Preview تأجير المستشفيا

قانون «تأجير المستشفيات»: تسليع صحّة المصريين

قانون تأجير المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص، الذي وافق عليه أخيراً البرلمان المصري، على الرغم من اعتراضات قوى سياسية ونقابية وحقوقية، سيخلق المزيد من الصعوبات لفقراء المدن والريف في الحصول على حقوقهم بالرعاية الصحية. 

تفيد الأرقام الرسمية أن الحكومة المصرية لم تفشل في القضاء على الفقر فحسب، بل جعلت اكثرية الفقراء لا يخشون الموت بقدر ما يخشون المرض، إذ تتقلّص أعداد المنشآت الصحية الحكومية التي تتضمّن أسرّة للمرضى بشكل منتظم، مُفسحة الطريق للقطاع الخاص الذي أصبح يسيطر على ثلثي المستشفيات في مصر، ويفرض اسعارا في مقابل خدماته لا تقوى معظم الاسر على تحمّلها.

مخصّصات الصحة في الموازنة العامة بلغت 200 مليار جنيه في الموازنة الجديدة للعام المالي 2024/2025، وهو ما مثل تراجعاً في الإنفاق الحكومي على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 1.24% إلى 1.17%، وهو ما يقل عن نصف النسبة المُلزِمة دستورياً للإنفاق على الصحة

ويكرِّس القانون الحالي انسحاب الدولة، ليس فقط من تقديم الخدمة، ولكن أيضاً من الالتزام بنسب الإنفاق المحددة دستورياً لقطاع الصحة، اي نحو 3% من الناتج القومي الاجمالي. ووفق البيانات المنشورة عبر موقع وزارة المالية، تبلغ مخصّصات القطاع الصحي في مصر في خلال العام المالي الحالي نحو 147.8 مليار جنيه (3.09 مليار دولار)، تستحوذ أجور العاملين وتعويضاتهم على نصف هذه المخصصات.  علما ان مخصّصات الصحة في الموازنة العامة بلغت 200 مليار جنيه في الموازنة الجديدة للعام المالي 2024/2025، وهو ما مثل تراجعاً في الإنفاق الحكومي على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 1.24% إلى 1.17%، وهو ما يقل عن نصف النسبة المُلزِمة دستورياً للإنفاق على الصحة.

ماذا في القانون؟

القانون الذي أطلقت عليه الحكومة اسم «تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية»، يُعدّ بحسب خبراء خطوة جديدة في مسيرة خصخصة القطاع الصحي، التي بدأت بالتوسّع في الاقتراض، واستحواذ شركة «كابيتال» الإماراتية على منشآت طبّية عديدة، وتدني الأجور، وتدمير المستشفيات الحكومية، ورفع أسعار تحصيل الخدمة، إلى جانب تطفيش الكادر الطبي. 

ويجيز القانون، تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين الأجانب والمصريين لمدة تصل إلى 15 عاماً، من دون تقييد المستثمر بحد أقصى لأسعار الخدمات الصحية، والسماح له بالتخلّي عن 75% من العاملين بالمنشأة وجلب من 15% إلى 25% من الأطباء الأجانب، وكل ذلك بحجّة «تحسين جودة الخدمات الصحّية ورفع كفاءتها».

ويأتي ذلك بعد أقل من 3 أشهر على صدور القرار رقم 75 لسنة 2024 بشأن اللائحة التنظيمية للمنشآت الصحّية والمستشفيات الحكومية العامة التابعة لوحدات الإدارة المحلية، الذي رفع أسعار تحصيل الخدمات للمواطنين، من بينها قيمة كشف وعلاج المتردّدين على العيادات الخارجية الصباحية، وزيارة المرضى في أوقات الزيارة، وقلّص الحد الأدنى لنسب العلاج المجاني إلى 25% من عدد الأسرّة والأقسام الداخلية، ورفع أسعار الخدمات التي تقدّمها المنشآت الصحية والمستشفيات الحكومية العامة التابعة لوحدات الإدارة المحلية.

إجراءات تصب في خدمة خطة الحكومة المعلنة بتخفيض النفقات الاجتماعية تنفيذاً لتعليمات صندوق النقد الدولي التقشفية، وتؤكّد في الوقت نفسه عزم الحكومة على المضي إلى أبعد مدى في فتح سوق الصحة والدواء للمستثمرين من القطاع الخاص

الانغماس في «بيزنس» الصحّة

وهذه كلها إجراءات تصب في خدمة خطة الحكومة المعلنة بتخفيض النفقات الاجتماعية تنفيذاً لتعليمات صندوق النقد الدولي التقشفية، وتؤكّد في الوقت نفسه عزم الحكومة على المضي إلى أبعد مدى في فتح سوق الصحة والدواء للمستثمرين من القطاع الخاص. 

