Preview pegasus

سلطات الاحتلال تصادر وثائق «بيغاسوس» الجرمية

استولت الحكومة الإسرائيلية على وثائق متعلّقة ببرنامج التجسّس المشهور «بيغاسوس». وأصدرت أمراً إلى شركة NSO مالكة البرنامج، كما إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية يحظّر عليها الإفشاء بأي معلومات تتعلّق بهذه العملية. وتتذرّع إسرائيل أن الوثائق المصادرة قد تكشف أسرار الدولة في حال الوصول إليها، وقد تؤثّر سلباً على الأمن القومي والعلاقات الخارجية لإسرائيل فيما لو اضطرت الشركة إلى تنفيذ طلبات محكمة أميركية بالاطلاع على وثائق تصنّفها السلطات الإسرائيلية أنها «حسّاسة».

تتهم «واتساب» شركة NSO باستخدام برنامج التجسّس «بيغاسوس» لاختراق هواتف 1,400 شخص

وبالفعل كشف تسريب أكثر من مليون رسالة بريد إلكتروني ووثائق وملفات أخرى نُشِرت على الإنترنت في نيسان/أبريل الماضي، بعد اختراق مجموعة قراصنة يطلقون على أنفسهم اسم «مجهولون من أجل العدالة» لبيانات وزارة العدل الإسرائيلية. وتولّى عملية التحقيق والاستقصاء بشأن هذه الوثائق اتحاد يضمّ وسائل إعلام دولية وإسرائيلية، تقوده منصّة «فوربدن ستوريز»، وتشارك فيه صحف ومنصّات معروفة مثل «الغارديان» البريطانية، و«دير شبيغل» الألمانية، و«راديو فرانس»، واستند هؤلاء في تحقيقاتهم إلى سجّلات المحاكم الأميركية وتحليل الأدلة الجنائية لبعض الملفات المسرّبة الذي أجراه مختبر الأمن التابع لمنظّمة العفو الدولية.

تأتي عملية الاستيلاء على وثائق شركة NSO بعد خمس سنوات من انطلاق دعوى قضائية رفعها تطبيق «واتساب» ضد الشركة الإسرائيلية في محكمة المقاطعة التاسعة في كاليفورنيا. وتتهم «واتساب» شركة NSO باستخدام برنامج التجسّس «بيغاسوس» لاختراق هواتف 1,400 شخص. وحظيت خطوة «واتساب» بدعم واسع النطاق، وانضمّ العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى إلى الدعوى القضائية مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» و«لينكد إن»، بالإضافة إلى أكاديميين ومنظّمات غير حكومية، من ضمنهم منظمة العفو الدولية، بصفتهم مستشارين غير أطراف في القضية. 

تُظهر عملية استيلاء إسرائيل على وثائق NSO، وحظر نشر أي معلومات عنها، العلاقة الوثيقة بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية وشركات تكنولوجيا المراقبة، ولا سيما أن تحليل منظّمة العفو الدولية للوثائق المسرّبة كشف أن معظم المخترقين عبر برنامج «بيغاسوس» كانوا موجودين في المنطقة الزمنية الإيرانية.

سلاح لا يوجد دفاع ضدّه

ما هو «بيغاسوس»؟ هو تطبيق تجسّس من الدرجة العسكرية بمجرّد تثبيته سرّاً على هاتفك الذكي، يمكنه تتبع مكان وجودك فوراً، وقراءة رسائلك الخاصّة، والاستماع إلى الأصوات حولك عبر المايكرفون، والتصوير بالكاميرا خاصّتك، وحتى الرسائل المشفرة لا تشكل عائقاً أمامه. هو من برامج التجسّس التي لا تتطلّب النقر «no-click spyware»، بمعنى أنه لا يشترط أي تفاعل من مستخدم الهاتف لاختراقه، أي لا يطلب منك الضغط على رابط مشبوه، أو الردّ على اتصال رقم غريب، أو الاتصال بشبكة واي فاي غير موثوقة. يقول خبراء من غوغل إنه «سلاح لا يوجد دفاع ضده».

كشفت التحقيقات التي أجرتها منظّمات غير حكومية ومنصّات إعلامية معروفة، أن هذا البرنامج الخارق استخدمته إسرائيل، كما حصلت عليه دول عديدة مثل السعودية وأذربيجان ورواندا

لا يمكن لأي طرف استخدام «بيغاسوس» إلّا بموافقة الحكومة الإسرائيلية، وتحديداً هيئة الرقابة على الصادرات التابعة لوزارة الحرب الإسرائيلية (DECA). وقد كشفت التحقيقات التي أجرتها منظّمات غير حكومية ومنصّات إعلامية معروفة، أن هذا البرنامج الخارق استخدمته إسرائيل، كما حصلت عليه دول عديدة مثل السعودية وأذربيجان ورواندا، وتمّ استخدامه بلا رحمة ضدّ الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين. 

على سبيل المثال، تم استخدام «بيغاسوس» للتجسّس على المقرّبين من الصحافي جمال خاشقجي قبل اغتياله وبعد اغتياله في القنصلية العامة السعودية في اسطنبول. كما استُخدم لمراقبة الناشطة السعودية في مجال حقوق النساء لجين الهذلول، ومؤسِّس منصّة «ميديا بارت» الاستقصائية الفرنسية إدوي بلينيل، ورئيسة تحرير «فاينانشال تايمز» رولا خلف. واستخدمت رواندا برنامج «بيغاسوس» لمراقبة المعارض بول روسيساباجينا، وكشفت الأدلة أن أرقام هواتف 14 رئيس دولة، ومن ضمنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الباكستاني عمران خان، والرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، بالإضافة إلى مئات المسؤولين الحكوميين، كانت تحت الرقابة. 

