خفض التصنيف السيادي للبحرين
في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، أصدرت وكالة «ستاندرد أند بورز» تقريرها عن الوضعين المالي والاقتصادي في البحرين، معلنة خفض التصنيف الائتماني للمملكة من +B إلى B. يعكس هذا القرار انتقال الاقتصاد البحريني إلى منطقة حساسة على صعيد المخاطر، خصوصاً في ظل مكانة الوكالة كإحدى أبرز جهات التصنيف التي تؤثر مباشرة في ثقة المستثمرين وكلفة التمويل الخارجي. ويرتبط الخفض بتزايد الضغوط المالية والخارجية، ولا سيما مع استمرار تراجع احتياطيات العملات الأجنبية، وارتفاع مستويات الديون، وإمكانية تغيّر هيكلها سواء داخلياً أو خارجياً.
المعايير المعتمدة
اعتمدت الوكالة في تقييمها على منهجية تقوم على تحليل 6 محاور تشمل الأداء المؤسسي والاقتصادي والخارجي والمالي والنقدي، مع مراعاة معايير البيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية. وأشار التقرير إلى أن المشهد المؤسسي في البحرين يتسم بمركزية عالية في صنع القرار، إذ تُعيَّن الحكومة من قبل الملك بينما يظل دور البرلمان محدوداً، ما يصعّب التنبؤ بالسياسات العامة، ويُضعف إمكانية تبنّي خيارات اقتصادية تضمن استدامة المالية العامة ونمواً متوازناً. كما أن ضعف الشفافية وتوافر البيانات يؤثر في قدرة المستثمرين على قراءة الاتجاهات الاقتصادية بدقة.
اقتصادياً، سجّل متوسط نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 0.6% فقط خلال العقد الماضي، وهو مستوى أقل من الدول ذات الدخل المماثل، ما يعكس ضعف القدرة على تحقيق نمو طويل الأمد أو رفع الإنتاجية. وعلى الصعيد الخارجي، رصد التقرير مخاطر واضحة ناتجة من ارتفاع احتياجات التمويل الخارجي وتدنّي الاحتياطيات لدى المصرف المركزي، إلى جانب فجوات البيانات المتعلقة بالقطاع الخاص غير المصرفي، ما يزيد من هشاشة الوضع الخارجي للبحرين ويُبقيها عرضة لارتفاع كلفة الاقتراض الدولي أو تقييد الوصول إلى الأسواق.
تتوقع الوكالة أن تبلغ تكلفة خدمة الدين حوالى 34% من الإيرادات الحكومية في 2025، وهي من أعلى النسب بين الدول التي تخضع لتقييمها
أما مالياً، فيشير التقرير إلى اعتماد كبير على إيرادات النفط التي تشكّل أكثر من 50% من الإيرادات الحكومية، ما يجعل المالية العامة شديدة الحساسية لتقلبات الأسعار. كما أن نحو 40% من الدين الحكومي مقوّم بعملات أجنبية، ويحتفظ غير المقيمين بحوالي 60% من أدوات الدين التجاري، ما يزيد من مخاطر سعر الصرف وتقلبات الأسواق. وعلى المستوى النقدي، يفرض ربط الدينار بالدولار الأميركي الحفاظ على احتياطيات مستقرة، إلا أن مستوياتها المتوقعة — بين 3.5 و4 مليارات دولار للفترة 2026–2028 — تبقى أقل من المطلوب قياساً إلى حجم الالتزامات الخارجية واستحقاقات الدين البالغة 3.625 مليارات دولار خلال الأشهر الخمسة عشر المقبلة.
نظرة عامة على الوضع الاقتصادي
تقدم الوكالة نظرة عامة تظهر تزايد الضغوط على الاقتصاد البحريني نتيجة استمرار اعتماد المالية العامة على النفط في ظل أسعار عالمية منخفضة. هذا الوضع أدّى إلى توسع العجز المالي وارتفاع الحاجة إلى التمويل، ما يدفع الدين الحكومي نحو مسار تصاعدي، إذ من المتوقع أن يصل إلى 139% من الناتج المحلي الإجمالي في 2028، مقارنة بـ118% في 2024، مع تحمّل الحكومة إنفاقاً خارج الموازنة يعادل نحو 3% من الناتج المحلي، من دون توضيحات رسمية عن طبيعته. وفي ضوء هذه الزيادة، تتوقع الوكالة أن تبلغ تكلفة خدمة الدين حوالى 34% من الإيرادات الحكومية في 2025، وهي من أعلى النسب بين الدول التي تخضع لتقييمها.
