Preview remapping science

العمل البصري يرتكز على صورة معدّلة من أرشيف المؤسسة العربية للصورة لمنطاد فوق القدس في العام 1936

باحثون يصفّون حسابهم مع الإرث الاستعماري
إعادة رسم خريطة العلوم

إن العلم، أي التقليد الغربي لاختبار الفرضيات وكتابة الأوراق البحثية، له جذور في عصر التنوير في أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. عندما ظهرت هذه الطريقة الجديدة لفهم العالم الطبيعي، كان الاستعمار راسخاً بالفعل، مع ممارسة حفنة من الدول في أوروبا الغربية السيطرة السياسية والاقتصادية على أراض وشعوب بعيدة. في نهاية المطاف، ادعت 8 دول فقط ملكيتها لأكثر من نصف الكرة الأرضية.

8 دول أوروبية استعمرت 68% من دول العالم في خلال الخمسمئة سنة الماضية

استعبد المستعمرون الملايين من البشر، وانتزعوا المعادن الثمينة والتوابل وغيرها من الثروات من المستعمرات. كما استخرجوا عيّنات تشكّل الأساس لكثير من اكتشافات علم الأحياء الحديث. وُلدت مجموعات التاريخ الطبيعي الغنية في لندن وباريس من رحم الإمبراطورية. ونشأت أفكار تشارلز داروين الثورية عن التطوّر من السفر على متن السفينة الملكية بيغل، وهي رحلة هدفت إلى مسح ساحل أميركا الجنوبية لتعزيز المصالح البريطانية.

غذّى المشروع العلمي المشروع الاستعماري، وتغذّى عليه في الوقت نفسه. على سبيل المثال، عزل العلماء الأوروبيون في القرن التاسع عشر مركّب الكينين المضاد للملاريا من لحاء شجرة الكينا، مستفيدين من ما يعرفه السكّان المحليون في بيرو عن خصائصه الطبية. ثم استخدم الأوروبيون الكينين لتعزيز صحة القوات الاستعمارية.

عالم استعماري

بدءاً من العام 1462، شرعت 8 دول من أوروبا الغربية - بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا - في استعمار قارات أخرى. هذا ما يوضحه تحليل لأربع مجموعات من البيانات. وبحلول العام 1700، احتلت القوى الأوروبية جزءاً كبيراً من الأميركتين. وبحلول العام 1900، نالت معظم دول الأميركيتين استقلالها، وركزت الدول الأوروبية جهودها الاستعمارية على أفريقيا وآسيا. يساهم إرث هذا الاستعمار في عدم المساواة العالمي في الكثير من جوانب المجتمع اليوم، بما في ذلك العلوم.

إعادة رسم خريطة العلوم

اليوم، لا تزال بصمات الاستعمار الملطخة ملتصقة بالمشاريع العلمية. اللغة المشتركة في مجال البحث العلمي هي اللغة الإنكليزية. ويعمل كبار العلماء - أولئك الذين لديهم أكبر عدد من الأوراق البحثية - بشكل غير متناسب في الدول المستعمِرة السابقة أو في عدد قليل من المستعمَرات السابقة بما في ذلك الولايات المتحدة. وعلى مدى عقود من الزمان، استفاد الباحثون من زيارة المستعمَرات السابقة لدراسة نباتاتها وحيواناتها، وأحياناً سكّانها، وغالباً بمشاركة ضئيلة من العلماء المحلّيين وبقليل من التقدير لعملهم أو ملكيتهم الفكرية.

لا يزال هذا «العلم المظلي» قائماً بيننا: ففي العام 2019، على سبيل المثال، وجدت دراسة أن أقل من نصف الأوراق البحثية عن الأمراض المعدية في أفريقيا كان مؤلفها الأول أفريقياً. والكثير من أوراق علم الحفريات في السنوات الأربع والثلاثين الماضية ليس لها مؤلفون على الإطلاق من الدول التي تم اكتشاف الحفريات فيهاتكتظ التسميات بأسماء من الماضي الاستعماري العنصري، وحتى الأسماء التي تم إدراكها مؤخراً تكرِّم بشكل غير متناسب أشخاصاً من الشمال العالمي.

هيمنة الشمال

يتركّز التأثير العلمي في الشمال العالمي بحسب الاستشهادات والمراجع الواردة في الأوراق البحثية، ومن ضمنها الكثير من الدول الاستعمارية السابقة. ويُعتبر الباحثون من أفضل العلماء إذا كانت الاستشهادات والمراجع الواردة في أبحاثهم تضعهم ضمن أفضل 100 ألف عالم بشكل عام أو ضمن أفضل 2% في مجال تخصّصهم، وفقاً لقاعدة البيانات العلمية العالمية SCOPUS. 

