معاينة southern armenia border iran

طريق ترامب في جنوب القوقاز: هندسة السلام؟

في قمّةٍ مصغّرة في واشنطن جمعت في 8 آب/أغسطس ترامب والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول پاشينيان وافقت الأطراف المجتمعة من حيث المبدأ على اتفاقية «طريق ترامب من أجل السلام والازدهار الدولي»، وهي مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وأرمينيا لإنشاء وإدارة طريق وسكة حديديّة وروابط للطاقة تصل أذربيجان بجيبها الناخيتشيڨاني الواقع إلى الغرب منها، عبر إقليم سيونيك الأرمني (أنظر.ي الخريطة أدناه). يشكّل هذا الممرّ الممتدّ 27 ميلاً على طول الحدود الجنوبيّة لأرمينيا عنصراً محوريّاً في مقاربة جديدة لتسوية دبلوماسيّة للنزاع المستمرّ منذ عقود بين البلدين.

map prospective corridor

إذا نُفِّذَ المشروع فسوف يخلق الشروط لصلة دائمة بين أذربيجان وحليفتها تركيا ذات القرابة الإثنيّة، كما سيفتح طريقاً ثانياً للتجارة والطاقة - إلى جانب الطريق القائم عبر جورجيا شمالاً - يمتدّ من أوروبا إلى آسيا الوسطى والصين متجاوزاً روسيا، في وقت ازدادت فيه أهمّيةُ الطاقة القزوينية بالنسبة إلى الولايات المتّحدة وأوروبا بعد الانخفاض الحادّ في الإمدادات الروسية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية. غير أن الجدوى التجارية لإنشاء أنبوب جديد بين الشرق والغرب لا تزال موضع تساؤل، شأنها شأن معظم تفاصيل المشروع برمّته، إذ لم تُصَغ بعد خططٌ عملية للمسار، ولا يمكن إنشاؤه إلّا في إطار تسوية نهائيّة شاملة للنزاع، ولا تزال أمام هذه التسوية عقبات جسيمة. وفوق ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب تملك من التماسك والخبرة والجلَد ما يؤهّلها لإنجاح الاتفاقية ومسار السلام.

بيد أنّ مزايا الممرّ المقترَح جليّة. فأذربيجان ستكسب صلةً برّية بجيبها الناخيتشيڨاني وبتركيا، وأرمينيا ستظفر بإمكانيّة إنهاء - أقله لفترة طويلة - تهديدات باكو بانتزاع ممرّ تسيطر عليه بالقوّة عبر اقتطاع أراضٍ أرمَنيّة، وإلحاق هزيمة استراتيجية ساحقة بأرمينيا وإيران. لا ينصّ المشروع، بصورته الراهنة، على وجود قوّات أميركية، لكن حضوراً واسع النطاق للبنية التحتيّة والمصالح التجارية الأميركية سيشكّل رادعاً قوياً لأي عدوان أذربيجاني في المنطقة. كما أنّ المشروع وتسوية السلام سيقودان إلى تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا، وقد أثقلها تاريخٌ متوتّر قروناً طويلة تخلّلته محطّات عنف دامية بلغت ذروتها الشنيعة في مجزرة في العام 1915 حصدت نحو مليونٍ ونصف مليون أرمني عثماني. وكانت تركيا قد أغلقت حدودها مع جارتها الشرقية سنة 1993 تضامناً مع أذربيجان التي كانت تتكبّد آنذاك خسائر فادحة أمام القوّات الأرمنية. أمّا الممرّ الجديد فسيفتح الحدود من جديد، مفسحاً المجال أمام التجارة الأرمنية إلى أوروبا والشرق الأوسط عبر تركيا.

ومن جانبها، يمكن قراءة دعم أنقرة لطريق يصلها بأذربيجان وما وراءها على أنّه ثمرة متأخّرة لطموحٍ قديم: إقامة مجال نفوذ تركي يمتدّ عبر القوقاز الجنوبي وعبر بحر قزوين إلى الشعوب التركية في آسيا الوسطى. وعلى الرغم من أنّ هذا التصوّر لم يجد صدىً واسعاً في آسيا الوسطى، تبقى القومية الطورانية في تركيا محوراً أساسياً لحزب الحركة القومية اليميني المتطرّف، شريك أردوغان الفعلي في الائتلاف منذ العام 2015. وفي ما يشبه السعي لتحقيق هذا الطموح في المرحلة ما بعد السوفياتية، غدت تركيا الحليفَ الأبرز لأذربيجان، إذ منحتها دعماً دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً حاسماً، تكرّس في اتفاقية الشراكة الاستراتيجية والدعم المتبادل في العام 2010، فضلاً عن تزويدها بالسلاح والتدريب. وفي المقابل صارت باكو مورداً مهمّاً للنفط والغاز إلى تركيا.

لكنّ فاعلَين إقليميّين آخرين، هما روسيا وإيران، يملكان القدرة على تقويض الاتفاقية، أو تخريبها (حرفياً)، ومعها التسوية الأوسع المرتبطة بها. لكلّ من البلدين هواجسه العميقة، على الرغم من إبدائهما (لا سيما إيران) تفاؤلاً حذراً. هلّل الصقور في واشنطن لهذا المشروع الأميركي بوصفه خطوة مفصليّة في دحر النفوذ الروسي والإيراني في القوقاز الجنوبي. فالتهديد لإيران مباشر، إذ تقطع الاتفاقية الطريق البرّي الحيوي الممتدّ من الخليج عبر إيران وأرمينيا وجورجيا وصولاً إلى روسيا وأوروبا، بل قد تسدّه، كما ترسّخ وجوداً أميركيّاً على بُعد أميال قليلة من حدودها. وليس غريباً أن يتعاظم هذا الهاجس بعد الضربات الإسرائيلية والأميركية في خلال العام الجاري، ومع ترديد أصوات في إسرائيل، وبين المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وبعض الليبراليّين الأوروبيّين، بضرورة تفكيك إيران على أسسٍ إثنية، عبر فصل أذربيجان الإيرانيّة وكردستان عنها. من المستبعد نجاح هكذا مخطّط، فالأذرية الإيرانية، أكبر المجموعات غير الفارسية، مندمجة بقوّة ويشغل أبناؤها مناصب عليا في الدولة، لكن تظل هواجس طهران مفهومة.

الولايات المتّحدة وإسرائيل لاعبان مستجدّان في الإقليم، أمّا إيران وتركيا وروسيا فحضورها قديمٌ. لكنّ الاحتجاج بالتاريخ فقدَ جدواه في معظم الدوائر السياسية والإعلامية في واشنطن وبروكسل وباريس ولندن؛ فمحاوروك هناك لا يدركون ما تعنيه، ولا يملكون لا المعارف الأساسية ولا الحيوية الفكرية لمحاولة الفهم أصلاً. فمَن يجهل أنّ العلاقة الروسية والأوكرانية (وقد اتسمت أحياناً بصراع حاد وأحياناً أخرى بتوافق واسع) امتدّت أكثر من 4 قرون، لن يُدرك أنّ تحويل أوكرانيا إلى حاجز عسكري في وجه روسيا ليس التزاماً لعقود أو أجيال، بل لقرون مقبلة؛ والتزامٌ كهذا لا يحمل أي معنى وفارغ.

وعلى غرار العلاقة بين روسيا وأوكرانيا، فإنّ آمال الأذريّين والأتراك ضاربة في الجذور، وكذلك هواجس الإيرانيّين والروس وكثيرٍ من الأرمن. تنطوي الاتفاقية الجديدة على مسائلَ معقّدة تتعلّق بالهويّة والأمن القومي، وبالمصالح المحلية والمنافسات الدولية. وما سيأتي محاولةٌ لتفكيك بعض هذه التشابكات، وهو أمرٌ لا غنى عنه لكلّ تحليل يتجاوز كليشيهات الإعلام الغربي ومؤسّسات صنع السياسة الخارجيّة.