كما تتوقع الوكالة أن يرتفع العجز المالي إلى 7.6% من الناتج المحلي في 2025 مقارنة بـ5.8% في 2024، مدفوعاً بانخفاض الإيرادات النفطية وارتفاع متطلبات الإنفاق. وفي ظل الضعف الملحوظ في نمو الإيرادات غير النفطية خلال 2024، تشير الوكالة إلى أن الحكومة ستسعى لزيادة هذه الإيرادات عبر توسيع الرسوم والضرائب، ولا سيما بعد تطبيق الحد الأدنى للضريبة المحلية بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات ابتداءً من 2025.
وعلى الرغم من هذه الضغوط، أبقت «ستاندرد أند بورز» النظرة المستقبلية للبحرين مستقرة، مستندة إلى استمرار تلقّي المملكة دعماً مالياً من بعض دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يخفّف من مخاطر حدوث تدهور سريع في القدرة على السداد، ولو مؤقتاً، في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة.
مكوّنات الدين العام
يوضح تقرير «ستاندرد أند بورز» أن الديون المتراكمة على الحكومة البحرينية تتسم بتركيبة حساسة تجعلها عرضة لتقلبات الأسواق الخارجية. فبحسب بيانات أيلول/سبتمبر 2025، يشكّل الدين المقوّم بالدولار الأميركي نحو 60% من إجمالي الديون، فيما يُقوَّم الجزء المتبقي بالدينار البحريني، ويشمل الأوراق المالية الحكومية بنسبة 25% والالتزامات تجاه مصرف البحرين المركزي بنسبة 15%. وعلى الرغم من هذا الاعتماد الكبير على أدوات الدين الأجنبية، تشير الوكالة إلى أن البحرين حافظت خلال الفترة بين أيار/مايو وتشرين الأول/أكتوبر 2025 على قدرتها على الدخول إلى الأسواق الدولية وإعادة التمويل عبر السندات الخارجية، وهو ما يعكس استمرار ثقة المستثمرين واستعدادهم لتمويل احتياجات الحكومة.
اعتماد الموازنة على النفط يظل عاملاً بنيوياً يجعل الوضع المالي حساساً لتقلبات الأسعار، على الرغم من أن مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 15%
ومع ذلك، تتوقع الوكالة بقاء احتياطيات العملات الأجنبية عند مستويات منخفضة تتراوح بين 3.5 و4 مليارات دولار في الفترة 2026–2028، بسبب ارتفاع متطلبات التمويل الخارجي. وتُظهر البيانات أن استحقاقات الدين الخارجي خلال الأشهر الخمسة عشر المقبلة تبلغ 3.625 مليارات دولار، مقسّمة على سندات دولية وصكوك وإصدارات خاصة تستحق تباعاً بين كانون الثاني/يناير 2026 وآذار/مارس 2027، ما يضع ضغوطاً إضافية على إدارة السيولة والتمويل الخارجي.
اقتصاد ريعي مهيمن على الموازنة
يعرض التقرير واقع الإنتاج النفطي في البحرين التي لا تعدّ من كبار المنتجين في المنطقة، إذ تعتمد بنسبة 75% من إنتاجها البالغ نحو 200 ألف برميل يومياً على حقل أبو سعفة المشترك مع السعودية، والذي ينتج حوالي 300 ألف برميل يومياً تُقسّم مناصفة بين البلدين. أما إنتاج حقل البحرين البري فيشكّل نحو 25% من إجمالي الإنتاج. وكانت الصيانة المخطّط لها لحقل أبو سعفة خلال 2026–2027 سبباً في توقّع الوكالة عودة الإنتاج تدريجياً إلى مستويات تتجاوز قليلاً 180 ألف برميل يومياً.
