Preview نفط العالم في خدمة الإبادة

نفط العالم في خدمة الإبادة

ما زال الطيران الحربي الإسرائيلي يُغير ويقصف، عشرات المرّات، يومياً، على مدى عام كامل. كيف استطاع سلاح الجوّ الإسرائيلي أن ينفّذ طلعاته فوق غزّة وفلسطين المحتلّة ولبنان بشكل متواصل لأكثر من 300 يوم على التوالي، من دون أي نقص في الوقود اللازم لتشغيل طائراته؟ كيف تُزوَّد إسرائيل بالنفط الكافي لإبقاء آليّاتها العسكرية على هذا المستوى من الأداء والجهوزية؟ مَن يحرص على إيصال الوقود الحربي إلى الموانئ الإسرائيلية من دون أي تأخير؟ وهل تنجح حملات الضغط الأخيرة على سلاسل إمداد الوقود الحربي في عرقلة مساره؟ 

مَن يتتبّع عمليات إمداد إسرائيل بالنفط الخام والنفط الحربي فقط منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى اليوم، يتأكّد من حقيقة أنّ العالم لا يقف مُتفرّجاً على إبادة أهل غزّة، بل يشارك فيها، ويدعم استمرارها بكل ما أوتي من قدرات وجبروت. 

مئات آلاف الأطنان من مختلف أنواع النفط والوقود الحربي تُرسل إلى دولة الاحتلال شهرياً من أنحاء العالم كافة منذ ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، من خلال شركات النفط الكبرى والشركات متعدّدة الجنسيات وعبر الأساطيل البحرية والموانئ الاستراتيجية. وازدادت وتيرة التوريد بعد عملية «طوفان الأقصى» مع بدء إسرائيل عملية الإبادة. تأهّبت قدرات العالم كلّه لتمكين الآليّات العسكرية الإسرائيلية، وخصوصاً الطائرات الحربية، من استكمال عمليات القتل والتدمير بأقصى درجاتها. 

إن إعاقة الحوثيين ومنعهم بالقوّة وصول السفن المتّجهة إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب، لم يمنع أساطيل أخرى آتية من الولايات المتّحدة وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من مواصلة إمداداتها للجيش الإسرائيلي عبر البحر الأبيض المتوسّط، حيث تتجنّد معظم الموانئ لتأمين مرورٍ آمنٍ لسفن الموت وتسهيل مهمّاتها.  

65 شحنة على الأقلّ مُحمّلة بمئات آلاف الأطنان من النفط الخام والوقود الحربي وصلت إلى المرافئ الإسرائيلية بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتموز/يوليو الماضي. أفرغت حمولتها، وعادت أدراجها بسلام، لتكرّر المسار نفسه مرّات عدّة ومن دون أي رادع، حتى هذه اللحظة. 

هذا بالضبط ما دفع بعض الناشطين إلى إطلاق حملات ضغط ميدانية وقانونية وبرلمانية ضدّ كلّ من يشارك في تزويد إسرائيل بالنفط الحربي، بدءاً من شركات النفط وصولاً إلى السفن التي تنقل الشحنات النفطية، مروراً بالموانئ التي تستقبلها.  

واشنطن وقود الإبادة 

تلتزم الولايات المتّحدة الأميركية منذ ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومن خلال عقودٍ تبرمها وزارة الدفاع سنوياً، بمدّ إسرائيل بالنفط الحربي اللازم لتشغيل آليّاتها العسكرية والحفاظ على «جهوزيتها الدفاعية»، عبر شحنات وقود ونفط أميركية تصل إلى الموانئ الإسرائيلية على مدار السنة. 

تقدّم «وكالة الدفاع اللوجستية» التابعة للبنتاغون جميع أنواع الدعم اللوجستي القتالي للجيش الأميركي والجيوش الحليفة، وتزوّد الجيش الإسرائيلي سنوياً بالآليّات ومعدّات الصيانة وبمئات آلاف الأطنان من مختلف أنواع الوقود الحربي، وتحديداً الوقود المُخصّص للطائرات الحربية المعروف بـ«جاي بي-8» (JP-8). 

