معاينة مسؤولية الأثرياء العرب عن التلوّث في 3 رسوم بيانية

مسؤولية الأثرياء العرب عن التلوّث في 3 رسوم بيانية

قد تُظهر النظرة العامة على الانبعاثات المرتبطة بالاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صورة «متوازنة» إلى حدٍّ ما. ففي العام 2019، مثّلت المنطقة نحو 6% من سكان العالم، فيما ساهمت بنسبة قريبة (5.8%) من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالاستهلاك. غير أنّ هذه الأرقام تُخفي خلفها تفاوتات صارخة داخل المنطقة وتُغفل مسؤوليات متفاوتة في ما يخص أزمة المناخ، بحسب تقرير «تغيّر المناخ واللامساواة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: لسنا كلنا في نفس القارب» الصادر عن منظّمة «أوكسفام».  

الأكثر ثراءً هم الأكثر تلويثاً 

تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم تفاوتاً من حيث توزيع الثروة والدخل. فقد شهدت تصاعداً حاداً في معدلات اللامساواة في خلال العقد الماضي، حيث تضم نصف الدول التي سجّلت أعلى معدلات نمو في التفاوت الاقتصادي على مستوى العالم. ففي العام 2020، تصدّرت 6 دول من المنطقة قائمة العشرين دولة الأكثر تفاوتاً في العالم، مقارنة بدولتين فقط في العام 2019، ما يعكس تدهوراً متسارعاً في العدالة الاقتصادية. لا تنعكس هذه الدينامية فقط في اتساع الفجوة الاقتصادية، بل تتجلّى أيضاً في تفاوت الانبعاثات المرتبطة بالاستهلاك، ما يؤكد أن أزمتي المناخ واللامساواة متداخلتان بعمق.

صحيح أن الأثرياء حول العالم مسؤولون عن اكثرية الانبعاثات، إلا أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتجاوز مثيلاتها في معظم مناطق العالم. ففي العام 2019، كانت انبعاثات أغنى 10% من السكان في المنطقة تمثل 64% من إجمالي الانبعاثات المرتبطة بالاستهلاك، مقارنة بـ50% فقط للشريحة نفسها عالمياً. أما أغنى 1%، فقد تسبّبوا بـ25% من الانبعاثات، في مقابل 16% فقط لأغنى 1% عالمياً، ما يكشف اتساعاً حاداً في المسؤولية المناخية داخل الفئة الأغنى.

وتُظهر البيانات أن أثرى 0.1% من السكان في المنطقة يسهمون وحدهم بنحو 6% من الانبعاثات، بمعدل يبلغ 558 طناً من ثاني أكسيد الكربون للفرد سنوياً، وهو رقم يتجاوز بكثير المعدل العالمي لنظرائهم. وللتقريب، يعادل هذا الرقم قيادة سيارة حول كوكب الأرض 28 مرة. وتعكس هذه المستويات الاستهلاكية المفرطة الأثر المناخي الضخم لفاحشي الثراء. وتُظهر بيانات السفر الجوي الخاصة بـ5 من أصحاب المليارات في المنطقة أنهم يستخدمون طائراتهم الخاصة لنحو 1,300 ساعة سنوياً، أي ما يعادل الطيران حول الأرض 42 مرة في السنة. 

مسؤولية الأثرياء العرب عن التلوّث في 3 رسوم بيانية

ريوع النفط الخليجي: قاتل متنقل

يسلّط التفاوت في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون داخل المنطقة العربية الضوء بوضوح على حجم اللامساواة بين الدول ومدى عدم تكافؤ توزيع الموارد والمسؤوليات، إذ تتحمّل الدول النفطية القسط الأكبر من الانبعاثات الكربونية في المنطقة، في حين تكاد الدول الأفقر لا تُسهم بشيء يُذكر.

ففي العام 2022، كانت دول الخليج ذات الدخل المرتفع التي لا تمثل سوى 14% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مسؤولة عن 57% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المنطقة. في المقابل، لم تتجاوز مساهمة الدول ذات الدخل المنخفض التي تضم 24% من السكان، نسبة 1% فقط من إجمالي الانبعاثات الإقليمية.

لا تنحصر خطورة الريع النفطي ضمن هذه الحدود. اذ تؤدّي الدول المنتجة للنفط في مجلس التعاون الخليجي دوراً مؤثراً يفوق حجمها، من خلال توظيف ثرواتها النفطية في استثمارات واسعة النطاق في قطاعات متعددة، ما يضاعف انبعاثاتها الكربونية ويُفاقم التحديات البيئية في المناطق التي تتلقى هذه الاستثمارات. ففي خلال العقد الماضي، استثمرت دول الخليج مجتمعة أكثر من 100 مليار دولار في القارة الأفريقية. وبرزت الإمارات كرابع أكبر مستثمر أجنبي مباشر في أفريقيا، تلتها السعودية وقطر. وقد شملت هذه الاستثمارات مشاريع ضخمة في مجالات التعدين وشركات الطيران والمطارات والموانئ في مختلف أنحاء القارة. غير أن هذه الاستثمارات كثيراً ما تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والبيئية، وتكرّس أنماطاً من التبعية والاستنزاف. ففي مصر والسودان والمغرب وأثيوبيا، استحوذت شركات سعودية وإماراتية على ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية، ما أدى إلى الإخلال بالأنظمة البيئية المحلية والتسبب بتشريد مجتمعات زراعية بأكملها. واشترت الشركات الإماراتية وحدها أكثر من مليون هكتار، أي ما يعادل 13% من مساحة أراضي الإمارات، بينما استحوذت شركات سعودية على أكثر من 1.5 مليون هكتار، أي ما يعادل 2% من مساحة أراضي السعودية. ساهمت هذه «الاستحواذات على الأراضي» في تقليص فرص صغار المزارعين بالوصول إلى الأراضي الزراعية، وفي بعض الحالات، تسببت بتوترات محلية، خصوصاً في بلدان تُعاني أصلًا من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. 

مسؤولية الأثرياء العرب عن التلوّث في 3 رسوم بيانية

القلّة الثرية الخطرة 

بين عامي 1990 2022، استهلك أغنى 1% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الكربون ما يزيد نحو 3 أضعاف عمّا استهلكه نصف السكان الأفقر مجتمعين. وفي العام 2022، كانت انبعاثات أثرى 0.1% من السكان تفوق ما ينتجه نصف السكان الأفقر بنحو 477 مرة للفرد الواحد. بشكل عام، تسجل المنطقة مستويات صارخة من التفاوت المناخي، حيث تتركز الانبعاثات في يد النخبة الثرية. إذ ينبعث من أغنى 0.1% من السكان (496 ألف شخص) ما يعادل انبعاثات أفقر 50% (248 مليون نسمة).

يُجسّد هذا المؤشر الحاد بوضوح أن الانبعاثات، والثروة، والتفاوت في الدخل مترابطة بشكل وثيق، فلا يمكن فصل أزمة المناخ عن أزمة اللامساواة.

تتصدر دول مجلس التعاون الخليجي مرتفعة الدخل قائمة تركّز الانبعاثات الكربونية، حيث استأثر أغنى 1% من السكان في البحرين والسعودية وقطر بنسب 24% و23% و21% على التوالي من إجمالي الانبعاثات الوطنية في العام 2022. وبشكل مماثل، تظهر الدول متوسطة الدخل ذات التفاوت الاجتماعي الحاد - مثل لبنان ومصر - أنماطاً مشابهة، إذ ينتج أغنى 1% من سكانها بالترتيب 19% و17% من الانبعاثات.

مسؤولية الأثرياء العرب عن التلوّث في 3 رسوم بيانية