ولا يشكّل الغاز مصدراً للإيرادات الخارجية في البحرين، إذ يُستهلك محلياً بالكامل، ولا سيما في الصناعات المرتبطة بالألمنيوم الذي يُعدّ أحد المصادر الرئيسة للعملات الصعبة. ولهذا لم تحتسب الوكالة أي إيرادات إضافية محتملة من الغاز ضمن تقديراتها.
ويشير التقرير إلى أن اعتماد الموازنة على النفط يظل عاملاً بنيوياً يجعل الوضع المالي حساساً لتقلبات الأسعار، على الرغم من أن مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 15%. ومع ذلك، تتوقع الوكالة استمرار الدعم السياسي والاقتصادي والمالي من دول مجلس التعاون الخليجي عند الحاجة، باعتبار البحرين جزءاً من منظومة أمن اقتصادي وسياسي إقليمي.
ويرجّح التقرير أن يكون تردد الحكومة في تطبيق إصلاحات مالية أعمق نابعاً من مخاوف مرتبطة بالسخط الشعبي المحتمل، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة المطالب الاجتماعية. ذلك أن التاريخ المالي للبحرين يُظهر صعوبة خفض الإنفاق الاجتماعي الذي يشكل مع الأجور والإعانات حوالي 61% من إجمالي النفقات، فيما تضيف النفقات خارج الموازنة طبقة إضافية من الغموض تجعل التنبؤ بالسياسات المالية أكثر تعقيداً.
عوامل القوة في الاقتصاد البحريني
على الرغم من الضغوط المالية، يشير التقرير إلى مجموعة من نقاط القوة التي تمنح الاقتصاد البحريني قدراً من المرونة. إذ تستفيد المملكة من قربها الجغرافي من السوق السعودي الأكبر، ومن نظام رقابي متقدم نسبياً في القطاع المالي، إضافة إلى بيئة أعمال منخفضة التكلفة مقارنة بدول خليجية أخرى، وقوة عاملة ذات مستوى تعليمي جيد. ويُقدَّر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 29,820 دولاراً في عام 2025، ما يضع البحرين ضمن فئة الاقتصادات الغنية نسبياً.
غير أن الأداء الاقتصادي على المدى الطويل يظهر محدودية في النمو الفعلي، إذ تبقى مستويات نصيب الفرد من الناتج المحلي ثابتة تقريباً بين 2018 و2028، وفق تقديرات الوكالة. وتفسّر الوكالة هذا الجمود بأن النمو لا يقوده تحسن الإنتاجية، بل توسّع قاعدة الباحثين عن عمل من المواطنين، من دون تحقيق زيادة مقابلة في الأجور أو في القيمة المضافة للاقتصاد.
التوقعات الاقتصادية
يتوقع تقرير «ستاندرد أند بورز» أن يواصل الاقتصاد البحريني تحقيق معدل نمو سنوي يقارب 2.5% خلال الفترة 2025–2028، وهو ما ينسجم مع أداء النصف الأول من عام 2025 الذي سجل نمواً بلغ 2.6%. ويرى التقرير أن هذا النمو سيظل مدعوماً بكلّ من قطاع الهيدروكربونات والقطاعات غير النفطية، إذ حافظت السياحة والضيافة والخدمات اللوجستية والخدمات المالية على زخمها المرتفع، ما يساعد في إبقاء النشاط الاقتصادي مستقراً نسبياً. كما تشير الوكالة إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 50% لن تؤثر بشكل ملموس في الاقتصاد البحريني نظراً لكون صادرات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة لا تتجاوز 1% من إجمالي الصادرات، فيما يُتوقع أن تحتفظ صادرات الألمنيوم — التي تشكّل 35% من الصادرات غير النفطية — بقوتها بفضل توسعة خط الإنتاج السادس في شركة ألبا.
استمرار الدعم المالي لدول مجلس التعاون يشكل ركناً أساسياً في استقرار الجدارة الائتمانية للبحرين. فمنذ عام 2018، التزمت السعودية والإمارات والكويت بتقديم حزمة دعم بقيمة 10.25 مليارات دولار
وفي جانب آخر، تعتبر الوكالة أن استمرار الدعم المالي لدول مجلس التعاون يشكل ركناً أساسياً في استقرار الجدارة الائتمانية للبحرين. فمنذ عام 2018، التزمت السعودية والإمارات والكويت بتقديم حزمة دعم بقيمة 10.25 مليارات دولار، تضاف إلى قرض صندوق التنمية الخليجي البالغ 7.5 مليارات دولار منذ عام 2011. وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من هذه الأموال مخصص لمشاريع محددة — حيث اكتمل تنفيذ 23 مشروعاً من أصل 48 — إلا أن الوكالة تتوقع استمرار دور الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تخفيف الضغط على النفقات الرأسمالية داخل الموازنة. ويضاف إلى ذلك إنشاء صندوق الاستثمارات العامة السعودي أداة استثمارية بقيمة 5 مليارات دولار للبحرين عام 2024، إضافة إلى صندوق بقيمة ملياري دولار أُعلن عنه في 2023 بدعم من الإمارات ومصر والأردن لتمويل مشاريع صناعية، خصوصاً في الألمنيوم والبتروكيماويات. وبناءً على هذه المؤشرات، تفترض الوكالة أن البحرين ستتمكن من الاستفادة من 2.7 مليار دولار المتبقية من حزمة 2018 عند الضرورة، وأن وجود هذا النوع من الدعم يشكل عاملاً رئيسياً في الحفاظ على الثقة بارتباط الدينار بالدولار الأميركي.
وتُقدّر الوكالة أن يصل صافي الدين الحكومي إلى نحو 139% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2028، بما يتماشى مع الضغوط المالية المُقيِّدة التي سبق تحليلها، وتؤكد أن البحرين تمتلك أحد أعلى مستويات احتياجات التمويل الخارجي بين الدول التي تقوم بتقييمها. وبالنظر إلى سعي الحكومة لتقليص عجزها وتحسين وضع المالية العامة، تشير الوكالة إلى مجموعة من التدابير التي تعمل البحرين على توسيع نطاقها، وفي مقدمتها اعتماد ضريبة الشركات المحلية، وتوسيع مظلة الضرائب الانتقائية على المنتجات غير الصحية وانبعاثات الكربون. ويأتي ضمن هذه التدابير أيضاً تطبيق الحد الأدنى للضريبة العالمية بنسبة 15% للشركات متعددة الجنسيات، إلى جانب ما تم تنفيذه في إطار برنامج التوازن المالي 2018–2024، مثل تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% ثم رفعها إلى 10%، وهو ما أسهم في زيادة الإيرادات غير النفطية من 13% في 2018 إلى 30% في 2024.
ويشير التقرير كذلك إلى افتقار البحرين إلى أصول سيادية كبيرة مقارنة بمعظم مصدري النفط الخليجيين، إذ تُقدّر الوكالة أن متوسط الأصول الحكومية لا يتجاوز 10% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2025–2028، وأن معظمها يعود لصندوق التأمين الاجتماعي والصندوق الاحتياطي للأجيال القادمة. وكانت الحكومة قد لجأت إلى السحب من هذا الصندوق خلال جائحة كوفيد-19، ثم بدأت في تعويضه من خلال تخصيص مبالغ تتراوح بين 1 و3 دولارات عن كل برميل نفط يُصدَّر وفق مستويات الأسعار، لكن هذه المساهمات تبقى محدودة في ظل أسعار النفط الحالية.
وعلى مستوى القطاع المصرفي، يذكر التقرير أن النظام المالي لا يزال متيناً نسبياً، وأن اللوائح التنظيمية في البحرين تتماشى مع معايير دول مجلس التعاون. ويتوقع أن يتراوح نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بين 3 و3.5% خلال العامين المقبلين، مدفوعاً بالتمويل الاستهلاكي والطلب على الإسكان المدعوم، إلى جانب احتياجات الشركات. كما أدّت الزيادة في المعروض العقاري إلى الضغط على الأسعار، فيما قد تسهم تخفيضات الفائدة في تحفيز بعض الطلب.
