معاينة stepping on assaad statue

13 عاماً من تدمير الاقتصاد السوري

سقط بشّار الأسد في سوريا تاركاً وراءه اقتصاداً مُفترساً ومجتمعاً مدمراً وجغرافية مُقسّمة، في حين استولت عائلته وحاشيته على ثروات شخصية طائلة ستكشف الأيام المقبلة حجمها، ذاق الشعب السوري الويلات في فترة حكمه وحكم والده، ودفع أثماناً باهظة لحرب مستمرّة منذ أكثر من 13 عاماً، تعتبر واحدة من اكثر الحروب دموية في العقود الثلاثة الماضية، وأفرزت تحوّلات سياسية وجغرافية وديموغرافية واقتصادية جارفة، فيما سمحت لقلّة قليلة بتحقيق مكاسب طائلة. 

استمرّ حكم عائلة الأسد 53 عاماً مُمتدّة بين عامي 1971 و2024. يقدّر عمر الفرد المتوقّع عند الولادة في سوريا، أي متوسّط العمر الذي يقدّر أن يعيشه بناءً على الظروف الصحية التي ولد فيها، بنحو 72.4 سنة بحسب منظّمة الصحة العالمية، ما يعني أن أي سوري أو سورية ولد في العام 1971، قضى ما يقرب من ثلاثة أرباع عمره المتوقّع في كنف هذا النظام، وإن لم يمت بالحرب أو تعذيباً في أقبية السجون، فإنه لا شكّ دفع الثمن مستقبله أو ما تبقى من عمره.

1. أكثر حرب دموية وأكبر أزمة نزوح في العقود الثلاثة الأخيرة

تعتبر الحرب السورية التي استمرّت 13 عاماً من أكثر الحروب دموية في العالم في العقود الثلاثة الأخيرة. يقدّر برنامج أوبسالا لرصد النزاعات وفاة ما لا يقل عن 410,000 شخص منذ العام 2011، علماً أن بعض التقديرات تتحدّث عن أكثر من 600,000 قتيل. تتجاوز وفيات الحرب السورية ما تسبّبت به الحرب الأفغانية (1989-2001 ومن ثمّ 2006-2021) من وفيات، كما تعتبر من أكثر الصراعات تصعيداً وطولاً في التاريخ الحديث.

النازحون الداخليون واللاجئون يساوون 57% من سكان سوريا

أدّت هذه الحرب الدموية إلى تقسيم سوريا وتفتيتها إلى مناطق نفوذ عدّة، تبدّلت مساحاتها طوال سنوات الصراع. بالإضافة إلى الجولان المُحتلّ من إسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي، تسيطر تركيا على مناطق في شمال سوريا وتدعم الفصائل المسلّحة فيها، كذلك تدعم الولايات المتحدة الفصائل الكردية المسلّحة التي تبسط سيطرتها في شمال شرق سوريا كما أنشأت قاعدة التنف العسكرية على الحدود الشرقية مع العراق، لتصبح القاعدة العسكرية الأجنبية الثانية الراسية في أرضٍ سورية بعد قاعدة حميميم الروسية في طرطوس. عشية سقوط الأسد كانت الأرض السورية مُقسّمة إلى ما لا يقل عن 8 مناطق نفوذ.

بالإضافة إلى تفتيت الجغرافيا السورية، شهدت البلاد أكبر أزمة نزوح في العالم في التاريخ الحديث. والواقع أن أكثر من 13 مليون سوري وسورية هم اليوم نازحون داخليون أو لاجئون في بلدان مجاورة وبلدان أخرى مضيفة. يشكّل النازحون واللاجئون السوريون نحو 57% من مجمل سكان سوريا عشية اندلاع الحرب.

