Preview tax the rich

وصفة عملية لفرض الضرائب على فاحشي الثراء

هل تساءلتَ يوماً عن السبب وراء اتساع الفجوة بين أثرى أثرياء العالم وغيرهم من الأشخاص؟ أصدر غابرييل زوكمان، أحد أفضل الاقتصاديين الشباب في العالم، تقريراً يتناول سبباً رئيساً واحداً: أن فاحشي الثراء يدفعون ضرائب تكاد لا تُذكَر.

لكن تكاد لا تُذكَر إلى أي حدّ؟ هذا الحدّ: على مدى العقود الأربعة الماضية، شَهِد «الأفراد من ذوي الثروات العالية جداً» في العالم زيادةً في ثرواتهم بمعدل 7.5% سنوياً بعد أخذ التضخُّم في الاعتبار. لكن كم دفع هؤلاء الأثرياء سنوياً من الضرائب؟ بحسب حسابات زوكمان، دفعوا معدل ضريبة فِعلي «يُعادل 0.3% من ثرواتهم».

taxing the rich scenarios

شارك محلّلون آخرون خلال الأعوام الأخيرة تنويعات على هذه القصة الأساسية نفسها. لكن لم تُتَح الفرصة لأيٍّ من هؤلاء المحلّلين لمشاركة هذه القصة على منصّة أكبر من زوكمان، المدير المؤسس لـ«مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي» وأستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا بيركلي.

أعدَّ زوكمان تقريره التاريخي الجديد بناءً على طلب صريح من البرازيل، الدولة التي تتولّى حالياً رئاسة «مجموعة العشرين»، التجمّع العالمي لأقوى الدول الاقتصادية في العالم. وتعتقد القيادة البرازيلية الحالية أن أثرى أثرياء العالم بعيدون كل البعد من دفع حصتهم الضريبية العادلة.

وفي وقتٍ سابق من هذا العام، دعا وزير المالية البرازيلي زوكمان إلى مخاطبة وزراء مالية «مجموعة العشرين» عن أفضل السّبل للبدء في عكس هذا الوضع. وفي شباط/فبراير الماضي، فعل زوكمان ذلك بالضبط، إذ قدّم حجّة مثيرة للإعجاب لفرض حد أدنى عالمي من الضريبة على المليارديرات. وطلبت البرازيل، بعد ذلك، من زوكمان إعداد تقرير عن هذه الفكرة لتقديمه إلى اجتماع وزراء مالية «مجموعة العشرين» المقبل في نهاية تموز/يوليو في مدينة ريو دي جانيرو.

قدم زوكمان هذا التقرير رسمياً، وتصدّرت دراسته بالفعل عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم.

يشير تقرير زوكمان إلى أن وجود حد أدنى عالمي للضريبة على المليارديرات من شأنه أن يُشجِّع الدول على فرض معدلات ضريبية أعلى على أغنى أغنياء عالمنا

لكن كيف يمكن لحدٍ أدنى عالمي من الضريبة على المليارديرات أن ينجح في حين لا تملك أي هيئة دولية سلطة فرض الضرائب على الأفراد؟ يشير زوكمان إلى أنه لا توجد أيضاً هيئة دولية لديها سلطة فرض ضرائب على الشركات متعدّدة الجنسيات. لكن العالم لديه الآن ما يعادل ضريبة بحد أدنى 15% على أرباح الشركات، والتي تطبقها أكثر من 130 دولة وإقليم بشكل مُنسّق.

ويؤكد زوكمان أن هذه المقاربة التعاونية نفسها يمكن أن تجلب للعالم حدَّاً أدنى فعّالاً من الضريبة على المليارديرات. ويقترح أن هذا الحد الأدنى من الضريبة سيُطبَّق عندما لا يدفع المليارديرات ضرائب سنوية تبلغ 2% من ثرواتهم الشخصية.

وفي عالم يبلغ فيه الحد الأدنى العالمي 2%، ستظل الدول المشاركة أيضاً حُرَّة تماماً في فرض ضرائب على أثرى أثريائها بمستويات أعلى بكثير من الحد الأدنى. في الواقع، يشير تقرير زوكمان إلى أن وجود حد أدنى عالمي للضريبة على المليارديرات من شأنه أن يُشجِّع الدول على فرض معدلات ضريبية أعلى على أغنى أغنياء عالمنا. في عالم الحد الأدنى من الضرائب، سيكون لدى المليارديرات فرصة - وحافز - أقل للانخراط في التهرب الضريبي.