ويختتم التقرير بالتأكيد على أن التضخم سيظل منخفضاً بين 1 و1.5% خلال الفترة 2025–2028، بفضل دعم الحكومة للسلع الأساسية، وسياسات الرقابة على الأسعار، واستقرار سعر الصرف المرتبط بالدولار، مما يساعد على الحد من انتقال التضخم المستورد إلى الاقتصاد المحلي.
صندوق النقد الدولي يدخل على الخط
بعد نحو أسبوع من صدور تقرير «ستاندرد أند بورز»، نشر صندوق النقد الدولي تقرير بعثته التي أنهت مشاوراتها الدورية مع حكومة البحرين وفق المادة الرابعة من النظام الأساسي للصندوق. وجاء التقرير منسجماً إلى حد كبير مع الاستنتاجات التي توصلت إليها الوكالة، لا سيما لجهة استمرار مرونة النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم بشكل محدود خلال 2024، مقابل استمرار تصاعد الدين الحكومي وضرورة إجراء إصلاحات هيكلية لوضعه على مسار هبوطي مستدام.
وبحسب التقرير، سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبحرين نمواً بنحو 2.6% خلال 2024، على الرغم من الضغوط المالية وتزايد عوامل عدم اليقين العالمية والإقليمية. وارتفع التضخم إلى 0.9%، فيما صعد العجز المالي إلى نحو 11% من الناتج المحلي، وارتفع الدين الحكومي إلى أكثر من 133% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أشار الصندوق إلى توسّع السحب على المكشوف من مصرف البحرين المركزي ليبلغ أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي في 2024، قبل أن يتراجع خلال 2025 بنسبة 8%، بالتزامن مع ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي بنسبة 11%. ويُعد هذا السحب على المكشوف بمثابة قرض مفتوح تقدمه المؤسسة النقدية للحكومة من دون آجال واضحة للسداد، إذ بلغ 4.3 مليارات دينار بنهاية 2024، بزيادة قدرها 800 مليون دينار عن السنة السابقة، في مسار تصاعدي بدأ عام 2019 حين كان لا يتجاوز 1.2 مليار دينار.
يُعد هذا السحب على المكشوف بمثابة قرض مفتوح تقدمه المؤسسة النقدية للحكومة من دون آجال واضحة للسداد، إذ بلغ 4.3 مليارات دينار بنهاية 2024، بزيادة قدرها 800 مليون دينار عن السنة السابقة
ويتوقع الصندوق أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى 2.9% في 2025 و3.3% في 2026، مدفوعاً باستكمال توسعة المصافي النفطية واستمرار قوة القطاعات الخدمية، وخاصة السياحة والخدمات المالية. وعلى المدى المتوسط، يرجح أن يدور معدل النمو حول 3% سنوياً، وأن يشكل القطاع غير النفطي نحو 90% من الاقتصاد بحلول 2030. وفي المقابل، ستظل مستويات أسعار المستهلك منخفضة في 2025 قبل أن ترتفع تدريجياً صوب 2% خلال السنوات التالية. إلا أن التقرير يحذر من أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي ستواصل الارتفاع ما لم تتخذ الحكومة إجراءات مالية جديدة.
ولتحقيق خفض مستدام للدين، يشدد الصندوق على ضرورة الالتزام بحزمة إصلاحات مالية متعددة السنوات، تتدرج على نحو يحافظ على استقرار الاقتصاد. وتشمل هذه الحزمة، أولاً، إدخال ضريبة عامة على دخل الشركات لتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية، وثانياً، تقليص الدعم الواسع للطاقة وتحويله إلى دعم اجتماعي موجه للأسر الأكثر ضعفاً. ويرى الصندوق أن تبني هذه الإصلاحات، إلى جانب مرساة مالية واضحة وشفافة، سيعزز مصداقية السياسة الاقتصادية ويحد من المخاطر.
كما أوصى الصندوق بأن يواصل مصرف البحرين المركزي مواءمة سياساته مع الاحتياطي الفيدرالي، انسجاماً مع نظام سعر الصرف الثابت، وأن يستكمل تحديث إطار تسوية البنوك وإدارة الأزمات بما يعزز الاستقرار المالي. ودعا إلى تطوير أدوات إضافية لإدارة السيولة، كالعمليات المفتوحة في السوق، بما يساعد على تنشيط سوق السندات المحلية، إضافة إلى مراقبة الروابط بين القطاعين المصرفي وغير المصرفي، في ظل توسع الأنشطة المالية الرقمية والتعاملات بالأصول المشفرة.
