Preview داخل لوبي الأسلحة النووية

مناورات نهاية العالم؟
داخل لوبي الأسلحة النووية

أطلق «البنتاغون» خطّة ضخمة متعدّدة السنوات بكلفة 2 تريليون دولار لبناء جيل جديد من الصواريخ والقاذفات والغواصات المسلّحة نووياً. وسوف يذهب جزء كبير من هذا التمويل إلى شركات أسلحة نووية كبرى مثل «بيكتل» (Bechtel)، و«جنرال ديناميكس» (General Dynamics)، و«هانيويل» (Honeywell)، و«لوكهيد مارتن» (Lockheed Martin)، و«نورثروب غرومان» (Northrop Gruman). وسوف تبذل هذه الشركات قصارى جهدها للحفاظ على تدفُّق هذه الأموال.

في كانون الثاني/يناير الماضي، وجدت مراجعة لـ«برنامج سنتينل» للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بموجب «قانون نون-مكوردي» (Nunn-McCurdy) - وهو تشريع أصدره «الكونغرس» لكبح التجاوزات في تكاليف برامج الأسلحة - أن الصاروخ الواحد، جوهرة التاج في خطّة التحديث النووي التي تنطوي على 450 صومعة لتخزين الصواريخ منتشرة عبر 5 ولايات، تجاوزَ بالفعل ميزانيته الأصلية بنسبة 81%. وتشير التقديرات الآن إلى أن تكلفة تطويره وشرائه سوف تبلغ في المجمل نحو 141 مليار دولار، وهو رقم من المرجّح أن يرتفع في المستقبل.

كان لدى مراجعة «البنتاغون» خيار إلغاء «برنامج سنتينل» بسبب هذه الزيادة المذهلة في التكلفة. ولكن، بدلاً من ذلك، أصرّت على البرنامج، مُؤكِّدة أنه سيكون عنصراً أساسياً في أي ردع نووي في المستقبل حتى لو اضطرت إلى خفض تمويل برامج الدفاع الأخرى لإكماله. وفي تبريره القرار، صرّح نائب وزير الدفاع، ويليام لابلانت، قائلاً: «ندرك تماماً التكاليف، لكننا ندرك أيضاً المخاطر المترتبة على عدم تحديث قوّاتنا النووية وعدم معالجة التهديدات الحقيقية التي نواجهها».

والواقع أن التكلفة قضية مهمّة، لكن الخطر الأكبر الذي يهدّد بقيتنا يأتي من الاستمرار في بناء الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ونشرها، بدلاً من تأخير «برنامج سنتينل» أو تعليقه. وكما أشار وزير الدفاع السابق، ويليام بيري، فإن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «من أكثر الأسلحة خطورة في العالم» لأنها «قد تؤدي إلى إشعال حرب نووية عرضية». فإذا أُنذِرَ رئيس، بشكل دقيق أو غير دقيق، من هجوم نووي مُعادٍ، فلن يكون لديه سوى دقائق لاتخاذ قرار بشأن إطلاق هذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وتدمير الكوكب.

إذا أُنذِرَ رئيس، بشكل دقيق أو غير دقيق، من هجوم نووي مُعادٍ، فلن يكون لديه سوى دقائق لاتخاذ قرار بشأن إطلاق هذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وتدمير الكوكب

إن امتلاك أنظمة مماثلة، قد تؤدي إلى نهاية العالم، من شأنه أن يزيد من احتمالات اندلاع صراع نووي غير مقصود بسبب إنذار كاذب. وكما كتب نورمان سولومون والراحل دانييل إلسبيرغ ذات يوم: «إذا كان الحدّ من مخاطر الحرب النووية هدفاً، فإن الأولوية القصوى يجب أن تكون بتر الساق الأرضية للثالوث - وليس تحديثها».

وهذه ليست مسألة صغيرة. يُعتقَد أن تبادلاً لإطلاق الأسلحة النووية على نطاق واسع قد يؤدي إلى وفاة أكثر من 5 مليارات من البشر، بمجرد الأخذ في الاعتبار احتمال حدوث «شتاء نووي» وتدمير الزراعة في معظم أنحاء الكوكب، وفقاً لتحليل أجرته «منظمة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية».