يكمن جوهر الخصومة المعاصرة بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورنو–قرة باخ المتنازع عليه؛ إذ تعترف به الشرعيّة الدوليّة جزءاً من أذربيجان، غير أنّه يحمل تاريخاً من الحكم الذاتي ذي الغالبيّة الأرمنيّة. وأحد الأجوبة (أو بالأحرى لا جواب) عن سؤال، لمن ينتمي «حقّاً» ناغورنو–قرة باخ (أو «آرتساخ» بالأرمنيّة)، نجده في مسحٍ من القرن التاسع عشر، لعلّه مختلق، أفاد أنّ قرة باخ يغلب فيه الأرمن شتاءً، ويغلب فيه الأذريون صيفاً حين تدفع قبائلهم قطعان الغنم إلى مراعي الجبال. ومهما يكن، فالمؤكّد أنّ المنطقة أيام الحكم السوفياتي ذات أغلبيّة أرمنيّة قاربت 80% بحلول العام 1989، غير أنّها ضمّت أيضاً مدينة شوشا الأذريّة العريقة.

بعد سقوط الإمبراطوريّة الروسيّة، واندلاع الثورة البلشفيّة، وانهيار الجمهوريّة الفيدراليّة الديموقراطيّة ما وراء القوقاز القصيرة العمر، أعلنت أرمينيا وأذربيجان وجورجيا استقلالها في أيّار/مايو 1918. فاندلعت الحروب الإثنيّة في معظم أرجاء المنطقة. تقاتل الأرمن والأذريّون على الأقاليم المختلطة عرقيّاً: قرة باخ وناخيتشيڨان (نقطة النهاية في مشروع الطريق) وزانغيزور. وقد أوقف غزو القوّات البلشفيّة لجنوب القوقاز في 1920–1921 وما أعقبه من ترسيخ السلطة السوفياتيّة تلك الاشتباكات. فجُعلت ناخيتشيڨان جمهوريّة ذاتيّة الحكم ضمن جمهوريّة أذربيجان السوفياتيّة الاشتراكيّة، وأُلحق معظم زانغيزور بجنوب مقاطعة سيونيك التابعة لجمهوريّة أرمينيا السوفياتيّة الاشتراكيّة. أمّا إعلان إقليم ناغورنو–قرة باخ ذو الغالبيّة الأرمنيّة منطقة ذاتية الحكم داخل أذربيجان سنة 1923، فلم يُرضِ الأرمن ولا الأذريّين. فوق هذا، ظلت في المدن الأذربيجانية أقليّة أرمنيّة كبيرة، وأقليّة أذريّة كبيرة في المدن الأرمنية.

في الأيام الأخيرة من الحكم السوفياتي، رُفضت مراراً مناشداتٌ رُفعت إلى موسكو لنقل ناغورنو–قره باخ إلى أرمينيا. وفي الثمانينيّات، مهّدت إصلاحات ميخائيل غورباتشوف الطريق لتحدّ أرمني جديد للوضع القائم منذ زمن بعيد. ففي شباط/فبراير 1988 أصدر المجلسُ المحلي قراراً علنيّاً يدعو إلى نقل إقليم قرة باخ ذاتيّ الحكم من أذربيجان السوفياتيّة إلى أرمينيا السوفياتيّة. وقد أسقطت اللجنةُ المركزيّة للحزب الشيوعي القرارَ مجدّداً، غير أنّ الأمور بدأت تنفلت من قبضتها. ففي يريڨان عاصمة أرمينيا اندلعت تظاهرات حاشدة نصرةً لأرمن قره باخ، وأخذ المشهد في أذربيجان السوفياتيّة منحًى دمويّاً. فقد بدأت مذابح ضد الأرمن في مدينة سومغاييت الساحليّة شرقيّ البلاد. ومع تصاعد العنف المحلي في الجمهوريتين، أخذت موجات النزوح تزداد بين الأرمن والأذريّين، إذ هرع كلٌّ منهما إلى جمهوريّته السوفياتيّة يلتمس الأمان.

جعل الضغطُ القوميّ العارم في أرمينيا وأذربيجان من المستحيل على السلطات الشيوعيّة المحليّة أن تبحث عن حلّ تفاوضي، حتى وإنْ كان متاحاً في حينها. ومع نهاية الثمانينيّات كان إرساء السلام يتطلّب أمرين يناقضان البرنامج الأوسع لغورباتشوف (وربّما مناقضين لطبيعته الإنسانيّة أيضاً): فرضَ حكمٍ مباشر من موسكو على الجمهوريتين، والاستعدادَ لاستخدام القوّة العسكريّة ضد المتظاهرين.

حين انهارت السلطة السوفياتيّة في خريف 1991 وأعلنت أرمينيا وأذربيجان وناغورنو–قره باخ استقلالها، كان النزاع قد دخل طور الحرب الشاملة؛ مع دخول أرمينيا الفتال دعماً لقوّات قره باخ. وعلى الرغم من الحصار المضروب عليها من أذربيجان وتركيا، ظلّت أرمينيا صامدة اقتصادياً بفضل إمدادات الطاقة القادمة من إيران المجاورة التي خشي حكّامها من تصاعد القوميّة الأذريّة وتمدّد النفوذ التركي. شهدت الأعوام الثلاثة التالية سلسلة انتصارات أرمنيّة أفضت إلى سيطرتها على كامل إقليم قره باخ السابق تقريباً ومعظم الأقاليم الأذريّة السبعة المحيطة به، بعدما فرّ منها السكّان الأذريّون. وفي أيار/مايو 1994 جرى توقيع وقف لإطلاق النار بوساطة روسيّة، غير أنّه لم يتضمن دخول قوّات روسية لحفظ السلام.

ظلّت معادلة «لا حرب ولا سلم»، المألوفة في نزاعاتٍ ما بعد إمبراطوريّة أخرى مثل كشمير، سائدةً بلا انقطاع تقريباً طوال أكثر من عقدين، باستثناء اشتباكات محدودة كان أبرزها جولة قتال استمرّت 4 أيّام في العام 2016. وقد أخفقت المحاولات المتكرّرة للوساطة الدوليّة، وفي مقدّمتها مساعي مجموعة مينسك التابعة لمنظّمة الأمن والتعاون في أوروبا برئاسة روسيا وفرنسا والولايات المتّحدة. بدا أنّ المشهد قد حُسم على مبدأ بسمارك بـ«الدم والحديد» لصالح أرمينيا، وكان ليبقى على حاله لو ظل ميزان القوّة العسكريّة بينها وبين أذربيجان عند العام 1994.

بيد أنّ العيب الجوهري في منطق بسمارك يكمن في أنّ موازين القوّة العسكريّة لا تبقى ثابتة عبر الأجيال، ولا التحالفات الدوليّة. ففي حالة أذربيجان عزّزت عوامل متعدّدة قناعتها بأنّ الزمن يعمل لصالحها: سكّانٌ أكثر عدداً بكثير، وإنتاجٌ للطاقة وتصديرٌ لها يدرّ أرباحاً ضخمة (بما في ذلك عبر خط أنابيب باكو–تبليسي–جيهان المدعوم أميركيّاً وصولاً إلى تركيا) فضلاً عن إمدادات السلاح من تركيا وإسرائيل، بدافع الربح وأيضاً لجعل أذربيجان حليفاً محتملاً في أي مواجهة مستقبلية مع إيران. رسّخت هذه العوامل القناعة لدى باكو بأنّها ستتمكّن مع مرور الوقت من تشكيل قوّة مسلّحة قادرة على هزيمة الأرمن من دون أن تضطرّ إلى البحث عن تسوية.

وهذا ما حدث فعلاً. ففي أيلول/سبتمبر 2020 شنّت أذربيجان هجوماً واسع النطاق فرض في 44 يوماً هزيمةً ساحقة على القوّات الأرمنيّة. توسطت روسيا بعد ذلك لوقف إطلاق نار، دعمته هذه المرّة بقوّةٍ قوامها ألفا جندي لحفظ السلام، حفظت ما تبقّى من ناغورنو–قره باخ الأرمني و«ممرّ لاتشين» نحو أرمينيا. وفي المقابل اضطُرّت أرمينيا إلى القبول بطريقٍ مستقبلي يربط أذربيجان بجمهوريّة ناخيتشيڨان، على أن يخضع لإشراف حرس الحدود الروسي.

لم يكن لهذا الوضع الهشّ أن يستمرّ إلّا في حالتين: إمّا أن تُرسل موسكو قوّةً عسكريّة كافية إلى ناغورنو–قره باخ تضمن صدَّ أيّ هجومٍ جديد تشنّه أذربيجان، أو أن يُقدِم الغرب على فرض حظرٍ كامل على شراء الطاقة الأذريّة إذا استأنفت باكو الحرب. ويجدر التذكير - ولا سيّما لأوكرانيا - بأنّه رغم وجود جالية أرمنيّة كبيرة في فرنسا وكثرة الحديث داخل الاتّحاد الأوروبي عن مسؤوليّة أوروبا حيال أمن القوقاز، لم تُطرح يوماً ولو إشارة عابرة إلى احتمال إرسال الغرب قوّاته إلى ناغورنو–قره باخ. ولم يُبدِ الغرب استعداداً للاستغناء عن الطاقة الأذريّة، وقد دلّ على ذلك اتفاقُ رئيسة المفوّضيّة الأوروبيّة أورسولا فون دير لاين في العام 2022 مع علييف لمضاعفة إمدادات الغاز الأذري إلى التكتّل. ويجدر التنويه بأنّ أرمينيا ديمقراطيّة تعتورها بعض العيوب وأذربيجان سلطوية وراثيّة؛ لكنّ إدارة بايدن لم تذكر هذه القضيّة قط في معرض دعواتها المتكررة لتحالف الديمقراطيّات في وجه السلطويّات.

من جهة روسيا، وعلى الرغم من صلاتها التاريخيّة العميقة بأرمينيا - إذ تحتضن جالية أرمنيّة ضخمة يشغل بعض أفرادها مناصب رفيعة في المؤسّسة الروسيّة -، فإنَّها وإنْ شاءت قتال أذربيجان، لن تستطيع بحكم حساباتها العسكريّة والدبلوماسيّة عقب إخفاق غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 وما أعقبه من حربٍ طويلة مريرة باهظة الكلفة. ولا يقتصر الأمر على عدم قدرة الجيش الروسي على خوض حرب أخرى، فقد باتت روسيا تعتمد اعتماداً شديداً على حياد تركيا النسبيّ في النزاع الأوكرانيّ، ولا ريب أنّ حيادها ما كان ليستمر لو أنّ موسكو دعمت أرمينيا علناً بالقوّة العسكريّة. كما رفضت تركيا الانضمام إلى العقوبات الغربيّة على روسيا، وشكّلت شرياناً أساسيّاً لواردات أوروبا عبر جورجيا، وصادرات روسيا عبر البوسفور، ورحلاتها الجوّية الدوليّة.

