Preview خطّة كهرباء لبنان

خطّة كهرباء لبنان: لا ضوء في الأفق

جرى تسويق إلغاء الدعم وتحرير الأسعار كشرط من شروط الإصلاح والتعافي في قطاع الكهرباء. وبالفعل، رُفِعت التعرفات اعتباراً من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 بعد حوالي 28 عاماً من تثبيتها، وتمت دولرتها، وباتت تمثّل وزناً كبيراً في ميزانيات استهلاك الأسر والأكلاف التشغيلية للمؤسسات، على الرغم من أن التيار الكهربائي الذي توفّره مؤسّسة كهرباء لبنان (العامّة) لا يغطّي حالياً سوى أقل من 20% من الطلب، وتضطر الأسر والمؤسسات للجوء إلى القطاع الخاص غير النظامي (المولّدات في الأحياء والبلدات) لتعويض النقص الفادح بكلفة باهظة جدّاً.

كان طرح تحرير الأسعار في الماضي مقترناً دائماً بزيادة الاستثمارات العامّة في قطاع الكهرباء وزيادة عدد ساعات التغذية، إلّا أن الطرف الأول من هذه المعادلة، أي إلغاء الدعم، هو الذي بقي في النهاية، فبات الناس في لبنان يسدِّدون فاتورة مرتفعة للكهرباء من دون الحصول عليها، بما يشبه الخوّة المفروضة عليهم. والمفارقة أنّ الجزء الأكبر من المقيمين تخلّوا كلياً عن أي رهان «على الدّولة» للحصول على الكهرباء. فيما البعض الآخر رضخ لسياسة «التخدير والتدجين»، وأصبحوا يفرحون بخبر زيادة الإنتاج الكهربائي من 450 إلى 600 ميغاواط مثلاً، أو برفع التغذية من ساعة إلى ثلاث ساعات في اليوم، في حين يتكبّدون أكلافاً باهظة على اشتراكات المولّدات الخاصّة وكارتيل الفيول المرتبط بها.

المصرف المركزي لم يلتزم بقيمة السّلفة المتّفق عليها وخفّضها إلى النصف، أي حوالي 300 مليون دولار صُرف منها حوالي 194 مليوناً قبل أن يتوقّف الحاكم الجديد بالإنابة عن إعطاء أي سلفات لشراء الفيول من الاحتياطي المتبقي بالعملات الأجنبية

صحيح أن عمّال ومستخدمي مؤسّسة كهرباء لبنان يعيشون منذ انهيار العام 2019، ومن ثم انفجار مرفأ بيروت في أسوأ ظروف عرفتها المؤسّسة، وعلى الرغم من ذلك لا يزالون يحاولون ترميم الهيكل. وصحيح أن القطاع كان أصلاً يعاني من مشاكل بنيويّة منذ التسعينيات، إلّا أنّ النتائج المتراكمة تعكس في الجوهر فقدان المؤسّسة على مرّ العقود الماضية لاستقلاليّتها الإدارية والماليّة، وارتباطها عضوياً بقرارات السلطة السياسية في إدارة هذا القطاع، التي دائماً ما تكون على حساب الناس والمجتمع.

ما هو واقع التغذية نتيجة الأزمة؟

عكس قطاع الكهرباء في الأشهر الأولى من الانهيار الاقتصادي عمق وفظاعة الأزمة، على الرغم من إنفاق الدولة ما يقارب 30 مليار دولار فيه على مدى العقود السابقة. فقد أدى توقّف التدفّقات المالية منذ العام 2020، والتي درج تحويلها من الخزينة العامة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان على شكل سلفات خزينة، إلى شحّ في كميّات الفيول المستوردة وتقنين استخدامها لأطول فترة ممكنة. وانخفضت بذلك التغذية الكهربائية تدريجياً من حوالي 12 ساعة في اليوم في العام 2019 إلى ما يناهز الساعة أو الساعتين يوميّاً في أحسن الأحوال في العام 2021، وتوقّفت أعمال الصيانة على الشبكة العامة، وازدادت نسب الهدر والتعدّيات.

لجأت الحكومة في حينها إلى حلّ «مؤقّت» عبر توقيع اتفاقية مع العراق في صيف العام 2021 لتزويد مؤسسة الكهرباء بحوالي مليون طن من الفيول اللازم لتشغيل المعامل على شكل شحنات شهريّة، الّا أن ذلك لم يسمح بإنتاج أكثر من حوالي 500 ميغاواط على الصعيد الوطني تُترجم حالياً بحوالي 3 إلى 5 ساعات تغذية في اليوم بحسب المناطق.