وباختصار، إن الحاجة إلى الحدّ من المخاطر النووية ملحّة للغاية من خلال القضاء على هذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. إن «ساعة يوم القيامة» التي تصدرها «نشرة العلماء الذريين»، وهي تقدير لمدى اقتراب العالم في أي لحظة من الصراع النووي، مضبوطة الآن على 90 ثانية قبل منتصف الليل، وهي الأقرب منذ إنشاء هذا النظام التعقّبي للمرة الأولى في العام 1947. وفي حزيران/يونيو الماضي، وقَّع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، اتفاقية دفاع مُتبادل مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، وهي خطوة أولى مُحتملة من جانب موسكو لمساعدة بيونغ يانغ في توسيع ترسانتها النووية. ومن بين الدول التسع التي تمتلك الآن أسلحة نووية، فإنها ليست الدولة الوحيدة، بخلاف الولايات المتحدة، التي تمرّ بمرحلة توسّعية.

بالنظر إلى الموجة المتصاعدة من التصعيد النووي على مستوى العالم، فهل حان الوقت حقاً لهذه الدولة لاستثمار ثروة من أموال دافعي الضرائب في جيل جديد من الأسلحة المدمِّرة التي سوف تخسرها في حال لم تستخدمها؟ قال الجمهور الأميركي منذ فترة طويلة «لا»، وذلك فقاً لاستطلاع للرأي أجراه «برنامج المَشورة العام» بجامعة ماريلاند في العام 2020، والذي أظهر أن 61% منّا يؤيدون بالفعل التخلّص التدرّجي من أنظمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مثل «برنامج سنتينل».

إن خطة «البنتاغون» المضلَّلة للاحتفاظ بهذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في ترسانة الولايات المتحدة لعقود قادمة لا تتعزّز إلا بالسلطة السياسية لأعضاء «الكونغرس» والشركات التي تستفيد مالياً من التنامي الحالي.

من يُقرِّر؟ دور جماعات الضغط في مجال الصواريخ الباليستية العابرة للقارات

من بين الأمثلة البارزة على قوة جماعات الضغط في مجال الأسلحة النووية يأتي «ائتلاف الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في مجلس الشيوخ». تتألَّف هذه المجموعة من أعضاء في مجلس الشيوخ من 4 ولايات - مونتانا، وداكوتا الشمالية، ويوتا، ووايومنغ - تستضيف إمّا قواعد رئيسة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات أو أعمالاً مهمّة تتعلّق بـ«برنامج سنتينل». وربما لن تفاجأ عندما تعلم أن أعضاء هذا الائتلاف تلقوا أكثر من 3 ملايين دولار في هيئة تبرّعات من شركات شاركت في إنتاج «برنامج سنتينل» على مدى الدورات الانتخابية الأربع الماضية. لكنهم لم يكونوا وحدهم. فقد قدّمت شركات تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات مساهمات إلى 92 من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ، و413 من أصل 435 عضواً في مجلس النواب في العام 2024. وتلقى بعض هؤلاء مئات الآلاف من الدولارات.

وأولت جماعات الضغط النووية اهتماماً خاصاً بأعضاء لجان الخدمات المسلّحة في مجلسيْ النواب والشيوخ. على سبيل المثال، مايك تيرنر، وهو جمهوري من ولاية أوهايو، مناصر عنيد لـ«تحديث» الترسانة النووية. ففي محاضرة ألقاها في حزيران/يونيو 2024 في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، الذي تلقّى هو نفسه أكثر من مليون دولار من التمويل من منتجي الأسلحة النووية، دعا تيرنر إلى ترقية الترسانة النووية بشكل مُمَنهج لعقود مقبلة، بينما وبّخ زملاءه في «الكونغرس» الذين لم يأخذوا الموقف العدواني نفسه بشأن الموضوع.

