Preview war in gaza

اقتصاد الحرب في غزة: سوق البقاء على قيد الحياة

تحت القصف والتدمير والحصار المُطبق الذي يتعرّض له قطاع غزّة في حرب الإبادة المستمرّة منذ أكثر من 10 أشهر، نشأ اقتصاد حرب تزدهر فيه «سوق البقاء على قيد الحياة»، وتركّز على بيع السلع الأساسية ولا سيما الغذاء والفيول.

يعد التجّار ومتلقّي المساعدات الإنسانية  المصدر الرئيسي للسلع الغذائية حالياً. في خلال الفترة الممتدّة بين الأول من تموز/يونيو و10 آب/أغسطس 2024، أجرى برنامج الأغذية العالمي مسحاً لرصد مؤشرات السوق في قطاع غزّة، وقد شمل 756 مؤسّسة رسمية للبيع بالتجزئة وباعة متجوّلين. وقد شكّلت المتاجر الرسمية 8% من إجمالي المستجيبين، و92% من الباعة المتجوّلين غير الرسميين. وفي حين تتركّز المتاجر المستجيبة في مناطق محدّدة ولا تغطّي كامل القطاع، ولكنّها تعطي فكرة عن التحوّلات البنيوية التي أحدثتها الحرب في السوق. 

بنتيجة التدمير للمنهج للبنية التحتية في قطاع غزّة، دُمِّرت غالبية المتاجر، وتحوّل التجّار والباعة من العمل في محالهم ومؤسساتهم قبل الحرب إلى البيع في الطرقات. يشكّل هؤلاء نحو 17% من مجمل الباعة المتجوّلين. فيما تشمل النسبة المتبقية أعداداً من الفلسطينيين النازحين، شباب وأطفال ونساء وكبار في السن، خسروا كلّ ما يملكون ولجأوا إلى بيع ما بقي لديهم، وكذلك فتات المساعدات الذي يحصلون عليه من أجل تلبية حاجاتهم الأخرى الملحّة. 

وعلى عكس المتاجر الرسمية، التي تقدّم عادة مجموعة واسعة من المنتجات، يركز البائعون غير الرسميين على سلع محدّدة، وتشمل عادة المعلبات والأرز والبقول والطحين، وغيرها من المواد الغذائية مثل الخضروات والبيض.

استبدال المساعدات الإنسانية بالسلع التجارية

تفيد بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أنه اعتباراً من حزيران/يونيو الماضي، أصبح دخول شاحنات السلع التجارية إلى قطاع غزّة أعلى من دخول شاحنات المساعدات الإنسانية. لا تعني هذه الزيادة تحسّناً في توافر الغذاء والقدرة على الوصول إليه، نظراً لانهيار القدرة الشرائية للأسر الفلسطينية، والتدمير الهائل للطرقات والبنى التحتية والمباني بما فيها المحال التجارية والأسواق. بل تفسّر بعضاً من سمات اقتصاد الحرب الذي ينشأ في غزّة. 

بحسب تقرير «رصد السوق» الصادر عن برنامج الأغذية العالمي، بدأت شاحنات السلع التجارية في دخول غزة من مصر عبر معبر رفح منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وإن كان ذلك بكميات محدودة مقارنة باحتياجات السكان. قبل بدء الحرب كان يدخل 500 شاحنة يومياً، ومعظمها محمّلة بالسلع التجارية، بالمقارنة مع متوسّط 37 شاحنة يومياً منذ بدء الحرب، ومع تسجيل أعلى متوسط ​​يومي في تموز/يوليو (123 شاحنة). بعد اجتياح رفح في أيار/مايو، فتح معبر كرم أبو سالم أمام السلع التجارية الوافدة من الضفة الغربية والأراضي المحتلّة. أما فيما يتعلّق بشاحنات المساعدات، فقد دخل نحو 26,000 شاحنة مساعدات حتى 10 آب/أغسطس الحالي بمتوسّط 118 شاحنة يومياً. علماً أن 69% منها محمّلة بمواد غذائية. عند إضافة متوسط ​​عدد الشاحنات التجارية اليومية، يصل المتوسط ​​الإجمالي إلى 155 شاحنة يومياً، وهو ما يمثل 31% فقط من متوسط ​​الشاحنات ما قبل الحرب البالغ 500 شاحنة يومياً.

gaza war economy

ارتفاع الاعتماد على التجار لمن استطاع إليهم سبيلاً

تشهد الأسواق في مختلف أنحاء قطاع غزة نقصاً شديداً وارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الأساسية، وخصوصاً في المحافظات الشمالية. ويتفاقم الوضع بسبب التدفقات النقدية المحدودة وانخفاض النشاط التجاري، ما يؤدّي إلى زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي باتت تقل لمصلحة السلع التجارية. مع العلم أن من أصل 91 جهاز سحب آلي موجوداً في قطاع غزّة، يعمل اثنان فقط. 

بات الاعتماد على التجّار السمة الأبرز في جميع المحافظات. علماً أن المحافظات الشمالية، سجّلت أدنى المعدلات، إذ انخفضت حصة المحلات التجارية التي تعتمد على التجار إلى 52% في النصف الأول من تموز/يوليو، لترتفع مجدداً إلى 88% بحلول النصف الأول من آب/أغسطس، بينما انخفض الاعتماد على المساعدات الإنسانية من 36% إلى 30% في خلال الفترة نفسها. وعلى الرغم من هذه الزيادة في الاعتماد على التجار، إلا أنه لا يوجد اعتماد مناسب على دخول السلع التجارية إلى المحافظات الشمالية، والتفاوتات الكبيرة على مر الزمن تجعل توقعات السوق صعبة للغاية.

أما في دير البلح فقد اعتمدت جميع المحلات التجارية التي شملها الاستطلاع على التجار في النصف الأول من آب/أغسطس، بالمقارنة مع 85% في النصف الثاني من تموز/يوليو. وفي الوقت نفسه، انخفض الاعتماد على المساعدات الإنسانية من 30% إلى 8% في خلال هذه الفترة. وشهد سوق خان يونس انخفاضاً طفيفاً في الاعتماد على التجار من 99% في النصف الثاني من تموز/يوليو إلى 91% في النصف الأول من آب/أغسطس. وعلى العكس من ذلك، زاد الاعتماد على المساعدات الإنسانية من 3% إلى 9%. وفي سوق رفح، كان التجار المصدر الوحيد للسلع الغذائية في النصف الأول من آب/أغسطس. ومع ذلك، لم تتوفر بيانات السوق لرفح بسبب الوضع الأمني.

gaza war economy

تضخم أسعار السلع الأساسية

قبل الحرب، قدّر برنامج الأغذية العالمي كلفة سلة الإنفاق الدنيا في غزة بنحو 450 دولاراً، وكلفة سلة الغذاء بنحو 151 دولاراً، وكلفة سلة الإنفاق الدنيا للبقاء على قيد الحياة بنحو 329 دولاراً. منذ بدء الحرب، ارتفع التضخم في قطاع غزّة بنسبة 237%، وارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 113% ونتيجة لذلك بات الكثير من السكان غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية ومتطلباتهم الغذائية بسبب تدهور القدرة الشرائية.

gaza war economy

تعد مصادر الطاقة من السلع الأساسية التي تشتدّ الحاجة إليها، وبالتالي ترتفع أسعارها وتتفاوت من محافظة إلى أخرى. في دير البلح وخان يونس، ارتفع السعر الرسمي لغاز الطهي بنحو 17% من 5.9 شيكل قبل الحرب إلى 6.9 شيكل للكيلوغرام في تموز/يوليو 2024. أما في السوق السوداء فقد وصلت الأسعار إلى 40 شيكل للكيلوغرام، وهو ما يزيد بنحو 580% عن السعر الرسمي قبل الحرب. أيضاً ارتفعت أسعار الديزل بشكل كبير: في دير البلح وخان يونس، قفز سعر اللتر من 6.5 شيكل إلى 89 شيكل، بزيادة بنسبة 1260%. وفي غزة وشمال غزة، ارتفع سعر اللتر من 6.49 شيكل إلى 75 شيكل، أي بزيادة بنسبة 1055%.

يُظهر تحليل البنود الغذائية الفرعية زيادات كبيرة منذ أيلول/سبتمبر 2023 وتموز/يوليو 2024، وقد شهدت بعض الفئات ارتفاعاً يزيد عن ثلاثة أضعاف. 

war economy in gaza