شهدت سوريا تحوّلات ديموغرافية جذرية نتيجة العنف. تقلّص عدد الذكور ضمن الفئات العمرية الشابة (20-40 عاماً) إمّا بسبب الهجرة أو الموت بالحرب أو الاعتقال. وفي حين بقي نمو الشريحة العمرية الأصغر على حالها نتيجة معدّلات الولادة المرتفعة في سوريا، إلا أن حظوظ هذا الجيل لم تكن كالذي سبقه، وكما أنها لا تعوّض «رأس المال البشري» المفقود في سوريا. الكثير من أفراد هذا الجيل ولد نازحاً في بلده وفقيراً محروماً من أبسط الحقوق الأساسية وأهمها التعليم. قبل الحرب كانت التقديرات الديموغرافية تشير إلى أن عدد سكان سوريا قد يصل إلى 27 مليون نسمة بحلول العام 2022، والواقع أنه يبلغ حالياً نحو 23 مليون نسمة فقط، وهو ما يقرب من العدد نفسه قبل الحرب.

تؤثّر هذه التحوّلات الديموغرافية على شكل المجتمع السوري الذي بات أكثر فقراً وأقل تعليماً وأكثر تشتتاً، ما يؤثر بشكل حاسم على التصوّرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لإعادة إعمار البلاد.

2. اقتصاد مُفترس ومنهك

«ورث» بشار الأسد اقتصاداً متماسكاً ومتنوّعاً ومتكاملاً نوعاً ما، ولكنه أطيح من منصبه تاركاً اقتصاداً مُفتتاً ضعيفاً ومفترساً من جهات عدّة. يقدّر البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في العام 2021 بنحو 9 مليارات دولارات، وهو يساوي ما كان عليه حجم الاقتصاد في العام 1978 (9.3 مليارات دولار). ما يعني أنه مع نهاية نظام بشّار الأسد، عاد حجم الاقتصاد السوري إلى ما كان عليه قبل 46 عاماً. طبعاً، يعود ذلك إلى عوامل كثيرة، وأهمها العقوبات الأميركية والأوروبية والحرب الأهلية التي تضاف إلى السياسات المحلية. إذا ما نظرنا إلى النمو الاقتصادي المُحقّق منذ تولي عائلة الأسد الحكم في العام 1971 وصولاً إلى سقوطها، يتبيّن أن النمو التراكمي للاقتصاد السوري لم يتجاوز 38%، إذ ارتفع الناتج المحلّي من 6.5 مليار دولار في العام 1971 إلى 8.9 مليار دولار فقط، علماً أنه وصل إلى ذروة 67.5 مليار دولار في العام 2011 ليتدهور بسرعة من بعدها.

تفتت الموارد السورية علي جغرافية نفوذ مقسّمة

لطالما اعتبر الاقتصاد السوري اقتصاداً منوّعاً إلى حدّ ما، احتلّت مكانة وازنة فيه الزراعة والصناعة، بما فيها الصناعات الاستخراجية، والتجارة بالإضافة إلى الاتصالات والنقل ونشاط القطاع العام. مرّ الاقتصاد السوري بتحوّلات جذرية منذ نصف قرن. بعيد وصوله إلى الحكم في العام 1971، أطلق حافظ الأسد حركة تصحيحية داخل حزب البعث. ومن ضمن الإجراءات التي نفّذها، تقليص الصبغة الاشتراكية للدولة السورية التي أرساها الحزب منذ إنشائه وتوليه السلطة، وإعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص ولا سيما في الصناعة والتجارة والزراعة مع الحفاظ على دور الدولة المُهيمن في الاقتصاد، ولا سيما في الصناعات الاستخراجية. توسّعت هذه النزعة النيوليبرالية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي مع بدء التحوّل في النظام العالمي وإعادة تموضع سوريا ضمنه، وقد نتج عنها تغييرات اقتصادية واجتماعية كثيرة، بدءاً من محاولة تفكيك أنظمة الدعم التي تأثر بها المجتمع الزراعي الريفي السوري وهجمة الريع العقاري على الأراضي الزراعية. وعلى أثره بدأ النزف الديموغرافي من الأرياف نحو المدن بعد خسارة الكثير من المزارعين مصادر رزقهم وبحثهم عن مصادر بديلة، كما زادت الهجرة إلى الخارج. في العام 2000، تولّى بشار الأسد الحكم بعد وفاة والده، وتوسّع في السياسات النيوليبرالية التي تهدف إلى إحداث قطع مع نموذج التنمية الاقتصادية الذي تقوده الدولة والتوجّه إلى اقتصاد مدار من السوق. ساهمت هذه السياسات في تعميق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وزيادة اللامساواة والفقر وتركّز الثروة. ويعتبر كثير من المُحلّلين أن هذه السياسات كانت أحد محرّكات الثورة الشعبية لعام 2011، ولا تقل أهمّية عن المطلب الأساسي بالحرية وإنشاء حكم ديمقراطي.