 يُعتقَد أن تبادلاً لإطلاق الأسلحة النووية على نطاق واسع قد يؤدي إلى وفاة أكثر من 5 مليارات من البشر، بمجرد الأخذ في الاعتبار احتمال حدوث «شتاء نووي» وتدمير الزراعة في معظم أنحاء الكوكب

على الرغم من أن تيرنر يروِّج بقوة للحاجة إلى بناء ترسانة نووية مُكلفة، فإنه فشل في ذكر أنه - بتبرعات بلغت 305 آلاف دولار - كان رابع أعلى متلقٍ للتمويل من جماعة الضغط من أجل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات على مدار الانتخابات الأربعة الممتدّة بين عامي 2018 و2024. ومن ثمّ فلا عجب أنه يدفع باتجاه أسلحة نووية جديدة ويعارض بشدّة تمديد «المعاهدة الجديدة للحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية» (نيو سترات).

وفي مثال آخر على نفوذ المُتعاقدين، حصلت النائبة المخضرمة عن ولاية تكساس كاي غرينغر على أكبر إجمالي مساهمات من جماعات الضغط من أجل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات مقارنة بأي عضو آخر في مجلس النواب. وبمساهمات بلغت 675 ألف دولار من متعاقدي الصواريخ، دافعت غرينغر عن جماعات الضغط، وأضفت غطاءً نسوياً على «التحديث» النووي من خلال إلقاء خطاب عن تجربتها كامرأة في السياسة في «مؤتمر نورثروب غرومان للنساء». ونحن على يقين من أنك لن تفاجأ بأن غرينغر لديها سجّل حافل بالنجاحات عندما يتعلّق الأمر بمحاسبة «البنتاغون» وصنّاع الأسلحة على الهدر والاحتيال والإساءة في برامج الأسلحة. في الواقع، يمتلئ حسابها على «إكس» بالمشاركات التي تشيد بشركة «لوكهيد مارتن» وطائراتها المقاتلة من طراز «إف-35» باهظة الثمن وذات الأداء الضعيف.

وأبدى متلقّون آخرون لتمويلات متعاقدي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مثل عضو «الكونغرس» عن ولاية ألاباما مايك روجرز، أسفهم على قوة «مجتمع أقصى اليسار لنزع الأسلحة»، والتأثير غير المبرّر «للمتعصّبين المناهضين للأسلحة النووية» على سياستنا. لكن ما يغيب عن البيانات التي يعدها مكتبه والخطب التي يكتبها له موظّفوه هو أي ذكر للتمويل الذي تلقّاه حتى الآن من منتجي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والذي بلغ 471 ألف دولار. ولن تفاجأ، ونحن على يقين من ذلك، إذا اكتشفت أن روجرز تعهّد بالسعي إلى إدراج بند في «قانون تفويض الدفاع الوطني» القادم لدعم خطّة «البنتاغون» لمواصلة «برنامج سنتينل». 

أموال جماعات الضغط و«الباب الدوّار»

إن تدفّق التبرّعات من شركات تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يُعزِّزه الاستثمار المذهل لهذه الشركات في جماعات الضغط. ففي أي عام، توظِّف صناعة الأسلحة ما بين 800 و1,000 من أعضاء جماعات الضغط، أي أكثر من فرد واحد لكل عضو في «الكونغرس». ومعظم هؤلاء الذين يوظِّفهم متعاقدو تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يأتون من خلال «الباب الدوّار»، أي من وظائف في «البنتاغون» أو «الكونغرس» أو السلطة التنفيذية. وهذا يعني أنهم يأتون بالأدوات اللازمة للنجاح في واشنطن: فَهمٌ لدورة التخصيصات وعلاقات وثيقة مع صنّاع القرار في «الكابيتول هيل».

في خلال الدورات الانتخابية الأربع الأخيرة، أنفق متعاقدو تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ما يزيد على 226 مليون دولار على 275 من أعضاء جماعات الضغط ذوي الرواتب المرتفعة

في خلال الدورات الانتخابية الأربع الأخيرة، أنفق متعاقدو تصنيع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ما يزيد على 226 مليون دولار على 275 من أعضاء جماعات الضغط ذوي الرواتب المرتفعة. على سبيل المثال، حصل بود كرامر، وهو عضو ديمقراطي سابق في «الكونغرس» عن ولاية ألاباما وكان في السابق أيضاً عضواً في اللجنة الفرعية للدفاع التابعة «للجنة التخصيصات في مجلس النواب»، على 640 ألف دولار من الرسوم من شركة «نورثروب غرومان» على مدى 6 سنوات. وقد كان أيضاً أحد مؤسّسي مجموعة «ديمقراطيو الجنوب»، وهي فصيل محافظ مؤثّر داخل الحزب الديمقراطي. وربما لن تفاجأ عندما تعلم أن رئيس موظّفي كرامر السابق، جيفريز موراي، يمارس أيضاً الضغط لصالح «نورثروب غرومان».