تظهر البيانات الرسمية أن الولايات المتّحدة ورّدت لإسرائيل، على مدى السنوات الماضية وبوتيرة شبه ثابتة، كمّيات من الوقود المخصّص للطائرات (المدنية والحربية) بمعدّل 1,5 مليون برميل سنوياً. وتزداد هذه الكميات تلقائياً كلّما شنّت إسرائيل حروباً جديدة، إذ سجّل العام 2014 مثلاً مستوى قياسياً في توريد وقود الطائرات لإسرائيل بالتزامن مع العدوان على غزّة، الذي قتلت إسرائيل في خلاله أكثر من 2,000 فلسطيني وجرحت أكثر من 8,700 من أهل القطاع. في خلال هذا العدوان الذي استمرّ 50 يوماً شحنت «وكالة الدفاع اللوجستية» 26 ألف طن من الوقود الحربي للجيش الإسرائيلي، وصلت بعد أسبوع على بدء القصف، ومن ثمّ وصلت شحنة أخرى مماثلة بعد شهر فقط، ما مكّن الطيران الحربي الإسرائيلي من تنفيذ أكثر من 6,000 غارة جوّية في خلال أقلّ من شهرين. 

وبعد عملية «طوفان الأقصى» في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تباهت «وكالة الدفاع اللوجستية» الأميركية بنجاحها بتأمين 93,7 مليون دولار بعد شهرين فقط على بدء الحرب، لتوفير ما يلزم للجيش الإسرائيلي من وقود ومعدّات. كما أعلنت أن بعضاً من هذه المساعدات «من غير المُخطّط لها مُسبقاً».

كيف تضخّ الولايات المتّحدة النفط الحربي لإسرائيل على مدار السنة؟

بعد إبرام الحكومتين الأميركية والإسرائيلية عقود بيع وشراء النفط الحربي بأنواعه المختلفة سنوياً، تعطي وزارة الدفاع الأميركية إشارة انطلاق عملية الإمداد. يتكوّن الجزء الأكبر من النفط الحربي الأميركي المصدَّر لاسرائيل من نفط مُكرّر، تُضاف إليه بعض المواد ليُتسخدم خصيصاً كوقود للطائرات الحربية (F16 ،F35، وغيرها) وهذا الوقود يُسمّى JP-8.

مسار سلسلة الإمداد

تبدأ سلسلة الإمداد من شركة النفط «الأم»، وتدعى Valero Energy Corporation، وهي إحدى أبرز شركات النفط الأميركية التي يتعاقد معها البنتاغون وتمتلك 15 مصفاة تكرير في الولايات المتّحدة وكندا وبريطانيا. تنتج جميع معامل تكرير Valero الأربعة الموجودة في ولاية تكساس الوقود المُخصّص للطائرات الحربية JP-8، من بين أنواع نفطية أخرى. تنطلق شحنات الوقود الحربي من إحدى مصافي Valero في تكساس عبر مرفأ كوربوس كريستي إلى مرفأ عسقلان المحتلّة بمعدّل شحنة كلّ شهرين في خلال السنوات الأخيرة. 

تشير البيانات أنه في خلال العام 2023، وبطلبٍ من الحكومة الأميركية، زوّدت Valero إسرائيل بنحو 6 شحنات من النفط الحربي بمجموع بلغ مليوني برميل.

بعد تأمين كمّيات الوقود وتعبئتها، تقوم منظومة ناقلات نفط تابعة للحكومة الأميركية وتدعى «مجموعة النقل البحري الخارجي» (Overseas Shipholding Group) برعاية عملية نقل الوقود الحربي من تكساس إلى إسرائيل عبر سفن شحن تابعة لأسطولها، وتؤمّن المجموعة ما يلزم لإيصال حمولة تلك الناقلات بحراً بأمان وفي أسرع وقت ممكن.

رصدت تقارير استقصائية مختلفة، أنه في الفترة ما بين أواخر أيلول/سبتمبر 2023 حتى أوائل تموز/يوليو 2024، تمّ نقل أكثر من 6 شحنات نفط من مصفاة Valero، معظمها من نوع JP-8. انطلقت من مرفأ كوربوس كريستي في تكساس ووصلت إلى مرفأ عسقلان عبر الناقلات البحرية الأميركية. وتقدّر التقارير أن كلّ شحنة تحتوي على نحو 300 ألف برميل من الوقود الحربي، وهي كمّية تكفي لتنفيذ نحو 12 ألف طلعة جوّية لطائرة F16. 

«أوفرسيز سانتوريني» و«أوفرسيز ميكونوس» و«أوفرسيز صن كوست»، هي أسماء سفن النقل الخارجي التابعة لأسطول نقل النفط الأميركي، والتي تنقل الوقود إلى إسرائيل بشكل متكرّر منذ ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وحتى يومنا هذا. الحركة الملاحية لتلك السفن ونوعية حمولتها ووجهتها ومرافئ انطلاقها ورسوّها… كل تلك المعلومات مُسجّلة وموثّقة لدى الجهات التابعة لها وفي سجّلات الملاحة البحرية. لكن بعد تصاعد حرب الإبادة على غزّة وفي ظل التهديدات الأمنية للمرافئ الإسرائيلية، باتت هذه السفن تخفي عمداً تفاصيل وصولها إلى وجهتها الإسرائيلية. إذ تطفئ تلك الناقلات أجهزة التعقّب الخاصّة بها قبيل الوصول إلى السواحل الإسرائيلية، فتختفي عن أجهزة الرصد، ثم تعود لتظهر بعد تفريغ حمولتها ومغادرتها المياه الإقليمية الإسرائيلية. 

