Preview أزمة المناخ

الكوكب تجاوز 6 من 9 حدود له
«قادة المناخ» يتسبَّبون بهلاك الأرض

تُخاطر حفنة من أغنى دول العالم بمستقبل كوكب الأرض وسكّانه. هذه هي الخلاصة الأبرز التي توحي إليها بعض التقارير الصادرة أخيراً عن جهات بحثية معنية بسلامة كوكب الأرض، عشية انعقاد «مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الـ28» (كوب 28)، في الإمارات العربية المتحدة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 12 كانون الأول/ديسمبر 2023. 

5 دول في شمال العالم وهي الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والنرويج والمملكة المتّحدة، مسؤولة عن 51% من التوسّع المخطّط له لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري

قبل نحو شهر، نبّهت منظّمة Oil Change International من السياق التدميري المنتهج من قبل ما يُسمّون «قادة المناخ». وقتها، قالت أن 5 دول في شمال العالم وهي الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والنرويج والمملكة المتّحدة، مسؤولة عن 51% من التوسّع المخطّط له لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري، وأشارت إلى أن 20 دولة فقط، بقيادة الولايات المتّحدة وكندا وروسيا، مسؤولة عن ما يقارب الـ 90% من انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب حقول النفط والغاز الجديدة وآبار التكسير الهيدروليكي المخطّط لها من الآن وحتى العام 2050.

تترافق هذه الوقائع مع معلومات تقول إن 6 من أصل 9 حدود بيئية عالمية تم تجاوزها. ووفق ما ورد في مقالة بحثية نشرت في مجلة Science Advances في أيلول/سبتمبر الماضي أيضاً، فإنّ الأرض باتت الآن «خارج نطاق التشغيل الآمن للبشرية». أما أهم تلك الحدود المنتهكة وأكثرها تأثيرها فهو الحدّ المتعلّق بالتغيّر المناخي الناجم بشكل أساسي من انبعاث الغازات الدفيئة.

«مدمِّرو الكوكب» يديرون أزمة المناخ!

تحت عنوان «مدمًّرو الكوكب: كيف تساهم خطط 20 دولة لاستخراج النفط والغاز في استمرار فوضى المناخ»، يركّز التقرير الصادر عن منظّمة Oil Change International على ضرورة توقف 20 دولة عن المضي في مشاريع الاستخراج الجديدة لمنع وقوع الكارثة، لأنه إذا سُمح لتلك المشاريع بالاستمرار فإن تلك الدول سوف تتسبّب بأن تكون الأرض غير قابلة للعيش فيها وسوف تتفاقم الفوضى المناخية.

ووفق المعلومات، فإنه في حال توقّفت تلك الدول عن مشاريع الإنتاج المخطّط لها من النفط والغاز، فإنه سيتم الاحتفاظ بـ 173 مليار طن من التلوّث الكربوني المحتمل في الأرض. وهذا يعادل التلوّث مدى الحياة لنحو 1,100 مصنع جديد للفحم، أو أكثر من 30 عاماً من انبعاثات الكربون السنوية في الولايات المتّحدة.

في المُقابل، سوف يزيد التلوث الكربوني الملتزم به بنسبة 190% عن الميزانية المحدّدة في حال استمرّت تلك الدول بأعمالها التوسّعية، الأمر الذي يهدّد باحتجاز أكثر من درجتين مئويتين من الاحتباس الحراري.

إلى ذلك، وعلى الرغم من أن وقف إنتاج النفط والغاز الجديد من شأنه أن يجعل العالم أقرب إلى مسار الانبعاثات المتوافق مع ما نصّ عليه اتفاق باريس للمناخ بشأن الالتزام عند حدود 1.5 درجة مئوية، «إلا أنه لن يكون كافياً». لماذا؟

يشرح التقرير أنه من دون أي حقول أو تراخيص جديدة للنفط والغاز في أي مكان، سوف ينخفض إنتاج النفط والغاز العالمي بنسبة 2% سنوياً حتى العام 2030 وبنسبة 5% سنوياً من 2030 إلى 2050، ومع ذلك، فإن الحدّ من احترار الأرض عند 1.5 درجة مئوية يتطلّب من الحكومات المضي قدماً من خلال إغلاق الحقول المنتجة بالفعل».

تُعدّ الولايات المتّحدة «القائد الأعلى لتدمير الكوكب»، حيث تمثل أكثر من ثلث التوسّع العالمي المخطّط له في مجال النفط والغاز حتى العام 2050، تليها كندا وروسيا

وتُعدّ الولايات المتّحدة «القائد الأعلى لتدمير الكوكب»، حيث تمثل أكثر من ثلث التوسّع العالمي المخطّط له في مجال النفط والغاز حتى العام 2050، تليها كندا وروسيا. ومن المتوقع أيضاً أن تكون دولة الإمارات العربية المتّحدة واحدة من أكبر الدول المتوسّعة في إنتاج النفط والغاز على الرغم من تعهّدها باستخدام رئاستها لمؤتمر الأطراف لمنع ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية بحلول العام 2030.