في حين يعمل بعض أعضاء جماعات الضغط لصالح متعاقد واحد، فإن آخرين لديهم ولاءات مشتركة. على سبيل المثال، في خلال فترة عمله مع جماعات الضغط، تلقّى الرئيس السابق «للجنة المخصّصات في مجلس الشيوخ»، ترينت لوت، أكثر من 600 ألف دولار في مقابل جهوده لصالح «رايثيون» (Raytheon)، و«تيكسترون» (Textron)، و«يونايتد تكنولوجيز» (United Technologies)، قبل اندماج «يونايتد تكنولوجيز» و«رايثيون» لتشكيل «آر إكس تكنولوجيز» (RX Technologies). وبالمثل، تلقَّى عضو «الكونغرس» السابق عن ولاية فرجينيا جيم موران 640 ألف دولار من «نورثروب غرومان» و«جنرال ديناميكس».

لَعِب ورقة الوظائف

إن الحجة التي يسوِّقها «برنامج سنتينل» وغيره من برامج الأسلحة المشكوك فيها هي أنها تخلق فرص عمل جيّدة الأجر في ولايات ومناطق رئيسة. وقد لعبت «نورثروب غرومان» بورقة الوظائف بفعالية فيما يتصل بـ«برنامج سنتينل»، إذ زعمت أنه سيخلق 10 آلاف فرصة عمل في مرحلة تطويره وحدها، بما في ذلك نحو 2,250 فرصة عمل في ولاية يوتا، حيث يقع مركز البرنامج.

ولكن كبداية، فإن هذه الوظائف العشرة آلاف سوف تساعد جزءاً ضئيلاً للغاية من القوة العاملة الأميركية التي يبلغ تعدادها 167 مليون نسمة. وعلاوة على ذلك، تزعم «نورثروب غرومان» أن المرافق المرتبطة بالبرنامج سوف تُنشأ في 32 ولاية. إذا انتهى الأمر بـ 2,250 من هذه الوظائف في ولاية يوتا، فإن هذا يعني أن 7,750 وظيفة أخرى سوف تنتشر في 31 ولاية - بمعدل 250 وظيفة في كل ولاية، وهو خطأ تقريبي في الأساس مقارنة بإجمالي العمالة في غالبية المناطق.

ولم تقدّم «نورثروب غرومان» أي وثائق عن عدد الوظائف التي يُزعَم أن «برنامج سنتينل» سيخلقها. وقد قوبلت بالرفض محاولات الصحافية تايلور بارنز من «ريثينك ميديا» (ReThink Media) ​​للحصول على نسخة من الاتفاق - بين «نورثروب غرومان» وولاية يوتا - الذي يشير إلى عدد الوظائف المرتبطة بـ«برنامج سنتينل» التي تحتاج الشركة إلى خلقها للحصول على الدعم الكامل المقدّم لإنشاء منشأتها الأساسية في يوتا.

وأوحى بيان صادر عن مسؤول في ولاية يوتا يبرّر هذا الافتقار إلى الشفافية بأن «نورثروب غرومان» تعمل في «صناعة دفاعية تنافسية» وأن الكشف عن تفاصيل الاتفاق قد يلحق الضرر بالشركة بطريقة أو بأخرى. لكن أي ضرر مالي متواضع قد تتكبّده «نورثروب غرومان»، إذا كُشِفَ عن هذه التفاصيل، يتضاءل بالمقارنة بالمخاطر والتكاليف الهائلة لـ«برنامج سنتينل» نفسه.