وفي الإطار الهيكلي الأوسع، أكد الصندوق أن رفع إنتاجية العمل، وتحسين رأس المال البشري، وتطوير البنية الرقمية، وتعميق التكامل التجاري والاستثماري ضمن مجلس التعاون الخليجي وخارجه، تعد خطوات ضرورية لدعم النمو وتسهيل عملية الضبط المالي. ومن المنتظر أن يناقش المجلس التنفيذي للصندوق التقرير رسمياً في يناير المقبل.
اقتراحات داخلية للحل
على الرغم من أن البحرين لم تلجأ حتى الآن إلى الاقتراض المباشر من صندوق النقد الدولي، واعتمدت بدلاً من ذلك على التمويل الخارجي عبر السندات التجارية، فإن السياسات التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الماضية تكاد تتطابق مع معظم توصيات الصندوق. فقد شهدت البلاد سلسلة إجراءات هدفت إلى تقليص الدعم الاجتماعي ورفع أسعار الطاقة والمياه والكهرباء، إضافة إلى فرض ضرائب جديدة وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 10%. وترافق ذلك مع تسريع وتيرة الخصخصة، بما في ذلك نقل ما تبقى من عمليات إنتاج وتوزيع الكهرباء إلى القطاع الخاص، وتحويل وزارة الكهرباء والماء إلى جهة إشرافية فقط.
هذه التدابير، ذات الطابع النيوليبرالي، حمّلت الفئات الوسطى والدنيا العبء الأكبر، إذ أدت إلى تآكل الأجور وتراجع القدرة المعيشية، خصوصاً مع تجميد زيادة المتقاعدين السنوية بنسبة 3% وارتفاع أسعار الخدمات الأساسية. وفي الوقت نفسه، ظهرت تحليلات وطنية قدّمت مقترحات أكثر توازناً وعدالة، إلا أنها لم تُدرج ضمن خيارات السياسات الرسمية، رغم أن تجارب إقليمية — وعلى رأسها التجربة العمانية — نجحت في تطبيق نماذج إصلاحية أثبتت فعاليتها في ظروف مشابهة.
يشير الباحث الاقتصادي الدكتور حسن العالي، في مقاله المنشور في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إلى التحول اللافت في مسار سلطنة عمان، التي كانت تواجه ظروفاً مالية مشابهة للبحرين، من ارتفاع العجز وتراجع التصنيفات الائتمانية. إلا أن السلطنة تمكنت خلال عامين ونصف فقط من إعادة هيكلة سياساتها المالية والمؤسسية، ما دفع وكالة «ستاندرد آند بورز» إلى رفع تصنيفها الائتماني إلى الدرجة الاستثمارية BBB- بعد سنوات من التراجع.
وتعود مكامن هذا النجاح إلى مجموعة من الإجراءات المتكاملة، أبرزها 1) تسديد الدين العام باستخدام فوائض النفط، إذ وجّهت السلطنة أكثر من 4 مليارات ريال عماني من فوائض الإيرادات النفطية بين 2020 و2023 إلى سداد الدين العام، باعتبار ذلك أولوية مركزية في برنامج التوازن المالي. 2) إعادة هيكلة الدين العام بذكاء، وقد شملت هذه الخطوة استبدال الديون المكلفة بأخرى أقل كلفة، وإعادة شراء سندات سيادية بأسعار أدنى من قيمتها، وزيادة الاعتماد على السوق المحلي، الأمر الذي وفّر نحو 350 مليون ريال وخفّض خدمة الدين بنحو 200 مليون ريال سنوياً. 3) ترشيد النفقات العامة وتقليص الأجهزة الحكومية، إذ خفّضت نفقات الديوان السلطاني بنحو 40%، وقلّصت ميزانيات الوزارات بنسبة تقارب 10%، وأعادت هيكلة الوزارات من 26 وزارة إلى 19 فقط، بالإضافة إلى دمج الشركات الحكومية تحت مظلة هيئة الاستثمار العمانية لضبط الأداء والحوكمة. 4) تعزيز الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد إذ فرضت السلطنة معايير محاسبية صارمة على أداء الوزراء والوزارات، وواجهت مظاهر الفساد بصرامة، مع نشر البيانات المالية بوضوح للرأي العام لتعزيز الثقة الداخلية والخارجية. 5) تنويع الإيرادات غير النفطية عبر فرض ضرائب دخل على الشركات بطريقة تراعي حجم المنشآت، وطبّقت ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5%، حتى بلغت الإيرادات غير النفطية أكثر من 30% من الإيرادات العامة بحلول 2023. وقد أدّت هذه الحزمة من السياسات المتزامنة إلى خفض الدين العام من 15.6 مليار ريال في 2021 إلى 11.4 مليار ريال في 2024، أي من 70% إلى 35% من الناتج المحلي — وهو واحد من أسرع التحولات المالية في المنطقة.