بعد 13 عاماً من الحروب في سوريا، تنحّى الأسد من منصبه تاركاً سوريا مُدمّرة، والغالبية العظمى من الشعب السوري في فقر مُدقع، ومكوّنات الاقتصاد السوري مفترساً من أطراف عدّة. حالياً لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر على شمال شرق سوريا حيث تنتشر حقول النفط السورية وتشكّل 85% من مجمل إنتاج النفط السوري بحسب البنك الدولي. أدّى هذا التفتيت الجغرافي إلى تفتيت الاقتصاد السوري، وأحدث تغييراً جذرياً في خريطة إعادة توزيع الموارد داخل المجتمع السوري، وبالتالي حرمان الدولة السورية المركزية من مورد أساسي تعتمد عليه، ما ساهم بتراجع إيراداتها ونفقاتها، وتقويض أنظمة الدعم الاجتماعي والاقتصادي التي كانت لا تزال تتحكّم بها.

بالنتيجة تراجعت حصّة قطاع النفط من الناتج المحلي الإجمالي الرسمي للدولة السورية، من 160 مليار ليرة سورية في العام 2011 إلى أقل من 20 مليار ليرة سورية في العام 2020 بحسب إحصاءات المكتب المركزي للإحصاءات السوري. وبحسب البنك الدولي، تراجع إنتاج النفط من 383 آلاف برميل في اليوم في العام 2010 إلى 90 ألف برميل في العام 2023. وحالياً، معظم إنتاج النفط مسيطر عليه من «قسد» المدعومة من الولايات المتحدة، وبنيت عليه شبكات تهريب عديدة واقتصاد سياسي ومصالح جديدة، يشار إلى أن إنتاج النفط كان يعاني تراجعاً منذ ما قبل الحرب بسبب قدم البنية التحتية في حقول النفط، إذ حالت العقوبات الغربية دون تجديدها وصيانتها، فيما أجهزت الحرب الأهلية على ما جزء مما تبقى منه بسبب الضربات التي تعرّض لها من القوات التركية بهدف إضعاف الأكراد.

بالإضافة إلى خروج قطاع النفط عن سلطتها، فقدت الدولة السورية السيطرة على جزء كبير من الأراضي الزراعية الخصبة والأراضي المُخصّصة للرعي وتربية الحيوانات والمواشي. تنتشر هذه الأراضي بشكل رئيس في الشمال السوري التي تخضع لسيطرة قسد وهيئة تحرير الشام والفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا، حيث يزرع 80% من إنتاج سوريا من القطن والقمح بحسب البنك الدولي، وتمتدّ إلى الساحل السوري وعلى طول الحدود الغربية مع لبنان الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية وحيث تنتشر زراعة الزيتون والأشجار المثمرة.

