Preview الإسناد اليمني لغزّة يزيد إرباك التجارة العالمية

الإسناد اليمني لغزّة يزيد إرباك التجارة العالمية

في حصيلة أولية أعلنها زعيم حركة «أنصار الله» اليمنية، عبد الملك الحوثي، يوم الخميس الماضي، استهدفت عمليات الحركة أكثر من 129 سفينة مرتبطة بإسرائيل وداعميها في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي. وكرّرت الحركة أنها لن تُوقف عملياتها ما دامت حرب الإبادة الجماعية مستمرّة والحصار مضروباً على سكان قطاع غزّة.

بالفعل، ارتفعت هذه الحصيلة في الأيام القليلة الماضية، وأعلنت حركة «أنصار الله» عن تنفيذ 6 عمليات عسكرية جديدة ضد حاملة طائرات ومدمّرة أميركيتين وسفن أخرى، ما أثار المزيد من التحذيرات من تفاقم أزمة البحر الأحمر وتداعياتها الكبيرة على حركة التجارة العالمية وسلاسل التوريد التي تتصل بعضها ببعض عبر محيطات العالم وممراته البحرية، ولا سيما بين آسيا وأوروبا، حيث يُعد البحر الأحمر الممر الرئيس للصادرات والواردات في الاتجاهين.

مسارات الشحن من شنغهاي

وفق البيانات المتاحة، انخفضت حركة مرور السفن عبر قناة السويس ومضيق باب المندب إلى النصف منذ فتح جبهة المساندة اليمينية للمقاومة في غزّة في  تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بينما تضاعفت حركة المرور عبر طريق رأس الرجاء اعتباراً من آذار/مارس 2024. بالتالي، ازدادت المسافة التي تقطعها سفن الشحن وناقلات الوقود بنسبة تصل إلى 53%، ما أدّى إلى ارتفاع في أسعار الشحن، ولا سيما أسعار التأمين، وتزايد استهلاك السفن للوقود، وتآكل أسرع في المعدات والأدوات، والاستخدام الكثيف للعمّال على متن السفن. ويشير بعض الخبراء إلى أن التجلّي النهائي لارتفاع كلفة الشحن لم يتحقّق بعد. يؤكّد قولهم وصول أسعار الشحن في كل المسارات البحرية إلى مستويات غير مسبوقة، متجاوزة ذروتها في كانون الثاني/يناير 2024. مثلاً: تضاعف سعر نقل الحاوية من شانغهاي في شرق آسيا إلى روتردام في أوروبا، بأكثر من أربع مرات منذ بداية عمليات حركة «أنصار الله».

بالاستناد إلى مؤشر دروري، الذي يتتبع أسعار الشحن للحاويات عبر 8 طرق رئيسة بما في ذلك الأسعار الفورية وأسعار العقود قصيرة الأجل، فقد وصلت كلفة شحن حاوية (40 قدماً) إلى 4,226 دولاراً، أي أكثر بثلاث مرات بالمقارنة مع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما كانت الكلفة بحدود 1,382 دولار للحاوية. بالمثل، بلغ مؤشر Freightos Baltic، الذي يتتبع أسعار الشحن من الصين إلى الولايات المتحدة، نحو 3,494 دولاراً لكل وحدة في 30 نيسان/أبريل، وهو أعلى من الذروة التي بلغها في شباط/ فبراير.

أربك هذا كله جداول وصول ومغادرة السفن من الموانئ وإليها، مؤدياً إلى انسداد الموانئ الآسيوية الكبرى، ونقص في الحاويات الفارغة في بعض الأماكن وتراكمها فوق بعضها في أماكن أخرى، فقد انخفض عدد سفن الحاويات التي تصل إلى الموانئ في الوقت المحدّد إلى 52%، وتبدّد التحسن بعد التعافي من فترة وباء كوفيد.

بخروج السفن عن جداولها الزمنية، تفاقمت الاختناقات في الموانئ مثل شنغهاي-نينغبو في الصين وميناء سنغافورة، بينما يواجه ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة مشاكل الازدحام أيضاً بسبب قربه من البحر الأحمر ولأنه مركز رئيسي لشحن الترانزيت.