هذا ما قامت به ناقلتا «أوفرسيز سانتوريني» و«أوفرسيز صن كوست» في خلال رحلاتهما الموثّقة من تكساس إلى مرفأ عسقلان في تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2023، وفي آذار/مارس 2024، حيث لم يسجَّل أي رسوّ لهما في إسرائيل. وفي كلّ مرّة، كانت السفينتان تختفيان عن خريطة الملاحة قبالة الجزر اليونانية أو قبالة صقلية الإيطالية لتظهرا بعد أيام بالقرب من قبرص وهما خارجتان من حوض البحر الأبيض المتوسّط. وفي أحدث رصد لها، ظهرت سفينة «أوفرسيز سانتوريني» في أواخر تموز/يوليو الماضي آتية من ميناء كوربوس كريستي في تكساس ومتّجهة إلى ميناء عسقلان، وبعد عبورها مضيق جبل طارق أطفأت السفينة راداراتها واختفت عن أنظمة التعقّب الملاحية لمدة 5 أيام قبل أن تظهر مُجدّداً في طريق عودتها إلى الولايات المتّحدة. وتشير التقديرات أنها كانت مُحمّلة بحوالي 300 ألف برميل من الوقود الحربي. 

من جهتها، عملت بعض مراكز الرصد، من خلال صور الأقمار الاصطناعية على تتبّع حركة تلك السفن والتأكّد من قيامها بتفريغ حمولتها في المرفأ الإسرائيلي، وذلك من خلال قياس حمولتها قبل اختفائها عن الرادارات وبعد ظهورها، لتبيّن الصور بوضوح أن حمولتها خفّت بشكل ملحوظ عند خروجها من البحر الأبيض المتوسّط، أي أنها أتمّت مهمتها بتسليم إسرائيل النفط الحربي بنجاح، ومن دون أي داتا توثّق عمليتها! 

وتجدر الإشارة أن عدداً كبيراً من دول الاتحاد الأوروبي تزوّد إسرائيل بالمعدّات العسكرية وبالمواد الأولية اللازمة للإبقاء على جهوزية جيشها، ومن بينها النفط، لكن البيانات المنشورة لا تشير بدقّة إلى أنواع النفط المورّدة. وتبيّن بعض التقارير أن كلّاً من اليونان وجمهورية التشيك وهنغاريا أرسلت 4 شحنات على الأقلّ من مادة الكيروزين الخاصة بالطائرات (مدنية وحربية) منذ بدء الإبادة، وأرسلت رومانيا شحنتين وألمانيا شحنة واحدة على الأقلّ. روسيا، من جهتها، أرسلت 7 شحنات من النفط المُكرّر منذ كانون الأول/ديسمبر 2023، ومدّت اليونان إسرائيل بكمّيات من الديزل في خلال شهر حزيران/يونيو الماضي.

لا ملاذ للإبادة 

في خلال الرحلة الأخيرة لسفينة «أوفرسيز سانتوريني» باتجاه ميناء عسقلان المحتلّة في أواخر شهر تموز/يوليو الماضي، واجهت الناقلة بعض العراقيل في ميناء «ألغيسيراس» الإسباني وميناء جبل طارق، ما منعها من الرسو في تلك الموانئ قبل وصولها إلى محطتها الأخيرة في إسرائيل، كما كان مُخطّطاً ومُعتاداً. إذ نظّمت نقابات عمّال المرافئ الإسبانية تحرّكات احتجاجية ضاغطة رفضاً لرسوّ «أوفرسيز سانتوريني» في المرفأ الإسباني، وأعلن عمّال المرفأ المذكور «رفضهم استقبال السفينة وتقديم أي خدمات لها»، انضمّ بعض السياسيين إلى التحرّك وجابت المدينة تظاهرات حاشدة رفعت شعارات ترفض استقبال «سفن الموت». 