ووفقاً لحسابات زوكمان، فإن حداً أدنى عالمي بنسبة 2% من الضريبة على المليارديرات سوف يستخرج ما يصل إلى 250 مليار دولار سنوياً من 3,000 فرد فقط في جميع أنحاء العالم. إن توسيع نطاق هذه الضريبة لتشمل أصحاب الملايين - ممّن لديهم موارد مالية استثمارية تصل إلى 100 مليون دولار على الأقل - من شأنه أن يضيف 140 مليار دولار أخرى سنوياً. وقد يؤدي رفع الحد الأدنى لمعدل الضريبة العالمية على المليارديرات إلى 3% إلى رفع الحصيلة السنوية إلى ما يصل إلى 688 مليار دولار.

إن ضخّ عائدات ضريبية جديدة على نطاق واسع على هذا المنوال من شأنه أن يُعزِّز بشكل كبير قدرة عالمنا على التصدّي للتحدّيات المستمرة المتمثلة في الفقر وتغيّر المناخ. ومن شأن هذه الإيرادات نفسها أن تُعزِّز بشكل كبير الصحة السياسية للديمقراطيات في عالمنا أيضاً.

ويؤكد تقرير زوكمان أن الضرائب التصاعدية تظل «ركيزة أساسية للمجتمعات الديمقراطية». فوجود أنظمة ضريبية تعترف بأن الأغنياء لديهم القدرة على دفع الضرائب بمعدلات أعلى من الأشخاص ذوي الموارد المحدودة «يعزّز التماسك الاجتماعي والثقة في الحكومات للعمل من أجل الصالح العام».

ضرائب الدخل لم تُحقِّق نجاحاً كبيراً في جمع إيرادات كبيرة من فاحشي الثراء، كما يقول زوكمان، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الأفراد ذوي الثروات العالية جدّاً يستمدّون دخلهم ليس من الأجور التي يكسبونها، ولكن من الثروة التي يمتلكونها

تهدف المجتمعات الحديثة عادةً إلى القيام بذلك من خلال ضرائب الدخل. لكن ضرائب الدخل لم تُحقِّق نجاحاً كبيراً في جمع إيرادات كبيرة من فاحشي الثراء، كما يقول زوكمان، ويرجع ذلك أساساً إلى أن «الأفراد ذوي الثروات العالية جدّاً يستمدّون دخلهم ليس من الأجور التي يكسبونها، ولكن من الثروة التي يمتلكونها - وبشكل أكثر دقة، في معظم الحالات من الشركات التي يمتلكونها».

يمكن لهؤلاء الأغنياء استخدام الشركات التي يسيطرون عليها للتهرّب من دفع ضرائب على دخولهم الشخصية. أحد الأمثلة على ذلك: كلما قلّت أرباح شركاتهم، كلما ارتفع سعر أسهمهم. ومن خلال عدم بيع أسهمهم الشخصية، يستطيع الأغنياء تجنّب ضرائب أرباح رأس المال. بعض أكبر الشركات المتداولة علناً في العالم - شركات عملاقة من «أمازون» و«تيسلا» إلى «ألفابت» و«ميتا» - تدفع أرباحاً رمزية فقط، إذا كانت تدفع أرباحاً على الإطلاق.

مكَّنت هذه الأنواع من مناورات التهرّب الضريبي أغنى 0.0001% من الأثرياء في عالمنا - طبقة المليارديرات - من مضاعفة ثرواتهم بأكثر من أربعة أضعاف، لأنهم لم يُسهِموا سوى بجزء ضئيل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ الثمانينيات من القرن الماضي. هذه الإضافة الهائلة لثروات أثرى الأثرياء أفلَتت في معظمها من الضرائب تماماً.

وفي ظل حد أدنى عالمي للضريبة بنسبة 2%، كما يطرح زوكمان، فإن هذه الصورة ستتغير. سيجد جميع المليارديرات أنفسهم يواجهون هذا الحد الأدنى من الضريبة إذا كانت «ضرائب الدخل الفردي، وضرائب الثروة، والرسوم المعادِلة اقتصادياً» التي يدفعونها تُجمِّع ما يصل إلى أقل من 2% من ثرواتهم الإجمالية.

هل يستطيع المليارديرات أن يتهرّبوا من دفع هذا الحد الأدنى من الضريبة العالمية؟ هل يمكنهم إخفاء أجزاء كبيرة من ثرواتهم الشخصية؟ هذا غير محتمل. فالقيمة السوقية لأصول كل ملياردير لن تحتاج إلى قدر كبير من التدقيق لتحديدها بالنظر إلى أن الجزء الأكبر من ثروة الملياردير يأتي من قيمة أسهم الشركات التي يحتفظ بها، وهي مسألة سجل عام.