وهكذا، حين شنّت أذربيجان في أيلول/سبتمبر 2023 حملةً جديدة لتصفية ما تبقّى من جمهوريّة ناغورنو–قره باخ، وقف جنودُ حفظ السلام الروس موقف المتفرّج، وكذلك - وإنْ من مسافة أبعد - الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة. أما الاحتجاجات الغربيّة الأخلاقوية الواهية فقد تجاهلتها باكو تماماً. ولم يستطع الجيش الأرمني المنهك أن يفعل شيئاً (بل لم يفعل شيئاً أصلاً)، إذ خشي أن تقود هزيمةٌ أخرى إلى غزو أذريّ لإقليم سيونيك داخل أرمينيا نفسها. وكانت النتيجة تدمير ناغورنو–قره باخ الأرمنيّة، وفرار كامل سكّانها الأرمن، قرابة مئة ألف إنسان، إلى أرمينيا. لقد انتصر الدم والحديد مرّةً أخرى؛ لكن هذه المرّة، بخلاف التسعينيات، يبدو النصر مرشّحاً للاستمرار في المستقبل المنظور. وكما اعترفت حكومة پاشينيان بصراحة، أرمينيا وحدها لا تملك أيّ قدرة على خوض حرب جديدة ضد أذربيجان الأكثر عدداً والأوفر عتاداً، والمدعومة من تركيا والمزوّدة من إسرائيل.

أفضت هزيمة أرمينيا في حرب ناغورنو–قره باخ إلى 3 نتائج مترابطة: تفاقُم المخاوف (زادتها توغّلات أذريّة محدودة لكن مهدِّدة داخل الأراضي الأرمنيّة) من أنّ أذربيجان ستمضي نحو غزو إقليم سيونيك في الجنوب؛ وقناعة لدى حكومة پاشينيان بأنّ على الأرمن التركيز الآن على تقوية دولة أرمينيا القائمة داخل حدودها الراهنة وتطويرها، والتخلّي عن أحلام استعادة ناغورنو–قرة باخ يوماً ما، فضلاً عن أراضي أرمينيا التاريخيّة في شرق تركيا؛ وأخيراً موجة هائلة من النقمة الشعبيّة على الحليف القديم روسيا، إذ يُتَّهَم بأنّه «خان» أرمينيا حين تخلّى عن الدفاع عنها.

هذه التهمة الأخيرة لا تخلو من إجحاف. فبعيداً عن المستنقع الذي أوقع فيه الجيشُ الروسي نفسه في أوكرانيا، لم تعترف روسيا أصلاً باستقلال ناغورنو–قره باخ؛ ومعاهدةُ الأمن الروسيّة–الأرمنيّة لا تغطّي سوى أراضي أرمينيا ذاتها؛ وقوّاتُ حفظ السلام الروسيّة في قره باخ كانت أضعف بكثير من أن تقاوم الجيش الأذري من دون تعزيزاتٍ كبرى؛ أمّا القوّة العسكريّة الروسيّة الصغيرة المتمركزة في أرمينيا، وعددها 3 آلاف جندي تقريباً، فملزَمة بالدفاع عن أرمينيا نفسها لا غير. ومع ذلك يرى كثير من الأرمن في تلك القوّة - المسنودة بالترسانة النوويّة الروسيّة - رادعاً رئيساً في وجه تركيا، وضدّ الكابوس المتجدّد (الباهت لكن غير المغيّب عن المخيّلة الأرمنيّة) لوقوع إبادة جديدة. لئن وُجد غضبٌ على روسيا، ثَمّة إدراكٌ أيضاً بأنّ «الدول الغربيّة لم تقاتل من أجلنا قط - ولن تفعل»، على حدّ تعبير صديق أرمني.

والحال أنّ حكومة پاشينيان سحبت بعض حرس الحدود الروس من أرمينيا وعلّقت مشاركتها النشطة في منظّمة معاهدة الأمن الجماعي الخاضعة للهيمنة الروسيّة، لكنّها لم تنسحب رسميّاً من التحالف، ولا سعت إلى طرد روسيا من أرمينيا بالكامل. غير أنّها اتّخذت من فتور العلاقة مع موسكو مناسبةً للانخراط مع الولايات المتّحدة في مسار السلام. وهكذا، وإنْ لم يتكلّم ترامب نفسه بهذه العبارات، فقد غصّت التعليقات الأميركيّة والأوروبيّة بالاحتفاء بأنّ الاتفاقية «تزيح بوتين عن المشهد» وتمثّل «هزيمةً استراتيجيّة لروسيا».

