معاينة 4 حقائق عن مجاعة غزّة

4 حقائق عن مجاعة غزّة

صحيح أن الجوع القاتل هو نفسه أينما حلّ، إلّا أن مجاعة غزة اليوم تختلف عن المجاعات الأربع التي شهدها القرن الحادي والعشرون، سواء في طبيعتها وشدّتها وسرعة انتشارها وظروفها غير المسبوقة في العصر الحديث. 

يشكّل صدور الإعلان الرسمي للمجاعة في غزة في 22 آب/أغسطس، والتي تعدّ أول مجاعة في الشرق الأوسط في التاريخ الحديث، تطوّراً مهماً بعد 685 يوماً على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل على مرأى من العالم وصمته. فهذا الإعلان هو إقرار إضافي ودليل دامغ من الأمم المتحدة لانتهاك إسرائيل القانون الدولي الإنساني وارتكابها جرائم حرب عبر استخدام التجويع كسلاح حرب، لا لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين المحاصرين فحسب، بل لتنفيذ نواياها الإبادية وتحقيق مشروعها الاستعماري من خلال تدمير حياة جميع الفلسطينيين على المدى الطويل، وتحويل أرضهم إلى مكان غير قابل للحياة، بهدف إرغامهم في نهاية المطاف على مغادرة أرضهم. وهذه ممارسة غالباً ما استخدمها المستعمرون على مرّ التاريخ. 

4 حقائق عن مجاعة غزّة

1. مجاعة من صنع الإنسان

تستخدم إسرائيل التجويع كسلاح في حرب الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من 22 شهراً ضدّ الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة. وبحسب تصنيفات المؤسسات الدولية، تعد مجاعة غزة من صنع الإنسان، إذ نتجت عن الحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، ومنعها دخول المساعدات الإنسانية والغذائية والوقود، وهو ما ترافق مع تدمير متعمّد ومباشر للأراضي الزراعية، إذ تُظهر أحدث صور الأقمار الصناعية أن 86% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة قد تضرّرت، في حين أن معظم الأراضي المتبقية غير قابلة للوصول، ما يترك 1.5% فقط من الأراضي الزراعية متاحة وغير متضرّرة حالياً. وهذا لا يعني خسارة محاصيل لموسم واحد فقط، بل انهيار المنظومة الغذائية المحلية بالكامل، وتعميق المجاعة عبر رهن حياة سكان غزة بالمساعدات الشحيحة التي تسمح دولة الاحتلال بدخولها، فضلاً عن قصف المخابز وتدمير الأسواق. في حين أن المجاعات التي حلّت في السودان (2024) وجنوب السودان (2017 و2020) والصومال (2011)، نجمت عن مزيج من الصدمات المناخية والفشل الاقتصادي والسياسي والحروب، وليس عن حصار متعمّد. شهدت تلك الدول موجات من الجفاف والفيضانات وغزو الجراد، ما أدّى إلى تراجع الإنتاج الزراعي المحلي الذي يعد وسيلة عيش الشريحة الأكبر من السكان. فضلاً عن انزلاقها في حروب أهلية ترافقت مع انهيار الأسواق بفعل التضخّم وضعف البنية التحتية ما أعاق توزيع الغذاء واستيراده. 

2. مجاعة في منطقة حضرية محاصرة

تتسم المجاعة في غزة بكونها تحلّ على منطقة محاصرة ومكتظة بالسكان ومعظمها حضرية، حيث يعتمد الجزء الأكبر منهم على الواردات الغذائية التي يصعب الحصول عليها، فيما يعجزون عن الاعتماد عن الزراعة بسبب التدمير الممنهج وصيد الأسماك الممنوع. وبالتالي لا توجد أمام السكان المحاصرين أراضٍ بديلة أو منافذ للهروب من المجاعة. أمّا السودان وجنوب السودان والصومال فهي مناطق واسعة وقد ضربت المجاعة مناطق ريفية في الغالب يسكنها مزارعين ورعاة يعتمدون على المعيشة الذاتية، مع إمكانية استمرار بعض الإنتاج الغذائي المحلي على الرغم من التعطيل، فضلاً عن إمكانية النزوح عبر الحدود إلى الدول المجاورة.

3. مجاعة بسبب حظر الوصول إلى الغذاء لا نقصه

في المبدأ لا يوجد نقص في الغذاء المتاح للسكان في غزة. فالمساعدات مكدّسة على أبواب غزة، حيث يوجد أكثر من 170 ألف طن من الغذاء، وهو ما يكفي لإطعام جميع سكان القطاع لمدة 3 أشهر بحسب برنامج الغذاء العالمي، ولكنها ممنوعة من عبور نقاط التفتيش على المعابر، أو مستهدفة في الغارات الإسرائيلية المتواصلة.

وبالفعل، دأبت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في غزة طوال فترة الحرب على التبليغ باستمرار عن عرقلة المساعدات الإنسانية عمداً. وهو ما يجعل القضية غير مرتبطة بالنقص في الغذاء بل بحظر دخوله ووصول الفلسطينيين إليه. في حين اتسمت المجاعات الأخرى المعلنة في السودان وجنوب السودان والصومال بتأثر المساعدات بانعدام الأمن الغذائي وسوء الطرق الذي يحول دون إمكانية إيصالها وليس بسبب حجبها بحصار خارجي، علماً أن الممرّات الإنسانية الدولية والنقل الجوي ومخيمات اللاجئين أدّت دوراً في التخفيف الجزئي من حدّة المجاعة. 

4. مجاعة شديدة وسريعة الانتشار

تعتبر الوكالات الأممية أن مجاعة غزة هي أسرع مجاعة في التاريخ الحديث إذ تطوّرت خلال أشهر وليس سنوات بتصميم سياسي. على عكس المجاعات الأخرى المعلنة التي تطوّرت ببطء وتدريجياً بعد فشل محاصيل متتالية أو بسبب نزاعات طويلة. إلى ذلك، يصل عدد الأشخاص الذين يعيشون ظروف المجاعة في غزة إلى نحو شخص من بين كل 3، وهي نسبة تفوق بكثير تلك المعلنة في السودان (2024)، جنوب السودان (2017 و2020)، أو الصومال (2011). صحيح أن عدد الجياع المصنفين في مرحلة الطوارئ في السودان وصل إلى 755 ألف شخص، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق، إلا أنهم يمثلون 1.5% من مجمل السكان، في مقابل 0.8% من مجمل السكان في جنوب السودان (مجاعة 2017) و3% في الصومال. بينما بلغ عدد الجياع المصنفين في المرحلة الخامسة في غزة نحو 514 ألف شخص ومن المتوقع أن يصلوا إلى 641 ألف شخص في أيلول/سبتمبر المقبل، وهو ما يمثل 24% إلى 30% من مجمل سكان قطاع غزّة.