأخرى بين إسرائيل والبحرين. أُعلنت المعاهدة الأولى، بين إسرائيل والإمارات، في 13 آب/أغسطس 2020 على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجرى توقيعها في 15 أيلول/سبتمبر 2020 في البيت الأبيض بواشنطن، مرفقة بإعلان ثلاثي وقّعه أيضاً الرئيس الأميركي بصفته شاهداً. وقد امتدت هذه الاتفاقات لاحقاً لتشمل اتفاقات مع كلٍّ من السودان والمغرب.