Preview تدمير المدارس في غزة

استهداف المدارس في غزّة: تدمير البشر والحجر

عندما يقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرات المدارس التي تأوي النازحين في قطاع غزّة، لا يقصد قتل أكبر عدد من الفلسطينيين فحسب، بل يحرص على قتل مستقبل الناجين منهم. 

حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2024، دمّرت دولة الاحتلال وألحقت أضراراً بنحو 80% من المدارس الموجودة في قطاع غزّة، بحسب تقييم أجرته مجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابعة للأمم المتحدة. مُعلّقة بذلك مستقبل نحو 625 ألف تلميذ من سكان القطاع، وكذلك مستقبل جيل سيولد بعدهم.

تدمير المدارس في غزة

80% من المباني المدرسية طالها القصف

يوجد في غزّة 563 مبنى مدرسياً، يضمّ نحو 813 مدرسة. أدّى القصف الإسرائيلي العشوائي والممنهج حتى نهاية كانون الثاني/يناير الماضي إلى تدمير 26 مبنى بالكامل، بحسب التقييم الذي نشره مكتب الأمم لتنسيق الشؤون الإنسانية، بالاستناد إلى الصور الملتقطة من الأقمار الاصطناعية. 

لكن عند مسح الأضرار كافة، يتبيّن أن 80% من المباني المدرسية قطاع غزّة (عددها 449 مبنى مدرسياً وتضمّ 656 مدرسة) دمّرت أو تعرّضت لضرر كبير أو متوسط أو خفيف بحسب تصنيفات المنظّمة. وفي جميع الأحوال باتت بحاجة إلى شكل من أشكال الترميم لإعادتها إلى الخدمة.

تعرّض 162 مبنى مدرسياً (تشكل 28.8% من مجمل المباني المدرسية، وتخدم 175 ألف تلميذ أي 28% من تلاميذ القطاع) لضربات هجومية مباشرة أحدثت دماراً في بنيتها، ودمّرت 26 مبنى بالكامل. 

إلى ذلك، تضرّر 151 مبنى يخدم 164 ألف تلميذاً أضراراً جسيمة نتيجة القصف على مقربة منه، ضمن مسافة لا تزيد عن 30 متراً. كما تعرّض 95 مبنى آخر لأضرار  متوسطة، و41 مبنى مدرسياً لأضرار طفيفة. في حين أن مصير 114 مبنى هو غير معروف، وفيما ترجّح المنظمة عدم تعرّض هذه المباني لضرر إلا أنها لا تؤكّد الأمر بسبب الصعوبات المتمثّلة بتقديم معلومات دقيقة عن أضرار طفيفة لا يمكن رصدها عبر صور الأقمار الاصطناعية. 

الدمار أينما كان

تُبيّن المعطيات أن شمال غزّة هي أكثر المحافظات تضرراً؛ ذلك أن جميع مبانيها المدرسية البالغ عددها 94 مبنى تعرّضت لضرر ما، علماً أن النسبة الأكبر منها، أي نحو 80%، تعرّضت لقصف مباشر أو لأضرار جسيمة. 

تليها محافظة غزّة التي لا يقلّ الضرر فيها عن ذلك الذي حلّ بمحافظة شمال غزّة. فقد تضرّر 206 مبنى مدرسياً من أصل 210 مباني موجودة فيها، علماً أنها 76% من هذه المباني تعرّضت لقصف مباشر أو لأضرار جسيمة. 

أما في دير البلح، فإن 73% من المباني المدرسية، أي ما مجموعه 51 مبنى تعرضّ لأحد أشكال الأضرار، علماً أن 33% من هذه المباني تعرّضت لقصف مباشر أو لأضرار جسيمة. وفي خان يونس، تعرّض 59% من المباني المدرسية لضررٍ ما، علماً أن 46% من المباني المدرسية في المحافظة تعرّض لاستهداف مباشر ولأضرار جسيمة. 

حتّى الآن، تكاد تكون المدارس في رفح الأقل تضرّراً، مع ذلك طالت الأضرار 38% من مبانيها الدراسية. لكن 30% من مجمل المباني الموجودة فيها والبالغ عددها 66 مبنى تعرّضت لاستهداف مباشر أو لضرر جسيم يجعلها خارج الخدمة.

رهن التعليم بالمساعدات الخارجية

نحو 55% من المباني المدرسية المتضرّرة هي مباني حكومية، تليها مباني الأونروا بنسبة 32%، ومن ثمّ المباني التي تضمّ مدارس خاصّة بنسبة 13%.

في الواقع، تعرّض 80% من المباني المدرسية الحكومية القائمة في غزّة لأحد أشكال الضرر، كما أن 61% من المباني الحكومية (أي 187 مبنى) تعرّضت إمّا لاستهداف مباشر أدّى إلى تدمير بنيتها التحتية أو بعضها من هذه البنى أو أصيبت بأضرار جسيمة نتيجة تأثرها بالقصف على مسافة لا تتجاوز 30 متراً منها. 

في المقابل، تعرّضت 77% من المباني المدرسية التابعة للأونروا لأحد أشكال الضرر، علماً أن 45% من هذه المباني (أي 84 مبنى) تعرّضت لاستهداف مباشر أو تضرّرت بشكل جسيم نتيجة القصف على مسافة لا تزيد عن 30 متراً منها. 

أيضاً تعرّض 85% من المباني المدرسية الخاصة والبالغ عددها 68 مبنى إلى أحد أشكال الضرر، و62% منها أي 42 مبنى تعرّضت لاستهداف مباشر أو أصيبت بأضرار جسيمة. 

لا شك أن الأضرار اللاحقة بنحو 80% من مدارس قطاع غزّة ينطوي على تأثيرات على المدى الطويل ويخدم الأهداف الإسرائيلية البعيدة المدى، إلا أن التركيز أيضاً على المباني الحكومية يجعل التعليم في غزّة ما بعد الحرب، كما كلّ أشكال الحياة الأخرى قبل الحرب، مرهوناً بالمساعدات أكثر وأكثر. وهي مساعدات يمكن قطعها في أي وقت للي ذراع الفلسطينيين، كما حصل مؤخّراً مع الأونروا، وكما يحصل دائماً. 

مسار إعادة الإعمار طويل

حتى الآن، تقول التقديرات الصادرة عن المنظّمة إن 55% من المدارس في غزّة ستحتاج إمّا لاعادة إعمار بالكامل أو إلى أعمال ضخمة لإعادة تأهيلها وتشغيلها مجدّداً. وفي ظل الظروف الراهنة التي تستبعد عملية الإعمار في وقت قريب، فضلاً عن مساعي تجميد أعمال وكالة الأونروا، تغدو مخاطر تجميد الحياة التعليمية في القطاع قابلة للتعاظم.

تكفي الإشارة إلى ما ورد في تقرير صادر حديثاً عن الأونكتاد، عن حاجة قطاع غزّة إلى 68 عاماً ليعود اقتصاده إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب، وذلك في حال توقّفت الحرب الآن، وضخّت كمّيات كبيرة من المساعدات، وعاد اقتصاد القطاع إلى معدّل نموه في فترة الحصار. ما يعني أن العودة إلى الظروف البائسة بالأساس سوف يستهلك جهد جيلين مقبلين على الأقل، وسيكون قطاع غزّة في هذه الفترة بالفعل مكاناً غير قابل للعيش، وهو ما تسعى إليه إسرائيل عبر خلق كلّ الظروف المتاحة للتطهير العرقي.