Preview abraham wall

الحلف العسكري الإبراهيمي: الوهم والحقيقة

«إذا تعرّضت إسرائيل للهجوم فسنساعدها بالتأكيد. لقد رأيتمونا نفعل ذلك في نيسان/أبريل الماضي، ويمكنكم أن تتوقّعوا قيامنا بذلك مرّة أخرى».

- وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن. 

 

«لا بد أن تقف الولايات المتّحدة وإسرائيل معاً، فعندما نقف معاً، يحدث شيء بسيط للغاية. نحن نفوز، وهم يخسرون».

- بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس في 24 تموز/يوليو 2024. 

 

في خلال الأسبوع المنصرم، نقلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات «يو أس أس أبراهام لينكولن» العاملة في المحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط بدلاً من المجموعة الضاربة «يو إس إس ثيودور روزفلت». كما أرسلت سرباً كاملاً من طائرات F-22 الحربية المقاتلة المُصنّفة ضمن مقاتلات الجيل الخامس للتفوّق الجوي، ليضاف إلى 3 أسراب من الطائرات المقاتلة الموجودة بالأساس في الشرق الأوسط (F-15 وF-16، وA-10). وأيضاً أعلن البنتاغون عن نشر وحدات دفاع جوّي باليستية إضافية، ونقل طرّادات ومدمّرات، فضلاً عن نشر طائرات للتزويد بالوقود. 

يقول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن هذه الإجراءات التي حصلت في أقل من أسبوع واحد هي «لحماية القوات الأميركية في الشرق الأوسط، وزيادة الدعم للدفاع عن إسرائيل، وضمان استعداد الولايات المتّحدة للردّ على أي حدث طارئ». إلا أن التحرّكات والحشود العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط لا تبدو استعراضاً للقوّة العسكرية والردع بل تدخّلاً عسكرياً مباشراً يسعى إلى ترسيخ «الحلف الإبراهيمي» مع «الدول العربية الصديقة»، عملياً وعلى الخرائط وفي الخطط، بوصفه المحور الإقليمي المناهض لإيران.

تأتي الحشود العسكرية الأميركية إلى المنطقة بذريعة استباق الردود على الهجومين المزدوجين اللذين شنّتهما إسرائيل في 30 و31 تموز/يوليو الماضي على طهران وبيروت، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر. لا تكتفي الإدارة الأميركية بتعزيز انتشارها العسكري، وإنّما تسعى مرّة أخرى إلى إقامة حلف إقليمي يضمّ إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل للمساعدة في صدّ أي هجوم مُرتقب من إيران وحزب الله وحركة أنصار الله اليمنية، على غرار ما حصل في نيسان/ابريل الماضي. وبحسب موقع أكسيوس، أرسلت الولايات المتحدة قائد القيادة المركزية مايكل كوريلا إلى إسرائيل منذ الإثنين الماضي، وقد زار بالفعل عدداً من دول الخليج والأردن من أجل جمع هذا التحالف. 

abraham alliance map

هذه ليست المرّة اليتيمة التي تتحرّك فيها الولايات المتّحدة بسرعة للدفاع عن إسرائيل منذ بدء حرب الإبادة الجماعية. سُجِّلت المرّة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عندما أرسلت الولايات المتّحدة بوارجها الحربية ومدمّراتها وقواها العسكرية إلى المنطقة في خطوة عُدّت بمثابة رسالة إلى إيران وحزب الله لعدم الاندفاع بقوّة في مواجهة إسرائيل. أمّا المرّة الثانية فكانت ليل 13-14 نيسان/أبريل الماضي عندما استنفرت الولايات المتّحدة عسكرياً ودبلوماسياً لحماية إسرائيل، فجمعت تحالفاً ضمّها وبريطانيا وفرنسا لصدّ أكثر من 300 صاروخ إيراني ومُسيّرة. أطلقت إيران هذه الرشقات الصاروخية ردّاً على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال مسؤولين إيرانيين فيها، وتم اعتراض أكثرية الصواريخ والمسيّرات قبل وصولها إلى إسرائيل بمساعدة من الأردن والسعودية والإمارات ومصر. وفي وقت لاحق في 26 نيسان/أبريل الماضي، صرّح رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوّات الجوية الجنرال الاميركي تشارلز كيو براون جونيور أن ما حصل «يعبّر عن مستوى تدريبنا وقدراتنا على الردّ كجزء من حلف واحد».

يعدّ هذا الحلف في الواقع توطئة لائتلاف أمني تطمح له إسرائيل منذ زمن، ليكون أشبه بـ«ناتو شرق أوسطي». ففي خطابه أمام الكونغرس في 24 تموز/يوليو الماضي، حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إنشاء حلف عسكري في الشرق الأوسط يشمل الدول «التي صنعت السلام مع إسرائيل، وتلك التي سوف تصنع السلام معها، تحت هدف مشترك هو مواجهة إيران ونفوذها». واقترح نتنياهو تسمية الحلف العسكري بـ«حلف إبراهيم» ليكون «امتداداً للاتفاقيات الإبراهيمية» الموقّعة في خريف العام 2020 بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب. وفي الخطاب نفسه قال نتنياهو إن المنطقة «رأت بالفعل لمحة عن هذا الحلف» في إشارة إلى ليلة 13-14 نيسان/أبريل. 

وقال نتنياهو في خطابه:

«إليكم رؤيتي للشرق الأوسط الأوسع، وهي تتشكّل جزئياً من خلال ما رأيناه في أعقاب الحرب العالمية الثانية. بعد تلك الحرب، شكّلت الولايات المتحدة حلفاً أمنياً في أوروبا لمواجهة التهديد السوفياتي. وعلى نحو مماثل، يمكن للولايات المتّحدة وإسرائيل تشكيل حلف أمني في الشرق الأوسط لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. يجب دعوة جميع البلدان التي تعيش في سلام مع إسرائيل وجميع البلدان التي سوف تصنع السلام مع إسرائيل للانضمام إلى هذا الحلف. لقد رأينا لمحة من هذا الحلف المحتمل في 14 نيسان/أبريل. عملت أكثر من 6 دول جنباً إلى جنب مع إسرائيل تحت قيادة الولايات المتّحدة للمساعدة في ردّ مئات الصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها إيران ضدّنا. أشكر الرئيس بايدن على جمع هذا الحلف. إن الحلف الجديد الذي أتصوّره سوف يكون امتداداً طبيعياً لاتفاقيات أبراهام. وقد شهدت تلك الاتفاقيات على سلام بين إسرائيل و4 دول عربية، ودَعَمها الجمهوريون والديمقراطيون على حدّ سواء. لديّ اسم لهذا الحلف الجديد. يجب أن نسميه: حلف إبراهيم».

إن طرح تشكيل حلف عسكري في المنطقة ليس جديداً. وفي حين اعتبره نتنياهو «رؤيته للشرق الأوسط الأوسع»، إلا أن فكرته أثيرت للمرّة الأولى في خلال فترة رئاسة دونالد ترامب في العام 2018، عندما أعلن عن النيّة «إنشاء حلف الشرق الأوسط الاستراتيجي» (MESA)، وقد شُبِّه في حينها بـ«ناتو شرق أوسطي» تقوده واشنطن ويجمع 6 دولة خليجية وعربية، وهي البحرين وعمان والسعودية والإمارات والمغرب والسودان، بالإضافة إلى مصر والأردن بهدف مواجهة التوسّع الإيراني في المنطقة. اعتبر ترامب في حينها أن الولايات المتحدة تدفع أثماناً باهظاً لقاء المظلّة الأمنية التي توفّرها للدول الشرق أوسطية، التي بات عليها أن تتحمّل نصيباً أكبر منها من خلال تعاون أعمق فيما بينها. 

جرى البحث في تشكيل الحلف في خلال «الاجتماع الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط» الذي انعقد في وارسو في العام 2019، وضمّ نتنياهو ووزراء خارجية البحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب وعمان وقطر والسعودية والإمارات واليمن، بالإضافة إلى النرويج وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة. وتبيّن لاحقاً أنه كان محطّة تمهيدية للكشف عن «صفقة القرن»، التي أعقبها توقيع «الاتفاقيات الإبراهيمية» بين الإمارات والبحرين والمغرب وإسرائيل في خريف 2020. 

لم يهمد الحديث عن الحلف العسكري للشرق الأوسط بعد تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية في العام 2021. فعشية زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط في 13 تموز/يوليو 2022، عُقِد اجتماع سري في آذار/مارس في شرم الشيخ بين مسؤولين عسكريين أميركيين وإسرائيليين وأردنيين ومصريين وخليجيين بهدف التنسيق ضدّ قدرات إيران الصاروخية المتنامية وبرنامج المسيّرات لديها. وهو ما فسّره المعلّقون على أنه جزء من أجندة خفيّة للإدارة الأميركية لإنشاء الحلف العسكري الشرق أوسطي. كما عقدت إسرائيل في الشهر نفسه «قمّة النقب» التي ضمّت البحرين والإمارات ومصر والمغرب والولايات المتّحدة لبحث فرص تشكيل هذا الحلف المشترك. وقد وصفها الإعلام الإسرائيلي بـ«القمة الدبلوماسية التاريخية». في الفترة نفسها، ظهرت تصريحات عدّة للملك الأردني عبد الله الثاني، الذي أعلن تأييده لإنشاء حلف عسكري في الشرق الأوسط. وأعقب ذلك تقارير عدّة عن تعاونات إسرائيلية متزايدة مع بعض الدول العربية من ضمنها معلومات نشرتها «جيروزاليم بوست» عن «استعداد إسرائيل لنشر رادارات ومنظومات دفاع جوّي في الإمارات كجزء من شبكة دفاع إقليمي تحاول تدشينها في المنطقة بالتعاون مع حلفاء خليجيين والولايات المتّحدة في مواجهة إيران».

عرقلت عملية «طوفان الأقصى» وحرب الإبادة الجماعية التي أعقبتها خطط إنشاء الحلف، ولو أنها لم تمحِها. لكن في حال تشكّل هذا الحلف رسمياً، فمن المتوقّع أن يضمّ الدول التي وقّعت على اتفاقيات سلام مع إسرائيل أي الإمارات والبحرين والمغرب والأردن ومصر، والدول التي يمكن أن تنضمّ إليها لاحقاً مثل السعودية. وهذا يعني أننا نتكلّم عن ائتلاف بقدرات عسكرية واقتصادية هائلة. بلغ الإنفاق العسكري لهذه الدول مجتمعة نحو 136 مليار دولاراً أميركياً في العام 2023، بالمقارنة مع 10 مليارات دولار أنفقتها إيران في خلال العام نفسه بحسب قاعدة بيانات «غلوبال فاير باور». كما تحتوي على 22.7% من مجمل احتياطي النفط العالمي و8.6% من احتياطي الغاز العالمي، بالمقارنة مع 9.5% من احتياطي النفط و17.3% من احتياطي الغاز في إيران بحسب المصدر نفسه، ويوجد ضمن عديدها العسكري نحو 3,424,700 جندياً بالمقارنة مع 1,180,000 جندياً في إيران، كما تمتلك عتاداً عسكرياً يضمّ 11,891 دبابة، ونحو 3,940 طائرة حربية، فضلاً عن 11,526 مدفعية وراجمة صواريخ، و629 سفينة حربية، و13 غوّاصة. 

تُعدّ التحالفات العسكرية من الأدوات الأساسية للهيمنة. تستخدمها الدول لتعزيز قوّتها ضدّ خصومها، وتغيير موازين القوى لصالحها، فضلاً عن توسيع نفوذها خارج حدودها. تؤكّد التحالفات على الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي القائم على منطق القوّة. يعد «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) المثال الأكثر بروزاً على الأحلاف العسكرية التي استخدمت من أجل توسيع النفوذ والهيمنة والسيطرة. تأسّس الحلف في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستخدمته القوى الغربية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، كأداة حربية لمحاصرة الاتحاد السوفياتي. واستمرّ هذا الحلف حتى بعد انهيار الاتحاد كأحد أدوات السيطرة والهيمنة التي تستخدمها الولايات المتحدة أينما كان في العالم. وللحلف إرث حافل في شنّ الحروب وإلحاق الدمار وخرق القوانين الدولية المتعارف عليها، تماماً كما حصل في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا.

يروّج للأحلاف العسكرية على أنها أدوات فعّالة في سياسة الردع، ولكنها في الواقع أدوات مباشرة للتصعيد العسكري وتسعير الصراعات والسباق نحو التسلّح. فهي تقوم أولاً على خلق عدو مشترك ومصالح مشتركة. وهذا ما يمكن استنتاجه من السعي الإسرائيلي الحثيث إلى إقامة حلف في المنطقة. في محاولة التسويق للحلف العسكري في الشرق الأوسط، تعمل السرديّة الغربية-الإسرائيلية على جمع دول الحلف المحتملة ضدّ عدو مشترك: إيران وحلفاؤها، على اعتبار أن لكلّ منها مصلحة في صدّ نفوذ إيران وتوسّعها في المنطقة. بالنسبة إلى الدول الخليجية، ولا سيما السعودية والإمارات، يعد النفوذ الإيراني في اليمن تهديداً مباشراً. وهذا ما تراه المغرب أيضاً بسبب الدعم الإيراني لجبهة البوليساريو في الصحراء. أما الأردن والبحرين فهما «واحتين غربيتين» في المنطقة تستمدّان «استقرارهما» من الدعم الأميركي المتواصل لهما.

مع ذلك تحوم شكوك كثيرة حيال إمكانية إقامة حلف عسكري مماثل، لا سيما بعد انسحاب مصر منه في وقت سابق، ولكن تبقى احتمالات تشكيله في خضم التحوّلات الجيوسياسية التي يشهدها عالم ومنطقة مأزومين بأزمات متعدّدة، يعني أن ثمة إعادة تنظيم للقوى الإقليمية، مع ما يمكن أن يستثيره من ردّ إيراني لتشكيل حلف مضاد، وبالتالي المزيد من التصعيد في المنطقة.