
لماذا ترتفع الأسعار في لبنان على الرغم من ثبات سعر صرف الليرة؟
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي منذ أكثر من 20 شهراً، جرى تثبيت سعر الصرف على 89,500 ليرة لبنانية للدولار الأميركي، إلا أن أسعار الاستهلاك، أو كلفة المعيشة، واصلت تحليقها من دون توقّف وبمعدلات لا يمكن تبريرها لا بتقلبات سعر الصرف ولا التضخم المستورد ولا تصحيح الأجور. فقد بلغ معدّل التضخم في العام 2024 نحو 45.2%، ويتوقع البنك الدولي أن يصل إلى 15.2% في العام 2025، ما يعني أن الأسعار الثابتة كما كانت في العام 2023 ستكون قد ارتفعت بنسبة تزيد عن 60% في العامين اللذين أعقبا تثبيت سعر الصرف.
صحيح أن معدّل التضخم انخفض من المستويات المرتفعة جداً في السنوات الأولى للأزمة الاقتصادية، والتي بلغت ذروتها (221%) في العام 2023، إلا أنّه لا يزال مرتفعاً. الأمر الذي يثير التساؤلات: لماذا ترتفع الأسعار بوتيرة مستمرة وعالية على الرغم من ثبات سعر الصرف وانخفاض الأجور الحقيقية؟
يحاول تقرير المرصد الاقتصادي للبنان (ربيع 2025) تعيين العوامل التي تؤثّر في ارتفاع أسعار السلع والخدمات في لبنان، بما يتجاوز تأثيرات تغيّر سعر صرف العملة والتضخّم العالمي في أسعار السلع وتكاليف إمدادات الطاقة، ويشير التقرير إلى «عوامل محلية» عدّة تؤدّي دوراً مهماً في رفع الأسعار. عوامل خاصة بالسوق اللبنانية، غير عرضية ولا تأتي من الخارج، وقد كان لها حضور دائم في دفع الأسعار للارتفاع، سواء قبل اندلاع الأزمة، أو في سنينها الأولى، أو حتى بعد تثبيت سعر الصرف مرة أخرى في خلال العامين الأخيرين.
مسار التضخّم
قبل الانهيار النقدي في العام 2019، عندما كان سعر الدولار الأميركي في لبنان ثابتاً عند 1,500 ليرة لبنانية، كان التضخم يتأثر بدرجة ملحوظة بالتضخم العالمي، ويشير البنك الدولي إلى أن كل ارتفاع بنسبة 1% في التضخم العالمي كان يساهم بارتفاع في معدل التضخم في لبنان بين 0.57% و0.63%، وهي نسبة أعلى مما هو مسجّل في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سواء التي تعتمد نظام صرف ثابت أو مرن. أحد أسباب ذلك اعتماد الاقتصاد اللبناني بشكل مفرط على الاستيراد.
يقول الاقتصادي اللبناني كمال حمدان لـ«صفر» إن ارتفاع أسعار السلع المستوردة على مدى سنوات طويلة كانت أعلى باستمرار من معدلات ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، أي أن التضخّم المحلي في أسعار السلع المستوردة يفوق التضخّم العالمي، ما يعني أن العوامل الداخلية المتعلقة بالسوق المحلية كانت تساهم برفع الأسعار بشكل مبالغ به حتى عندما تكون الحجّة ارتفاع الأسعار العالمية.
يقرّ البنك الدولي بهذه الحقيقة، إذ أن «صدمات التضخم العالمي، إلى جانب تكاليف الشحن وأسعار النفط، لم تكن تفسّر أكثر من ربع التقلّبات في معدلات التضخم في لبنان في السنوات السابقة للأزمة»، وفق تقديراته. لذا ينطلق تحليل خبراء البنك من الحقيقة التي استمر ليبراليو لبنان بإنكارها: «أن العوامل المحلية (…) هي من العوامل الرئيسية التي تدفع التضخم المحلي».
منذ العام 2019 حتى العام 2023، كان انهيار سعر صرف الليرة محرّكاً رئيساً من محرّكات موجة التضخّم المرتفعة في لبنان، وهذا متوقّع في الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، كما هو الحال في لبنان. إلا أن أسعار الاستهلاك، على الرغم من ارتفاعها بنسب مرتفعة جداً، بقي ارتفاعها أقل من نسب انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية. ويشير البنك الدولي إلى أن كل انخفاض في سعر الصرف بنسبة 10% قابله ارتفاع في معدل تضخّم أسعار السلع والخدمات بنحو 5.74%، ولكن هذه النسبة تفوق ما يُسجّل عادة في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة حول ارتباطات تقلبات سعر الصرف وأسعار الاستهلاك. وفي هذا السياق، يقدّر البنك الدولي أن نحو 26.6% من تقلبات معدل التضخم في لبنان بين عامي 2029 و2023 تبقى غير مفسّرة من خلال تغيرات سعر الصرف. ما يعني أنه حتى في خلال ذروة أزمة انهيار الليرة أدّت عوامل أخرى - منها العوامل الداخلية - دوراً في دفع الأسعار للارتفاع في السوق المحلية وتحميل السكان أكلافاً وخسائر إضافية كان يمكن حمايتهم منها.
مع ثبات سعر الصرف منذ نحو عامين، يقول البنك الدولي «إن التضخم في لبنان يُفترض أن يعود إلى التماشي بشكل أوثق مع التضخم العالمي». لكنه لا يتوقع أن يحدث ذلك، بل يقول ما حرفيته: «كما في فترة ما قبل الأزمة، من المرجح أن يبقى معدل التضخم في لبنان أعلى من المتوسط العالمي بسبب استمرار العوامل المحلية المؤثرة».
ما هي العوامل المحلية التي يتحدّث عنها البنك الدولي؟
تشمل العوامل المحلية للتضخّم في لبنان، كما يعدّدها خبراء البنك الدولي: «(1) ضعف المنافسة في سوق المنتجات وهياكل السوق الاحتكارية أو شبه الاحتكارية، و(2) التسعير المحلي المعتمد على زيادة الهوامش وغياب الرقابة التنظيمية على الأسعار المحلية، و(3) التحوّط».
طبعاً، يعتمد البنك الدولي مصطلحات تقنية تزعم الحياد لقول ما يلي إن «الأسعار ترتفع في لبنان أكثر بكثير مما يمكن تفسيره اقتصادياً، حتى وفق النظريات الاقتصادية السائدة والمهيمنة، ويعود ذلك إلى قوّة الشركات التجارية وقدرتها على زيادة هوامش الأرباح باستمرار بسبب الاحتكارات وغياب التنظيم والرقابة على الأسعار من قبل جهاز الدولة».
ضعف المنافسة والاحتكار
يتميّز الاقتصاد اللبناني بسيطرة عدد محدود من الشركات على عمليات الاستيراد والتوزيع والإنتاج في الأسواق، ما يتيح لهذه الشركات التنسيق فيما بينها لتحديد الأسعار بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، في ظل غياب منافسة حقيقية من أطراف أخرى قد تطرح أسعاراً أقل أو تؤثر على الطلب.
يعاني لبنان من غياب الدراسات المتعمقة حول واقع المنافسة في السوق، ويشير الاقتصادي كمال حمدان إلى أن آخر دراسة جادة في هذا المجال تعود إلى العام 2003، بعنوان «المنافسة في السوق اللبنانية». أعدّ هذه الدراسة الاقتصادي توفيق كسبار بالتعاون مع مؤسسة البحوث والاستشارات لصالح وزارة الاقتصاد، وشملت 288 سوقاً محلياً تضمّ نحو 7,402 مؤسسة.
خلُصت هذه الدراسة إلى أنّ ثلثي الأسواق اللبنانية تتّسم بطابع احتكاري واضح، وتستحوذ المؤسسات التي تمارس نوعاً من أنواع الاحتكار على أكثر من نصف المبيعات المحققة في لبنان عموماً. تبيّن أيضاً أنّ شركة واحدة تحتكر 95% من سوق استيراد الغاز المنزلي، فيما شركة واحدة تحتكر 45% من سوق المشروبات الغازية، كذلك تحتكر شركة واحدة 52% من سوق المياه المعدنية وتستحوذ 3 شركات على 82% من السوق!
على الرغم من ندرة أو قدم الدراسات المتعلقة بالاحتكارات في لبنان، إلا أن المؤشرات تفيد بأنها تعاظمت وزادت وطأتها على الاقتصاد ومداخيل السكان ومستوى معيشتهم. تشير تحقيقات صحافية منشورة إلى وجود احتكارات معروفة في السوق، مثل احتكار الشركات الخاصة لجميع مخزونات القمح المتاحة، إذ لم تعد الدولة تمتلك أي مخزون تحت تصرفها منذ تدمير الأهراءات في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، بالتالي، فإن «رغيف الفقراء» متروك في قبضة كارتيل يضمّ 12 مطحنة، في حين أن 5 أفران كبيرة تستحوذ على الحصص الأكبر من سوق الخبز. أيضاً، يستورد لبنان المواشي الحيّة عبر 17 شركة استيراد وفق وزارة الزراعة، إلا أن 4 تجّار كبار يستحوذون على الحصص الأكبر في سوق اللحوم في لبنان. الدواء كما الغذاء له كارتيله الخاص، فمن أصل 44 شركة منضوية في نقابة مستوردي الدواء تستحوذ 10 شركات منها على أكثر من 70% من السوق، هذا إن استثنينا 40 مؤسّسة غير منضوية في النقابة و40 أخرى متوقفة أو غير موجودة. إلى ذلك، تسيطر 5 شركات على أكثر من 75% من كمّيات البنزين المستوردة بين عامي 2021 و2022، أمّا في سوق المازوت، فقد استحوذت 3 شركات على أكثر من 55% من السوق.
لكن ما هو منشىء الاحتكار في لبنان؟ يُعتبر النظام السياسي اللبناني في بعض الأدبيات الأكاديمية تحالفاً لأوليغارشيات طائفية تعتمد قوّتها في توزيع الامتيازات والريوع على قواعدها الشعبية. ويشير الاقتصادي كمال حمدان إلى أن «الفضاء الرمادي وغير المضبوط بين المؤسسات الكبيرة والطبقة السياسية، والذي أتاح للسياسيين تقديم خدمات زبائنية لتعزيز نفوذهم وولاءات مناصريهم، شكّل عاملاً رئيساً في فشل الأسواق التي كانت تُطرح نظريًا كحل أو منقذ اقتصادي».
في الواقع، كانت الجمهورية اللبنانية تلقّب بجمهورية التجّار منذ زمن بعيد. وبالفعل أدّت طبقة التجّار دوراً مهيمناً في صياغة الاقتصاد السياسي للبنان وحظيت بامتيازات كثيرة وكبيرة، سواء عبر الإنفاق العام والمشتريات العامّة أو تخفيض الضرائب أو الامتناع عن فرض هوامش محددة للأرباح أو تحرير الأسعار تحريراً تاماً من أي تدخّل من جهاز الدولة. ويحتاج الاقتصاد اللبناني ليتطوّر إلى سياسة تحدّ من ارتفاع الأسعار وتمنع انخفاض الأجور الحقيقية وتوجيه الرساميل والقوى العاملة نحو الإنتاج لتلبية الطلب المحلي والابتكار للمشاركة في السوق العالمية.
تعتقد أطياف مختلفة من الاقتصاديين والحقوقيين والنقابيين والناشطين في المجتمع المدني أن تغيير هذا الواقع ممكن، من خلال انتزاع قوانين إصلاحية تساهم في القضم التدريجي لبعض المصالح التجارية المهيمنة على الاقتصاد اللبناني. ولذلك، جرى الترحيب بصدور قانون المنافسة في العام 2022، الذي يرمي إلى إلغاء الحماية القانونية للوكالات التجارية الحصرية. ولكنه في الواقع يفتح ثغرات كثيرة تسمح لأصحاب هذه الوكالات بالاحتفاظ بمواقع قوّة في مواجهة المنافسين الجدد. والواقع أن قانون المنافسة صدر بعد مسار تشريعي طويل شابه التعتيم والمساومات خلف الأبواب المغلقة، ما أفضى إلى تفريغه من مضمونه وتحريف غايته الأساسية في الحد من الاحتكار. وبدل أن يشكّل أداة لضبط الهيمنة الاقتصادية، أتى بصيغة تكرّسها وتمنحها غطاءً قانونياً. لذلك، لا ينبغي الافتراض أن قانون المنافسة - إن تم تطبيقه بحذافيره - سيقضي كلياً على جميع أشكال الاحتكار في السوق، بل من المرجّح أن يُنتج واقعاً معقداً وإشكالياً بشكل مستمر. إذ تميل الأسواق الحرة إلى التحوّل نحو الهياكل الاحتكارية أو شبه الاحتكارية، لأن السوق يكافىء في النهاية الشركات التي تتمتع بالقوة، بينما تفشل الشركات الأخرى وتخرج من السوق، وتعاد هذه العملية بشكل متكرر حتى تحكم شركة أو تحالف القبضة على السوق. الأسواق الحرة ليست الجواب الصحيح على الأسئلة الخاصّة بالاحتكار والهيمنة وإنما الدولة وإعادة تعريف أدوارها ووظائفها في الاقتصاد والمجتمع.
هوامش الأرباح وغياب الرقابة على الأسعار
تشهد السوق اللبنانية ارتفاعاً كبيراً في معدلات هامش الربح، أي نسبة ربح الشركة مقارنة بكلفة الإنتاج أو الاستيراد. لا تتوفر دراسات شاملة تحدد بدقة مستويات هوامش الأرباح في لبنان كما يشير الاقتصادي كمال حمدان، فضلاً عن مقارنتها بالمعدلات العالمية.
طبعاً، يستثنى من ذلك بعض التحقيقات المحدودة، فعلى سبيل المثال، أشار رئيس «الدولية للمعلومات» جواد عدرا في العام 2019 إلى أن أرباح كارتيل القمح وأصحاب الأفران تتراوح بين 20% و100%، في حين لا يتجاوز هامش الربح في هذا القطاع على المستوى العالمي نسبة 5%.
مع ذلك، يمكن تتبّع هامش الربح غير المبرّر من خلال مقارنة تطوّر مؤشر الأسعار بتطوّر سعر صرف الدولار منذ سبعينيات القرن العشرين. يشير الاقتصادي كمال حمدان في مقابلة سابقة مع «مجلة صفر»، أن الفترة الممتدة بين عامي 1977 و1997 (باستثناء عامين في منتصف الثمانينيات)، شهدت ارتفاعاً سنوياً في مؤشر الأسعار تجاوز دائماً نسبة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة. وبعد تثبيت سعر الصرف في العام 1997، واصل مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعه بشكل تراكمي، ليبلغ 121% في العام 2012. يعكس هذا الاختلاف بين المسارين أرباحاً رأسمالية كبيرة كانت تُحقّق خلف الكواليس.
ويشير حمدان للمفكرة أنه في ذروة الأزمة الاقتصادية 2019، عمد التجار إلى استغلال التسعير بالدولار لزيادة هوامش أرباحهم غير المشروعة، عبر رفع أسعار السلع بالاستناد إلى سعر السوق السوداء، على الرغم من أن جزءاً كبيراً من كلفة الإنتاج غير مرتبط فعلياً بسعر الدولار. وتشمل هذه التكاليف غير المدولرة كلفة اليد العاملة، الضرائب، الرسوم، اشتراكات الضمان الاجتماعي، الإيجارات، إضافة إلى جزء من كلفة الكهرباء والمياه والاستهلاك. وتشير التقديرات إلى أن هذه العناصر مجتمعة، إلى جانب نفقات أخرى غير مدولرة، قد تُشكّل حوالي 50% من الكلفة الإجمالية.
يحدث ارتفاع الأسعار في ظل ضعف واضح في الرقابة التي تمارسها الدولة، ويُشير حمدان إلى أن نظام الرقابة في لبنان لا يزال بدائياً، «وكأننا لا نزال نعيش في عهد الرقابة العثمانية». ويوضح أن هناك خللاً كبيراً في المنهجيات الإحصائية، إلى جانب النقص الحاد في الكوادر البشرية المؤهلة. وفي ظل هذا الواقع، لا يمكن الاعتماد على الرقابة بشكل فعّال.
المضاربة والتحوّط
تعاني السوق في لبنان من أنشطة المضاربة والتحوّط. المضاربة هي شراء شيء ما على أمل أن ترتفع قيمته في خلال فترة زمنية قصيرة. مثلاً، قد تشتري أرضا في مكان ما لأنك تعلم أن مركزاً تجارياً جديداً سينشأ هناك أو أن الدولة ستشق طريقاً… الخ. أما التحوّط فهو وسيلة لتقليل مخاطر الاستثمار، مثلاً إذا كان المستثمر يحتفظ بأصول نقدية أو سندات أو أسهم ولديه معلومات أو توقعات باحتمال انخفاض أسعارها قد يتخلى عنها ويلجأ إلى شراء الذهب فيرفع أسعاره، أو قد يشتري العقارات فيرفع أسعارها… الخ.
تشترك كل من المضاربة والتحوّط في كونهما لا تُستخدمان لأغراض الاستهلاك الشخصي مباشرة، أي أن المستثمر لا يشتري الذهب لارتداءه كحلية أو المنزل للسكن فيه ولا حتى لاستخدام الذهب والعقار في الإنتاج، بل لحماية ثروته والمحافظة على قيمتها.
تُعدّ المضاربة والتحوّط في سوق العقارات أهم مثال على هذه الأنشطة في لبنان، وهي نشاطات أدت الى زيادة الطلب على العقارات وبالتالي ارتفاع أسعارها، ونتج عن ذلك زيادة أسعار الإيجارات وشراء المنازل، ما ساهم في ارتفاع سعر سلة الاستهلاك، سواء لأن الايجار بند أساسي فيها، أو لأن أي شركة تحتسب الإيجار كجزء من إجمالي كلفة الإنتاج في النهاية.
منذ بداية الأزمة المالية في لبنان، برزت العقارات كأداة تحوّط من خسائر الودائع المصرفية. تشير البيانات الى ارتفاع عدد معاملات العقارات بنسبة 55.81% في العام 2020، وبنسبة 36.10% في العام 2021.
وهو اتجاه نراه اليوم كذلك، فوفقاً للمديرية العامة للسجل العقاري والمساحة، بلغ عدد معاملات العقارات 6,431 صفقة حتى آذار/مارس 2025، بقيمة إجمالية بلغت 627.43 مليون دولار، وهو ارتفاع بنسبة 94.17% بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق 2024، علماً أن عدد تصاريح البناء كان في طور الانخفاض في الفترة نفسها.
من الرابح ومن الخاسر؟
لطالما كانت المصالح التجارية مع المصالح المصرفية والعقارية تهيمن على الاقتصاد السياسي اللبناني، وأظهرت النخبة التجارية سطوة لافتة منذ استقلال لبنان حتى الآن، وكانت الرابحة في كل الأوقات بدعم مباشر من الدولة، التي تأسست على نبذ كل تنظيم للأسواق وكل تدخّل في تحديد الأسعار والأجور وهوامش الأرباح.
أمّا الخاسرون، فهم أكثرية السكان، فالتضخّم هو بمثابة ضريبة غير مباشرة يسددها الجميع من دون تمييز، ويزداد ثقلها على الفقراء والطبقة العاملة والمهمشين والضعفاء.
تتزايد الأدلة على أن ارتفاع الأسعار في لبنان منذ خريف العام 2019 لا يمكن تبريره كلّه بانهيار سعر صرف الليرة الثابت، وارتفاع التكاليف، والتضخم الخارجي، ولعل الدليل الأحدث والأبلغ هو استمرار رفع الأسعار على الرغم من عودة سعر الصرف إلى الثبات منذ أواخر العام 2023، وهذا لا يترك مجالاً للشك بأن موجات رفع الأسعار في السنوات الست الماضية كانت مدفوعة بالسعي إلى زيادة الأرباح أيضاً. للأسف، يحصل ذلك، ويدمّر مستوى معيشة أكثرية سكان لبنان، من دون أن يكون على جدول الأعمال السياسي، ولا تقف في وجهه أي حركة اجتماعية.