ويضيف زوكمان أن معظم الدول طوَّرت أيضاً أساليب لتقييم المصادر الأخرى لثروة المليارديرات لأنها تفرض بالفعل ضرائب على الميراث أو العقارات.

مكَّنت مناورات التهرّب الضريبي أغنى 0.0001% من الأثرياء في عالمنا - طبقة المليارديرات - من مضاعفة ثرواتهم بأكثر من أربعة أضعاف، لأنهم لم يُسهِموا سوى بجزء ضئيل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ الثمانينيات من القرن الماضي

إن حداً أدنى للضريبة على المليارديرات سوف يسمح لكل دولة مشاركة بتحديد كيفية جعل المليارديرات يستوفون الحد الأدنى من الضرائب بنسبة 2%. يمكن للدول، على سبيل المثال، تعريف المكاسب الرأسمالية غير المحققة على أنها دخل، كما اقترحت إدارة بايدن، أو فرض ضريبة على الثروة. ويشير زوكمان إلى أن ضريبة بنسبة 2% على الثروة الشخصية للملياردير من شأنها أن تلبي «بحكم تعريفها» حداً أدنى من المعايير الضريبية الدولية بنسبة 2%.

ويمكن للدول أيضاً أن تفترض ببساطة أن الأفراد ذوي الثروات العالية جداً «يكسبون جزءاً معيّناً من ثرواتهم في الدخل» وتفرض ضريبة على هذا الدخل المفترض.

ويوضح زوكمان أن السماح للدول بالمرونة في كيفية فرض حد أدنى من الضرائب العالمية على المليارديرات سيتيح لكل دولة «اختيار الأداة التي تناسب ظروفها، وسياقها القانوني، وتقاليدها المالية، ونظامها الحالي للإبلاغ عن المعلومات». ومن المرجح أن تعمل هذه المقاربة المرنة على «تعظيم عدد البلدان التي يمكنها الانضمام إلى المعيار الضريبي المشترك».

يعترف تقرير زوكمان بأن العقبات الخطيرة التي تحول دون إخضاع أصحاب المليارات لحد أدنى عالمي من الضرائب موجودة بالتأكيد على المستويين التقني والسياسي.

ويشير إلى أن «مجموعة متنوّعة من العوامل السياسية والجيوسياسية قد تجعل من الصعب الحصول على مشاركة عالمية حقيقية في المعيار المشترك المقترح».

لكن الحد الأدنى الحالي من الضرائب المفروضة على الشركات متعددة الجنسيات، والذي يبلغ عمره الآن ثلاثة أعوام، يوضح بجلاء كيف يمكن للتعاون العالمي أن يتغلب حتى على أخطر العقبات. يسمح الحد الأدنى الجديد للضريبة على الشركات «للدول المشاركة بفرض ضرائب على الشركات غير الخاضعة للضريبة التابعة للدول غير المشاركة». ومن الممكن أن يتبنّى فرض حد أدنى عالمي مُنسّق للضريبة على المليارديرات المقاربة نفسها.

أكد وزيرا اقتصاد البرازيل وأسبانيا في وقت سابق من هذا الشهر أن اقتراح زوكمان بفرض حد أدنى من الضريبة العالمية على أثرى أثرياء العالم يكتسب بالفعل زخماً دولياً كبيراً. وفي مؤتمر صحافي في روما، وصف هذان الوزيران زيادة الضرائب على أغنى أغنياء العالم بأنها ضرورة مطلقة في عالم يواجه تحدّيات تتراوح بين الجوع وتغيّر المناخ إلى عبء الديون المروع الذي يواجه البلدان منخفضة الدخل حالياً.

يعترف تقرير زوكمان بأن العقبات الخطيرة التي تحول دون إخضاع أصحاب المليارات لحد أدنى عالمي من الضرائب موجودة بالتأكيد على المستويين التقني والسياسي

وقد أعلن الوزير البرازيلي، فرناندو حدّاد، أن فرض حد أدنى من الضرائب عالمية على أصحاب المليارات «سوف يؤثر على بضعة آلاف فقط من الأفراد في حين يستفيد منه المليارات». ومضى حدّاد في وصف فرض حد أدنى من الضريبة العالمية على المليارديرات بأنه «اقتراح معقول من حيث العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».

ومن جانبه، يبدو زوكمان متفائلاً بالقدر نفسه بشأن آفاق اقتراحه.

وكما أشار في تقريره الجديد التاريخي، «فإن أشكالاً جديدة من التعاون الدولي، والتي اعتُبرت لفترة طويلة طوباوية، من الممكن أن تظهر في فترة زمنية قصيرة نسبياً».

نُشِر هذا المقال في Counterpunch في 2 تموز/يوليو 2024، وترجم وأعيد نشره في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة.