Preview تنمية بشرية في لبنان

منطق المؤشرات الصمّاء
تنمية بشرية مرتفعة في لبنان!

بلغت قيمة مؤشر التنمية البشرية في لبنان 0.723 في العام 2022، بحسب تقرير التنمية البشرية الأخير، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في آذار/مارس 2024. وحلّ لبنان في المرتبة 109 في التنمية البشرية بين 193 دولة وإقليم في العالم. 

هذه النتيجة، وللعجب، تضع لبنان في قائمة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة إلى جانب 108 دول في العالم مصنّفة ذات مؤشر تنمية مرتفع أو مؤشر تنمية مرتفع جداً! ما يثير تساؤلات كثيرة عن مدى تعبير هذا المؤشر عن الواقع الحقيقي، ولا سيما في بلد مثل لبنان يعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية حادّة منذ العام 2019، ويقع في وسط جغرافي متوتر سياسياً وعسكرياً، إذ أن هذه النتيجة تخوّل صناع القرار اللبنانيين أن يتغنوا أمام الملأ بعملهم الجاد والدؤوب في تحسين حياة الناس. 

والواقع في لبنان ينطبق على غالبية دول العالم التي تبدو وفق هذا المؤشر كما لو أنها تخطو إلى الأمام على درب التنمية على الرغم من معرفتنا أن العالم كلّه يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وبيئية مستعصية ومستفحلة من دون أفق حل واضح، لذلك لا بد من السؤال كيف استطاع عالم مأزوم أن يحقّق معدلاً مرتفعاً في التنمية البشرية (0.739)؟

مؤشر التنمية البشرية في لبنان

مفهوم التنمية البشرية 

كان مستوى التنمية في بلد ما حول العالم يقاس بنموه الاقتصادي فقط. وأن تُنتج سلعاً وخدمات أكثر يعني أنك تمشي قُدُماً في مسار التنمية. استمرّ ذلك حتى العام 1990، عندما ظهر مؤشر التنمية البشرية للمرة الأولى، وأحدث بحسب مزاعم واضعيه ثورة في معنى أن تصبح البلدان «أكثر نمواً». 

بحسب موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «تم إنشاء مؤشر التنمية البشرية للتأكيد على أن الناس وقدراتهم يجب أن يكونا المعيار النهائي لتقييم التنمية في بلد ما، وليس النمو الاقتصادي وحده»، نستنتج هنا أولاً أن الهدف النهائي لهذا المؤشر هو احتساب درجة تمكين قدرات الناس، وثانياً أن السبيل إلى ذلك يتجاوز مجرّد احتساب النمو الاقتصادي بل يشمل أبعاداً أخرى، فهل نجح المؤشر في تحقيق وعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟

لنحاول شرح مفهوم التنمية البشرية من الناحية التقنية، أي طريقة احتساب المؤشر، لنتبيّن لأي درجة تتطابق طرق احتساب المؤشر مع الفلسفة التي تقف وراءه، أو المبرّر لوجوده بتعبير آخر، سيلزم ذلك أن نتحدث في البداية عن أربع مؤشرات أخرى تستخدم  في حساب مؤشر التنمية، هي أيسر هضماً وأسهل فهماً، بالإضافة إلى التعامل مع بعض الرياضيات البسيطة التي يألفها طلاب السنين المتوسطة في المدارس.

مؤشر التنمية البشرية هو مقياس موجز لما أنجزه بلد معين على ثلاثة صعد: أولاً الحياة المديدة والصحية، وثانياً المعرفة، وثالثاً التمتع بمستوى معيشي لائق، وتقاس هذه الأبعاد أو المستويات الثلاث بمؤشرات متعارف عليها، فمستوى الحياة المديدة يقاس بمؤشر متوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومستوى المعرفة يقاس باحتساب نقطة المنتصف بين مؤشرين، هما متوسط سنوات الدراسة للبالغين وسنوات الدراسة المتوقعة للأطفال، حيث يجمع المعدلان ويُقسمان على 2 للحصول على مؤشر مرتبطة بالمعرفة، أما مستوى المعيشة فيتم التعبير عنه عبر نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي.