كذلك، تم استهداف الناشطين البحرينيين والعمانيين، واشترى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الحليف المقرّب لنتنياهو برنامج «بيغاسوس» للتجسّس على السياسيين المعارضين والصحافيين الناقدين، واستهدف برنامج «بيغاسوس» الحركة المؤيّدة للديموقراطية في تايلاند التي تضمّ ناشطين من أجل إصلاح النظام الملكي في البلاد، واشترت وكالة المخابرات المركزية الأميركية برنامج «بيغاسوس» لمساعدة جيبوتي في «مكافحة الإرهاب». وانكشف تورّط NSO في قضية الصحافي المكسيسكي فالديز كارديناس، المحقّق في قضايا الجريمة والفساد الذي كتب عن حرب المخدّرات الدموية، بعد اكتشاف محاولات اختراق هاتف زوجته بعد مقتله.

تاريخ أسود حافل بالقمع والاغتيالات

يعبِّر أنتوني لوينستاين، مؤلّف كتاب «المختبر الفلسطيني: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم»، عن مدى انتشار هذا البرنامج الخطير في العمليات التجسّسية والاغتيالات بقوله: «من الأفضل البدء بتحديد الدول التي لم تستخدم برنامج «بيغاسوس» بدلاً من الدول التي فعّلته. لقد أصبحت هذه الأداة منتشرة في كل مكان، وأصبحت السلاح السيبراني الأكثر شهرة في أوائل القرن الحادي والعشرين». ويُظهر تحقيق أجرته مجلّة «تايمز» على مدار عام كامل، وشمل عشرات المقابلات مع مسؤولين حكوميين وقادة وكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون وخبراء الأسلحة السيبرانية ومديري الأعمال ونشطاء الخصوصية في 12 دولة، كيف وظّفت إسرائيل قدرتها على الموافقة أو رفض الوصول إلى الأسلحة السيبرانية التابعة لشركة NSO ربطاً بعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول المستفيدة من البرنامج.

قوة الشركة لا تكمن في الأموال التي تجنيها، وإنما في الدبلوماسية التي تمارسها، فعندما تبيع إسرائيل صادرات المراقبة السيبرانية لبعض الدول الأفريقية، فهي تضمن أصواتهم في الأمم المتحدة

ينقل لوينستاين عن أميتاي زيف، وهو مراسل سابق لدى صحيفة «هآرتس» وقام ببعض الأعمال المهممة للكشف عن شركة NSO، أن قوة الشركة لا تكمن في الأموال التي تجنيها، وإنما في الدبلوماسية التي تمارسها، فعندما تبيع إسرائيل صادرات المراقبة السيبرانية لبعض الدول الأفريقية، فهي تضمن أصواتهم في الأمم المتحدة. وبما أن هناك احتلال، فنحن بحاجة إلى الأصوات.

في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أضافت الحكومة الأميركية مجموعة NSO مع 3 شركات أخرى إلى قائمة سوداء فدرالية تابعة لوزارة التجارة، من شأنها تقييد صادرات التكنولوجيا الأميركية إلى الشركة. استندت هذه الخطوة إلى «أدلة عن قيام هذه الكيانات بتطوير برامج تجسّس للحكومات الأجنبية، التي بدورها استخدمت هذه الأدوات لاستهداف مسؤولين حكوميين وصحافيين ورجال أعمال وناشطين وأكاديميين وموظّفي سفارات». علماً أن كثيراً من المراقبين يرون أن الهدف هو تحجيم قوة الشركة، التي ينظر إليها كمنافس لوكالة الأمن القومي الأميركي، أهم جهاز مخابرات في العالم.

يخبرنا لوينستاين أن شركة NSO أنفقت مئات الآلاف من الدولارات على جماعات الضغط وشركات المحاماة وشركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة لإخراج نفسها من القائمة السوداء. بل وصلت محاولات الشركة إلى المحاججة بضرورة رفع الحظر عنها لأهمية قدراتها وأدواتها بالنسبة إلى حربها على المقاومة في غزة، لذلك أرسلت مجموعة NSO، رسالة بريد إلكتروني عاجلة عبر UPS تطلب فيها الاجتماع مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد شهر من عملية «طوفان الأقصى».

استخدام «بيغاسوس» لغرض التجسّس على الفلسطينيين والمقاومة ليس بالأمر الجديد، بل هو أحد الأمثلة على سياسة «المختبر الفلسطيني»، بتعبير لوينستاين، إذ تسوّق إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال الحربية والأمنية بوصفها مجرّبة على الشعب الفلسطيني قبل تصديرها إلى العالم. في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أفادت منظمات حقوقية أن السلطات الإسرائيلية استخدمت برنامج «بيغاسوس» من أجل اختراق هواتف 6 ناشطين فلسطينيين، ونقلت «أسوشيتد برس» في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2021  نقلاً عن المستشار السياسي لوزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني فإن هواتف 3 دبلوماسيين فلسطينيين رفيعي المستوى تعرّضت للاختراق بواسطة برنامج «بيغاسوس»، ونقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤول فلسطيني أن 2 في الأقل من المسؤولين الذين تم اختراق هواتفهم كانوا ينشطون في حملة لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. بينما نقلت الصحف في العام 2022 أن المخابرات الإسرائيلية توصّلت إلى مخبأ أفراد في سعرين الأسود» في البلدة القديمة في مدينة نابلس بواسطة الوحدة 8,200 التي استخدمت بدورها برنامج «بيغاسوس» للتجسّس.