إذا قرّر «الكونغرس» بدلاً من ذلك تخصيص هذه الأموال لمعالجة تغير المناخ، أو التعامل مع الأوبئة المرضية في المستقبل، أو الفقر، أو التشرّد فإن الاقتصاد الأميركي سوف يكتسب مئات الآلاف من الوظائف

وهناك عيبان رئيسان في حجة الوظائف فيما يتصل بالإنتاج المستقبلي للأسلحة النووية. أولاً، ينبغي أن يستند الإنفاق العسكري إلى اعتبارات أمنية، وليس إلى سياسات تستغل الإنفاق العام. ثانياً، وكما أثبتت هايدي بيلتييه من «مشروع تكاليف الحرب» فإن أي إنفاق آخر من الأموال المخصّصة حالياً لبرامج «البنتاغون» من شأنه أن يخلق ما بين 9% و250% من الوظائف أكثر ممّا يخلقه الإنفاق على الأسلحة. وإذا قرّر «الكونغرس» بدلاً من ذلك تخصيص هذه الأموال لمعالجة تغير المناخ، أو التعامل مع الأوبئة المرضية في المستقبل، أو الفقر، أو التشرّد - وهي كلها تهديدات خطيرة للسلامة العامة - فإن الاقتصاد الأميركي سوف يكتسب مئات الآلاف من الوظائف. إن اختيار تمويل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات بدلاً من ذلك يقتل الوظائف، ولا يخلقها.

النفوذ غير المبرر في العصر النووي

إن المدافعين عن إزالة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من الترسانة الأميركية يقدّمون حجّة قوية، لو تم الإصغاء إليهم! على سبيل المثال، قدّم النائب السابق جون تيرني من «مركز الحدّ من التسلّح ومنع الانتشار» هذا الاتهام الصريح للصواريخ الباليستية العابرة للقارات:

«إن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ليست زائدة عن الحاجة فحسب، بل عُرضة أيضاً لخطر الاستخدام العَرَضي بشكل كبير... إنها لا تجعلنا أكثر أماناً. وهي قَيِّمة فقط لمُتعاقدي الدفاع الذين يملأون جيوبهم الضخمة بتكاليف باهظة على حساب دافعي الضرائب. لا بد أن يتوقف هذا».

وفي مقابلة أجريت مع الراحل دانييل إلسبيرغ في شباط/فبراير 2018 لصالح «نشرة العلماء الذريين»، أشار إلى نقطة مماثلة: 

«لن يكون لديك هذه الترسانات، في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر، إذا لم يكن الأمر مُربحاً للغاية للمجمع الصناعي العسكري، وصناعة الطيران، وصناعة الإلكترونيات، ومختبرات تصميم الأسلحة لمواصلة تحديث هذه الأسلحة، وتحسين دقتها، وتحسين وقت إطلاقها، وكل ذلك. إن المجمع الصناعي العسكري الذي تحدّث عنه أيزنهاور له نفوذ قوي للغاية. وقد تحدّثنا عن هذا النفوذ غير المبرر الذي نعاني منه منذ أكثر من نصف قرن». 

بالنظر إلى الكيفية التي تعمل بها سياسات الإنفاق في «البنتاغون» عادةً، فإن تأثُّر سياسة الأسلحة النووية بشدّة بالأفراد والمنظّمات المستفيدة من سباق التسلّح المستمر لا ينبغي أن يكون مفاجئاً على الإطلاق. ومع ذلك، في حالة هذه الأسلحة، فإن المخاطر عالية جداً لدرجة أنه لا ينبغي تحديد القرارات الحاسمة على يد حفنة محدودة. إن نفوذ هذه الجماعات ذات المصالح الخاصة وشركات صناعة الأسلحة الكبرى على قضايا الحياة والموت ينبغي أن يُنظَر إليه باعتباره فضيحة أخلاقية، وربما يشكل خطراً أمنياً في نهاية المطاف.

ألم يحن الوقت أخيراً لكي تبدأ السلطة التنفيذية و«الكونغرس» في تقييم الحاجة إلى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات على أساس مزاياها، وليس على أساس جماعات الضغط المُعيّنة من المتعاقدين العسكريين، وتمويل شركات الأسلحة، والتفكير الاستراتيجي الذي عفا عليه الزمن بالفعل بحلول نهاية الخمسينيات من القرن الماضي؟ لكي يحدث هذا، يتعيّن على ممثلينا أن يسمعوا الأمر من ناخبيهم بصوت عال وواضح.

نُشِر هذا المقال في Tomdispatch في 7 آب/أغسطس 2024، وتُرجِم وأعيد نشره في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة.