معاينة لماذا لا تنوي أغلبية اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا بعد سقوط الأسد؟

لماذا لا تنوي أغلبية اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا بعد سقوط الأسد؟

على الرغم من أن 80% من اللاجئين السوريين في لبنان والأردن والعراق ومصر يأملون بالعودة إلى سوريا على المدى الطويل، إلا أن 76% منهم لا ينوون العودة في الأشهر الـ12 المقبلة، لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية مختلفة. في الواقع، لم يتراجع عدد اللاجئين السوريين المسجلين في البلدان الأربعة المذكورة الا بنسبة 14% في الفترة بين نهاية عام 2024 ونهاية آب/أغسطس من هذا العام، أي الفترة التي تلت سقوط نظام الاسد، فمن أصل 2.5 مليون لاجىء، عاد نحو 351 ألفاً فقط. 

لماذا لا تنوي أغلبية اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا بعد سقوط الأسد؟

لماذا لا تريد أكثرية اللاجئين العودة؟

أجرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع البنك الدولي، مسحها الدوري لتصورات اللاجئين ونواياهم للعودة إلى سوريا، وشمل هذا المسح 6,316 لاجئاً سورياً في لبنان والأردن والعراق ومصر، يمثّلون 782 أسرة لاجئة، وتم استطلاع آرائهم بين 25 أيار/مايو و5 تموز/يوليو من هذا العام.

انخفاض منسوب التفاؤل بعد سقوط الأسد

قبل انهيار نظام الأسد وسقوطه، لم تكن نسبة اللاجئين الذين ينوون العودة إلى سوريا قريباً تتجاوز 1.1% في العام 2023 و1.7% في العام 2024، ولكن هذه النسبة ارتفعت إلى 27% في كانون الثاني/يناير 2025، بعد شهر من سقوط النظام، تعبيراً عن التفاؤل بنهاية حرب ضروس استغرقت 14 عاماً وإعادة الإعمار. وبعد 6 أشهر، أي في حزيران/يونيو 2025، أظهر المسح أن منسوب التفاؤل يتراجع في ظل السلطة الحالية والعنف الطائفي والتدهور الاقتصادي، فانخفضت نسبة الذين ينوون العودة إلى 18%. 

وفي سياق المقارنة مع نتائج المسوحات السابقة، كان لافتاً أن الذين أجابوا في المسح السابق قبل 6 أشهر أنهم لا يعلمون إذا كانوا يريدون العودة بعد سقوط النظام، ربما لحاجتهم إلى المزيد من الوقت لاستطلاع الوضع في سوريا، حسم الجزء الأكبر منهم أمره في الاستطلاع الأخير وأجابوا أنهم لا ينوون العودة في الـ 12 شهراً المقبل، فانخفضت نسبتهم في 6 أشهر من 17% إلى 6%، لترتفع نسبة الذين أجابوا بعدم نيتهم العودة من 56% إلى 76%. 

مخاوف الأمن والسكن والعمل

طُلب من المشمولين بالمسح ترتيب أهم موانع العودة إلى سوريا، فحدّد 36% منهم مخاطر السكن، وحدّد 28% مخاطر العمل. وفي حين أن المخاطر الأمنية احتلت المرتبة الثالثة بين أهم الموانع وحدّدها 12% فقط كمانع أول أمام عودتهم، إلا أن 77% منهم، أو أكثر من 3 من كل 4 لاجئين، حدّدوا المخاطر الأمنية كثاني أهم مانع لعودتهم.

مخاوف السكن

تسبّبت الحرب في سوريا في تدمير جزء كبير من المخزون السكني في البلاد، ويشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تعرض نحو ثلث المساكن في سوريا، أي ما يعادل 1.3 مليون وحدة، إما للتدمير الكامل أو للضرر الجسيم. أدى ذلك إلى تقلص المعروض العقاري مقارنة بحجم الطلب، ما رفع أسعار الإيجارات وجعل تأمين السكن تحدياً صعباً أمام الكثير من العائدين. 

بالنسبة إلى غالبية الذين أعربوا عن عدم نيتهم العودة خلال الـ 12 شهراً المقبلة، كان غياب السكن الملائم سبباً رئيساً في 36% من الإجابات، وقد سُجّلت أعلى نسبة في لبنان (37%) والأدنى في العراق (24%).

صرّح 39% فقط من اللاجئين السوريين بامتلاكهم أراضي أو ممتلكات في سوريا، غير أنّ حالة هذه الممتلكات متردية للغاية، إذ إن 87% من مالكي العقارات أفادوا بأن ممتلكاتهم مدمّرة أو متضرّرة بدرجة كبيرة.

كما اعتبر اللاجئون والعائدون أن النقص في الوثائق يمثل أحد أبرز العوائق أمام العودة والاندماج من جديد، فعلى الرغم من امتلاك غالبية الأسر لبعض المستندات الخاصة بأراضيها ومساكنها، إلا أن 58% من مالكي العقارات يفتقرون إلى الوثائق الكاملة التي تثبت ملكيتهم القانونية.

مخاوف العمل

بسبب الدمار الذي لحق بمختلف القطاعات الاقتصادية في سوريا، فقدت أعداد كبيرة من فرص العمل، لا سيما في قطاع الصناعة، فيما يواجه قطاع الزراعة أزمة غير مسبوقة نتيجة الجفاف الشديد في البلاد، وتتركز سوق العمل السورية في العمالة غير النظامية، ما يجعل من الصعب تحديد أوضاع العمال بدقة.

وفقاً لتقديرات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية، بلغت نسبة البطالة في سوريا 13% في العام 2024، ما يجعلها تحتل المرتبة 23 على مستوى العالم، بينما أشار وزير الاقتصاد والصناعة في الحكومة السورية نضال الشعار مؤخراً أن البطالة في البلاد تفوق 60%، وهي نسبة استثنائية بكل المقاييس.

أدت الحرب والعقوبات إلى تجفيف مصادر الدخل في البلاد، وتقليص موازنات الحكومة، وانخفاض رواتب العاملين في القطاع العام، ما جعل دخل الفرد في سوريا من بين الأدنى عالمياً، ويشير البنك الدولي إلى أن متوسط دخل الفرد السنوي في سوريا لم يتجاوز 850 دولاراً في العام 2023.

يبقى هذا الرقم مجرّد معدّل، ولا يعكس التفاوت بين المداخيل، ووفقاً لتقديرات تستند إلى مسح الأسر المعيشية لعام 2022 الصادر عن HNAP، فإن 24.8% من السوريين، أي ما يقارب 5.7 ملايين شخص، يستهلكون أقل من خط الفقر الدولي المعتمد للدول منخفضة الدخل والبالغ 2.15 دولار أميركي (بأسعار تعادل القوة الشرائية لعام 2017) للفرد في اليوم. كما يعيش ثلثا السكان (67%) تحت خط الفقر الخاص بالبلدان متوسطة الدخل الدنيا والبالغ 3.65 دولار أميركي.

على وقع هذه المعطيات، أشارت 28% من الردود في استطلاع مفوضية اللاجئين إلى أن ضعف فرص العمل وسبل العيش يشكّل سبباً أساسياً لعدم العودة، وقد سُجّلت أعلى النسب في مصر (32%) تلتها لبنان (30%).

مخاوف الأمن

أشارت 12% من الردود إلى المخاوف المتعلقة بالأمن والسلامة كسبب رئيس لعدم العودة، بينما ترتفع النسبة إلى ضعف ذلك في العراق (24%). إلا أن أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين (77%) أقروا بأن لديهم مخاوف أمنية بشكل عام - حتى لو لم يكن سبباً رئيساً -  أبرزها الاختطاف، وجود فاعلين مسلحين، السرقة، العنف الطائفي أو المجتمعي، والمتفجرات غير المنفجرة.

موانع أخرى

برزت عوائق أخرى للعودة لكن بوتيرة أقل، من بينها: الديون داخل سوريا، المشكلات القانونية ومسائل الوثائق، نصائح من الآخرين بعدم العودة، وجود أحد أفراد الأسرة يحمل جنسية بلد الاستضافة، التوترات الاجتماعية والمجتمعية، بالإضافة إلى غياب أفراد العائلة للالتحاق بهم في سوريا.

يُذكر أن نحو 60% من الراغبين في العودة أشاروا إلى أن قيامهم بزيارة استكشافية إلى سوريا قبل اتخاذ القرار النهائي أمر ضروري، ما يدل على أن بعض العوائق قد لا تزال غير واضحة حتى بالنسبة إلى أولئك الذين ينوون العودة.

على الرغم من أن ثلاثة أرباع  اللاجئين السوريين لا ينوون العودة في خلال العام المقبل، إلا أن 75% من اللاجئين أجابوا بـ «نعم» عند سؤالهم: «هل تأمل أن تعود إلى سوريا يوماً ما؟». ويؤكد هذا التباين أن معظم السوريين لا يرغبون في العودة حالياً بسبب الوضع الراهن.