نجحت الاحتجاجات الإسبانية بإجبار «سانتوريني» على تغيير مسارها وعدم الرسوّ في ميناء «ألغيسيراس»، ما اضطرها إلى التوجّه إلى ميناء جبل طارق. وهناك أيضاً، نظّم الناشطون تحرّكات احتجاجية ورفع عدد من النوّاب البريطانيين رسالة إلى وزير الخارجية البريطاني والمسؤول عن مضيق جبل طارق يدعون فيها إلى الامتناع عن استقبال ناقلة النفط الحربي، الذي يسمح لإسرائيل باستكمال عمليّات قتل المدنيين، كما رأوا أن ذلك الأمر يُعدّ خرقاً للقوانين الدولية. 

لم ترسُ «أوفرسيز سانتوريني» في جبل طارق لكنها استكملت طريقها ووصلت إلى وجهتها الإسرائيلية بشكل طبيعي، إذ إن مرافئ اليونان وقبرص ومعظم دول حوض البحر الأبيض المتوسّط ما زالت تستقبل تلك الناقلات وتؤمّن لها الخدمات اللازمة حتى وصولها إلى وجهتها الإسرائيلية بنجاح. 

وتشهد كلّ من قبرص ومالطا وفرنسا في الفترة الأخيرة تحرّكات احتجاجية مُشابهة تقودها أحزاب يسارية ومجموعات عمّالية ونقابات.  

تأتي هذه التحرّكات بالتزامن مع حملة ضغط ذات بُعد أممي انطلقت في شهر تموز/يوليو الماضي تحت شعار «لا موانئ للإبادة» وتهدف إلى وقف تزويد إسرائيل بالنفط الحربي من خلال أشكال مختلفة من التحرّكات الميدانية والقانونية والبرلمانية. 

ميدانياً، تتوجّه الحملة إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسّط وتناشدها منع ناقلات النفط الحربي المتوجّهة إلى إسرائيل من المرور في مياهها الإقليمية أو الرسوّ في موانئها. كما تطالب الحملة بمنع انطلاق السفن المحمّلة بالنفط الحربي لإسرائيل وذلك من خلال حجز السفينة و/أو مصادرة حمولتها. لذا، تدعو حملة «لا موانئ للإبادة» النوّاب والنقابات العمّالية والناشطين المدنيين ووسائل الإعلام من مختلف أنحاء العالم، وخصوصاً في الدول المعنية مباشرة، إلى التحرّك تشريعياً وسياسياً وتنفيذ إضرابات وتحرّكات ميدانية لعرقلة وصول النفط الحربي إلى إسرائيل من خلال عدم تأمين أي ملاذ للسفن الناقلة له.  

تركّز بعض الحملات الدولية أيضاً على الضغط قانونياً والتهديد بملاحقة كلّ مَن شارك في عملية إمداد إسرائيل بالنفط الحربي بتهم مخالفة القوانين الدولية لجهة تقديم الدعم لمرتكب إبادة والمشاركة في جرائم حرب

ينطلق الناشطون القانونيون من قرار «محكمة العدل الدولية» الصادر في كانون الثاني/يناير الماضي، الذي أقرّ أن هناك «خطراً معقولاً» بأن إسرائيل ارتكبت مجزرة في غزّة، وطالب إسرائيل «باتخاذ الإجراءات كافة لمنع الإبادة الجماعية في غزة». لذا، يرى الناشطون القانونيون أن الاستمرار في المشاركة بتزويد إسرائيل بالنفط الحربي هو مخالفة واضحة للقوانين الدولية. ويدعون الدول المصدّرة للنفط الحربي وتلك المُسهّلة لمرور الناقلات والشركات المعنية إلى التوقّف عن إمداد دولة الاحتلال بالنفط الحربي وفرض حصار نفطي شامل عليها. 

علماً أن مواد القانون الدولي المتعلّقة بالإبادة تُلزم الدول باستخدام كل الوسائل المُتاحة لها لمنع حصول الإبادة أو استمرارها.

من بين الأسئلة الكثيرة التي تُطرح بشأن الملاحقات القضائية، يبرز سؤال عن مدى فعالية التهديد بالقوانين الدولية، خصوصاً أن الاحتلال الإسرائيلي يخالف تلك القوانين منذ نشأته، لا بل أن أصل وجوده هو مخالفة للقوانين والتشريعات الدولية. لم تمتثل إسرائيل تاريخياً لأي من القرارات الدولية الصادرة بحقّها لا بل تمعن بخرقها كل يوم وعلى مرأى من العالم كلّه، قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وبعده. لم يحدث أن مُنعت إسرائيل مرّة من الاستمرار بتوسّعها الاحتلالي وسياساتها الاستعمارية القهرية، ولم يلاحَق المسؤولون الإسرائيليون عن آلاف الجرائم التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين، ما يجعل السؤال عن فعالية المحكمة الدولية ونزاهتها وغيرها من أدوات المحاسبة مشروعاً وضرورياً وليس وليد الظروف الحالية.

كما تجدر الإشارة إلى أن المطالبة بوقف تزويد إسرائيل بالنفط الحربي يجب أن تترافق مع المطالبة بوقف توريد النفط الخام أيضاً، إذ إنه يشكّل المادة الأوّلية التي تستطيع المصافي الإسرائيلية تحويلها إلى نفط حربي أيضاً.

النفط الخام… يتدفّق

تعتمد إسرائيل بشكل أساسي على استيراد النفط الخام من الخارج وتكريره في محطتيْ أشدود وحيفا ليتوزّع على استخدامات مختلفة، ومن بينها الاستخدامات العسكرية. منذ بدء الإبادة الإسرائيلية في غزة لم تتوقّف الدول النفطية التي تورّد عادة لإسرائيل ولا الشركات العالمية من ضخّ النفط الخام لإسرائيل حتى اللحظة.

بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتموز/يوليو 2024، نقلت 46 شحنة أكثر من 4 ملايين طن من النفط الخام إلى الموانئ الإسرائيلية. ورّدت 7 دول النفط إلى دولة الاحتلال من دون توقّف منذ بدء الإبادة وهي: أذربيجان وكازاخستان (نحو 50% من إجمالي الواردات)، الغابون ونيجيريا والكونغو (نحو 37%) البرازيل (9%) وإيطاليا (1%)، كما سُجل وصول شحنتين مجهولتيْ المصدر شكّلت نحو 3% من مجموع الواردات النفطية الخام في الفترة المذكورة. 

من أين يتدفّق النفط إلى إسرائيل؟

وتدير شركات النفط العالمية العاملة في تلك الدول (بريتيش بيتروليوم، شيفرون، إني، إكسون، شل، توتال) عمليات إنتاج النفط وإدارة خطوط نقله إلى المرافئ. وأدّت تلك الشركات دوراً جوهرياً في إمداد إسرائيل بالكمّيات المذكورة، إذ تسيطر على جزء أساسي من المستخرجات النفطية في الدول المنتجة المذكورة. 

وتضمّ خريطة توريد النفط الخام إلى إسرائيل محطة هامّة في مسار الإمدادات تلك، وهي محطة جيهان التركية. إذ ينقل خط باكو- تبليسي- جيهان إحدى أكبر كمّيات النفط المورّدة لإسرائيل والآتية من أذربيجان عبر جورجيا، وصولاً إلى تركيا، حيث تحمّل وتنقل من ميناء جيهان إلى ميناء حيفا المحتلّة. وعلى الرغم من إعلان الرئيس التركي بداية شهر أيار/مايو الماضي قطع العلاقات التجارية مع اسرائيل إلا أن ميناء جيهان ما زال يستقبل الكمّيات اللازمة من النفط الخام وينقلها إلى إسرائيل لتعزيز قدرتها على إبادة الفلسطينيين من دون أن ينقصها شيء.

يوماً ما… 

في ظلّ إبادة مستمرّة لشعب محاصر أصلاً، تجهد حملات الضغط العالمية لتحقيق أي نجاح فعليّ رادع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبات أقصى طموح الناشطين قرار قضائي قد يصدر في المستقبل، ولن يلتزم به مرتكبو الإبادة. ما حقّقه اليمن وما قامت به كولومبيا مهمّ ومبشِّر، لكنه يبدو غير كافٍ لصدّ محور إمبريالي مُعسكَر، تقوده الولايات المتّحدة، ويقبض على اقتصادات الدول وأنظمتها ومرافقها الاستراتيجية، ويدعم بكلّ قدراته آلة قتل لم تتوقّف منذ أكثر من 70 عاماً. 

«إسرائيل تحكم العالم»، عبارة ردّدها فلسطينيون مع بدء عملية الإبادة، وأدركها أهل غزّة منذ الأسابيع الأولى، وهم يراقبون الدعم المُطلق الذي يقدّمه الغرب لإسرائيل بسبب دورها في خدمة مصالحه الإمبريالية في المنطقة. 

وبينما تؤكّد الأفعال والأرقام والخرائط ما يدركه الفلسطينيون جيّداً، يشير هذا الواقع أيضاً إلى حقيقةٍ بدائية تقول إنّ كسر هيمنة محور كهذا لن تتحقّق إلّا بجهود أممية تحرّرية عنيفة تكون الخطوة الأولى نحو القضاء على الاحتلال.