المُفارقة أن 5 دول في شمال العالم وهي الولايات المتّحدة وكندا وأستراليا والنرويج والمملكة المتحدة، مسؤولة عن 51% من التوسّع المخطّط له من حقول النفط والغاز الجديدة حتى العام 2015. وهذه الدول هي نفسها تمتلك الوسائل الاقتصادية التي تمكّنها من التخلّص التدرّجي من الإنتاج!

وعليه، فإن عمليات الحفر الجديدة في البلدان المرتفعة الدخل والاقتصادات المتنوّعة، هي التي تتحمّل مسؤولية تاريخية ضخمة عن التسبّب في أزمة المناخ، في حين تدّعي أنها «قائدة المناخ» على حدّ تعبير المنظّمة!

الأرض خارج نطاق التشغيل الآمن

تضاف هذه المعطيات إلى جملة من الأبحاث والتقارير العلمية التي تُبرهن على أن البشرية تُمارس اليوم ضغطاً غير مسبوق على نظام الأرض فيما تعالج الاضطرابات البشرية المنشأ في البيئة العالمية كما لو كانت قضايا منفصلة مثل تغيّر المناخ أو فقدان التنوّع البيولوجي أو التلوّث.

في مقالة بحثية بعنوان «الأرض تتجاوز 6 من 9 حدود للكوكب» نشرت في أيلول/سبتمبر الماضي، يرد تطوّر لافت يتمثّل بتجاوز حدّين إضافيين من الحدود التسعة الكوكبية لنظام الأرض ليصبح «إجمالي» الحدود المنتهكة 6 من أصل 9 بعد أن كانت 4 حدود في العام 2015.

وتُعدُّ هذه الحدود مهمة من أجل الحفاظ على استقرار ومرونة نظام الأرض ككل كي تبقى الأرض في حالة تُشبه حالة عصر «الهولوسين»، والهولوسين هو الاسم الذي يطلق على آخر 11,700 سنة من تاريخ الأرض وهي فترة بدأت مع نهاية العصر الجليدي الأخير وتطوّرت في خلالها الزراعة والحضارات الحديثة في ظل ظروف كوكبية مستقرّة ودافئة نسبياً.

وعليه، يهدف الإطار إلى تحديد وقياس مستويات الاضطرابات البشرية المنشأ، التي إذا تمّ احترام الأطر والحدود اللازمة لها سوف تسمح للأرض بالبقاء في حالة تُشبه حالة عصر «الهولوسين».

الحدود التسعة تشمل: التغيّر المناخي، والمحيط الحيوي أي التنوّع البيولوجي، ونظام الأراضي، والمياه العذبة، وتحمض المحيطات، والهباء الجوي، والتلوّث الكيميائي، وطبقة الأوزون والكيانات الجديدة. ويمكن اعتبار هذه الحدود مكوّنات مترابطة لنظام الأرض

هذه الحدود التسعة تشمل: التغيّر المناخي، والمحيط الحيوي أي التنوّع البيولوجي، ونظام الأراضي، والمياه العذبة، وتحمض المحيطات، والهباء الجوي، والتلوّث الكيميائي، وطبقة الأوزون والكيانات الجديدة. ويمكن اعتبار هذه الحدود مكوّنات مترابطة لنظام الأرض.

حتى العام 2015، كان هناك 4 حدود قد تم تجاوزها وهي التغير المناخي، وسلامة المحيط الحيوي، ونظام الأراضي والتدفقات البيوجيوكيميائية، فيما تبيّن حديثاً أنه تم تجاوز حدود المياه العذبة وحدود الكيانات الجديدة. في الوقت الحالي، تعاني نحو 18% من المياه الزرقاء ونحو 16% من المياه الخضراء من مساحة الأرض العالمية من انحرافات في المياه العذبة الرطبة أو الجافة. 

غالباً ما يتم تعريف الكيانات الجديدة على أنها مواد من صنع الإنسان وهي تشمل المواد الكيميائية الاصطناعية، مثل المواد البلاستيكية الدقيقة والملوّثات العضوية، والمواد المشعّة المعبّأة من صنع الإنسان، بما في ذلك النفايات النووية والأسلحة النووية. ويعد هذا الحد من أبرز علامات ما يُسمى عصر «الأنثروبوسين» أو حقبة التأثير البشري على البيئة والطبيعة.

ووفق الباحثين المتخصّصين، فإن الأنشطة البشرية الآن أخرجت الأرض من نافذة التقلّبات البيئية في عصر الهولوسين، مما يشير إلى أن «الأرض الآن خارج نطاق التشغيل الآمن للبشرية». 

أمّا التركيز على التغيّر المناخي في الظروف الحالية، فيعود إلى كونه، إلى جانب المحيط الحيوي، من الحدود الأساسية التي من شأن أي تغيير كبير يطالها أن يدفع نظام الأرض إلى حالة جديدة من اللا أمان.