تُظهر التجربة العمانية أن الإصلاح المالي الفعال لا يقوم على رفع الضرائب أو خفض الدعم وحده، بل على إعادة ترتيب الأولويات، وترشيد أجهزة الدولة، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، واستخدام الفوائض لتخفيف الدين بدلاً من التوسع في الإنفاق الجاري. وتشبه البنية المؤسسية والبيروقراطية في البحرين نظيرتها في عمان، بل قد تتسم بتعقيد أكبر من حيث تعدد الوزارات والهيئات. ومع ذلك، اتجهت السياسة المالية البحرينية نحو إجراءات أثّرت مباشرة في أوضاع الطبقات الوسطى والدنيا، مثل رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 10% وخفض دعم الخدمات الأساسية، من دون تنفيذ إصلاحات مؤسسية عميقة كتلك التي اعتمدتها عمان.
السياسات التي انتهجتها الحكومة خلال السنوات الماضية تكاد تتطابق مع معظم توصيات الصندوق. فقد شهدت البلاد سلسلة إجراءات هدفت إلى تقليص الدعم الاجتماعي ورفع أسعار الطاقة والمياه والكهرباء
يقدّم كتاب «لماذا تفشل الأمم؟» لأسموغلو وروبنسون إطاراً تفسيرياً يضيء على جزء مهم من هذا النقاش، إذ يرى المؤلفان أن عرقلة الإصلاح ليست ناتجة عن جهل أو سوء تقدير، بل عن خشية النخب المسيطرة من «الفوضى الخلاقة» التي ترافق التغيير. فالنمو الاقتصادي الحقيقي يستبدل القديم بالحديث، ويخلق فائزين وخاسرين، ويقوّض الامتيازات الراسخة. ولذلك تميل المجموعات التي تستفيد من الوضع القائم إلى مقاومة التحولات التي قد تضعف نفوذها الاقتصادي أو السياسي، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة العامة.
توضح التجربة الأوروبية قبل الثورة الصناعية أن النخب الإقطاعية قاومت التغيير خوفاً من فقدان امتيازاتها، وأن نجاح التنمية كان مرهوناً بإزاحة هذه العوائق السياسية. ويخلص المؤلفان إلى أن غياب المؤسسات الشاملة — السياسية والاقتصادية — يُنتج أنظمة تتركز فيها السلطة، وتُعطّل الإصلاح، وتمنع بناء اقتصاد قادر على النمو المستدام.
خلاصة المرحلة
تواجه البحرين اليوم مفترق طرق شبيهاً بما مرت به عُمان قبل سنوات قليلة. وقد أظهر المثال العماني أن الإصلاح الواقعي لا يأتي فقط عبر رفع الضرائب وتقليص الدعم، بل عبر إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي، وإصلاح المؤسسات، وترسيخ الحوكمة والشفافية، وتمكين المواطن بدلاً من تحميله أعباء إضافية. أما تجاهل هذه العناصر والاكتفاء بالتقشف المالي، فيزيد هشاشة الطبقة الوسطى، ويعمّق الاختلالات، ويؤخر مسار التعافي.