Preview gaza rubble

إسرائيل تحوّل قطاع غزّة إلى 42 مليون طن من الأنقاض

بحلول نهاية تموز/يوليو الماضي، كانت الغارات الجوّية الإسرائيلية قد خلّفت أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض في مختلف أنحاء قطاع غزّة وفقاً لبيانات الأمم المتّحدة، وهذا يكفي لملء خطّ من الشاحنات يمتدّ من نيويورك إلى سنغافورة. قد تستغرق عملية إزالة هذه الأنقاض ما لا يقل عن 15 عاماً وفق برنامج البيئة التابع للأمم المتّحدة، وبكلفة تراوح بين 500 و600 مليون دولار. علماً أن هذه المهمة معقّدة للغاية بسبب القنابل غير المنفجرة، والمواد الملوّثة الخطيرة، والبقايا البشرية المتحلّلة تحت الأنقاض. 

نجمت هذه الأنقاض عن التدمير الإسرائيلي المُمنهج والعشوائي لقطاع غزّة على مدى أكثر من 10 أشهر من الحرب العنيفة والهمجية المتواصلة. وبالفعل، تشير أحدث بيانات الأمم المتحدة المستقاة من تحليل الصور الملتقطة بالأقمار، إلى إن أكثر من 70% من مساكن قطاع غزّة قد دمّرت بالكامل أو تضرّرت بشكل يعيق استخدامها، وينسحب الأمر نفسه على 93% من المدارس، و65% من البنى التحتية والمرافق الصحّية والطرقات. 

تتكوّن النسبة الأكبر من الحطام المتراكم في قطاع غزّة من المساكن المُدمّرة، وكيفية توزّعها عبر القطاع مُشابه تقريباً للكثافة السكانية في غزّة قبل الحرب. بمعنى أن النسبة الأكبر من الأنقاض التي أفرزها القصف العنيف موجودة في مدينة غزّة، التي كانت المركز الحضري الأكبر في الأراضي الفلسطينية، ويبلغ حجم الأنقاض فيها نحو 15.4 مليون طن، أي 36.7% من حجمها الكلّي. ويعتبر الوضع في القسم الشمالي من قطاع غزّة الأكثر حدّة، إذ تتكدّس فيه 57.4% من مجمل حجم الأنقاض في القطاع. في المقابل، سجّلت النسبة الأقل في دير البلح وتبلغ نحو 2.4 مليون طن أو 5.7% من مجمل حجم الحطام المتراكم. 

gaza rubble

هذه ليست الحرب الأولى التي يشهدها قطاع غزّة منذ إطباق الحصار عليه في العام 2007. إنها الحرب الخامسة، ولكنّها بلا شكّ الأطول والأشدّ والاعنف في تاريخها، وحتى إنها الحرب الأقسى في العالم في التاريخ الحديث. ففي حديث مع وكالة «بلومبرغ» يقول مارك جارزومبيك، أستاذ تاريخ العمارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي درس إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية إن «ما نراه في قطاع غزّة لم نشهده من قبل في تاريخ التحضّر… إنه ليس مجرّد تدمير للبنية التحتية المادية، بل هو تدمير للمؤسّسات الأساسية للحكم وللعيش بشكل طبيعي». أما برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة فقد اعتبر أنه بنتيجة الدمار الحاصل، سوف يحتاج قطاع غزّة إلى أكبر عملية إعادة إعمار منذ الحرب العالمية الثانية.

gaza rubble

بعد الحروب السابقة التي شهدها قطاع غزّة منذ العام 2006، كان الناس يميلون إلى استئجار مساكن بالقرب من منازلهم أثناء إعادة بنائها. لكن هذا لن يكون من الخيارات المُمكنة في مرحلة إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الحالية. ولا يعود الأمر إلى حجم الدمار الحالي، وبالتالي عدم توافر أماكن للسكن فحسب، بل أيضاً إلى كمية الأنقاض الموجودة التي قد تستغرق سنوات لإزالتها عدا عن خطورة البقاء بالقرب منها. 

في الاجتماع الذي عُقِد في 12 آب/ أغسطس الحالي في الضفّة الغربية، وجمع مسؤولين في السلطة الفلسطينية وعاملين في وكالات الأمم المتحدة لبحث مسألة إعادة الإعمار، قالت المسؤولة في برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، شيتوس نوغوتشي، إن «عملية إزالة الأنقاض معقّدة للغاية، وعلى الرغم من الخبرة الواسعة التي يتمتّع بها البرنامج في غزّة، ولكن هذه المرّة ستكون الأمور مختلفة بسبب العدد الكبير من الجثث المدفونة بين الأنقاض، فضلاً عن الذخائر غير المنفجرة… يتطلّب رفع الأنقاض طرقاً جديدة، وهناك حاجة إلى آلاف الأشخاص للمشاركة في هذه العملية، ولكن لا توجد قوة عاملة كافية للعمل في غزة وأوكرانيا في آن معاً».

والواقع أن المسألة لا تنحصر بشقّها التقني فحسب، فالأنقاض تعتبر موطناً مثالياً لانتشار ذباب الرمل المسؤول عن انتشار وباء الليشمانيا، وهو مرض جلدي مميت إذا ترك من دون علاج بحسب وكالة «بلومبرغ». ويضاف إلى ذلك، تحلّل أكثر من 10,000 جثة لا تزال تحت الأنقاض، وانفلات الصرف الصحّي والنفايات السامّة والمواد الخطرة في أرجاء القطاع كافة، بالإضافة إلى انتشار العقارب الصفراء والأفاعي والقوارض بين الحفر والحطام، وهو ما يسهّل نقل الأوبئة والأمراض وتسريع انتشارها.

وإلى ذلك، سبق أن أشارت الأمم المتّحدة إلى انتشار مادة الأسبستوس، المحظورة في الكثير من الدول، في نحو 2.3 مليون طن من الأنقاض الموجودة في قطاع غزّة. وهذه المادة تطلق جزئيات تنتقل جوّاً ويمكن أن تسبّب السرطان.  

تشكّل هذه الأسباب مجتمعة كتلة من العوامل التي تجعل عملية رفع الأنقاض والتخلّص منها معقّدة للغاية إن لم نقل مستحيلة، لا سيما في ظل الخطط الإسرائيلية الواضحة والمعلنة لإبادة الشعب الفلسطيني، وجعل أرضه مكاناً غير صالح للسكن.