Preview ماذا تخطّط إسرائيل لليوم التالي للحرب؟

ماذا تخطّط إسرائيل لليوم التالي للحرب؟

لم تكشف دولة الاحتلال سوى القليل من الخطط التي ترسم تصوّراتها لليوم التالي للحرب في قطاع غزّة، لكن ما تقوله في القليل المنشور من تلك الخطط بالتوازي مع ما تفرزه حرب الإبادة في الميدان، يبيّن عن نية لتسوية قطاع غزّة بالأرض وإعادة تشكيله من الصفر بما يخدم الأهداف الإسرائيلية بالتطهير العرقي، وتقويض فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، والقضاء على أي مقاومة ضد الاستعمار، والتحكّم بكل أوجه الحياة والحركة في قطاع غزّة.

يكشف تحقيق مطوّل نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (The Washington Post) الأميركية عن قيام جيش الحرب الإسرائيلي ببناء ممرّ استراتيجي يقسم المنطقة الشمالية في قطاع غزّة عن المنطقة الجنوبية. ووفقاً لصور الأقمار الاصطناعية التي حلّلها خبراء عسكريون وجغرافيون، جرى تحصين الممرّ عبر الاستيلاء على المباني المحيطة فيه، وتدمير المنازل وتجريف الأراضي الزراعية، فضلاً عن بناء قواعد عمليات أمامية على جانبيه، ومنطقة عازلة تحت المُراقبة. وهو جهد يقول محلّلون عسكريون وخبراء إسرائيليون تحدّثت معهم الصحيفة الأميركية إنه «جزء من مشروع أوسع لإعادة تشكيل قطاع غزّة وجغرافيته وفق التصوّرات الإسرائيلية، وترسيخ الوجود العسكري الإسرائيلي فيه»، كما أنه يذكّر بـ«خطط إسرائيلية سابقة لتقسيم غزّة إلى كانتونات يسهل السيطرة عليها».

Previewممرّ نتساريم: مخطّطات اليوم التالي للحرب

كيف تشكّل الممرّ؟

أطلق على الممرّ اسم «نتساريم»، وهي مستوطنة إسرائيلية أنشِئت في العام 1972 على الطريق الساحلي، وتُعدّ الأصبع الثاني من استراتيجية الأصابع الخمسة التي اعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون في العام 1971 عندما كان «قائداً للمنطقة الجنوبية»، وسهّلت في حينها السيطرة الأمنية الإسرائيلية عبر تقسيم القطاع إلى 5 كتل استيطانية طوال فترة احتلالها له التي انتهت بتفكيك مستوطناتها وانسحابها منه في العام 2005. 

ويُعدّ ممرّ «نتساريم» تطويراً للطريق المتعرّج رقم 749 الذي جرفته الدبابات الإسرائيلية في بداية الاجتياح البرّي للقطاع، وفصلت من خلاله شمال القطاع عن جنوبه، وسمح للمركبات المدرعة بالوصول إلى طريق الرشيد الساحلي، قبل أن يصبح بحلول التاسع من آذار/مارس الماضي ممرّاً رسمياً مُكتملاً، من خلال بناء طريق مستقيم جنوب مدينة غزّة، يمتّد من شرق القطاع إلى غربه على البحر الأبيض المتوسط، حيث يلتقي بنقطة تفريغ بضائع متّصلة برصيف عائم تبلغ مساحتها 29,400 متر مربّع. أيضاً أنشأت قوات الاحتلال ثلاث قواعد عمليات أمامية على جانبي الممرّ، تفصل بين الطريقين الرئيسين الوحيدين في غزّة اللذين يربطان الشمال والجنوب وهما طريق صلاح الدين وطريق الرشيد. 

لبناء الممرّ والمنطقة العازلة المحيطة به، تبيّن صور الأقمار الاصطناعية أن إسرائيل «طهّرت» أربعة أميال مربعة في الأقل، ودمّرت ما لا يقل عن 750 مبنى، فيما يبدو أنه جهد مُمنهج لإقامة منطقة عازلة تمتد على مسافة 457 متراً على جانبي الطريق، ونحو 250 مبنى إضافياً في منطقة الرصيف الأميركي، كما جرفت الأراضي الزراعية.

