Preview ما موقف الناس من اللاجئين؟

ما موقف الناس من اللاجئين؟

غالباً، سوف يتخذ معظم الناس موقفاً أخلاقياً معيارياً إذا سُئِلوا عن حق الإنسان باللجوء إلى بلد آخر، بما فيه بلدهم، هرباً من حرب أو عنف أو اضطهاد. وبالفعل، يؤيّد هذا الحق  كمعدّل وسطي نحو 73% من المشاركين في استطلاع رأي حديث جرى في 52 بلداً في العالم، من ضمنهم 6 بلدان في المنطقة هي لبنان والأردن ومصر والمغرب والسعودية وتركيا، وتراوحت نسب التأييد لحق اللجوء في هذه البلدان بين 78% في كلّ من المغرب والأردن، و57% في تركيا، في حين بلغت 72% في لبنان وهي نسبة مرتفعة قياساً إلى خطاب العنصرية ضد اللاجئين المتصاعد في هذا البلد. وعلى الرغم من النسب المرتفعة المؤيدة لحق اللجوء في العالم وبلدان المنطقة، إلا أن نسبة المستطلعين الذين ينكرون هذا الحق تُعتبر مرتفعة أيضاً، ولا سيما في تركيا (41%) ومصر (26%) ولبنان (21%). علماً أن بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا عموماً، التي تشهد التدفقات الأعلى للاجئين (بلدان المنشأ وبلدان الاستقبال)، يظهرون في هذا الاستطلاع أقل عدائية تجاه اللاجئين بالمقارنة مع البلدان العربية، إذ أن 18% فقط من المستطلعين ينكرون حق اللجوء بالمقارنة مع متوسط 21% لجميع البلدان المشمولة بالاستطلاع.

مع حق اللجوء ولكن ضد اللاجئين

هذا الاستطلاع للرأي هو جزء من دراسة استقصائية أجرتها شركة إبسوس والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بمناسبة يوم اللاجئ العالمي، وهي واحدة من أكبر الدراسات الاستقصائية من نوعها إذ تلتقط آراء ومواقف 33,197 شخصاً بالغاً في 52 دولة من مناطق العالم المختلفة. 

وعلى الرغم من كون هذا الاستطلاع ليس تمثيلياً بشكل كاف كونه جرى عبر الانترنت ويعبّر عن آراء المشاركين المتصلين بالإنترنت الذين يتفاعلون مع استطلاعات الرأي ويمنحونها بعضاً من الوقت والجهد، ولا يعبّر عن جميع سكّان البلدان المستجوبة، يبيّن هذا الاستطلاع أن الموقف المعياري الإيجابي من حق اللجوء الذي تتبنّاه هذه الشرائح من الطبقات الوسطى سرعان ما يتضعضع أمام السرديات الشائعة عن اللاجئين التي تعبّر عنها الأسئلة الأخرى الواردة في الاستطلاع، والتي تحاول قياس ردود الفعل والمفاهيم التي يحملها الناس عن اللجوء واللاجئين وظروفهم. فقد عبّر 61% من المشاركين في الاستطلاع أن معظم الأجانب الذين يريدون الدخول إلى بلدانهم كلاجئين ليسوا في الواقع لاجئين، بل يريدون المجيء إلى هنا لأسباب اقتصادية أو للاستفادة من خدمات الرعاية الاجتماعية التي نقدمها. ولم يرفض ذلك سوى 31% من المستطلعين. 

كما الحال عالمياً، فإن السردية التي تقول إن معظم اللاجئين ليسوا لاجئين بل مهاجرين اقتصاديين ينتحلون صفة لاجئين وينافسون السكّان المحليين على رزقهم ومواردهم، هي سردية شائعة في دول المنطقة وتغذّي الخطاب اليميني العنصري. ويوافق عليها 70% من المشاركين في تركيا، و67% في المغرب، و55% في مصر، و43% في الأردن وهي النسبة الأدنى بين بلدان المنطقة، على الرغم من أن الأردن هو أحد البلدان الأكثر استقبالاً للاجئين كنسبة من سكّانه. 

تبيّن نتائج الاستطلاع أن لا علاقة ميكانيكية بين ارتفاع عدد اللاجئين كنسبة من السكان في بلد ما وبين الموقف من اللاجئين. في أثيوبيا، أحد البلدان الأقل تأثراً بتدفقات اللاجئين على مستوى العالم، يعتقد نحو 31% من المشاركين من أثيوبيا بصحّة سردية «ليسوا لاجئين وإنما مهاجرين اقتصاديين». 