ترافق ذلك أيضاً مع شحّ في مادة المازوت لتشغيل المولّدات الخاصّة نتيجة احتكار وتخزين المستوردين والموزّعين للمادّة طمعاً بأرباحٍ إضافيّة، فكان المواطنون على موعدٍ مع العتمة الشاملة لساعات عدّة يوميّاً، ما لم يلجأوا إلى مصادر بديلة (كالطاقة الشمسية أو شراء مولدات خاصة صغيرة) باهظة الثمن أيضاً.

ماذا تطرح خطط التعافي في قطاع الكهرباء؟

أتت الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء في لبنان في آذار/مارس 2022 مع تشكيل حكومة نجيب ميقاتي الحاليّة لتكون مرتكزة على ثلاث مسارات أساسية: 1) استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، 2) إطلاق المناقصات لبناء معامل جديدة على الغاز، و3) التحوّل نحو الطاقات المتجدّدة. 

وفيما تعطّل المسار الأول بالعقوبات الأميركية على سوريا (بوصفها الممر الإلزامي) والعجز عن تمويل مشتريات الغاز والكهرباء، فضلاً عن أن مصر تحوّلت من مصدّر للغاز إلى مستورد له من إسرائيل وهو حال الأردن التي تعتمد على الغاز الإسرائيلي لتوليد الكهرباء. وانهار المسار الثاني قبيل انتخابات العام 2022 نتيجة الخلافات السياسية حول عدد المعامل المنوي إنشاؤها، واستُبدلت الخطّة الأساسيّة واستُعيض عنها بخطّة الطوارئ الوطنية التي اعتمدت على سلفة خزينة من المصرف المركزي بقيمة 600 مليون دولار لمدة 6 أشهر، بالتوازي مع رفع التعرفة الكهربائية وزيادة نسب الجباية لردّ السلفة بعد تلك الفترة. أمّا المسار الثالث، فبقي متروكاً للفوضى والمبادرات الفردية. 

وفق السيناريو الأكثر واقعيّة، ومع فرضية استمرار الاعتماد على الفيول العراقي حتى العام 2028، التي لا تتكبّد المؤسسة كلفته حاليّاً، وغير محتسب ضمن حسابات التعرفة الجديدة، سوف تتمكّن المؤسّسة من رفع التغذية من 650 ميغاواط في العام 2023 (5 ساعات تغذية) إلى حوالي 900 ميغاواط في العام 2028 مؤمّنة 8 ساعات من التغذية فقط على الصعيد الوطني

رُفعت التعرفة بدءاً من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ووُعد اللبنانيون بنحو 8 إلى 10 ساعات يومية من التغذية المباشرة في حينه، إلّا أن المصرف المركزي لم يلتزم بقيمة السّلفة المتّفق عليها وخفّضها إلى النصف، أي حوالي 300 مليون دولار، صُرف منها حوالي 194 مليوناً قبل أن يتوقّف الحاكم الجديد بالإنابة عن إعطاء أي سلفات لشراء الفيول من الاحتياطي المتبقي بالعملات الأجنبية. نتيجة لذلك، خُفّضت التغذية إلى حوالي 5 أو 6 ساعات يومياً على الصعيد الوطني، وتمّ الاعتماد منذ صيف العام 2021 على الفيول العراقي كمصدر وحيدٍ لتأمين الفيول.

اليوم، تأتي مسودّة خطّة التعافي المالي في مؤسّسة كهرباء لبنان بالتعاون مع البنك الدولي لتكمل هذه الصورة. فوفق السيناريو الأكثر واقعيّة، ومع فرضية استمرار الاعتماد على الفيول العراقي حتى العام 2028، التي لا تتكبّد المؤسسة كلفته حاليّاً، وغير محتسب ضمن حسابات التعرفة الجديدة، سوف تتمكّن المؤسّسة من رفع التغذية من 650 ميغاواط في العام 2023 (5 ساعات تغذية) إلى حوالي 900 ميغاواط في العام 2028 مؤمّنة 8 ساعات من التغذية فقط على الصعيد الوطني. أمّا السيناريو الأكثر تفاؤلاً، الذي يشمل استثمارات إضافية على صعيد النقل والتوزيع وزيادة القدرة الإنتاجية للطاقات المتجدّدة، فيمكن الوصول فيه إلى حوالي 1,300 ميغاواط من الإنتاج أي حوالي 10 ساعات يومياً من التغذية في العام 2028. وتقدّم الخطّة أيضاً تصوّراً لمعالجة مسألة الخسائر التقنية والتعدّيات على الشبكة وكيفيّة تخفيضها وفق سيناريوهات عدّة، وتتطرّق إلى موضوع الطاقات المتجدّدة التي ستبلغ نسبة مساهمتها في أحسن الأحوال 11,5% في العام 2028، وذلك من خلال إعادة تأهيل المعامل المائية القديمة من رشميا إلى البارد وقاديشا، كما وإطلاق بعض المشاريع على الطاقة الشمسيّة بدعمٍ من الجهات المانحة. علماً أن لبنان سبق أن أعلن نيّته الوصول إلى هدف 30% من الطاقة المتجدّدة بحلول العام 2030. 

جريمة دولرة تعرفات الكهرباء

إذاً، ابتلع المستهلكون سُمّ رفع التعرفة، التي خضعت لتعديلات عدّة في خلال العام المنصرم بما يخصّ رسم التأهيل وسعر الصّرف، إلّا أن الدّولة وكعادتها، لم تفِ بوعودها ولم تقدّم تغذية توازي ما يتمّ تكبّده من أعباء لتأمين الكهرباء من مصادر متعدّدة. والجدير بالذكر أن التّعرفة لم تحتوِ بمكوّناتها كلفة إنتاج الكهرباء فحسب، بل تضمّنت في الشطور العليا (10 سنتات للاستهلاك ما دون 100 كيلوواط ساعة، و27 سنتا لما فوق ذلك) كلفة الخسائر التقنّية وغير التّقنية، من دون وجود جدول زمني محدّد لكيفية تخفيض هذه الأخيرة وإعادة النّظر بهذه التعرفة في المستقبل. 

بالإضافة إلى ذلك، تمّت الموافقة مؤخّراً، بناءً على استشارة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل واستشارة مجلس شورى الدولة أواخر العام 2023، على البدء بدولرة فواتير الكهرباء الصادرة عن المؤسسة، أي احتسابها بالدولار وفقاً لسعر صرف السوق، محوّلين الكهرباء إلى سلعة مدولرة مثلها مثل البنزين والمازوت وغيرها. تنبع الحجّة الأساس وراء هذا الإجراء من رفض مصرف لبنان تحويل كامل الأموال المتراكمة بالليرة في حسابات المؤسسة مباشرة إلى الدولار، وعجز المؤسسة عن القيام ببعض المهام على الرغم من استحواذها على الأموال. إلّا أن عملية الدّولرة هذه بدأت تُحدث إشكاليّات لدى المشتركين خلال عمليّات الجباية في أيّار/مايو 2024، حيث يحاول بعض الجباة أن يفرضوا على المشترك الدفع بالدولار، بالإضافة إلى مشكلة كسر الدولار، في حال كانت الفاتورة المدولرة 25,3 دولار مثلاً، حيث سيدفع المواطن للجابي 26 دولاراً بطبيعة الحال.

فهل سيبقى اللبنانيون يدفعون قيمة الكهرباء الباهظة مقابل بضع ساعات من التّغذية؟ وهل سيتمّ تخفيض التعرفة في حال إزالة الخسائر التقنيّة والتعدّيات؟ ولمَ لا يعاد النظر بالتعرفة الآن لتعكس كمّية ساعات التغذية الحالية؟

المنطق المحاسبي يطغى على الدور الوظيفي

تُركّز خطّة التعافي على موضوعي العجز المالي في موازنة مؤسسة كهرباء لبنان كما على «التخطيط المالي الحذر» للمستقبل، مشيرة إلى أن العام 2023 حقّق إنجازاً تاريخياً بتسجيل صفر عجز في حسابات المؤسسة بعد رفع التّعرفة، وذلك من دون الاعتماد على أي تحويلات مالية من الخزينة العامّة. فحسب الخطّة، أصبح في رصيد حسابات المؤسسة منذ رفع التعرفة في 2022 حوالي 20 ألف مليار ليرة أو ما يقارب 230 مليون دولار حتى آذار/مارس 2024، مع العلم أن هناك ما بين 300 إلى 400 مليون دولار غير مجباة منذ صدور آخر فاتورة. لا بل تذهب الخطّة أبعد بالحديث عن البدء بسداد بعض القروض المتراكمة على المؤسّسة منذ 20 عاماً تجاه الصناديق العربية، وهو ما ذكره وزير الطاقة مؤخّراً. إنّ هذه «الإنجازات»، على أهمّيتها، مضلّلة وغير واقعية، فتصفير العجر على الورق ترافق مع صفر استثمار على الصعد كافّة (إنتاج، نقل، توزيع) كما مع عدم تكبّد أي كلفة حتى الآن من استيراد الفيول العراقي. فما قيمة غياب العجز من المنطلق المحاسبي البحت إذا لم يقترن ذلك باكتمال الدور الوظيفي والجوهري التي قامت المؤسّسة على أساسه وهو تأمين الكهرباء بالتساوي لجميع اللبنانيين؟

السيناريو الأول | تطوّر الإنتاج والتغذية
السيناريو الثاني | تطوّر الإنتاج والتغذية  (أكثر تفاؤلاً)
خطّة كهرباء لبنان رسم 3

الخسائر التقنية وغير التقنيّة معروفة لكن غير مقموعة حتى الآن

الأمر المضلّل الآخر يتعلّق ينسب الجباية على صعيد لبنان ما بعد رفع التعرفة، إذ تشير خطّة التعافي أن نسب الجباية في كافة المناطق تتراوح بين 83 و94%، ويبلغ متوسّطها 89,5%، ما يعكس استجابة المواطنين مع التعرفة الجديدة. لكن هذه الأرقام تتعلّق بالكهرباء المفوترة، أي بمعنى آخر الكهرباء التي يستهلكها المشتركون الذين لديهم ساعات كهرباء، من دون التطّرق مباشرة إلى الكهرباء المستهكلة وغير المفوترة، وكم يبلغ متوسّط نسب الجباية إذا ما تمّ أخذها بالاعتبار.

تقارب خطّة التعافي موضوع إزالة التعدّيات على الشبكة، حيث باشرت المؤسّسة بتطبيق خطّة لإزالة التعدّيات بناء على قرار مجلس إدارتها في كانون الثاني/ديسمبر 2022، حاصرة الموضوع في أربع أمور أساسيّة: المخيمات الفلسطينية، مخيّمات النازحين السوريين، الإدارات العامّة وبعض المناطق اللبنانية التي لا تدفع الكهرباء. لقد قامت المؤسسّة خلال العام المنصرم بخطوات مهمّة ولو متأخرة تتعلّق بتركيب العدّادات على مخارج كل المخيّمات الفلسطينية (12 مخيّم) كما في حوالي 900 مخيّم للنازحين السوريين وأصدرت أوامر الدفع إمّا لأصحاب الأراضي حيث تقام المخيّمات أو بإصدار الكتب اللازمة للجهات المانحة (36 مخيّم للنازحين السوريين بدأت بالدفع)، وهي تنتظر الموافقات اللازمة من مجلس الوزراء لاستكمال الخطوات اللاحقة. 

الجدير بالذّكر أن المؤسّسة تقدّر الأموال المترتّبة على المخيّمات الفلسطينية بحوالي 20 مليون دولار (لأربع ساعات كهرباء) وتلك المتراكمة على الإدارات العامّة بحوالي 107 ملايين دولار (أعطت موازنة العام 2024 سلفة خزينة للإدارات العامة لتسديد فواتيرها المتراكمة)، فيما كلفة كهرباء مخيّمات النازحين السوريين قيد التقدير. الأمر الأخير يتعلّق ببؤر جغرافية عدّة في المناطق كافّة تستهلك الكهرباء من دون دفعها ويُقدّر إجمالي الهدر فيها بحوالي 150 ميغاواط، وهي بحاجة للمؤازرة الأمنية لإزالة التعدّيات فيها.

نتيجة لذلك، تقّدر الخسائر غير التقنية في مجال التوزيع بحوالي 27%. أمّا بالنسبة للخسائر التقنيّة، فتُقدّرها المؤسسة بحوالي 13,2% في التوزيع و5,7% في النقل، ليصبح مجموع الخسائر على الشبكة 40,2%، فيما تذهب تقديرات أخرى غير رسميّة للحديث عن أرقام أكبر تلامس 45% وما فوق. 

تفاقم مؤشرات اللامساواة

بناء على ما تقدّم، وبما أن المؤسّسة عاجزة في المدى القريب على إزالة التعدّيات بالسرعة المطلوبة، وهي بحاجة للتنسيق مع العديد من المؤسسات والجهات المانحة كما مع القوى الأمنيّة، لجأت إلى فحص كافة المخارج الكهربائية في مختلف المناطق التي تتمّ التغذية عبرها، وقياس عدد التعديّات في كلّ مخرج نسبةً إلى عدد المشتركين، وابتداع حلّ يقول إن المناطق التي بلغت فيها هذه النسبة أقل من 10% ستعطى تغذية إضافية بمعدّل 2 إلى 4 ساعات يومياً فيما المناطق التي تتخطى 10% ستحصل على تغذية أقل. إلّا أن المؤسسة تتناسى أن هذه المناطق التي تكثر فيها التعدّيات تتضمّن مشتركين يدفعون فواتيرهم، في الوقت الذي تقع فيه مسؤولية إزالة المخالفات على المؤسسة كما على شركات مقدّمي الخدمات التي تستمرّ عقودها منذ العام 2012 وتنتهي في أيلول/سبتمبر 2024 من دون أي رؤية ومن دون أن يكونوا قد نفّذوا واجباتهم التعاقديّة.