ما علينا فعله لاحتساب مؤشر التنمية البشرية هو ضرب الأرقام المرتبطة بكل واحدة من المستويات أو الأبعاد الثلاثة ببضعها بعضاً، أي ضرب مؤشر الصحة بمؤشر المعيشة بمؤشر المعرفة، وبعدها أخذ الجذر التكعيبي (power 1/3) لحاصل الضرب، هذه العملية الحسابية: «ضرب الأرقام واحتساب الجذر» تسمى بالمتوسط الهندسي، وقد نالت نصيبها من النقد الموجّه إلى مؤشر التنمية البشرية.

نقد المؤشر من أربع جهات

1.  بيانات غير دقيقة 

قبل كل شيء، نسأل هل بيانات معدل الأعمار، والدخل القومي للفرد، ومعدل سنوات الدراسة وسنوات الدراسة المتوقعة التي تجمعها الأمم المتحدة لاحتساب مؤشرات التنمية لكل بلد هي بيانات صحيحة ودقيقة ومتطابقة مع الواقع؟ 

تخلص دراسة (Wolff, Chong, and Auffhammer, 2011) إلى أن 34% من البلدان في العالم يتم تصنيفها بشكل خاطئ بسبب البيانات الخاطئة التي تستعمل عند احتساب مؤشر التنمية، علماً أن الدراسة تشير إلى أن نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي يحتمل أكبر قدر من الخطأ عند القياس، في حين أن متوسط العمر المتوقع هو الأكثر دقة بين المكونات الثلاثة.

في حالة لبنان بالذات، تأخذ المشكلة طابعاً أكثر تعقيداً، حيث يرى البنك الدولي أن تحليل الاقتصاد الكلي (في لبنان) يمثل تحدياً واضحاً، ويعد من الأمثلة اللافتة في هذا الصدد تجميع ونشر الحسابات القومية في لبنان: إذ يتم تجميعها على أساس سنوي (بدل أساس ربعي كل ثلاث شهور)، ويتم نشرها بتأخير قد يتجاوز السنتين أو ثلاث سنوات في بعض الأحيان (أخر حسابات منشورة تعود للعام 2020)، وليس من النادر أن نجد صندوق النقد الدولي يعلّق في هذا الصدد بأن « بيانات الحسابات القومية ضعيفة ويرجع ذلك أساساً إلى ضعف تغطية مصدر البيانات وحسن توقيتها وعدم كفاية الموارد».

من جهة أخرى، من المعلوم أن نصيب الفرد من الدخل الإجمالي يُحدّد بقسمة الدخل الإجمالي في البلاد على إجمالي عدد السكان فيه، لكن المعلوم كذلك أن آخر إحصاء رسمي لعدد السكان في لبنان قد جرى في 1932، هذا مع تجاهلنا لاحتمالية التلاعب بالنتائج حينها لأغراض سياسية في ظل استعمار فرنسي منحاز طائفياً.

ليس لبنان البلد الوحيد الذي لم يجرِ تعداداً سكانياً منذ القرن الماضي، فقد أجرت أفغانستان آخر تعداد سكاني لها في العام 1979، أي منذ 45 عاماً، وجمهورية الكونغو الديمقراطية في العام 1984، وأوزباكستان في العام 1989، بل وهناك أكثر من دزينة من الدول التي أجرت تعدادها السكاني قبل 2010، مثل هاييتي (2003) واليمن (2005)، ناهيك عن عشرات الدول التي لم تجرِ أي تعداد سكاني في العشر سنين الماضية.

2.  المغزى من المؤشرات؟ 

يعاني مؤشر التنمية البشرية أيضاً من أزمة متعلقة بمغزى المؤشرات المكوّنة له، نسأل هل نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي هو المؤشر الذي يعبر فعلاً عن حالة الاقتصاد في البلاد؟ هل متوسط سنوات الدراسة للبالغين وسنوات الدراسة المتوقعة للأطفال هما المؤشران اللذان يعبران فعلاً عن حال التعليم؟ هل معدل الأعمار هو المؤشر المعبّر فعلاً عن مستوى الصحة؟ هل هذه المؤشرات الأربع هي المعبّرة بالضرورة عن هذه الأبعاد الثلاث التي يحاول برنامج الأمم المتحدة إعطائها طابعاً كمومياً يمكن قياسه؟

نسأل مثلاً عن معنى الدخل الإجمالي للفرد في ظل ظاهرة الاقتصاد غير المنظّم المنتشرة حول العالم، والذي يتألف من أنشطة لها قيمة سوقية ولكنها غير مسجلة رسمياً، حيث يشارك نحو 60% من سكان العالم في القطاع غير المنظّم، وعلى الرغم من انتشاره في الغالب في الاقتصادات الناشئة والنامية، إلا أنه جزء مهم من الاقتصادات المتقدمة (البنك الدولي 2021)، وبحسب منظمة العمل الدولية فإن الناتج المحلي الإجمالي غير المنظم قد يتراوح ما بين 15% و35% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، حسب المنطقة. وعلى صعيد آخر، من المعلوم لدى الاقتصاديين مثلاً أن الدخل القومي الاجمالي للبلدان وتبعاً نصيب الفرد منه قد لا تعكس بدقة القوة الشرائية لبلد معين، فلمقارنة القوى الشرائية بين البلاد يجب تحويل أرقام الدخل القومي الإجمالي للبلدان ذات العملات المختلفة إلى عملة موحدة.

أيضاً، لا يعبّر الدخل الإجمالي للفرد عن شروط اقتصادية أخرى، عادة ما تصنف في خانة «الظروف والمؤشرات الاجتماعية»، كشروط عقود العمل وظروف مكان العمل والاستقرار المادي وقدرة الأفراد على توقع وضعهم المعيشي في المديين القريب البعيد، بالإضافة إلى ذلك فإن مؤشر نصيب الفرد من إجمالي الدخل هو مؤشر كمّي للغاية، ولا يستطيع التعبير عن طبيعة الإنتاج الذي يأتي منه الدخل في البلاد، مثلاً ما معنى أن يرتفع مؤشر التنمية في بلد زاد الدخل الإجمالي فيه بسبب ارتفاع عائداته الآتية من الريع؟

كذلك الأمر إن تمعّنا في المؤشرات المتعلقة بالتعليم، كيف ينعكس نيل فردين نفس العدد من سنوات الدراسة ولكن بصروح تعليمية ذات مستويات مختلفة على مؤشر التعليم؟ لما لا تؤثر جودة التعليم على مؤشر التعليم؟ أهو بسبب عجز المؤسسات الدولية عن إعطاء طابع كمومي لجودة التعليم يتيح مقارنتها بين دول؟ فلا زالت اليونيسف تواجه صعوبة في تقييم ومقارنة قدرات القراءة والرياضيات لدي أطفال المدارس الابتدائية في دول مختلفة، فعلى الرغم من أن «البيانات حول تقييمات التعلم الوطنية متاحة بسهولة، إلا أن كل بلد يضع معاييره الخاصة، مما يؤدي إلى تعاريف غير متسقة لمستويات الأداء».

يُوجّه النقد نفسه  إلى متوسط العمر المتوقع عند الولادة، هل يتساوى اثنان عاشا المدة الزمنية نفسها، ولكن اختلفت ظروفهما الصحية؟ ألا تحتسب جودة الحياة في مؤشر الحياة؟ لماذا يتخاذل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إجراء تعديل يلحظ جودة الحياة رغم تطوير منظمة صحة العالمية مؤشر HALE، «متوسط العمر المتوقع الصحي (عند الولادة)»، حيث تشير منظمة الصحة العالمية الى أنه «من المهم تسجيل كل من النتائج الصحية المميتة وغير المميتة في مقياس موجز لمتوسط مستويات صحة السكان»، فالمؤشر معني إلى جانب قياس طول الأعمار بـ«الأمراض الرئيسية التي تسبب الاعتلال وليس الوفاة». 

من الانتقادات الموجهة أيضاً إلى مؤشر التنمية هو تركيزه على المتوسطات أو المعدلات، وقد أدى هذا الأمر الذي يؤدي به إلى حجب الاختلافات المهمة في التنمية البشرية ضمن البلد الواحد، فالمؤشر مثلاً يلحظ متوسط نصيب الفرد من الدخل الإجمالي ولكن لا يلحظ التفاوت في توزيع المداخيل ضمن سكان البلد الواحد، وقد دفع هذا برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى ابتكار «مؤشر التنمية البشرية المعدل وفقاً لعدم المساواة» (IHDI). لكن، حتى الآن تخلو قائمة بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمؤشر التنمية البشرية المعدل وفقا لعدم المساواة من بيانات ثلاثين دولة تقريباً بينها لبنان. أيضاً قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتطوير مؤشر التنمية بين الجنسين (GDI)، الذي يقيس أوجه عدم المساواة بين الجنسين من حيث أبعاد للتنمية البشرية الثلاث.

3. مؤشر يعاني من أزمة شمول

«إن مفهوم التنمية البشرية أوسع من أي طريقة لقياس التنمية البشرية، بالتالي، على الرغم من أن مؤشر التنمية البشرية هو مقياس يتطور باستمرار إلا أنه لن يعبّر أبدًا عن التنمية البشرية في صورتها الكاملة». بهذه العبارة، يتنصل برنامج الأمم المتحدة من عجز مؤشره عن التقاط كل مناحي التنمية البشرية واقتصاره على ثلاث أبعاد منها لا غير، علماً أن هذا هو أسهل عذر يقدّم عادة في مجالات العلوم الإجتماعية عند قصور مؤشر أو متغيّر رياضي ما عن التقاط واقع اجتماعي ديناميكي ومعقّد.

رداً على الانتقادات المتعلقة بعدم شمول المؤشر لأبعاد تنمية أخرى، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتطوير أدوات تكميلية إضافية مثل مؤشر الفقر البشري، ومؤشر التنمية المرتبط بنوع الجنس، ونرى كذلك في بيانات البرنامج مؤشرات متعلقة بالبيئة مثل نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وأخرى اجتماعية كمعدل المشاركة في القوى العاملة، إلا أن استخدام هذه المؤشرات كأدوات تكميلية لمؤشر التنمية بدل استخدامها عند احتسابه تفتح مجالاً للشك في قدرة المؤشر على تحقيق وظيفته بخلق صورة موجزة لحال التنمية في بلد ما، أليس من الأفضل عرض المؤشرات المستخدمة في احتساب مؤشر التنمية بشكل مرئي جنباً إلى جنب مع المؤشرات التكميلية دون الخوض في عملية حسابية لا تثمر شيئاً؟ ألا يحقق استخدام مؤشر تنمية مشوّه للواقع ضرراً يفوق نفعه، بالذات لاستخدامه كمرجع بل توظيفه لأغراض سياسية من قبل سياسيين وتقنيين وصحافيين ذوي مآرب متباينة؟

عودة إلى فلسفة مؤشر التنمية البشرية، وبالذات فكرة «تمكين قدرات الناس»، اعتبر التقرير أنها «قدرة الناس على التصرف كفاعلين، يمكنهم القيام بأشياء ذات تأثير بناءً على التزاماتهم ويقاس ذلك عبر مؤشرين: نسبة السكان الذين أفادوا بأنهم يشعرون بالسيطرة على حياتهم، ونسبة السكان الذين أفادوا بأنهم يشعرون بأن صوتهم مسموع في النظام السياسي».

استناداً إلى المؤشرين أعلاه، لا يخفى على أحد إخفاق الدولة اللبنانية في ترسيخ مفهوم القدرة، فقد اجتاح المجتمع اللبناني شعوراً بالعجز بالذات منذ السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019، لأسباب تشمل عدم القدرة على تغيير نظام سياسي (المؤشر الثاني للولاية)، ولأسباب متعلقة بعجز الفرد عن السيطرة على حياته (المؤشر الأول للولاية) في بلد يعاني من تقلب اقتصادي مستعصي على التنبؤ، هذا فضلاً عن تواجد سكان البلد في بقعة جغرافية مليئة بالتوترات تحد من حركتهم وتقلّص من خياراتهم الحياتية، نتسائل هنا كيف استطاع بلداً كهذا تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية على الرغم من إخفاقه أخفاقاً كلياً في أحد مداميكها، مفهوم القدرة (Agency)؟  

4. معادلة رياضية مأزومة

نعود هنا إلى المتوسط الهندسي، ترى تحليلات أن المتوسط الهندسي ليس بسيطاً وبديهياً ، كما الحال في المتوسط الحسابي الذي نستخدمه في العادة (احتساب الإجمالي وقسمته على العدد الكلي)، وبالتالي فإن استخدام المتوسط الهندسي في احتساب مؤشر التنمية البشرية يقوض إحدى المزايا الرئيسية التي ينبغي عليه أن يتسم بها وهي «البساطة».

دعونا نضرب مثلاً، بين عامي 2005 و2022، انخفض متوسط العمر المتوقع عند الولادة في لبنان بمقدار 1.9 سنة، وزاد كل من متوسط سنوات الدراسة المتوقعة بمقدار 1.8 سنة، ومتوسط سنوات الدراسة بمقدار 0.6 سنة، إلا أن نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي للفرد في لبنان قد تراجع بنحو 13.4% بين عامي 2005 و2022

تترك هذه الأرقام انطباعاً أن مؤشر التنمية في لبنان قد تراجع بين 2005 و2022 نتيجة لتراجعه في بعدين من ثلاث، وبحرمان الفرد من سنتين من حياته و13.4% من دخله، بالإضافة إلى زيادة ضئيلة في سنوات الدراسة، إلا أنه استناداً إلى المعادلة المستخدمة في احتساب مؤشر التنمية والمتوسط الهندسي ارتفعت قيمة مؤشر التنمية البشرية في لبنان من 0.710 إلى 0.723، أي بنسبة 1.8% بين عامي 2005 و2022.

لنأخذ على سبيل المثال زمبابوي، البلد صاحب أدنى دخل في عام 2010، يبين رافاليون (Ravallion, 2012) أنه بالنظر إلى قيمة مؤشر التنمية البشرية ومكوناته، فإن البلد في العام 2010 كان سيحصل على مؤشر تنمية بشرية أعلى من خلال تنفيذ سياسة تزيد الدخل بمقدار 0.52 دولار مقارنة بسياسة تزيد العمر المتوقع سنة كاملة!

كيف ذلك؟ لنفترض أنه في بلد ما بلغ المؤشر الاقتصادي = 0.2، ومؤشر التعليم = 0.5، ومؤشر الحياة = 0.8، الآن فلنحتسب مؤشر التنمية: (0.8 × 0.5 × 0.2)^0.33 يساوي 0.430، ماذا لو رفعنا مؤشر الحياة بمقدار 0.1، أي من 0.8 إلى 0.9؟ طبعاً سيرتفع المؤشر، وسيبلغ بنفس الحسبة 0.448، لكن ماذا لو لم نرفع مؤشر الحياة بل رفعنا بدلاً منه مؤشر الاقتصاد بـ0.1، أي من 0.2 إلى 0.3، النتيجة ستكون  0.493، نتيجة أكبر! أيعني هذا أن رفع مؤشر الاقتصاد ذو تأثير أكبر من رفع مؤشر الحياة؟ ليس دائماً، السبب في حالة الأرقام التي اخترناها أن مؤشر الاقتصاد أصغر من مؤشر الحياة، وهذه من خاصيات المتوسط الهندسي، كل ما كان أحد مكوناته أصغر، كل ما كانت زيادته تعطي نتيجة أكبر مقارنة بزيادة مكون آخر، فالدولار المضاف إلى معدل الدخل في البلدان الفقيرة ذو تأثير أكبر على التنمية من الدولار نفسه المضاف في البلدان الغنية، بل هو أهم من إضافة سنة حياة أو سنة تعليم إن كان مؤشريهما بوضع أفضل من المؤشر الاقتصادي، يفسح المتوسط الهندسي المجال لمفاضلات بين مكونات المؤشر تختلف من بلد إلى آخر.