معاينة gaza hunger

5 بؤر جوع ساخنة في المنطقة العربية

تحذّر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي من أن انعدام الأمن الغذائي الحادّ سوف يتفاقم في 23 دولة أو منطقة حدّدتها كبؤر جوع ساخنة، وذلك في الفترة الممتدّة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وأيار/مايو 2025. ومن بين هذه البؤر الساخنة، تصنّف المنظّمة كلّ من فلسطين والسودان وجنوب السودان وهايتي ومالي ضمن البؤر التي تثير أعلى مستويات من القلق، كونها تعاني من المجاعة أو خطر المجاعة ويعيش سكّانها بالفعل في حالة كارثة غذائية، فيما تصنّف كلّ من لبنان وسوريا واليمن وتشاد وميانمار وموزمبيق ونيجيريا ضمن البؤر الساخنة التي تثير قلقاً شديداً، إذ يواجه عدد كبير من السكّان المقيمين فيها مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحادّ. 

والواقع أن حالات الجوع تتزايد بسرعة وبشكل مخيف في العالم، إذ أضافت منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتّحدة في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي 4 بلدان جديدة إلى قائمة بؤر الجوع الساخنة المحدّثة في حزيران/يونيو 2024، وهي كينيا وليسوتو وناميبيا والنيجر. أما بالنسبة إلى دول أخرى فيبدو أن الجوع بات من السمات الراسخة فيها نظراً لتكرّر أسماؤها في كلّ قائمة محدّثة. يقول البنك الدولي إن معدلات الفقر العالمية انخفضت بشكل مطرد في معظم البلدان بعد أن بلغت ذروتها في العام 2020، لكن البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات تشهد عملياً زيادات جديدة في الفقر، وهذا يسلط الضوء على فجوة الدخل المتزايدة بين البلدان الفقيرة وبقية العالم، فضلاً عن مكافحة هذه البلدان مستويات مرتفعة من الديون ومعاناتها من الندوب الاقتصادية الناجمة عن الوباء والصراعات وارتفاع أسعار الفائدة العالمية منذ العام 2022. 

بؤر الجوع الساخنة

تستند منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي لتحديد هذه البؤر إلى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، أو إلى تحليلات أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة المتوافقة مع التصنيف المرحلي وذلك في حالات عدم توافر البيانات عن مناطق محدّدة، وتستخرج منها بيانات الأشخاص المصنّفين في في المرحلة الثالثة أو أعلى، أي الذين يعانون من أزمة غذاء حادّة وصولاً إلى المجاعة، وذلك بحلول 25 تشرين الأول/أكتوبر 2024. وعليه قيّمت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة وبرنامج الأغذية العالمي كيفية تطوّر العوامل الرئيسة المسببة لانعدام الأمن الغذائي الحادّ وتأثيراتها المشتركة المحتملة على البلدان والمناطق المختلفة في خلال الفترة المقبلة، وقاست مخاطر التدهور المرتبطة بهذه العوامل. 

يتعرّض واحد من كل 7 أشخاص في جميع أنحاء العالم للعنف المسلّح في منتصف العام 2024، بزيادة قدرها 64% عما كان عليه الحال قبل 4 سنوات

تعتبر الحروب والصراعات المسلّحة المحركين الأساسيين للجوع في العالم ومن ضمنها الكثير من البؤر الساخنة بحسب تصنيف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ويضاف إليها عوامل أخرى مثل الصدمات الاقتصادية والطقس المتطرّف وتقلّب المناخ. تجتمع هذه العوامل مع نظام اقتصادي وسياسي عالمي يعتاش على الحروب والوقود الأحفوري المسبّب الرئيس للتغير المناخي، فتؤدّي إلى تعطيل النظم الغذائية، ونزوح السكان، وإعاقة الوصول الإنساني، وكلها أسباب مباشرة لتعميق أزمات الجوع وجعلها أكثر حدّة. 

الحروب والعنف المنظّم والصراعات المسلّحة

من المتوقّع أن يتعرّض واحد من كل 7 أشخاص في جميع أنحاء العالم للعنف المسلّح في منتصف العام 2024، بزيادة قدرها 64% عما كان عليه الحال قبل 4 سنوات. وفي 15 دولة أو منطقة من نقاط الجوع الساخنة التي تمّ تسليط الضوء عليها، تمّ تحديد العنف المسلّح وما يتسبّب به من موجات نزوح قسري كمحرّك رئيس لانعدام الأمن الغذائي الحادّ، والذي غالباً ما يتفاقم بسبب التحدّيات الاقتصادية والأحداث المناخية المتطرّفة. 

من المعروف أن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحروب والعنف المسلّح لا تنحصر بفترة اندلاعها فحسب، بل غالباً ما تترك تداعيات خطيرة وعميقة بعيدة المدى، وتؤدي إلى معاناة البلدان من ضعف اجتماعي واقتصادي أعلى، وقدرة أقل على التكيّف. والواقع أن الحروب والعنف المنظّم والصراعات تتسبّب في تدمير البنى التحتية، بما فيها الأراضي الزراعية والماشية والبنى التحتية المرتبطة بها من مزارع ومنشآت زراعية ومصانع أغذية. تقطّع الحروب طرق الاتصال والنقل، وتؤدّي الظروف الأمنية المرتبطة بها إلى إعاقة إمكانية الوصول إلى الأراضي، كما تتسبّب بموجات نزوح قسري تطال أيضاً العاملين في الزراعة وتربية الماشية والتصنيع الغذائي. وهذا يؤدّي إلى تعطيل سبل العيش والدخل، والحدّ من الوصول إلى الأسواق، ويتسبّب بتقلّبات في أسعار السلع الغذائية وإنتاجها واستهلاكها، ليؤدّي في النهاية إلى مفاقمة أزمات الجوع.

الحروب والعنف المنظّم والصراعات تتسبّب في تدمير البنى التحتية، بما فيها الأراضي الزراعية والماشية والبنى التحتية المرتبطة بها

ولا يبدو أن الحروب المندلعة في أنحاء كثيرة من العالم في طريقها إلى أفول. على سبيل المثال، وبعد مرور عام على التصعيد، لا تزال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة بلا أفق، وهي تدفع إلى تعميق الكارثة الغذائية التي تطال 2,1 مليون فلسطيني محاصر تحت النيران. ويترافق مع ذلك تزايد مستويات العنف المسلّح الذي يمارسه المستوطنون والجيش الإسرائيلي والعنف الاقتصادي الذي تمارسه الدولة الإسرائيلية في الضفّة الغربية، ما يعيق إمكانية تأمين الفلسطينيين هناك لحاجاتهم الغذائية. ولا يختلف الأمر في لبنان، فمن المرجح أن يؤدّي تصعيد العدوان الإسرائيلي المستمرّ إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص غير القادرين على تأمين حاجاتهم الغذائية والذين يقدّر عددهم بنحو 1.3 مليون فرد حالياً (23% من السكان). ولا تترك الحرب في لبنان آثاراً على المجتمع المقيم فحسب، بل تمتدّ إلى سوريا، حيث نزح أكثر من نصف مليون فرد لبناني وسوري هرباً من العدوان الإسرائيلي، علماً أن سوريا بدورها تعاني من ندوب تركها أكثر من عقد من العنف المسلّح والتدهور الاقتصادي، يقيّد بالفعل إمكانية الوصول إلى الغذاء، وحيث يعاني ما لا يقل عن 12.9 مليون فرد (نحو 55% من السكان) من انعدام متوسط أو حاد في الأمن الغذائي. وفي اليمن، يؤدّي الصراع المحلّي إلى تفاقم الوضع المالي المزري إذ يعاني 19 مليون فرد من انعدام حادّ في الأمن الغذائي في الوقت الحالي، وهو ما يشكّل 55% من مجمل المقيمين في اليمن. أيضاً، لا يوجد حتى الآن أي أفق لانتهاء الصراع المسلّح في السودان، وقد يؤدّي استمراره إلى المزيد من النزوح الجماعي. وإلى جانب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والقيود الشديدة على الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأراضي الزراعية، هناك خطر استمرار مستويات المجاعة وزيادة عدد الأشخاص في ظروف كارثية الذين يقدّر عددهم الآن بنحو 21.1 مليون شخص (45% من السكان). 

الكوارث الطبيعية والتقلّبات المناخية

يتسارع التغيّر المناخي على الكوكب الأرض، وينعكس ذلك بتقلّبات مناخية حادّة قد تتسبّب بالموت أو قد تؤدّي إلى موجات نزوح قسري وتترك المتأثرين بها في فقر وعوز وجوع نتيجة فقدان مواردهم ومداخيلهم وسبل عيشهم.

يؤدّي تصعيد العدوان الإسرائيلي المستمرّ إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص غير القادرين على تأمين حاجاتهم الغذائية والذين يقدّر عددهم بنحو 1.3 مليون فرد حالياً

ومن المتوقّع أن تواجه 18 دولة أو منطقة من أصل 23 انعداماً غذائياً حاداً وأزمات جوع بسبب الفيضانات والأعاصير وموجات الجفاف الحادّة. واعتباراً من بداية تشرين الأول/أكتوبر 2024، كان هناك احتمال بنسبة 60% لحدوث ظاهرة النينيو بين أيلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2024، ومن المتوقّع أن تستمر حتى كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2025. وقد يؤدي هذا التحوّل المناخي إلى تفاقم حالات الجفاف وموجات الحرّ في المناطق المعرّضة للخطر مع زيادة خطر الفيضانات في مناطق أخرى. 

على سبيل المثال، أدّت الأمطار الغزيرة التي شهدتها مالي في أيلول/سبتمبر، ويرجّح أن تكون مرتبطة بظاهرة النينيو، إلى فيضانات أثرت بشكل مباشر على أكثر من 544 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وفاقمت بالتالي حالة انعدام الأمن الغذائي، وخصوصاً في المناطق الوسطى والجنوبية. أيضاً شهد كل من جنوب السودان والسودان فيضانات شديدة. ومع توقّع هطول أمطار أعلى من المتوسط ​​قد يواجه جنوب السودان المزيد من التأثيرات السلبية، وبما فيها تعطيل حصاد الذرة أو التأثير على مرحلة نضوجها. وفي هايتي، باتت احتمالية حدوث أعاصير أعلى من المعدل الطبيعي بنسبة 85% في العام 2024، والتي قد تتسبّب في أضرار وخسائر كبيرة في المحاصيل، وأن تفاقم الأزمة الاقتصادية والغذائية المستمرة. 

تواجه 18 دولة أو منطقة من أصل 23 انعداماً غذائياً حاداً وأزمات جوع بسبب الفيضانات والأعاصير وموجات الجفاف الحادّة

لا يختلف الأمر في تشاد حيث أثرت الفيضانات في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر على 1.9 مليون شخص، وتسبّبت في خسارة 356,000 هكتار من الأراضي الزراعية، ما ساهم في توقع حصاد حبوب أقل من المتوسط ​​في العام 2024، علماً أن مستويات الأنهار الحالية هي أعلى من تلك المسجّلة في كلّ من عامي 2022 و2023، ما يشير إلى ارتفاع خطر حدوث فيضانات نهرية. أما في النيجر فقد تسببت الأمطار الغزيرة التي بدأت في أيار/مايو في أسوأ فيضانات في البلاد منذ العام 2020، ما أثر على 1.3 مليون شخص حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2024. وقد أدت الفيضانات إلى تعطيل سبل العيش وتفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء البلاد. 

يعيش العالم مرحلة انتقالية تتخلّله أزمات وحروب وكوارث، إلا أن تأثيراتها تتفاوت بين دولة وأخرى تبعاً لقدرتها على التصدّي والمواجهة. وهذه القدرة ليست إلا النتيجة لعقود طويلة من التفاوت والحرمان.