اليوم التالي للحرب

في بداية الحرب، جرى الترويج للطريق كضرورة عسكرية في الحرب، فهو يتيح تنقّل المركبات العسكرية من أحد جانبي القطاع إلى الجانب الآخر في غضون 7 دقائق ومن دون أي عوائق، وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي تحدث إلى «واشنطن بوست» استخدم كقاعدة عمليات لهجمات الجيش الإسرائيلي في الزيتون شمال غزة. مع ذلك، لا يبدو أن بناء الممرّ وتطويره مربوط بالأهداف العسكرية فقط، بل يبيّن عن توجّهات استراتيجية لدولة الاحتلال لليوم التالي للحرب تتوافق مع روّجت له في الخطط القليلة المسرّبة عنها وآخرها خطتها لغزة 2035. 

إن إصرار دولة الاحتلال على عدم نيتها باحتلال قطاع غزّة بشكل دائم، يتناقض مع التوجه الساري لبناء الطرق وقواعد العمليات في المواقع الأمامية والمناطق العازلة، ويشير إلى دور متزايد للجيش الإسرائيلي كرؤى بديلة لغزة ما بعد الحرب.

تقدّم القواعد الثلاثة المزروعة على جانبي الممر إشارات على أن الجيش الإسرائيلي يسعى للسيطرة الأمنية على القطاع نظراً للمرونة التي قد يكتسبها الجيش الإسرائيلي للانتشار بسرعة في أنحاء القطاع، وهو ما يتوافق مع تعهّدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحفاظ على القبضة الأمنية في القطاع، كما يتوافق مع حاجة القوات الإسرائيلية للتواجد داخل القطاع لضمان تجريد حماس من السلاح بحسب تصريحات نتنياهو نفسها. ويقول شون أوكونور كبير محلّلي صور الأقمار الاصطناعية في شركة جينز الأمنية لـ«واشنطن بوست»، إن هذه القواعد المحاطة بنقاط مراقبة ونقاط حراسة، يمكن أن تساعد الجيش الإسرائيلي في إدارة أي عودة منظّمة للمدنيين إلى الشمال، نظراً لوجود بنى على شكل «ممرات طويلة متوازية» تؤدّي إلى مجمع مركزي بجوار القاعدتين على الطرق المؤدية إلى الشمال، وهو ما قد يسهّل السيطرة على حركة الفلسطينيين، وهو ما تعتبره قوات الاحتلال ضرورياً لمنع مقاتلي حماس من إعادة تجميع صفوفهم.

لا تقتصر أهداف الممرّ على تجريد حماس من السلاح أو إدارة «العودة المنظّمة» لسكان المناطق الشمالية، والتي تعد التفافاً على ممارسات التهجير والنقل القسري للسكان الذي تمارسه إسرائيل، بل وسيلة إضافية للتحكّم بالمساعدات التي قد تدخل برّاً وبحراً إلى قطاع غزّة، وذلك نظراً لارتباطه بالرصيف البحري الصغير الذي شيّدته منظّمة World Central Kitchen في منتصف آذار/مارس الماضي، ووقوع الرصيف العائم الأميركي في المنطقة نفسها، فضلاً عن ارتباطه بالبوابة 96 وهي نقطة وصول استحدثت مؤخراً لشاحنات المساعدات. 

يقول محلّلون عسكريون إن فترة طويلة من الاحتلال العسكري تبدو أكثر ترجيحاً من المنظور الإسرائيلي، في ظل غياب خطط أخرى للحكم في غزّة في فترة ما بعد الحرب، في ضوء اعتراض إسرائيل على الاقتراح الأميركي بإدارة السلطة الفلسطينية للقطاع، وعدم نيل الإدارة عبر قوات أمنية عربية تأييداً واسعاً.