هذا الانخراط الأميركي ضروريّ أيضاً لپاشينيان سياسيّاً، إذ يشعر كثير من الأرمن - سواء في الداخل أو في الجالية الأرمنيّة النافذة بالولايات المتّحدة - باستياء عميق من سياسات حكومته، ومن طابع حكمه الآخذ بالابتعاد عن الديمقراطيّة، ومن الحملة الرسميّة الساعية إلى حصر الهويّة الأرمنيّة في جمهوريّة أرمينيا وحدها، مع أنّ هذه الدولة لا تمثّل سوى جزء صغير من الأراضي الأرمنيّة التاريخيّة. والحقيقة أنّ أرمينيا السوفياتيّة نشأت ابتداءً لتكون ملاذاً أخيراً للشعب الأرمني، وقد غصّت آنذاك بلاجئين جائعين مكلومين قادمين من السلطنة العثمانيّة - ومنهم جاءت فئة واسعة من الأرمن المهاجرين اليوم. وإنْ يكن سعي پاشينيان إلى مصالحةٍ مع تركيا - ولو من موقع تفاوضي شديد الضعف - منطقاً عمليّاً رشيداً، فإنّه لا يلقى بالضرورة تعاطفاً تلقائيّاً من أبناء أحفاد الناجين من إبادة 1915.

فكيف نُقيِّم دلالة الاتفاقية؟ وما حظوظها في إرساء السلم بين أرمينيا وأذربيجان وتثبيت الاستقرار في الإقليم؟ لا يسعنا حصر الاتفاقية في أنّها ممرّ للنقل، أو سبيل إلى تسوية دبلوماسية بين الطرفين؛ بل هي بالأحرى تطوّر هام في إعادة تشكيل القوقاز وتحمل آثاراً استراتيجية بعيدة المدى. يشكّل طريق النقل، إذا ظل بصيغته الراهنة غير العسكرية، مبادرةً واعدة من حيث المبدأ قد تُحسِّن طرائق التفكير في حَلْحَلة نزاعاتٍ أخرى. جاءت الاتفاقية على شاكلة مبدأ صيني، ويمكن وصفها بنسخة محلية من السلام الرأسمالي العظيم: حلٌّ دون المثال، غير أنّه أنجع من مقارباتٍ ليبرالية–إمبريالية غربية سادت لجيلين، سواء بشكلها الفج القائم على التدخّل العسكري أو الناعم المتدثّر بشعارات «حلّ النزاعات» و«بناء السلام» وتوأمهما الأكاديمي بناء المؤتمرات. فشل الجنودُ والدبلوماسيون والإنسانيون في صناعة السلام؛ فلْيُمنَح المهندسون - أقله - فرصةَ المحاولة.

يقدّم الطريق الجديد بصورته الراهنة فوائدَ ملموسة لأذربيجان وأرمينيا وتركيا؛ ولأنّه لا يستلزم وجوداً عسكريّاً أميركيّاً، فإنّه لا يشكّل تهديداً مباشراً للمصالح الحيويّة لروسيا وإيران. وتمنح الاتفاقية أرمينيا ضمانات أمنيّة حقيقيّة، وإنْ كانت ليّنة (على افتراض أنّ حكومة باكو لن تجازف بقتل مقاولين أو مهندسين أميركيّين ولو عن غير قصد)، لكن من دون الانخراط في خطوة صفريّة تستهدف روسيا وإيران. ومن هذه الجهة تختلف الاتفاقية اختلافاً بيّناً عن المقاربات الغربيّة لأوكرانيا وجورجيا منذ 2008، بما جرّته من عواقب كارثيّة على تلك البلدان. وما دام الممرّ لا يستجلب قوّات أميركيّة، ولا يُستخدم لقطع التواصل بين إيران وروسيا أو لتعزيز وجود إسرائيلي أوسع في أذربيجان، فإنّ كلاًّ من طهران وموسكو لن تُعجب به لكن قد تتعايش معه. وقد رحّبت روسيا بالاتفاقية مبدئيّاً، غير أنّها حذّرت من تكرار «التجربة المؤسفة» لأساليب «حلّ النزاعات» الغربيّة في الشرق الأوسط.

