
مضبطة اتهام في قضية «رياض سلامة»
يُنظر إلى رياض سلامة، الحاكم الأطول ولاية في تاريخ مصرف لبنان، بوصفه أخطر رجل في تاريخ لبنان الحديث. لا لأنه أدّى دوراً محورياً في صياغة السياسات المالية التي قادت إلى الانهيارين المصرفي والنقدي غير المسبوقين فحسب، بل لأن اسمه بات مقترناً بـ«سرقة العصر»، وتلاحقه قضايا ودعاوى في لبنان والخارج تشمل الاختلاس وتبييض الأموال والتزوير والإثراء غير المشروع. وإذا كان التاريخ الحديث قد عرِف أسماءً مثل برنارد مادوف أو ألين ستانفورد في عالم الجريمة المالية، يبقى رياض سلامة حالة استثنائية، نظراً لحجم الاتهامات وعدد الجهات القضائية التي فتحت ملفات بحقّه من النيابات العامة اللبنانية إلى النيابات السويسرية والفرنسية والألمانية، ولأن الآخرين، أمثال مادوف وستانفورد، حصروا جرائمهم في إطار المستثمرين والزبائن، فيما اتهم سلامة بالتسبّب بأكبر انهيار مصرفي في القرن الحادي والعشرين، ما أثر على اقتصاد بلد بأكمله وإضاعة مستقبل جيل كامل.
لم يرتبط اسمٌ بالانهيار ونهب أموال اللبنانيين مثلما ارتبط اسم رياض سلامة. وإذ ثارت الأسئلة عن دوره المركزي في الهندسات المالية التي كبّدت مصرف لبنان 74 مليار دولار أميركي وفق تقرير التدقيق الجنائي، فإن سرعان ما ارتبط اسمه بعمولاتٍ فوري التي تقدّر بنحو 330 مليون دولار وقد استفاد وعائلته منها، وفي وقت لاحق بقضية عمولات أوبتيموم التي وصلت قيمتها إلى 8 مليارات دولار أميركي، هذا من دون الحديث عن دور سلامة التدميري في فترة ما بعد الأزمة. فبدل أن تستخدم الأموال المتبقية في إيجاد حلول للأزمة، تم إزهاق القسم الأكبر منها بطرق عدة أبرزها تهريب أموال إلى الخارج لمصلحة أصحاب مصارف ونفوذ لم تكشف هويّاتهم بعد، وتعدّ «قضية مكتف» التي كشفت التحقيق فيها عن تحويل 13.3 مليار دولار بين عامي 2015 و2019، ومنح بعض المصارف قروضاً وصلت قيمتها إلى نحو 8 مليار دولار في الفترة الأولى من الانهيار، من النماذج المصغرة القليلة التي كُشِف عنها، فضلاً عن قضايا تبييض أموال واستخدام المال العام تلبية لأهوائه الشخصية.
وقد حصل كل ذلك على مرأى من البرلمان والحكومة والقضاء وتواطؤ منهم. حالياً ينظر القضاء بـ5 دعاوى أساسية موجّهة ضدّ سلامة، إلا أن عشرات القضايا تبقى معلّقة أو معطّلة أو حتى غير معروفة.
1. حساب الاستشارات
في نيسان/أبريل 2024، وبعد تحقيق قضائي استمرّ 7 أشهر، أصدر قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة بلال حلاوي قراراً ظنّياً في قضية «حساب الاستشارات» في مصرف لبنان، الذي كان يتلقّى عمولات من شركة «أوبتيموم» التي يديرها مقرّبون من حاكم المصرف السابق رياض سلامة، وقد أوقف فيها سلامة في أيلول/سبتمبر 2024، بتهم اختلاس وسرقة أموال عامة وتزوير واستعمال مزوّر، والإثراء غير المشروع.
وكانت النيابة العامة المالية قد ادّعت على سلامة والمحاميين مروان عيسى الخوري وميشال تويني بعد تسلّمها التقرير الجنائي الصادر عن شركة «ألفاريز ومارسال» من هيئة التحقيق الخاصّة لدى مصرف لبنان، حيث تبيّن أن سلامة اتخذ قراراً منفرداً أُجريت بموجبه تحويلات مالية من «حساب الاستشارات» في مصرف لبنان إلى حسابات مفتوحة باسم ميشال تويني (أو سلوى بيضون)، الذي أصدر بدوره شيكات مصرفية لأمر مروان عيسى الخوري، قبل أن يعيد إيداعها في حساب شخصي لمصلحة سلامة. وقد بلغ مجموع قيمة الأموال موضوع الدعوى حوالي 44 مليون دولار أميركي.
ومع أن الشبهات ضدّ رياض سلامة ثابتة وأوقف بموجبها، إلا أن ما غاب عن قرار القاضي حلاوي يوازي من حيث الأهمية ما حضر فيه، ومن أهمّها إشاحة النظر عن عمولات أكبر. فقد استمرّ قاضي التحقيق على النهج الذي اعتمدته النيابة العامة المالية في خلال التحقيق بحصر الادّعاء في القضية بأموال لا تتعدى قيمتها 44 مليون دولار مع العلم أنّ تدقيقاً أجرته شركة «كرول» على خلفية تقرير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، كشف عن تورّط مصرف لبنان في عمليات بيع سندات وشهادات إيداع بقيمة 8 مليارات دولار لشركة «أوبتيموم»، ثم شرائها مجدداً بقيمة مضاعفة، وإيداع الأرباح في حساب وسيط، لم يتبيّن هويّة المستفيدين النهائيين منه.
2. قضية فوري
تمثل قضية «فوري» إحدى أبرز ملفات الجرائم المالية المرتبطة برياض سلامة، وتُعدّ من أكثر القضايا تعقيداً وتشابكاً بين القضاء اللبناني والدولي. تأسّست الشركة في العام 2001 باسم شقيقه رجا سلامة، وارتبطت بعقد مع مصرف لبنان استمر حتى العام 2015. وبموجب هذا العقد، حصلت فوري على عمولات قدّرتها التحقيقات القضائية بأكثر من 330 مليون دولار في مقابل خدمات مالية يشتبه بأنها لم تُقدَّم فعلياً، إذ كانت الشركة تتقاضى نسباً على عمليات بيع سندات اليوروبوند وشهادات الإيداع والدين السيادي من دون أن يكون لها أي دور جوهري يبرّر هذه الأرباح.
انطلقت التحقيقات في الملف من النيابة العامة السويسرية في العام 2020 بعد الاشتباه بتحويلات مالية كبيرة عبر حسابات مرتبطة بالأخوين سلامة ومساعدة الحاكم ماريان حويك. وقد استخدمت هذه التحويلات، التي توزّعت بين سويسرا ولوكسمبورغ وفرنسا وقبرص، في شراء عقارات فاخرة وتبييض الأموال، ما عزّز فرضية أنّ العمولات المحققة لم تكن سوى وسيلة لاختلاس أموال عامة وإخفاء مصدرها.
على المستوى اللبناني، تولّى القاضي جان طنوس التحقيقات بالتنسيق مع السلطات الأوروبية، وتمكّن بعد سنتين من العمل المضني من جمع ملف متكامل. غير أنّ مسار العدالة تعرقل بفعل تدخلات متكرّرة من داخل الجسم القضائي: فالنائب العام المالي علي إبراهيم والنائب العام الاستئنافي زياد أبو حيدر امتنعا عن الادعاء بحجج تتعلق بالاختصاص وتضارب المصالح، فيما لجأ محامو سلامة إلى طلبات مخاصمة القضاة، ما أدى إلى كفّ يد قضاة التحقيق وتعطيل الملف لفترات طويلة. حتى بعد ادعاء المحامي العام رجا حاموش في شباط/فبراير 2023 على رياض سلامة وشقيقه ومساعدته بجرائم تبييض الأموال والاختلاس والتهرب الضريبي، لم ينجُ الملف من المماطلة، إذ توقفت الإجراءات مراراً أمام الهيئة الاتهامية في بيروت بسبب دعاوى الردّ والمخاصمة التي رفعها سلامة ضد القضاة.
في موازاة ذلك، أدّت منظمات حقوقية ومدنية مثل شيربا الفرنسية دوراً بارزاً عبر تقديم شكاوى مدنية وتحركات قانونية تهدف إلى تتبّع الأصول المشبوهة في أوروبا، ما عزّز الضغوط على السلطات القضائية الأجنبية للتحرّك بجدية أكبر، ما أسفر عن قرار حجز على أملاك سلامة صدر عن القضائين الفرنسي والألماني.
اليوم، لا تزال قضية «فوري» معلّقة بين بيروت وعواصم أوروبية، في ظل استمرار التحقيقات والاستماع إلى الشهود ومتابعة حركة الأموال. وتكمن خطورتها في أنّها لا تمس شخص رياض سلامة فقط، بل تكشف عن ثغرات بنيوية في إدارة العمليات التي أدّت إلى تبديد المال العام في لبنان.
3. الشقق الباريسية
منذ العام 2010، استأجر رياض سلامة باسم مصرف لبنان شقّة تملكها صديقته آنا كوزاكوفا، ووالدة ابنته، في باريس، بحجّة استخدامها كمركز طوارئ للمصرف المركزي. لم يكن هناك حاجة فعليّة للشقة، ولم تُستخدم قط. وسدّد المصرف المركزي لكوزاكوفا إيجارات خيالية وصلت إلى 20 مليون يورو بحسب التحقيقات القضائية. وبعد انكشاف الفضيحة في العام 2021، ضمن تحقيقات القضاء الفرنسي، قام نائب الحاكم الأوّل يومها وسيم منصوري بعقد اجتماعات تنظيميّة داخل المصرف المركزي لاختلاق مهامّ للمركز المُستأجر بهدف تبرير وجود المركز أمام المحققين الفرنسيين.
وفي آذار/مارس 2022، ادعت القاضية غادة عون على سلامة ورفاقه، ولكن لم تصدر مذكرة توقيف بحقّه إلا بعد نحو سنتين ونصف السنة في تشرين الأول/أكتوبر 2024، بسبب التدخلات والضغوط التي مارستها جهات رسمية عدة لمنع جلب سلامة إلى القضاء. ففي 31/10/2024، صدرت مذكرة توقيف وجاهية ثانية بحق حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، عن قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور.
4. دعوى طلال أبو غزالة
تقدّم رجل الأعمال الأردني طلال أبو غزالة بدعوى قضائية أمام القضاء اللبناني ضد حاكم مصرف لبنان السابق في أيار/مايو 2025، تدعي أن سلامة ارتكب مناورات احتيالية تسبّبت بأضرار جسيمة لأموال المودعين، ومن بينهم أبو غزالة نفسه. وتفوق قيمة الودائع التي يطالب أبو غزالة باستردادها مع فوائدها 47 مليون دولار أميركي، جرى تحويلها من الأردن إلى أحد المصارف اللبنانية. واتهم أبو غزالة الحاكم السابق للمصرف المركزي، بالتواطؤ مع المصارف وإصداره قرارات فردية لإخفاء الإفلاس المصرفي ومنع المودعين من استرداد أموالهم. وقد أصدرت قاضية التحقيق رولى صفير مذكرة توقيف وجاهية بحقّ سلامة، بعد أن امتنع القاضي بلال حلاوي عن ذلك، باعتباره أول من نظر بالدعوى ومنع المحاكمة عن سلامة بحجة عدم توافر الأدلة.
5. دعوى ضدّ سلامة وبنك عودة وميقاتي
في شباط/فبراير 2025، ادعت النائبة العامة لدى محكمة جبل لبنان الاستئنافية، القاضية غادة عون، أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، على رياض سلامة وبنك عودة ومجموعتي نجيب وطه ميقاتي بتهم الاحتيال وإساءة الأمانة والغشّ إضراراً بالدائنين والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال. إلا أن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور أصدر في 10/7/2025 قراراً بإبطال الدعوى التي تشتبه بلاختلاس وتبيض أموال بقيمة 4.52 مليار دولار أميركي. وفي أيلول/سبتمبر الجاري، باشرت النيابة العامة في فرنسا التحقيق مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في شبهات الإثراء غير المشروع، وجمع أصول بطرق غير مشروعة، لا سيما من خلال هذه القروض التي حصل عليها من بنك عودة.
واستند ادعاء عون إلى تحقيقات بدأتها في آب/أغسطس 2023، بناء على شكوى من روبير مغني ضدّ بنك عودة ورئيس مجلس إدارته سمير حنا، على خلفية شبهة ارتكاب جرائم إفلاس تقصيري وإساءة أمانة وإساءة استعمال أموال الشركة، وبيّنت التحقيقات عن شبهاتٌ بارتكاب جرائم أخرى وبمبالغ كبيرة. وفي تفاصيل القضية، وبعد استماع القاضية عون إلى «شركة غلام» و«إرنست أند يونغ» اللتين تدقّقان في حسابات بنك عودة، برزت شبهات ارتكاب مخالفات عدة بين عامي 2016 و2018، تفيد أن المصرف لم يكن يزوّد الشركتين بالبيانات المالية التي تبيّن وضعه المالي الصحيح، فضلاً عن تحقيق أرباح مهمة من الهندسات المالية جرى توزيعها على أصحاب الأسهم. وقد تبيّن للنيابة العامة أن المصرف قام، في خلال فترة الانهيار المصرفي بعد العام 2019، بتحويل مبالغ ضخمة إلى الخارج بلغت 1,56 مليار دولار، جزء منها استفاد منه أفراد وشركات، وحتى شخصيات عامة، ما يشكّل شبهة تهريب أموال على حساب سائر المودعين الذين جُمّدت ودائعهم.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت التحقيقات عن اعتماد المصرف أساليب للالتفاف على القيود القانونية والرقابية الناظمة للودائع، وقد تمثّلت في استخدام الحسابات الائتمانية (Fiduciary Accounts)، وهي ودائع تودع في المصرف من دون أن تُدرج ضمن ميزانيّاته الرسميّة، وغالباً ما تكون واردة من مؤسسات مصرفية أجنبية، وهي تعود لعملاء يرغبون بالاستفادة من الفوائد مع إبقاء هويتهم سرية، وقد تبين أن مجموع ما جرى تحويله منها في تلك الفترة نفسها بلغ 297 مليون دولار.
كما تناول التحقيق ممارساتٍ أخرى تمثلت في بيع سندات اليوروبوند التي شكّلت قناة لتهريب المليارات إلى الخارج. فقد قام بعض المودعين المحظيين باستخدام دولاراتهم القديمة (لولاراتهم) لشراء هذه السندات، ثم إعادة بيعها في الخارج مقابل الحصول على دولارات نقدية (فريش)، ما أتاح لهم تهريب أموالهم وتجاوز القيود المصرفية المفروضة على سائر المودعين. وقد بلغت قيمة هذه العمليات 146 مليون دولار في 2019، ثم قفزت إلى 2.2 مليار دولار في 2020. ويُذكر أن بنك عودة امتنع عن الاستجابة إلى طلب النيابة العامة رفع السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة وأشخاص الحق العام.
كما ادعت على مجموعتي ميقاتي ورياض سلامة بجرم الإثراء غير المشروع، على خلفيّة توقيع مصرف عودة على قرض بقيمة 132 مليون دولار في العام 2019، يخصّص حصراً للاكتتاب بسندات خزينة لبنانية في السوق الأولية، فيما تم رهن هذه السندات لمصرف لبنان كضمانة لتسديد المبالغ المتوجبة. كما جرى في العام 2010 توقيع عقد بين بنك عودة وشركة مملوكة من مجموعة ميقاتي لشراء سندات خزينة مصدرة من بنك عودة، بقيمة 180 مليون دولار، وقد اشترت مجموعة طه ميقاتي بالتاريخ عينه سندات خزينة بقيمة 150 مليون دولار في مقابل رهن السندات نفسها بقيمة 180 مليون دولار.
6. المضاربة على العملة المحلية
في نيسان/أبريل 2021، ادعت النائبة العامة لدى محكمة جبل لبنان الاستئنافية، القاضية غادة عون، على رياض سلامة، بتهمة الإقدام على استغلال سلطته ووظيفته كحاكم لمصرف لبنان، لطبع كميات كبيرة من العملة اللبنانية، في الفترة الممتدة بين أوائل تموز/يوليو 2019 وبداية العام 2020، لتغطية شراء بعض الصرّافين والمصارف، ولا سيما «سوسيتيه جنرال»، الدولار من السوق المحلية من دون أي سقف محدّد، الأمر الذي مكّن هؤلاء من المضاربة على العملة الوطنية وتسبّب بانخفاضها. وبحسب ما بيّنت التحقيقات التي أجرتها، فقد تمت هذه العمليات من دون تنظيم أية إيصالات وفقاً للأصول، بحيث لم يعرف حجم الكتلة النقدية التي ضخّت من العملة اللبنانية لشراء الدولار، ومن دون تمكين هذا المرجع من العودة إلى قيود المصرف المركزي لهذه الجهة، ما مكّن مصرف «سوسيتيه جنرال» من كسب أموال غير مشروعة، عن طريق التلاعب في قيمة النقد الوطني.
كما أقدم المصرف المركزي على كسر وديعة مصرفية مجمّدة من مصرف «سوسيتيه جنرال» لديه قبل تاريخ استحقاقها في العام 2047 وتبلغ قيمتها 254 مليار ليرة لتحقيق مكاسب ومنافع غير مشروعة، عبر استعمال هذه الوديعة لشراء العملة الأجنبية من السوق الموازية والمضاربة على الليرة اللبنانية قبيل الأزمة الاقتصادية الحادة وبصورة مترافقة معها، مستغلاً معلومات مميزة وأخرى غير متاحة للعموم حصل عليها تؤكد أن سعر العملة الأجنبية سيرتفع، وقيمة العملة الوطنية ستتدهور.
وأقدم سلامة أيضاً على تسليم صرافين من الفئة أ وب كميات كبيرة من العملة الأجنبية استعملت للمضاربة على العملة الوطنية من دون الاحتفاظ بالقيود والمستندات المتعلقة بهذه العمليات وتبيان حجمها وقيمتها وهوية مستلميها، مرتكباً بذلك الغش ومخالفاً الأحكام القانونية التي تسري على أعمال بيع وشراء وإدارة الأموال المنقولة لحساب الدولة اللبنانية، أو لحساب مؤسسة ذات منفعة عامة هي مصرف لبنان.
7. تنفيع 8 مصارف بقروض بقيمة 7.65 مليار دولار
في شباط/فبراير 2025، ادعت القاضية غادة عون، بحق رياض سلامة و8 مصارف بتهمة الانتفاع من قروض بقيمة 7.65 مليار دولار أميركي، في الفترة الممتدّة ما بين 1/10/2019 و31/3/2020، وتحويل نحو 3.4 مليار دولار منها إلى الخارج. وبحسب تحقيقات القاضية عون مع المصارف وإفادة مدير القطع في مصرف لبنان نعمان ندور، تبيّن أن بنك «عودة» حوّل مبلغ 1.096 مليار دولار إلى الخارج، فيما حوّل بند «ميد» نحو 523 مليون دولار، وبنك «سوسيتيه جنرال» مبلغ 934 مليون دولار، أمّا بنك «بيروت» فقد حوّل مبلغ 467 مليون دولار، و«مصرف الاعتماد اللبناني» حوّل 87 مليون دولار، بالإضافة إلى 23 مليون دولار حوّلها «بنك الاعتماد المصرفي»، و300 مليون دولار حوّلها «بنك لبنان والمهجر».
وبحسب ادعاء النيابة العامة، الذي لم يُحرّك من قبل قضاة التحقيق ولم يصل إلى القضاء العدلي، فقد أقدم رياض سلامة على إساءة استعمال الأموال المسلّمة إليه واستثمر وظيفته ومركزه كحاكم مصرف لبنان لمنفعته ومنفعة بعض النافذين في المصارف الكبيرة لتهريب أموالهم، فيما حرم المودعين من سحب أو تحويل أموالهم.
وباستثناء تحقيقات القاضية عون، لم يُجر مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف أي تدقيق في هذه الأموال، وكل ما عُرف بحسب التسريبات الصحافية، هو أن القروض حوّلت على شكل تحويلات من السيولة الخارجية لمصرف لبنان، أي أنها أموال فريش، إلى حسابات المصارف في الخارج، في حين أن الأخيرة سدّدتها بالدولار المحلّي، إذ عمد مصرف لبنان إلى شطب قيم القروض من ودائعها لديه بينما هي سدّدت الفائدة بالدولار المحلي.
8. تسهيل تحويل 13.3 مليار دولار عبر شركة مكتف
في آب/أغسطس 2021، ادعت النائبة العام لدى محكمة جبل لبنان الاستئنافية القاضية غادة عون، على كلّ من رياض سلامة وميشال مكتّف وشركته، وأنطوان الصحناوي ومصرفه سوسيتيه جنرال، ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف مية الدباغ، والمدقّق الحسابي شركة برايس واتر هاوس كوبرز، بتهم تبييض أموال غير مشروعة طالت مكتف والصحناوي ومؤسستيهما، ناتجة عن استغلال معلومات مميزة مفادها أن العملة الوطنيّة ستنخفض محققين بذلك أرباحاً غير مشروعة. فيما اتهمت سلامة بجرم التدخل في تبييض أموال غير مشروعة وجرائم فساد وصرف نفوذ والإخلال بالواجبات الوظيفية وإساءة استعمال السلطة وضرب العملة والاقتصاد الوطنيين.
وبحسب الادعاء جرى تحويل 13.3 مليار دولار بين عامي 2015 و2019 عبر شركة مكتف، من ضمنها نحو 4.3 مليار دولار بقيت مجهولة المصدر، كما استقدمت الشركة مبلغ بقيمة 355 مليون دولار إلى لبنان في العام 2020، ومبلغ 243 مليون دولار في العام 2021، أي ما مجموعه 598 مليون دولار من مصادر بقيت مجهولة. في حين أقدم مصرف سوسيتيه جنرال والصحناوي على تحويل مبلغ 1.17 مليار دولار في عامي 2019 و2020 في استغلال لمعلومات مفادها أنّ العملة الوطنيّة ستنخفض، محققين بذلك أرباحاً غير مشروعة. وتسهيلاً لهذه العمليات قام ميشال مكتّف بمحو بعض بيانات الشركة، فيما تواطأ رياض سلامة معهما للقيام بأعمال غير مشروعة على خلفية إضرارهما بالعملة الوطنية والاقتصاد بصورة قصدية. وكتمت رئيسة لجنة الرقابة على المصارف معلومات عن التحقيق وأهملت التحقيق في الجرائم التي أمكنها الاطّلاع عليها،
التحقيق في القضية الذي انطلق في آذار/مارس من العام نفسه، جرى تحت أضواء الكاميرات تبعاً لإصرار القاضية عون على متابعة النظر فيها على الرغم من قرار النائب العامّ التمييزي غسان عويدات بكفّ يدها عنها والتحقيق مع الخبراء الذين حضروا مع عون إلى مكتب شركة مكتف لمعاينة المعلومات، وقد ترافق ذلك مع ترسانة منظّمة لمنع التحقيق شملت تقديم دعوى من أنطوان الصحناوي ضد القاضية عون بتهمة القدح والذم، وتهديد مجلس القضاء الأعلى بتأديبها عبر التهويل بإعلان عدم أهليتها وعزلها من دون محاكمة، وتقاعس مجلس شورى الدولة عن إصدار قرار بالطعن الذي قدمته عون ضد قرار عويدات، فضلاً عن الوعظات التي أطلقها متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة والبطريرك الماروني بشارة الراعي ضدّ التحقيق وعون. قبل أن تتوج هذه الإجراءات بقرار قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا بمنع المحاكمة في القضية.
9. استخدام المال العام لتعزيز علاقات شخصية
في أيار/مايو 2023، ادّعت القاضية غادة عون، على رياض سلامة وزوجته ندى كرم وستيفاني صليبا وبنك لبنان والخليج بتهم تبييض الأموال والإثراء غير المشروع، عن طريق استخدام سلامة موقعه كحاكم لمصرف لبنان والتصرّف بأموال المصرف لتعزيز علاقاته الخاصة مع كرم وصليبا. وبحسب الادعاء لم يكن راتب سلامة المصرّح به يتجاوز 25 ألف دولار، مع ذلك كان يخصّص لزوجته مبلغ 35 ألف دولار شهرياً، كما موّل مصاريف بقيمة مليون و500 ألف دولار بسنة واحدة لعرس ابنه وغيرها من المصاريف، وأيضاً تبيّن أنه اشترى شقة سكنية لستيفاني صليبا في العام 2017 في مجمع بيت مسك في العطشانة بمبلغ 650 ألف دولار وقد دفعت من أصل هذا المبلغ 300 ألف دولار مسحوب على بنك مصر لبنان من دون أن تبيّن مصدر هذا المبلغ ثم سدّدت المبلغ المتبقي بموجب قرض من مصرف لبنان. كما تملكت شقتين في المدور في الطبقة 18 من بناية سكايلين، بمساحة إجمالية تبلغ 500 متر مربع ولا تقل قيمتها عن مليوني دولار، من دون أن تبيّن أيضاً مصدر الأموال التي بموجبها اشترت الشقتين، فضلاً عن ذلك دفعت نحو 100 ألف دولار لإصلاح هذه الشقة بعد انفجار مرفأ بيروت.
كما الكثير من القضايا السابقة، كان مصير هذه الدعوى الإقفال. ففي كانون الأول/ديسمبر 2024، اتّخذت الغرفة الاتهامية في جبل بعبدا بالأكثرية قراراً بإبطال الادعاء، وبرّرت الأكثرية موقفها بأن سلامة كان خاصم الدولة على خلفيّة أعمال النائبة العامّة عون قبل ادّعائها ضده، ما يجعل هذا الادّعاء باطلاً طالما أن المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية تمنع القاضي القيام بأيّ عمل يتّصل بالمدّعي إلى حين النظر في جدية مطلبه من الهيئة العامة.
10. تزوير ميزانيات مصرف لبنان
منذ العام 2003 على أقل تقدير، اعتمد سلامة على ألاعيب محاسبية تسمح له بإخفاء خسائر المصرف المركزي، عبر تسجيل موجودات وهميّة لا وجود لها لإخفاء حقيقة الوضع المالي لمصرف لبنان، والاستمرار بالسياسات النقديّة السابقة.
بعد نحو عقدين، في حزيران/يونيو 2022، ادعت القاضية غادة عون على رياض سلامة بجرم «ارتكاب أخطاء مهنية جسيمة تعادل سوء النية نتيجة قيامه بالتلاعب بميزانيات مصرف لبنان وتزوير قيودها عن طريق إخفاء الخسائر الحقيقية للمصرف بما من شأنه أن يخفي حقيقة الوضع المالي والنقدي لمصرف لبنان»، الذي حذّر صندوق النقد الدولي منذ العام 2015 بأنه سلبي بقيمة 5 مليارات دولار. وقد أكّد نواب الحاكم في التحقيقات التي أجريت معهم على هذه الواقعة، وكذلك الخبيرين المعينين من قبل المحكمة، اللذين أفادا بأن «مصرف لبنان وبعد أن انحاز عن اتباع المقاييس والسياسات الدولية للمعايير المحاسبية، مضى في إخفاء خسائر متراكمة بأرباح وهمية. فكان يسجّل هذه الخسائر تحت بند موجودات أخرى وبند موجودات ناتجة عن عمليات مقايضة على أدوات مالية». وفي الخلاصة، يشير الادعاء إلى أن مصرف لبنان اعتمد في ميزانيته على موجودات وهمية ليست إلا خسائر تراكمت على مر السنين حتى وصلت إلى مبلغ 73مليار دولار في العام 2021.
أيضاً أقدم حاكم المصرف المركزي السابق، مع عدد من المصارف، على «استغلال وظيفته لخلق حقيقة وهمية عن الوضع النقدي لمصرف لبنان والمصارف. وعلى الرغم من علمه الأكيد بأن مصرف لبنان في عجز، وكذلك المصارف اللبنانية، وأن هذه التصريحات والإغراءات التي وضعتها المصارف عن طريق إعطاء فوائد عالية على الإيداعات حملت الكثير من المودعين وخصوصاً المغتربين منهم على إيداع مدخراتهم في المصارف اللبنانية فكانت النتيجة بعد فترة وجيزة تبديد أموال المودعين وتجميدها، فضلاً عن الانهيار الدرامي الحاصل في قيمة العملة الوطنية، نتيجة هجمة المصارف على شراء الدولارات وترحيلها إلى الخارج بتواطؤ مع سلامة».
كما الكثير من القضايا السابقة، كان مصير هذه الدعوى الإقفال. ففي كانون الأول/ديسمبر 2024، اتّخذت الغرفة الاتهامية في جبل بعبدا بالأكثرية قراراً بإبطال الادعاء، وبرّرت الأكثرية موقفها بأن سلامة كان خاصم الدولة على خلفيّة أعمال النائبة العامّة عون قبل ادّعائها ضده، ما يجعل هذا الادّعاء باطلاً طالما أن المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية تمنع القاضي القيام بأيّ عمل يتّصل بالمدّعي إلى حين النظر في جدية مطلبه من الهيئة العامة. وقد صدر القرار عن أكثرية المحكمة المكوّنة من رئيس الغرفة ربيع الحسامي والمستشارة زينة حيدر أحمد، فيما دوّنت المستشارة الثانية أنياس معتوق رأياً مخالفاً على هذا القرار جاء فيه أن النيابة العامة هي أصلاً ودائماً خصم في الدعوى ولا يجوز بالتالي إقصاؤها عن تحريك دعوى الحقّ العامّ ما لم تقرّر الهيئة العامة هذا الأمر، خصوصاً أن المادة 749 تعطي هذه الهيئة وحدها إمكانية وقف تنفيذ القرارات المشكو منها.
11. الدولار المدعوم
ادعت القاضية غادة عون، في كانون الثاني/يناير 2021، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف مية دبّاغ بجرم «الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة» في عملية إدارة الدولار المدعوم، وهي الآلية التي اتبعها المصرف المركزي لتوفير الدولار المدعوم وفق سعر صرف 3900 ليرة لدعم استيراد المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية لصناعتها في محاولة للحدّ من غلاء الأسعار في أعقاب الارتفاع الكبير في أسعار المواد المستوردة وخصوصاً الغذائية منها. كما ادعت على ميشال مكتّف وهو صاحب شركة مكتّف التي تستورد الدولار من الخارج وعلى الصرّاف عبد الرحمن الفايد بجرم مخالفة قرار إداري. وأحالتهم جميعاً على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور لاستجوابهم.
وقد بني ملف الادعاء على معطيات وتحقيقات تفيد بأن عملية صرف الدولار المدعوم لم تذهب كلّها في الاتجاه المحدد لها، أي دعم استيراد المواد الغذائية الأساسية، بل جرى توزيع مبالغ كبيرة على نحو 30 صرافاً محظياً حققوا أرباحاً طائلة على حساب دعم الأسر الفقيرة، وبيّن الادعاء أن المبالغ التي ذهبت إلى جيوب صرافين ومؤسسات مالية تفوق الـ 5 ملايين دولار.
لكن في أيلول/سبتمبر من العام نفسه، أصدرت الغرفة الثالثة الجزائية لدى محكمة التمييز، المؤلفة من القضاة سهير الحركة (رئيسة) والياس عيد ورلى أبو خاطر (مستشاريْن)، قراراً قضى بعدم سماع الدعوى المُثارة بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في قضية شراء الدولار المدعوم. وكانت المحكمة أصدرت في اليوم نفسه قراراً ثانياً يرمي إلى منح سلامة حصانة شبه مطلقة تُعلّق جواز ملاحقته على طلب من المصرف المركزي في ما يتعلّق بأي مخالفة لقانون النقد والتسليف، وذلك على الرغم من أنّ الادّعاء عليه لم يشمل أيّاً من الجرائم الواردة ضمن قانون النقد والتسليف إنّما جرائم وردت في قانون العقوبات.
12. النيل من مكانة الدولة المالية، وارتكاب الخطأ الجسيم في إدارة مال عام
في يونيو/حزيران 2020، تقدّمت مجموعة «الشعب يُريد إصلاح النظام» بشكوى مباشرة ضد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة أمام القاضية المنفردة الجزائية في بيروت لارا عبد الصمد، وذلك بجرائم النيل من مكانة الدولة، والإخلال بالواجبات الوطنيّة وإهمال الوظيفة، واختلاس واستثمار وارتكاب الخطأ الجسيم في إدارة مال منقول تابع لهيئة عامة والفساد في إدارة المال العام. وقد أصدرت عبد الصمد قراراً قضى بردّ الدفوع الشكلية التي قدّمها محامو رياض سلامة، الذي عاد واستأنف القرار، ولم تعقد جلسات منذ شهر مارس/آذار الماضي 2022، بسبب إضراب الموظفين في المحاكم وقصور العدل.
وعلى خلفية هذه الدعوى صدرت قرارات قضائية عدّة بحق سلامة، منها قرار رئيس دائرة التنفيذ القاضي فيصل مكّي في تموز/يوليو 2020 بإلقاء الحجز على ممتلكات سلامة وعقاراته والمنقولات المملوكة منه في منزله الكائن في محلة الرابية ضماناً لتسديد الدين المرجح الناتج عنها، وهو قرار استلحقه وكيل سلامة بأن أودع شيكاً مصرفياً بقيمة المبالغ والتعويضات المطالب بها مع فوائد قانونيّة، في موازاة المطالبة برفع الحجز عن أموال هذا الأخير، كما أصدرت العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، في كانون الثاني/يناير 2022 قراراً بمنع سفر سلامة.
13. دعاوى جماعية من مودعين
من بين الدعاوى التي وجّهت إلى رياض سلامة، تم التداول إعلامياً بقضية كريم نجّار، وهو لبناني مقيم في الولايات المتحدة، قام برفع دعوى جماعية في محاكم نيو جيرسي في نيسان/أبريل 2024، ضدّ مصرف لبنان وحاكمه السابق رياض سلامة، فضلاً عن بنك أوف بيروت وبلوم وبيبلوس وبنك اللبناني الفرنسي، وفرنسبنك، وسوسيته جنرال، وشركات التدقيق ديلويت وآرنست آند يونغ وبي دي أو، بسبب عدم قدرته على سحب أمواله المحتجزة في بنك بيبلوس والتي تفوق قيمتها المليون دولار. ووجّهت الدعوى تهمة سرقة أموال المودعين والتلاعب بأسعار الفوائد إلى المدعى عليهم، وذلك بعد احتجاز هذه الودائع عن طريق الكذب والاحتيال، ورفض طلبات السحب القانونية من المودعين. في حين جرى تسهيل أمور المودعين السياسيين في عمليات تحويل أموالهم وأموال المديرين التنفيذيين للبنوك ومساهميها وأقاربهم الى الخارج بالدولار الأميركي.
14. جرائم الهندسات المالية
وفقاً لتقرير التدقيق الجنائي الذي أعدّته شركة «آلفاريز آند مرسال»، نتجت 83% من الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان عن الهندسات الماليّة التي أجراها رياض سلامة، وأدّت إلى ضخّ أرباح سخيّة لأصحاب المصارف، مقابل إيداع أموال مودعيهم في مصرف لبنان. وعلى الرغم من إحالة النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات مخرجات التقرير إلى كلّ من النائب العام المالي علي إبراهيم والنائب العام الاستئنافي في بيروت زياد بوحيدر للتحقيق بشأنها في آب/أغسطس 2023، إلا أنهما لم يحرّكا هذا الملف، على الرغم من اختصاص هذه النيابات العامّة بحماية الأموال العامة.