فبعد نحو عام من استحواذ صندوق مصر السيادي على نسبة 49% من صيدليات العزبي، يأتي الدور الآن لقيادة تحالف مع المستثمرين لإدارة المستشفيات وفقاً لنص وثيقة ملكية الدولة. 

تأسس صندوق مصر السيادي في العام 2018، بهدف المساهمة الإيجابية في التنمية الاقتصادية، عبر جذب ودعم الاستثمار المشترك بالأصول المملوكة للدولة، بما يحقّق الاستغلال الأمثل لها. 

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد دافع مراراً عن ضرورة المضي قدماً في تسريع عملية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في التعليم والصحة. وعلى الرغم من التقدم الحاصل في ملف الشراكة في مجال التعليم، فإن الأمر يبدو مختلفاً على صعيد الصحة.

تلك المفارقة، هي التي دفعت السيسي للتأكيد في مؤتمر اقتصادي عُقِد في نهاية العام 2022 على أنه «لم يتقدّم أحد من المستثمرين للشراكة مع الحكومة في المستشفيات المطروحة، على الرغم من أن الدولة ستدفع للمستثمر المبلغ نفسه الذي تنفقه على المستشفى، لتأخذ مقابله خدمات علاجية للمرضى، على أن يقوم المستثمر بالتطوير والحوكمة» مشيداً بقدرات القطاع الخاص في التطوير.

وكان ضمن توصيات المؤتمر الاقتصادي تسهيل إجراءات الشراكة مع الدولة في المستشفيات القائمة والجديدة، بإدارة القطاع الخاص للمنشآت الصحية بنظام حق الامتياز.

وبحسب وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار، يحتاج القطاع لتوفير 4 آلاف سرير سنوياً حتى العام 2030، ويحتاج نحو 60 مليار جنيه (2.5 مليار دولار) سنوياً لمواكبة معدلات الزيادة السنوية للسكان البالغة نحو 2.5 مليون نسمة، ما يمثل فرصة أمام القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال بتقدير الوزير.

هذا الاندفاع الرسمي نحو تسليع العلاج، على الرغم من ارتفاع أعداد المصريين الذين يعجزون عن زيارة الأطباء لضيق ذات اليد، دفع «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، للتذكير في بيان، بالحكم التاريخي، الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في 4 أيلول/سبتمبر من العام 2008 بناء على دعوى قضائية رفعتها «لجنة الدفاع عن الحق في الصحة» ضدّ إنشاء شركة قابضة للشؤون الصحية، ويقول الحكم نصاً: «الرعاية الصحية ليست مجالاً للاستثمار والمساومة والاحتكار.. والاتجاه للاقتصاد الحر لا ينبغي أن يسلب حق المواطن الرعاية الصحية عن طريق الدولة، ومن القواعد ألا تتخلى الدولة عن دورها في الخدمات الاجتماعية أو الصحية أو تعهد بها إلى وحدات اقتصادية، حتى ولو كانت تابعة لها لأنها تهدف إلى الربح».

وفي السياق نفسه، تقول النقابية السابقة الدكتورة منى مينا والمهتمة بملف الصحة، في تصريحات صحافية، إن الحكومة المصرية أعادت طروحات قديمة مشابهة، سبق رفضها نقابياً ووطنياً في العام 2008، كما أعادت «سيناريو خصخصة سوق الدواء المصري وهدم شركات الأدوية الوطنية». وتوقّعت أن يساهم القانون في الإضرار بالخدمة الصحية للمواطنين البسطاء والطواقم الطبية، «وهو ما يتنافى مع ثوابت الأمن القومي المصري».

التطبيق قبل التصديق

لم تدفع المعاناة الشديدة التي يواجهها الفقراء في المستشفيات الحكومية وبعض المستوصفات، نواب الأغلبية البرلمانية لحزب «مستقبل وطن» وباقي الأحزاب المعبّرة عن كبار رجال الأعمال إلى تبني موقف معارض لمشروع القانون. 

وضاعت أدراج الرياح كلمات نواب المعارضة الغاضبة الرافضة للقانون، ليتم تمرير القانون في 20 مايو/أيار الجاري. غير أن الحكومة المتعجّلة للتخلّص من مستشفياتها (مستشفيات الشعب)، لم تكن تنتظر موافقة البرلمان لتنفيذ القانون وفرضه كأمر واقع.