هذه الأمر، إن دلّ على شيء، فعلى تفاقم مؤشّرات اللامساواة بين المواطنين والمناطق لتغطية عدم القدرة على إزالة المخالفات، وتعميق الهوّة المناطقيّة والطبقيّة في الولوج إلى الكهرباء التي بالأساس يجب أن تكون خدمة وحقّ تقدّمها الدّولة بالتساوي لجميع مواطنيها.

لا بدّ من الاشارة هنا إلى أن 20,387 مشترك على التوتّر المنخفض قد ألغوا اشتراكاتاتهم منذ بدء تطبيق التعرفة الجديدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022. فيما تعتبر المؤسّسة أن هذا الرقم صغير ويمثّل حوالي 1,33% من مجموع المشتركين، يجب عدم التقليل من أهميّته إذ يدلّ على الانعكاسات الاجتماعيّة لأزمة الكهرباء وعدم قدرة كافة شرائح المجتمع على تحمّل التكاليف الثابتة والباهظة لاشتراكات الكهرباء، ناهيك عن الذين تقدّموا بطلبات لتخفيف قدرة اشتراكاتهم (من 20 إلى 15 أمبير مثلاً) وهو رقم غير معروف أيضاً.

المؤسسة غير مسؤولة عن دفع ثمن الفيول العراقي

اعتمد لبنان منذ صيف العام 2021 على شحنات الفيول العراقي بمعدّل مليون طن سنويّاً من النّفط الخام غير المطابق لمعامل الإنتاج في لبنان، والتي يتمّ بيعه في الأسواق العالميّة واستبداله بفيول مطابق عبر شركات وسيطة تدخل في مناقصات شهريّة، على أن يدفع لبنان ثمن هذا العقد مقابل خدمات تقدّم للعراقيين في داخل لبنان. جدّد العقد مرتين في صيف 2022 وصيف 2023 (ارتفعت الكميّة في أواخر العام 2023 إلى 1,5 مليون طن) وتقدّر الكلفة الإجماليّة للفيول المستورد حتى اليوم بحوالي 1,2 مليار دولار، من دون أن تتمكّن الدّولة من دفع كلفته ووضع آلية للخدمات التي يمكن من خلالها دفع هذا المبلغ. تُطرح أيضاً العديد من الأسئلة حول الشفافية المتعلقة بهذا العقد وعدم نشره بعد كما حول الشركات الوسيطة التي تربح المناقصات الشهريّة.

في الواقع، تنطلق خطّة الطوارئ الوطنيّة كما وخطّة التعافي في المؤسّسة من اعتبار أن المؤسّسة غير مسؤولة عن دفع قيمة الفيول العراقي، يموجب كتاب صادر عن وزير الطاقة في 22/6/2022، بل أن ذلك يقع على عاتق «الدولة اللبنانيّة»، علماّ أنّ التعرفة الجديدة لم تحتسب كلفة دفع ثمن هذا الفيول. وهنا تُطرح علامات استفهام إضافية عمن نعني بالدولة اللبنانية: وزارة المال؟ المصرف المركزي؟ أو الحكومة مجتمعة عبر الموازنة العامّة؟ وهل سيتكبّد المواطنون في المستقبل زيادة في تعرفة الكهرباء من أجل سداد قيمة الفيول العراقي؟ ولم لا تقوم المؤسسة بشراء الفيول ما دامت تملك الأموال وتزيد ساعات التغذية؟ واستطراداً، لم لا يتمّ بحث إمكانية مبادلة الفيول العراقي بالغاز الطبيعي الأنظف والأرخص على المدى البعيد (على شكل Compressed Natural Gas مثلاً)؟

على الرّغم من ذلك، تعتمد المؤسّسة في خطّة التعافي على سيناريوهات عديدة إن طُلب منها سداد قيمة هذا الفيول، على أن يبدأ ذلك في العام 2024 بنسبة 30% وتصبح 100% في العام 2028، الّا أن ذلك سيؤثّر على عائدات مؤسسة كهرباء لبنان الماليّة ويؤخّر عمليّة التعافي المالي فيها وقدرتها على الاستثمار في مجالات أخرى.