تأخر في وصول الشاحنات

من هنا، أصدرت سنغافورة، موطن ثاني أكبر ميناء للحاويات في العالم، بياناً الأسبوع الماضي أوضحت فيه أنها شهدت زيادة كبيرة في حجم التجارة الوافدة منذ بداية العام 2024، ما أدّى إلى زيادة بنسبة 8.8% في إجمالي الحاويات في كانون الثاني/يناير حتى نيسان/أبريل مقارنة بالعام السابق، وقالت هيئة الميناء إن فترة انتظار بعض السفن تتراوح بين يومين وثلاثة أيام.

على صعيد آخر، ألقت أزمة البحر الأحمر بظلالها على موانئ المنطقة، ففي الفترة الممتدة من 1 كانون الأول/ديسمبر 2023 إلى 31 آذار/مارس 2024، انكمش نشاط الموانئ بشكل حاد من حيث حجم التجارة، في تناقض صارخ مع النشاط الصاخب في العام السابق، ففي حين حقّقت حفنة من الموانئ مكاسب هامشية، شهدت الغالبية انخفاضات كبيرة في كل من الواردات والصادرات، حيث تحملت موانىء العقبة في الأردن، والمكلا وعدن في اليمن، وجدة، ورابغ، والملك فهد في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن السخنة في مصر، أسوأ مراحل الانكماش.

 في العادة، يحدث اختلال التوازن بين العرض والطلب في قطاع الشحن قبل شهر على الأقل من ذروة موسم الشحن بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر، وذلك عندما يقوم تجار التجزئة بتخزين الأرفف بمنتجات متعلقة بالعودة إلى المدارس وعطلات نهاية العام بما في ذلك عيد الميلاد، حيث يطلبون من مورديهم الآسيويين طلبات كبيرة.

لكن، بما أن السفن أصبحت تقضي وقتاً أطول وهي راسية وتقوم برحلات طويلة، فإن المورّدين قد يشعرون بأنهم مجبرون على تقديم طلبات الاستيراد مقدماً، الأمر الذي قد يقرّب من فترة اختلال العرض والطلب، مع طلب الموردين لأكثر من ما يحتاجون إليه. في الحقيقة، لم يصل مستوى الذعر إلى مستوى فترة كورونا بعد، لكن بعض المحلّلين يقولون إن مثل هذا الوضع يمكن أن يتغذّى من نفسه عندما تكون المخاطر الجيوسياسية والتهديدات منتشرة للغاية. 

تأخر في وصول الشاحنات

أيضاً، لرد القلق من انقطاع سلاسل التوريد والتأخر في الشحن، لا يزال يتم استخدام الشحن الجوي كبديل عن الشحن البحري في كثير من الحالات. بحسب ما تنقل بلومبرغ عن مدير تطوير المنتجات في شركة WorldACD، فإن معدلات الشحن الجوي من الخليج العربي وجنوب آسيا إلى أوروبا ارتفعت بنسبة 80% تقريباً في نيسان/أبريل بالمقارنة مع العام السابق، علماً أن متوسط ​​الزيادة العالمية بلغ نحو 3% في خلال الفترة نفسها.

يشير تحليل أجراه صندوق النقد الدولي مؤخراً إلى أن مضاعفة تكاليف الشحن تزيد التضخم في جميع أنحاء العالم، بنحو 0.7 نقطة مئوية في المتوسط، ويكون التأثير أكثر وضوحاً في البلدان الجزرية والبلدان المنخفضة الدخل.

ارتفاع كلفة الشحن هو النتيجة البيّنة للمورد والمستورد والمستهلك النهائي، لكنها ليست النتيجة الحصرية لأزمة البحر الأحمر، حيث يمكن المجادلة أن الأزمة تعيد ترتيب العلاقات التجارية بين الدول، يمكن ملاحظة ذلك في تجارة الغاز المسال بالذات. فاضطرار السفن إلى تغيير مسارها نحو أفريقيا لنقل الغاز المسال بين حوضي المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، ترك المشترون مع مجموعة محدودة من الموردين، ذلك كونهم غير مستعدين لدفع تكاليف الشحن الأعلى.

في الربع الأول من العام 2024، وصلت أحجام الغاز الطبيعي المسال القطري التي انتهت في آسيا إلى أعلى مستوى منذ العام 2017 على الأقل، في حين ضخّت روسيا المزيد من وقودها إلى أوروبا، وفقاً لبيانات تتبع السفن على بلومبرغ.