أين يعمل كبار العلماء؟ 10% في دول الجنوب العالمي، 1% في أميركا الجنوبية أو أفريقيا، 34% في أوروبا، و25% في 8 دول أوروبية غربية كانت مستعمِرة سابقاً

علم الحفريات المظلي

لا يزال العلم المظلي، الذي يعمل فيه العلماء الأجانب في دول أخرى من دون إشراك باحثين محليين - يزدهر في علم الحفريات، وفقاً لتحليل نحو 30 ألف حادثة أحفورية نُشرت في السنوات الـ 34 الماضية وأُدرجت في قاعدة بيانات علم الأحياء القديمة.

إعادة رسم خريطة العلوم

تسمية الطيور

من بين 385 طائراً وُصفت للمرّة الأولى بين عامي 1950 و2019، نحو 95% منها تعود أصولها إلى بلدان الجنوب العالمي. وقد أُطلق على الكثير منها أسماء علمية تكرِّم أشخاصاً، غالباً ما يكونون علماء، من الشمال العالمي.  في غالبية الأحيان، حدث ذلك عندما لم يكن المؤلف الأول للورقة البحثية التي تصف الأنواع من السكان المحليين.

لقد بدأ العلماء في مختلف أنحاء العالم يدركون ببطء هذا الإرث الاستعماري ويحاولون تصحيحه. وهم يعملون على إعادة العينات إلى أوطانها، وبناء شراكات عادلة، وتوسيع نطاق الوصول إلى أحدث التقنيات. ويتولّى الباحثون في الدول التي كانت مستعمَرة في السابق زمام الأمور، مستخدمين التمويل والمواهب المحلية لاستكشاف المسائل التي يهتمون بها. ويطالب العلماء الأصليون باحترام معارفهم التقليدية.

إعادة رسم خريطة العلوم

يتضمن هذا العدد القصّة الأولى من سلسلة مستمرة، كتب معظمها كتّاب تعود أصولهم إلى جنوب الكرة الأرضية، وتسلط الضوء على هذا العلم ما بعد الاستعماري. تأخذ مواجهة الإرث الاستعماري، الذي يُطلق عليه أحياناً إنهاء الاستعمار، أشكالاً كثيرة حول العالم، وسوف تستكشف السلسلة هذا التنوع. على سبيل المثال، يقدِّم جون كوهين، كاتب العلوم المقيم في الولايات المتحدة، والصحافي العلمي النيجيري عبد الله تساني، نبذة عن كريستيان هابي، العالم الكاميروني الذي بنى مركزاً عالمي المستوى لعلم الجينوم في نيجيريا لتتبع الأمراض المعدية. وسوف تستكشف القصص المستقبلية كيف يتخلّص العلم من ماضيه الاستعماري في الهند والبرازيل وأماكن أخرى.

كان الاستعمار قوة نشطة لمدة 500 عام، وتغيير محور النفوذ العلمي لن يحدث بين عشية وضحاها. سوف يتطلّب الأمر من العلماء في الشمال العالمي الالتزام بإنهاء الاستعمار في أعمالهم، ومن أولئك في الجنوب العالمي المطالبة بمكانتهم الصحيحة في البحث. نأمل أن تكون المشاريع الواردة في هذه السلسلة بمثابة مصدر إلهام مع استمرار هذه الجهود العالمية.

البيانات 

عالم استعماري: البيانات تشمل 195 دولة تم تتبعها في مجموعة بيانات تواريخ الاستعمار الخاصة بباستيان بيكر اعتباراً من أيلول/سبتمبر 2023. تم تعديل التغييرات في أسماء الدول حالة بحالة. تم استخدام استراتيجية التجميع القصوى لبيكر لتحديد العام الذي تأسست فيه كل مستعمرة.

الهيمنة الشمالية: يصنف المؤشّر المركب العلماء وفقاً لسجلات الاستشهادات التي استخدموها، باستثناء الاستشهادات بأعمالهم الشخصية، واستنادً إلى مجموعة بيانات SCOPUS بين عامي 1788 و2022، واعتباراً من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2023. استندت تصنيفات الجنوب والشمال العالميين لتصنيف الأمم المتحدة «النامي» أو «المتقدم»، واعتباراً من أيار/مايو 2022. تم استبعاد 891 من كبار العلماء من الحساب (أقل من 0.5% من جميع كبار العلماء)، لأن 885 عالم منهم لا يرتبطون ببلد معيّن وكان 6 منهم مرتبطين بدولة لم تعد موجودة.

علم الحفريات المظلي: تتضمن البيانات جميع الحفريات المدرجة في قاعدة بيانات علم الأحياء القديمة بين 1 كانون الثاني/يناير 1990 و30 حزيران/يونيو 2024، كما تم تسجيلها في 30 حزيران/يونيو 2024.

تسمية الطيور: جمع دوباي وآخرون قائمة بالطيور باستخدام مصادر تشمل دليل طيور العالم، وقائمة تصنيف الطيور، وأنواع الطيور الجديدة في العلوم: 50 عاماً من اكتشافات الطيور. تم ترميز أسماء المكرمين ومواقع المؤلفين يدوياً.

نُشِر هذا المقال في مجلة Science في 8 آب/أغسطس 2024، وترجم وأعيد نشره في موقع «صفر».