وفي الأول من مايو/أيار الجاري، أعلن وزير الصحة خالد عبد الغفار عن إتمام الشراكة مع القطاع الخاص، وحدد 5 مستشفيات «مبرة المعادي، هليوبوليس، العجوزة، الشيخ زايد، مستشفى أورام دار السلام هرمل»، من دون توضيح أي تفاصيل حول تفاصيل التعاقد أو الشراكة.

ويقول يحي كريم، لموقع «صفر» «كنت في زيارة للجرحى الفلسطينيين في مستشفى مبرة المعادي، جنوب القاهرة قبل أكثر من شهر، ففوجئت بممرضة تبلغني أن المستشفى يتم إخلاؤها بانتظار الإدارة الجديدة».

وتعد مستشفى مبرة المعادي المستشفى العامة الوحيدة في حي المعادي الذي يضم مئات الألوف من السكان أمام أكثر من 17 مستشفى ومستوصف خاص بالحي، وتشير البيانات الرسمية إلى أنه اعتباراً من مطلع هذا العام، فإن المستشفى الذي يعد «قلعة الطب بالمعادي» التابعة للمؤسسة العلاجية (وزارة الصحة) أصبح مطروحاً للقطاع الخاص كي يشغله ويديره بمقتضى القرارين الوزاريين 493 و476 لسنة 2023.

ويعود إنشاء «المبرة» لعام 1948 من تبرّعات وأموال المواطنين، وأصبحت تخدم مرضى المعادي والأحياء المجاورة بطاقة 112 سريراً و65 من أسرة الطوارئ والرعاية المركّزة، وبها 14 قسماً تعالج تخصّصات مختلفة، مع وحدة للأطفال المبتسرين وأخرى لغسيل الكلى. وهي كانت وما زالت تحتاج إلى جانبها من المستشفيات العامة مع عدد سكان زاد في عموم مصر 6 مرات من 18 مليوناً إلى 105 ملايين حالياً.  

والمدهش أن وزير الصحة زارها يوم 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي ولم يتحدث عن الخصخصة، بل أشاد بافتتاح قسم عمليات القلب المفتوح قبل أسابيع، مع الإعلان عن بيانات رسمية تقدر بإجمالي الجراحات التي تجرى بها سنوياً بمتوسط 11 ألف عملية.

والأكثر مدعاة للاندهاش، كما يقول الكاتب الصحافي، كارم يحيى، في عموده الأسبوعي «الغراب الأبيض» في موقع «المشهد» الإلكتروني، أن «يعيش المرضى نزلاء المستشفى ونحو 600 من العاملين بها على صفيح ساخن من قلق وتساؤلات من قبيل: هل سيطردوننا بعد أيام؟، وأين نذهب؟ ونحن نسأل معهم: لو هناك خصخصة وبيع، فهل يدخل في مخطّط مشروع الأبراج والفيلات والفنادق الترفيهي الاستثماري «نايل بيرل» الذي يحتل ويزحف على مناطق كانت صروحاً للصناعة والإنتاج أمام نيل المعادي وبالقرب منه؟ أم ما هي الحكاية ومن المستفيد؟ صارحونا، يقول يحيي «ولا تتركوا قتل مستشفى مبرة المعادي ودفنها هي الأخرى يمر في صمت».

ويكشف الدكتور أحمد حسين، النقابي السابق ومنسق حملة «مصيرنا واحد»،  في مداخلة له على برنامج بإحدى الفضائيات، عن حجم التلاعب، ويتساءل «إزاي الدكتور أحمد سعفان اللي هو رئيس قطاع الطب العلاجي بوزارة الصحة.. هو نفسه نائب رئيس الجمعية التي أجّرت مستشفى مبرة المعادي.. ومن حقنا أن نعرف ما هو الرقم الذي تم دفعه.. وهل ينفع ان يكون البائع والمشتري واحد.. وألا يعد هذا فساداً؟». ويضيف: «نريد أن يرد علينا وزير الصحة. ويكشف ملابسات ما جرى، وأن تكون هناك شفافية كاملة».

فيما تشير «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، (مركز حقوقي) في دراسة لها إلى أن «بعض سوابق مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مصر سيئة وغير ناجحة، ومن بينها: إسناد جمع القمامة في القاهرة والإسكندرية لشركات دولية، نتج عنها فقط تدهور هائل في الخدمة، التي كانت تتم بشكل أهلي، مع ارتفاع أسعارها إجبارياً وجمعها مع فاتورة الكهرباء».

وتضيف «لا يتضح من القانون وجود ضمانات لتسليم المرافق الصحية العامة بعد انقضاء أجل الإسناد، من حيث استمرارية تقديم الخدمة والكفاءة. فعلى سبيل المثال، يشترط النص الحالي تسليم أجهزة المستشفى كما هي للدولة عند انقضاء الاتفاق الذي قد يمتد لخمسة عشر عاماً، تخرج فيها تلك الأجهزة ذاتها عن العمل. كما تغيب أي اشتراطات لتطوير الخدمات الصحية واشتراط مواكبة التكنولوجيا المتغيرة، وتطوير العاملين وتدريبهم على سبيل المثال».

الأرباح قبل الإنسان

وتبرر الحكومة تأجير المستشفيات بنجاح القطاع الخاص في الإدارة، وزيادة الاستثمارات وهو ما يصب في صالح المرضى، وهو ما تدحضه ملايين الروايات لمرضى يعانون الأمرين من تسلط المستشفيات الخاصة، والتي ترفع عالياً شعار «الأرباح قبل صحة الانسان».

زميل صحافي وعضو نقابة الصحافيين، وله تأمين خاص يتبع النقابة، توجه إلى مستشفى خاصة بمنطقة السيدة زينب بالعاصمة القاهرة لإجراء منظار قولون، طالبته المستشفى كما يحكي بدفعة تحت الحساب، دفعها صاغراً، لكن المثير للأسى أن الطبيب اكتشف أثناء إجراء منظار وجود أورام لا بد من استئصالها، ولأن الفلوس لم تكن جاهزة للتو، قرر الطبيب تأجيل الاستئصال إلى وقت آخر.

ويقول (ك. س) في شكواه المقدّمة لنقابة الصحافيين «أطالب النقابة بالتحقيق على ضوء ما جرى لي عصر يوم الثلاثاء 14 أيار/مايو الجاري 2024، وأنا تحت تخدير كامل عند مركز الطاهرة بالسيدة زينب خلال عمل منظار قولون من مساومات مالية غير أخلاقية أو مهنية، وبالتالي إفاقتي من دون استئصال ما يجب استئصاله، مع تعريضي لمشاق ومخاطر تحضير المنظار القاسية مرة أخرى وفي فترة زمنية وجيزة. والله أعلم ماذا قد يترتب على الإبقاء على ما كان يتعين إزالته لمزيد من الوقت». 

ومستشفى الطاهرة ليست الوحيدة، بل هي مثال لعشرات المستشفيات الخاصة التي يعاني منها المرضى، ويقول (س ع): «كنت أجري جراحة في المعدة في مستشفى «سكوب مصر» بالدقي، واكتشف الطبيب ما يستوجب إزالته، فبلغني وأنا ما زالت لم أفق تماماً بضرورة دفع مبلغ 3 آلاف جنيه وإلا لن يجري العملية فانفعلت ورفعت يدي بالكانيولا قائلاً، «أنا لو في حرب وحضرتك في جيش الأعداء، وحضرتني للعملية كنت هتعمل العملية.. ولن تتركني أنزف».

المقاومة مستمرة

غير أن القوى المعارضة للقانون لم ترفع «الراية البيضاء»، على الرغم من حصارها في مقراتها، وتنوّعت ردود أفعالها، ما بين تنظيم حملات إلكترونية تحت عنوان «لا لتأجير المستشفيات الحكومية»، وجمع التوقيعات على عريضة شعبية، وإصدار البيانات المعارضة، والتوجه إلى القضاء، ورئاسة الجمهورية، كملاذ أخير.

نقابة الأطباء، أحد أبرز المعترضين على القانون، قررت مناشدة الرئيس السيسي، باستخدام صلاحياته الدستورية، بعدم التوقيع، على القانون، مطالبة بإعادة النظر فيه ضمن حوار مجتمعي بمشاركة جميع الأطراف المعنية والمجتمع المدني.

وتنص المادة 123 من الدستور على أنه: «لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يوماً من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتُبر قانوناً نافذا وأصدر، وإذا رد في الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه، أعتبر قانوناً وأصدر».

وقالت النقابة العامة للأطباء، في بيان أصدرته يوم 23 أيار/مايو، إن القانون الذي وافق عليه مجلس النواب «يهدّد سلامة وصحة المواطن المصري واستقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل أي ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين المصريين خصوصاً محدودي الدخل، ولالتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة، كما أن القانون لا توجد به أي قواعد لتحديد المستشفيات التي يتم طرحها للإيجار».