في هذا السياق، يظهر لبنان في المرتبة الثالثة عالمياً بعد بيرو وليتوانيا، إذ تبنّى 77% من المشاركين من لبنان هذه السردية، ولم يرفضها سوى 16% منهم! وتمثّل نتائج الاستطلاع في لبنان تجسيداً فاقعاً لهذا التحايل بين الاعتراف بحق اللجوء وبين نزع صفة اللاجئين وحرمانهم من هذا الحق.

يأتي لبنان بعد جزيرة أروبا الصغيرة كأكبر بلد في العالم مستقبل للاجئين نسبة إلى سكّانه، إذ يوجد لاجئ واحد من بين كل 6 أفراد بحسب أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ويشهد العالم في الوقت الحاضر مستويات غير مسبوقة من النزوح، وبحلول أيار/ مايو 2024 كان 1 من كل 69 شخص حول العالم في حالة نزوح قسري سواء داخل بلدانهم أو خارجها. ووفق إحصاءات النازحين قسرياً المسجّلين لدى وكالات الأمم المتحدة يبلغ عدد اللاجئين إلى خارج بلدانهم نحو 43.4 مليون لاجىء، وقد تضاعف عددهم نحو ثلاث مرّات في خلال العقد الأخير.

تؤدّي السرديات الشائعة عن اللاجئين دوراً مهمّاً في تشكيل آراء الناس ومواقفهم وردود أفعالهم، وهي تتمتع بقوّة البساطة في ظل واقع شديد التعقيد، وبالتالي تُعمي عن الوقائع. لبنان، على سبيل المثال، ملاصق لكلّ من سوريا وفلسطين. والأزمة السورية هي مصدر واحدة من أكبر أزمات اللجوء في العالم، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مصدر أطول أزمات اللجوء في العالم المعاصر. يعيش اللاجئون الفلسطينيون هنا أباً عن جد، ويوجد تداخل تاريخي بين سوقيْ العمل في لبنان وسوريا والصلات التجارية القديمة ما بين أصحاب المصالح، فضلاً عن تخالط الدم والمصاهرة، والمشاركة في اللغة والنسب والدين فضلاً عن الجغرافيا والتاريخ… ومع ذلك عبّر 46% من المشاركين في الاستطلاع من لبنان عن قناعتهم بأن معظم اللاجئين في بلدهم لن يتمكّنوا من الاندماج بنجاح في «مجتمعهم الجديد»، في حين أن 39% يعتقدون العكس أي «أن معظم اللاجئين سوف يندمجون بنجاح». في حالة لبنان، من غير الموضوعي قراءة هذه النتائج من دون قواميسها اللبنانية، إذ تتضمّن صياغة السؤال إيحاءات بالتوطين المنصوص على رفضه في الدستور اللبناني، والمقصود به أصلاً توطين الفلسطينيين ومن ثم السوريين، وهو الفزّاعة التي يتم استخدامها لتبرير كل التعسّف اللاحق باللاجئين.

لا يبدو أن هناك علاقة ميكانيكية أيضاً بين كثافة اللاجئين في بلد معيّن والآراء بشأن اندماج اللاجئين. يستضيف الأردن، على سبيل المثال، نحو 650 ألف لاجئ سوري تقريباً، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين، وتشكّل نسبة اللاجئين فيه واحد من كلّ 16 فرد، إلا أن 75% من المستطلعين فيه عبّروا عن اعتقادهم بأن اللاجئين في بلدهم سوف يندمجون بنجاح في مجتمعهم. وفي  مصر، ثالث أكبر بلد مستقبل لطلبات اللجوء الفردية في العام الماضي، بلغت النسبة 72%. 

تتداخل عوامل كثيرة في تشكيل آراء الناس ومواقفها، ولا سيما العوامل الاقتصادية مثل معدلات البطالة، أو عوامل سياسية متعلقة بطبيعة التراصف السياسي أو الخطاب السياسي الشائع، فضلاً عن عوامل لها علاقة بالذاكرة الجماعية للسكان وما انطبع فيها على مرّ الزمن، بفعل طبيعة العلاقة التاريخية بين البلد المضيف والبلد منشأ اللجوء، كما في الحالة اللبنانية-السورية، حيث يجمع البلدين تاريخ معقّد من الانتداب، ومن ثم التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية، والحكم السوري للبلاد بعد اتفاق الطائف وحتى العام 2005، بالإضافة إلى تبعات الحرب السورية على العلاقة بين البلدين.

ينكر 46% من المشاركين عالمياً أن اللاجئين يقدّمون مساهمة إيجابية لبلدانهم، وترتفع النسبة في لبنان إلى 53%، في حين تتراجع إلى 20% في السعودية، و33% في الأردن، و40% في مصر، وتسجل تركيا نسبة إنكار عالية تبلغ 78% في تركيا. في المقابل، يرى 44% من المشاركين في الاستطلاع حول العالم أن اللاجئين يقدّمون مساهمة إيجابية، وتنخفض النسبة في لبنان إلى 41%، في حين ترتفع إلى 66% في السعودية، و57% في الأردن، و51% في مصر، و50% في المغرب، وتسجّل تركيا أدنى نسبة بلغت 18% فقط. والأعلى كانت في البلدين الأفريقيين أوغندا وكينيا، بنسبة 73% و69% على التوالي. 

يبرز هذا الإنكار بالذات في سوق العمل، إذ يعارض 33% من المشاركين حول العالم أنه من المرجح أن يكون للاجئين تأثير إيجابي في سوق العمل في السنوات المقبلة، وهو رأي 61% من مشاركي لبنان في مقابل 18% فقط يرون أن للاجئين تأثير إيجابي. هذا على الرغم من أن العمّال السوريين «يظهرون استعداداً أكبر للقيام بمهام تتطلّب جهداً بدنياً، وشديدة الخطورة، وتتطلّب عمالة كثيفة في القطاع الزراعي وبأجور أقل»، بحسب تعبيرات منظّمة العمل الدولية، التي أجرت مسحاً في العام 2021 لتقييم العمالة غير الرسمية والضعف بين المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتوصل المسح إلى أن السوريين هم المجموعة الأكثر احتمالاً للعمل في قطاع البناء، إذ يمثلون 23.9% من العينة، في مقابل 4.5% فقط من اللبنانيين. 

بين اعتقادات مغلوطة وتبريرات محنّكة، تولّد عالمياً رأي عام يعارض حقوق اللاجئين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وفي لبنان، تولّد هذا الرأي نتيجة خطاب عنصري أشعلته الأطراف السياسية كافة، فضلاً عن تصاعد موجة يمينية عالمية دخلت دعايتها إلى كل البيوت في العالم. لذلك نجد أن 19% من المشاركين في لبنان يرون أن من حق اللاجئين أن يتاح لهم سوق العمل بشكل كامل، وهو رقم أدنى من نصف النسبة العالمية البالغة 42%، وأدنى من النسبة في باقي الدول العربية، كالمغرب (42%)، والسعودية (37%)، والأردن (35%)، ومصر (34%).

على مستوى الخدمات الاجتماعية، يرى 34% من المشاركين في لبنان فقط أنه من حق اللاجئين أن يتاح لهم النظام الصحي الوطني بشكل كامل، بينما بلغت النسبة العالمية نحو 44%. وفي المقابل ينكر 23% من المشاركين في لبنان هذا الحق وبالمقارنة مع متوسط عالمي بنسبة 10%. وهذه النسبة الأخيرة قد تكون متدنية نظراً لحساسية الموضوع المتعلّق بالحياة والموت على المستوى الأخلاقي. عالمياً، الدول الأربعة الأكثر موافقة على حق اللاجئين في الخدمات الصحية تقع كلها في أفريقيا، وهي كينيا (85%) وأوغندا (84%) وغانا (70%) وأثيويبيا (66%), مع العلم أن نسبة المشاركين في كينيا الذين أنكروا هذا الحق هي صفر في المئة! 

على المستوى السياسي، يعتقد 14% فقط من المشاركين في لبنان أن من حق اللاجئين أن يكون لهم فرصة التقدّم بطلب للحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية، وهي النسبة ما قبل الأخيرة على مستوى العالم، إذ تتصدّر هذه تركيا العالم بنسبة 7%. أما النسب الأعلى المؤيّدة لهذا الحق فتسجّل في كينيا (58%) وأوغانداً (54%). في المقابل، يعارض 44% من المشاركين في لبنان هذا الحق بالمقارنة مع 42% على مستوى العالم، بينما يرى 30% من المشاركين في الاستطلاع من لبنان أنه يمكن أن يكون للاجئين الحق في الإقامة الدائمة أو الجنسية لكن ضمن حدود.