لطالما شكّل قطاع الزراعة مورداً أساسياً لسكان الأرياف، الذين شكلوا نحو 45% من سكان سوريا قبل الحرب. اليوم سقط نظام الأسد مخلّفاً وراءه قطاعاً زراعياً ضعيفاً. لم يتضرّر القطاع الزراعي بسبب الحرب وتراجع اليد العاملة وترك المزارعين أراضيهم فقط، يعتبر غياب الدولة عن المناطق الزراعية المسيطر عليها من الفصائل المعارضة من العوامل الأساسية، وكذلك التغير المناخي والجفاف الذي يهدّد القطاع الزراعي منذ سنوات، فضلاً عن تفكيك النظام السوري للسياسات الاشتراكية التي اتبعها في البداية. وفي الحصيلة، تراجعت الأراضي المزروعة بنسبة 25% منذ بداية الحرب وحتى اليوم.

أيضاً، شهد القطاع الصناعي السوري تطوّرات كثيرة. بعد موجة التأميم في ستينيات القرن الماضي، طبّقت الدولة السورية سياسات استثمارية في الصناعة منذ بداية السبعينيات بهدف استبدال الواردات وتأمين اكتفاء ذاتي، وهو ما قلّل الاعتماد على الخارج وأمّن لسوريا سلعاً محلية رخيصة. وعلى الرغم من التطور الذي شهده القطاع، بقي يعاني من مشكلات بنيوية تتمثّل في ضعف السوق والاحتكار، وغياب الرقابة على الجودة والنوعية، وسطوة الصناعات الاستخراجية المدعومة من الدولة على باقي الصناعات. تخلى الكثير من الصناعيين عن أعمالهم وتوجهوا إلى التجارة منذ التسعينيات بعد موجة التحرير الاقتصادي، ومع تراجع إنتاج النفط في البلاد منذ بداية الألفية الثانية انخفضت حصة الصناعة من الناتج من 24% إلى 14% بين عامي 2000 و2010. أما الحرب فقد ساهمت في القضاء على جزء كبير مما تبقى من صناعة من غير تلك المرتبطة بالصناعات الاستخراجية. تعد حلب مركزاً صناعياً مهماً في سوريا، وتضم صناعات الأدوية والنسيج والملابس والكيميائيات والصناعات الغذائية، ولكنها تعرّضت لأكبر عدد من الاشتباكات العسكرية والقصف الجوي، فاضطرت المصانع إلى الإقفال وانتقل رأس المال الصناعي إلى الخارج ولا سيما تركيا ومصر والأردن أو إلى مناطق آمنة ولا سيما في الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس). وبحسب تقديرات البنك الدولي، دُمّر ما بين 67% إلى 81% من المناطق الصناعية في حلب، و54% من منطقة دير الزور الصناعية، كما تعرّضت مناطق صناعية أخرى لأضرار بنسب أقل، ولا سيما في تدمر وعين العرب وإدلب ودرعا والرقة ودوما وحماة.

لم تكن الصناعة التصديرية والتجارة بمنأى عن التدهور، الذي ساهمت فيه أيضاً العقوبات الغربية والأميركية المفروضة على سوريا منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، واشتدّت بعد اندلاع الحرب في العام 2011. استخدمت العقوبات كسلاح للتطويع السياسي، إلا أن تأثيراتها كانت أشدّ على الاقتصاد والمجتمع السوريين. في مسح أجراه البنك الدولي مع صناعيين ومصرفيين سوريين في العام 2017، أشار جميعهم إلى أن البنوك الخاصة لا تفتح اعتمادات لهم بالعملات الأجنبية بسبب العقوبات. وهذا ما ينطبق أيضاً على المصارف العامة التي تأثرت بشدّة أكبر.  بالنتيجة، أدّت الحرب والعقوبات والسياسات النيوليبرالية مجتمعة إلى تراجع التجارة منذ العام 2011. وبحسب البنك المركزي السوري، تراجعت الصادرات من 8.8 مليار دولار في العام 2010 إلى مليار دولار في العام 2023. كما تراجعت الواردات في الفترة نفسها من 17.5 مليار دولار إلى 3.2 مليار في العام 2023 بحسب البيانات الرسمية. حالياً، يعد العرب الشركاء التجاريون الرئيسيون لسوريا، بنسبة 60% من السلع المصدرة و20% من السلع المستوردة، بالمقارنة مع 21% و12% على التوالي بين عامي 2000 و2010.

3. بنية تحتية مدمّرة بالكامل

ترافق انهيار نظام الأسد مع دمار كبير في مجمل البنية التحتية والخدمات العامة للدولة السورية. أثرت الحرب التي استمرت طوال الأعوام الثلاثة عشرة الأخيرة من حكم الأسد على البنية التحتية المادية، ولا سيما في المدن الرئيسة، مثل حلب وحمص ودمشق، التي كانت ميدان صراع وحرب بين الجيش السوري والفصائل المعارضة. دمّرت الحرب بالكامل أو جزئياً الأنظمة الحضرية في مجمل المدن، بما فيها المساكن ومرافق الخدمات العامة مثل المياه والكهرباء والطرق والجسور والمدارس والمستشفيات، ما سهّل بدوره انهيار أو تراجع الأنشطة الاقتصادية في الكثير من المناطق.

32% من المخزون السكني مدمّر أو متضرّر

بلغ المخزون السكني قبل الحرب نحو 4,128.941 وحدة سكنية موزّعة على المحافظات السورية كافة (14 محافظة)، من ضمنها 2,881,392 وحدة في ثماني محافظات أجرى البنك الدولي دراسة عنها، وتبين أن 32% منها تضرّر أو دمّر بالكامل. لا يقتصر الدمار على المخزون السكاني، بل يطال أيضاً مرافق الخدمات العامة مثل المرافق الصحية ومنشآت الطاقة والمياه والمدارس، وكذلك الطرق التي أدّى تدمير جزء كبير منها إلى تقطيع أوصال البلاد والترابط الاقتصادي فيما بينها. 

قبل الحرب نمت شبكة الطرق في سوريا وكان 70% منها مُعبّداً، وقد فاق نموها الزيادة في عدد المركبات وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء السوري. تقع شبكة الطرق السريعة المتطورة في سوريا بشكل أساسي في النصف الغربي من البلاد، التي كانت عرضة لجولات طويلة من الاشتباكات والقصف. وأيضاً كانت شبكة الطرق الثانوية في حالة جيدة بشكل عام، قبل أن تتهالك بسبب نقص الاستثمار الناجم عن الحرب، واليوم هناك أجزاء كبيرة من الطرق غير قابلة للوصول بما يقيّد حركة الأشخاص والمركبات. أيضاً لحقت أضرار بالمطارات والسكك الحديدية والموانئ. قبل الصراع، تعاملت المطارات الدولية الثلاثة في سوريا، دمشق وحلب واللاذقية، مع متوسط ​​سنوي يبلغ 2.5 مليون مسافر على 13000 رحلة. وحالياً، يعتبر مطار دمشق المطار الوحيد الذي يشغل رحلات دولية، في المقابل يعتبر نظام السكك الحديدية السوري غير صالح للعمل بسبب الصراع.

بحسب البنك الدولي، تم تدمير نحو ثلثي محطات معالجة المياه في سوريا، ونصف محطات الضخّ، وثلث أبراج المياه، وربع محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وسدس الآبار. وحالياً، تعاني معظم المناطق السورية من نقص في المياه بسبب عمليات السحب العشوائية وغير المستدامة التي تشكل حالياً نحو 78% من مجمل عمليات سحب المياه ويتم توزيعها باستنسابية. أيضاً، تأثرت خدمات الطاقة نتيجة الضرر المادي الذي لحق بالبنية التحتية الأساسية، ولا سيما تدمير  محطة زيزون في إدلب ومحطة حلب ومحطة التيم في دير الزور. انخفض إنتاج الطاقة بنسبة 62% منذ بدء الحرب بسبب نقص الوقود والقيود الناجمة عن العقوبات والحرب على التشغيل والصيانة.

في القطاع الصحي، بين عامي 2005 و2010، ارتفعت نسبة أسرة المستشفيات من 1.4 إلى 1.5 لكل 1000 شخص، وهو ما يقل قليلاً عن متوسط ​​منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 1.6 سرير لكل 1000 شخص بحسب مؤشر التنمية العالمية. ووفقاً لوزارة الصحة، كان هناك 498 مستشفى في سوريا في العام 2010 موزّعة بتفاوت شديد بين المحافظات السورية. في العام 2018، كان هناك 6 من كل 10 مرافق صحية في عشر مدن رئيسة، قد تعرض لضرر بحسب البنك الدولي. فيما تأثر أكثر من نصف المرافق الصحية في المدن العشر الرئيسة في سوريا. في الحصيلة، دُمر 16% من جميع المرافق الصحية بالكامل وتضرّر 42% منها جزئياً.

4. مؤشرات اجتماعية قاتمة

في العام 2024، كان هناك 16,7 مليون شخص في سوريا، أي نحو 73% من مجمل السكّان بحاجة إلى مساعدات إنسانية طارئة بحسب يونيسف، ومن ضمنهم 7.5 مليون طفلاً. وحالياً 69% من سكان سوريا يعيشون بأقل من 3.65 دولار في اليوم بالمقارنة مع 16.25% في العام 2009.

يأتي ذلك، نتيجة تراجع إنفاق الدولة السورية من 23% من الناتج المحلي عندما كان يبلغ 67.5 مليار دولار في العام 2010، إلى نحو 3% من الناتج المحلي البالغ 8.9 مليار دولار في العام 2023، والذي يترافق مع تراجع سنوي في قيمة المساعدات الإنسانية التي يحصل عليها السوريين بسبب تراجع التمويل الدولي، في حين أن التحويلات التي تأتي من المهاجرين إلى أسرهم في سوريا لا تطال سوى 37% من مجمل الأسر السورية فقط ولا تكفي لسدّ حاجات الجميع أو انتشالهم من الفقر.

تعاملت الأسر السورية مع تأثير الصراع من خلال الاستفادة من أصولها الوحيدة وهي قوة عملها. وووفقاً لأحدث مسوحات برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية، يبلغ المستوى الحالي للبطالة نحو 10% بالمقارنة مع 9% قبل الحرب، ويعود ذلك إلى الانخراط الأكبر للنساء في سوق العمل لتعويض التراجع في اليد العاملة السورية بين الذكور، إذا ارتفعت مشاركتهن من 13% إلى 31%، وهو ما يعكس الاستغلال المضاعف للنساء والتدني الكبير في أجورهن وانخراطهن في أشكال عدّة من العمالة غير النظامية، بما يحول دون انتشالهن وأسرهن من الفقر. 

أيضاً من المؤشرات القاتمة للمستقبل هو الواقع التعليمي. حتى العام 2010، اقتربت سوريا من تحقيق هدف الألفية للتنمية المتعلّق بالتعليم، إذ بلغ معدل الالتحاق الصافي في التعليم الابتدائي 93%، وهو ما يعادل المتوسط ​​في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأعلى من المتوسط ​​في البلدان المتوسطة الدخل. وبلغ معدل الالتحاق الصافي في المدارس الثانوية 67% في العام نفسه، وهو ما يزيد عن متوسّط ​​منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 60%. اليوم، عدا عن تضرر ما لا يقل عن 33% منها، باتت المرافق التعليمية عبارة عن قواعد عسكرية أو ملاجئ غير رسمية للأفراد النازحين. تقدّر الأونيسكو أن هناك 2,6 مليون تلميذ خارج التعليم في العام 2024، أما الذين يحصلون على التعليم فغالباً ما يكون بجودة منخفضة بسبب هجرة الكثير من الأساتذة وتراجع الاستثمار في القطاع التعليمي. وهذا ما يعني فرصاً ضائعة لأجيال عدّة ولاقتصاد البلاد.