بينما أكد دكتور أحمد حسين النقابي السابق ومنسق حملة «مصيرنا واحد» لموقع «صفر»، «لن اقف مكتوف الأيدي أو يتملكني الإحباط من موافقة النواب على المشروع، سنستمر بتوعية المجتمع بمخاطر وكوارث هذا القانون، وسنستمر في حملات التوقيع لنوضح لرئيس الجمهورية أهمية هذه المستشفيات لاستقرار المجتمع، لعله لا يصدق على القانون».

وتابع «سنطعن على دستورية هذا القانون الذي تقدم في مجلس النواب 15 نيسان/أبريل وتم الموافقة عليه في 20 أيار/مايو، مقارنة بقانون حيوي للمسألة الطبية يتم مناقشته منذ 8 سنوات لمرات يعود بعدها لأدراج مكاتب مجلس النواب أو أن صانع القرار الأوحد لا يريد خروجه».

تشهد مصر خلال السنوات الثلاث الماضية أكبر هجرة جماعية للفرق الطبية في تاريخها الحديث، بعد أن ابتدعت الحكومة كادراً خاصاً جمَّد أجور الأطباء والفريق الطبي، بحيث أصبح القائمون بالعمل هم 35% والباقي في إجازات خاصة أو استقالات

يذكر أن نقابة الأطباء تطالب الحكومة ووزارة الصحة ومجلس النواب، وتضغط من أجل إقرار قانون المسؤولية الطبية وتغليظ عقوبة الاعتداء على الطاقم الطبي والمنشآت الطبية، لكن هناك تأخر شديد في صدورهما من دون مبرر واضح، حسب تصريحات للدكتور عبد الرحمن مصطفى، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء.

وشدد حسين على أن مرحلة تطبيق القانون «ستشهد صراعات عديدة بين الطاقم الطبي، (أطباء وتمريض وفنيين صحيين وعمّال وإداريين) وبين المستثمر، وتوقع أن تأخذ وزارة الصحة صف رجال الأعمال»، مشيراً الى «اننا لا نملك سوى أن نساعدهم قانوناً ضد وزارة الصحة والمستثمر والضغط على النقابات لأخذ موقف مساند لهم». 

ولا يرى منسق حملة «مصيرنا واحد» أن القانون سيكون عاملاً محفزاً لهجرة الأطباء المتنامية، مشيراً إلى أن الهجرة مستمرة وتتزايد لجميع العوامل والمؤثرات الموجودة والتي لم تتحسن، هذا القانون سيزيد من ترك الأطباء للعمل الحكومي بمعدّلات المستشفيات التي سيتم تأجيرها.. لكن الضرر الكارثي والأكبر سيقع على المواطن، فالمريض سيتلقى الخدمة بتسعيرة غير محدّدة للمستثمر، ومن طاقم طبي اختاره المستثمر بعيداً عن رقابة الدولة لمستواه التدريبي والعلمي ومصدر مؤهلاته التي قد أو بالأغلب ستكون من جامعات غير معتمدة ليوفر المستثمر أكبر قدر من أجور العاملين». 

وتشهد مصر خلال السنوات الثلاث الماضية أكبر هجرة جماعية للفرق الطبية في تاريخها الحديث، بعد أن ابتدعت الحكومة كادراً خاصاً جمَّد أجور الأطباء والفريق الطبي، بحيث أصبح القائمون بالعمل هم 35% والباقي في إجازات خاصة أو استقالات. 

ويدعو الهامي الميرغني القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي المعارض إلى ضرورة مواجهة السياسة الحالية لخصخصة الصحة، وكذلك مساعي الحكومة للتخلص من 700 ألف يعملون بها، لافتاً الى أن الرعاية الصحية حق أقرته كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، التي وقعت عليها مصر وأصبحت جزءاً من قوانين الدولة بحكم الدستور، وهي حق عام يمنح بشكل متساوي ومجاني لجميع المواطنين.

غير أن نجاح المقاومة مرهون بدخول عشرات الألوف من المضارين من القانون من محدودي الدخل ومن العاملين بالصحة إلى معترك المقاومة، وعندئذ ستكون هناك إمكانية حقيقية، لوضع العصا في عجلة «التوجه الحالي للدولة لتخفيض الإنفاق الحقيقي على الخدمات العامة وتسليعها وبيعها للأفراد، الذين لا تراهم الدولة حالياً كمواطنين أصحاب حقوق ودافعي ضرائب ومالكين لموارد البلاد؛ وإنما كمستهلكين للسلع والخدمات عليهم ليس فقط دفع تكلفتها، وإنما تحمل تكلفة ربحيتها، على الرغم من أن العبء الأساسي في تمويل ميزانية الدولة يقع على أصحاب الأجور والمستهلكين من خلال ضرائب القيمة المضافة»، حسبما تشير دراسة المبادرة.