Preview الضفة الغربية تحت الحصار أيضاً

الضفّة الغربية تحت الحصار أيضاً

بالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية ضدّ سكان قطاع غزّة، كثّفت قوات الاحتلال الإسرائيلية العنف المُمنهج الذي تمارسه في الضفّة الغربية. وكما اندفعت لتنفيذ خططها القديمة بدفع سكّان غزّة للانتقال قسراً نحو سيناء في مصر أو حشرهم في المنطقة الجنوبية من القطاع، كثّفت كذلك عمليات تطهير المناطق الخاضعة لسيطرتها في الضفّة الغربية من سكّانها الأصليين تمهيداً لقضمها، بحيث تمارس عنفاً مُمنهجاً ضدّهم بقصد تهجيرهم وحشرهم في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية أو دفعهم نحو الأردن.

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الحالي وحتّى 22 تشرين الأول/أكتوبر، نحو 91 فلسطينياً وفلسطينية في مختلف محافظات الضفّة الغربية من ضمنهم 27 طفلاً، وأصابت نحو 1,734 آخرين بجروح، بحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. 

لا يقتصر العنف المُمارس بحق فلسطينيي الضفّة الغربية على القوات الإسرائيلية العسكرية فحسب، بل يشارك المستوطنون المسلّحون بهذا العنف المُمنهج، وقد قتلوا 6 فلسطينيين من ضمنهم طفلاً وجرحوا 35 آخرين حتّى الآن. كما شنّ المستوطنون 103 هجمات على تجمّعات سكنية فلسطينية، بمتوسّط 8 هجمات يومياً، ما أسفر عن تهجير نحو 84 أسرة تضمّ 545 فرداً من 13 مجمعاً رعويا وبدوياً في أجزاء من محافظات رام الله والخليل وبيت لحم ونابلس ضمن نطاق المنطقة ج الخاضعة لسلطة الاحتلال.

الضفة الغربية تحت الحصار أيضاً

جغرافيا الضفة الغربية وديموغرافيتها

تشمل المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي كلّ مناطق الضفة تقريباً منذ بدء الحرب على غزّة، إلا أن هجمات المستوطنين تتركّز في مناطق تسعى دولة الاحتلال منذ سنوات إلى تفريغها من سكّانها كجزء من مخطّطها التوسّعي. هذه المناطق موجودة في المنطقة ج، وهي تسمح بإبقاء سيطرة الاحتلال على مياه نهر الأردن والأراضي الزراعية الخصبة وتمنع اتصال الفلسطينيين مباشرة بالأردن، وتشكّل أيضاً منطقة عازلة مع الأراضي التي احتلّت في العام 1948، وقد بنيت فيها المستوطنات لتكون بمثابة جدران للحصار.

بين عامي 1993 و1995، قسّمت اتفاقيات «أوسلو» الضفة الغربية إلى 3 مناطق: المنطقة ألف وهي خاضعة للسيطرة الفلسطينية المباشرة مع تحكّم دولة الاحتلال بالأمن الخارجي. المنطقة باء التي تخضع للقانون المدني الفلسطيني، فيما تسيطر دولة الاحتلال على الشؤون الأمنية الداخلية والخارجية. والمنطقة جيم التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية المباشرة بما في ذلك شؤون الأمن والتخطيط والبناء.

يعيش في الضفة الغربية نحو 3.2 مليون نسمة من ضمنهم 741 ألف لاجئ انتقلوا تدريجياً إليها منذ النكبة عام 1948، وهم يتوزّعون كالآتي: 1.8 مليون فلسطيني في جيوب المنطقة ألف التي تشكّل 18% من مساحة الضفّة، و1.3 مليون نسمة في المنطقة باء التي تشكّل 22% من مساحة الضفة. فيما يعيش نحو 100 ألف فلسطيني فقط بمن فيهم البدو في المنطقة جيم التي تشكل نحو 61% من مساحة الضفّة، وهي المنطقة التي تمتد من نهر الأردن شرقاً وتضمّ غور الأردن وتتشّعب منه غرباً لتخترق المدن الفلسطينية في المنطقتين ألف وباء، كما تضمّ المناطق الزراعية الخصبة وموارد المياه. 

بالإضافة إلى القدس الشرقية والبلدة القديمة في مدينة الخليل، بنيت المستوطنات بشكل أساسي في المنطقة جيم منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن. ارتفع عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية وفق إحصاءات «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» من مستوطنة واحدة في العام 1967 إلى 349 مستوطنة وبؤرة استيطانية في العام 2023، وهي تضمّ حالياً نحو 727 ألف مستوطناً. في المقابل، هُدِم نحو 7,709 بناء بين عامي 2009 و2023، من ضمنها 78% في المنطقة جيم، و20% في القدس الشرقية و2% في المنطقتين ألف وباء بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. 

الضفة الغربية تحت الحصار أيضاً

لماذا المنطقة ج مهمّة لإسرائيل؟

تترك «الخرائط» وهماً عن وجود منطقة  تديرها «سلطة فلسطينية» هي الضفّة الغربية، إذ تظهر في الخرائط العامّة كما لو أن أراضيها متصلة بعضها ببعض، ولكن في الواقع، تسيطر دولة الاحتلال على أكثر من 92% من أراضي فلسطين التاريخية حالياً، فيما تنحصر السيطرة الفلسطينية على ما لا يتجاوز 8% منها، وهي موزّعة بين قطاع غزّة و14 جيبٍ رئيس وأكثر من 150 جيباً صغيراً مقطّع الاوصال في الضفّة الغربية. 

تصنّف دولة الاحتلال ثلث اراضي الضفة الغربية، أي نحو 1,885 كيلومتراً مربعاً، كمناطق عسكرية مغلقة أمام الفلسطينيين. غالبية هذه المناطق موجودة في المنطقة ج، وتشكّل 50% من مساحتها، وهي تفصل غزّة عن نهر الأردن، وتضمّ المناطق الزراعية التي كانت تُعدُّ مصدراً أساسياً لعيش أهالي الضفّة.

تشير الأبحاث التي أجرتها منظمة «كرم نابوت» التي تعنى بمراقبة السياسات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية إلى أن 80% من هذه المناطق المعرفة كمناطق مغلقة لتدريبات الجيش لا تجري فيها أي تدريبات إطلاقاً. وبحسب الصور الجوية التي التقطتها المنظّمة فقد تبيّن أنها إحدى الوسائل التي اعتمدتها دولة الاحتلال لمنع الفلسطينيين من استخدام مورد الأرض، وتحويل أكبر مساحة منها إلى المستوطنين. وبالفعل كان هؤلاء يستصلحون نحو 14 ألف دونم من هذه المناطق المغلقة حتى العام 2014، ووصلت في العام 2018 إلى نحو 100 ألف دونم بحسب منظمة «بتسليم». فقد وجدت دولة الاحتلال أن الزراعة قد تكون أكثر فعالية لترسيخ سيطرتها على الأرض من بناء المستوطنات. في الواقع، تعد المساحات المزروعة في المناطق المغلقة أكبر بنحو 1.5 مرّة من المساحة التي بنيت عليها مستوطنات في الضفة.

بالنتيجة، وبما أن الزراعة شكّلت لعقود مصدر عيش هام لسكان الضفّة الغربية، فقد أدّى إغلاق المناطق أمامهم إلى فقدان هذا المصدر وتحوّلهم عنه. بحسب إحصاء أجرته إسرائيل في العام 1967 فور احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزّة، تبيّن أن 34.2% من الفلسطينيين في الضفة وغزة يعملون في الزراعة، وقد تراجعت هذه النسبة إلى 6.5% في العام 2021 بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. 

تشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن معدل البطالة بلغ نحو 24,4% في الضفة الغربية في العام 2022، وهذا ما جعل الباحثين عن عمل من الفلسطينيين إمّا مهيئين للهجرة في حال سنحت لهم الفرصة، أو الارتهان للسلطة الفلسطينية بغية الحصول على وظيفة في القطاع العام، أو استغلالهم للعمل بأجور متدنية ومتدنية القيمة المضافة في الاقتصاد الإسرائيلي، أو انتظار المساعدات الخارجية. 

الضفة الغربية تحت الحصار أيضاً

حياة الفلسطينيين المقيّدة في الضفّة 

فيما سعت إسرائيل إلى تفريغ المنطقة ج في الضفة الغربية من سكّانها، أطبقت حصارها على المنطقتين أ وب. لم تكتفِ دولة الاحتلال بقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، بل عمدت أيضاً إلى قطع كلّ سبل الحياة الكريمة عمن صمدوا في أرضهم كأداة لدفعهم إلى تركها، وهي تشدّد هذه الممارسات منذ بدء الحرب. 

إن سيطرة إسرائيل على طرق الاتصال والمياه الجوفية والموارد الطبيعية والأجواء في الضفة الغربية، جعل الفلسطينيون المقيمون في الضفّة يعتمدون على استنسابيتها في إمدادهم بالمياه والطاقة، وهي تستخدم حرمانهم من حقوقهم الأساسية كسلاح لتدمير حياتهم المدمّرة بالأساس وتطويعهم. 

حالياً يقيم جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 700 حاجز، بمعدّل حاجز كلّ 3 كيلومترات، في المنطقتين ألف وباء، وتضمّ هذه الحواجز نحو 140 نقطة تفتيش يضطر نحو 70 ألف فلسطيني ممن يحملون تصاريح عمل إسرائيلية للمرور يومياً عبرها، كما أنها تعيق حركة المتنقلين الآخرين بين المناطق الفلسطينية، مما يجعل حياتهم أشبه بجحيم يومي. في المقابل، أقامت دولة الاحتلال شبكة طرقات التفافية، تضم طرقاً سريعة وأنفاقاً وجسوراً، لتسهيل عبور المستوطنين بين مناطق الضفّة الغربية من دون المرور بالمنطقتين ألف وباء أو العبور عبر الحواجز ونقاط التفتيش. وهي بطبيعة الحال محظور استخدامها على الفلسطينيين. 

وبحسب البنك الدولي، يحصل كل مستوطن على 247 ليتراً من المياه يومياً – وهو ما يشكل 3 أضعاف الكميات التي يستخدمها الفلسطينيون في الضفة الغربية والتي تبلغ 82.4 ليتراً للفرد الواحد. في الواقع، 47% من المقيمين في الضفة لا يحصلون على المياه يومياً، بل مرّة كلّ 3 إلى 10 أيام. 

إلى ذلك، وبحسب تحليل للضياء الليلي أجرته UNICTAD بين عامي 2012 و2020، تبين أن مناطق الضفة باستثناء المستوطنات والقدس الشرقية تحصل على الكهرباء مرّتين أقل من المستوطنات المحيطة بها. ويتبيّن أيضاً أن مناطق الفلسطينيين في المنطقة جيم هي الأقل تغذية بالطاقة، وهو ما يمكن تفسيره بسياسات الاحتلال التي تدمر سبل عيش السكّان هناك لدفعهم نحو الرحيل.