
إحصاءات اللاجئين السوريين في لبنان:
5 حقائق تدحض اتجاهات العودة الطوعية
تُقدّر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نحو 698,282 سورياً عادوا إلى سوريا عبر الدول المجاورة منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، من بينهم 199,204 عادوا من لبنان أو عبره. إلا أن الإحصاءات الاخرى التي نشرتها المفوضية في التقرير نفسه تبيّن أن العدد الأكبر من السوريين العائدين إلى بلادهم عبر الحدود اللبنانية لم يكونوا مقيمين أو لاجئين في لبنان وإنما مرّوا منه كبلد عبور. وبالتالي، لا توجد حتى الآن مؤشرات على وجود اتجاهات راسخة لعودة اللاجئين السوريين إلى سوريا على المدى المنظور.
1- تغيّرات طفيفة في أعداد اللاجئين المسجلين
حتى حزيران/ يونيو الماضي، كان لا يزال أكثر من 716 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية. ولم يُشطب من هذه السجلات منذ العام 2022 حتى الآن سوى 121 ألف لاجئ سوري بسبب عودتهم إلى سوريا. علماً أن 38% منهم شُطبوا تحت مسمى «العودة الافتراضية»، أي أن المفوضية افترضت أنهم عادوا إلى سوريا بعدما تعذّر التواصل معهم، وبالتالي لا يوجد تأكيدات على عودتهم بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، شكّل اللاجئون، الذين عادوا إلى سوريا هرباً من الحرب الإسرائيلية على لبنان في السنة الماضية، نحو 58% من المشطوبين.
2- العائدون يساوون اللاجئون الجدد بعد سقوط الأسد
منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 وحتى 17 تموز/يوليو 2025، عبر من لبنان إلى سوريا نحو 199 ألف سوري، ولكن في الوقت نفسه، عبر من سوريا إلى لبنان نحو 108,032 سورياً، ولا سيما بعد حملات العنف الطائفي ضد العلويين على الساحل السوري ومنطقة حمص، وضد الدروز في الجنوب السوري. لذا، بحسبة غير دقيقة هدفها إيضاح الصورة - حيث لا تأخذ في الحسبان أن بعض الداخلين والخارجين من لبنان يستخدمونه كبلد عبور فقط - يمكن القول إن الانخفاض الفعلي الذي شهده لبنان في عدد اللاجئين يقدّر بنحو 91 ألف فرد فقط.
3- ثلاثة أرباع اللاجئين في لبنان ليسوا مستعدين بعد للعودة إلى سوريا
لا ينحصر عدد اللاجئين السوريين في لبنان بالمسجلين رسمياً لدى المفوضية، إذ أن تقديرات الحكومة اللبنانية في السنوات الأخيرة ترفع العدد الفعلي للاجئين إلى نحو 1.4 مليون لاجئ، وهذا يزيد من فوضى التقديرات وعدم موثوقيتها. ووفق آخر استطلاع رأي نفّذته المفوضية في نيسان/أبريل الماضي على عينة تمثيلية للاجئين، لم يبد سوى 24% منهم نيّة العودة إلى سوريا على المدى القصير (في 12 شهراً المقبلة)، في حين صرّح 21% انهم غير متأكدين من نيّتهم العودة، ورفض 55% العودة في هذه الفترة.
4- تحفيز العودة الطوعية من دون حوافز
لا تتعامل الدولة اللبنانية ومفوضية الأمم المتحدة مع هذه المؤشّرات على أنها تتصل بأوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية شديدة التعقيد وغير مواتية للعودة الكريمة والآمنة. فقد تم الإعلان عن برنامج شكلي لتحفيز العودة الطوعية ولكن بحوافز هزيلة وغير كافية. ففي 1 تموز/يوليو 2025، أطلقت المفوضية رسمياً برنامج العودة الطوعية المنظَّم ذاتياً. ويُنفَّذ هذا البرنامج بالتنسيق الوثيق مع حكومة لبنان وشركاء آخرين، ويهدف بحسب المفوضية إلى «دعم السوريين المعروفين من قبلها في لبنان الذين قرروا بحرية وبشكلٍ طوعي العودة إلى سوريا بشكل دائم». وأفادت المفوضية بأنها ستتولى تنسيق الترتيبات اللوجستية لضمان عودة اللاجئين عبر المعابر الحدودية الرسمية، فيما أعلن الأمن العام اللبناني عن إعفاء جميع السوريين العائدين إلى سوريا من رسوم الخروج والغرامات والأختام المتعلقة بحظر إعادة الدخول.
اللافت في هذا البرنامج هو الحافز المادي، الذي يُفترض أنه يشجع اللاجئين على العودة إلى بلادهم في ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتدهورة هناك، إذ لن يحصل اللاجئ العائد سوى على منحة نقدية لمرة واحدة قدرها 100 دولار أميركي، بحسب موقع المفوضية الرسمي. بينما نقلت رويترز عن وزيرة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، حنين سيد، أن السوريين العائدين سيحصلون على 100 دولار لكل فرد في لبنان، و400 دولار لكل عائلة عند وصولهم إلى سوريا، وأضافت أن تكاليف النقل مشمولة.
عملياً، يُطلب من السوريين أن يتخلّوا عن مصادر رزقهم التي تمكنوا من بنائها في لبنان بعد فقدانهم مصادر عيشهم الأساسية في سوريا، وأن يُشطبوا من برامج الأمم المتحدة التي توفّر لهم بعض المساعدات المحدودة، ليعودوا إلى بلادهم من دون أي ضمانات، سوى مبلغ 100 دولار أميركي، و400 دولار لكل عائلة.
يبدو أن السوريين لم يقتنعوا بهذه «الصفقة»، فاعتباراً من 14 تموز/يوليو، سجّل نحو 17,000 فرد فقط اهتمامهم بالمشاركة في برنامج العودة الطوعية الميسّرة وتلقّوا المشورة بشأن خطوات العملية وتبعاتها. يُذكر أن وزيرة الشؤون قد أوضحت أن الحكومة تسعى إلى إعادة ما بين 200 ألف و400 ألف لاجئ سوري في خلال العام الجاري.
5- كيف يمكن تفسير تصرّفات المفوضية؟
يمكن تفسير توجه المفوضية نحو تقليص أعداد اللاجئين بأزمة التمويل التي تعصف بمؤسسات الأمم المتحدة، والتي ازدادت حدّتها بعد إعلان دونالد ترامب أن الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر مانح للمساعدات عالمياً، ستوقف معظم أنشطتها ومساهماتها في مجال المساعدات الإنسانية.
اعتباراً من 30 حزيران/يونيو 2025، لم تحصل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان سوى على 22% فقط من التمويل المطلوب لتنفيذ برامج مساعدة اللاجئين في لبنان في هذا العام. ولم تتمكن في العام الماضي من الحصول سوى على 60% من أصل 545.2 مليون دولار أميركي المطلوبة لاستجابتها في لبنان. لذلك، اضطرت المفوضية إلى وقف عدد من أنشطتها في لبنان، منها مثلاً: استبعاد 347,000 لاجئ سوري من المكوّن النقدي للبرنامج المشترك مع برنامج الأغذية العالمي، بحيث لن تتمكن من الاستمرار في دعم أكثر من 216,700 شخص حتى حزيران/يونيو 2025 فقط. وكذلك قلصت المفوضية تغطيتها الصحية للاجئين السوريين، وأعلنت أنها قد تعلّق جميع برامجها الصحية من الآن حتى نهاية هذا العام.