إنْ نجح الطريق، فسوف يقدّم دروساً بنّاءة للمنافسة العالميّة بين الولايات المتّحدة والصين. ففي جورجيا المجاورة تبني الصين مشروعين هائلين للبنية التحتيّة: طريقاً جديداً يتضمّن نفقاً جبليّاً بطول 9 كيلومترات يصل إلى روسيا يرتبط بخطوط النقل شمالاً وجنوباً نحو تركيا وإيران؛ وميناءً جديداً على البحر الأسود. ويمكن النظر إلى الاتفاقية بوصفها منافساً سلميّاً مشروعاً لهذه المبادرات الصينيّة. وإذا كانت الولايات المتّحدة قلقة من توسّع شركات البنية التحتيّة الصينيّة في أفريقيا وأميركا الجنوبيّة، فإنّ الردّ الواضح والعادل ليس الانغماس في هستيريا بارانويديّة عن سعي الصين للهيمنة العالمية، ولا إرغام الدول على رفض الاستثمارات الصينيّة، بل ببساطة أن تبني هناك مزيداً من البنية التحتيّة بنفسها (على افتراض أنّها ما زالت قادرة على ذلك).

كيف يمكن أن يتعثّر المشروع أو ينقلب إلى ضدّه؟ العقبة المباشرة - وربّما العصية على التذليل - أمام تسوية سلام شاملة تتمثّل في مطالبة أذربيجان لأرمينيا بإلغاء الإشارة في دستورها إلى الوحدة مع ناغورنو–قره باخ. وتعديل الدستور يستلزم استفتاءً شعبيّاً، قد تخسره حكومة يريڨان بسهولة نظراً لشعور الرأي العام الأرمني بأنّ بلاده تُرغَم على تقديم تنازلات جسيمة تحت فوهة البندقيّة. أمّا التهديد الأكبر لمشروع الاتفاقية والتسوية برمّتها فيكمن في احتمال أن يبالغ أحد الأطراف - أو جميعها - في استغلال أوراقه، أو يسعى إلى تقويض المشروع خدمةً لمصالحه الخاصّة. فأذربيجان تستطيع بطبيعة الحال أن تفعل ذلك بفرض مطالب على أرمينيا – من قبيل تعديل الدستور - لا تتعدّى كونها رمزيّة، لكنّ أرمينيا عاجزة عن تلبيتها (إذ لا وجود لفرصة واقعيّة لاستعادة ناغورنو–قرة باخ، ولو وجدت لما أوقفها أيّ تعديل دستوري). وروسيا وإيران قادرتان على ذلك بمحاولة تقويض حكومة پاشينيان أو إسقاطها، أو في الخيار الأخير بنسف المشروع نفسها. وبعد ما جرى لخطّ نورد ستريم 2، ترى موسكو أنّ لديها سابقة غربيّة و/أو أوكرانيّة وافية تبرّر سلوكاً من هذا القبيل.

لكن من المستبعد أن تُقدِم روسيا أو إيران على خطوة خطرة كهذه - بما تحمله من نتائج سياسية عكسيّة كارثيّة -، إلّا إذا تحوّل مشروع الطريق والتسوية المصاحبة له إلى تهديد مباشر لمصالحهما. من جهة روسيا، فسيتحقّق ذلك إنْ دفعت واشنطن حكومةَ أرمينيا إلى طرد القوّات الروسيّة، وهذا إجراء لا ضرورة له البتّة في سياق تسوية السلام، لكنّه يروق لصقور الإمبراطوريّة في الولايات المتّحدة ولأنصار حكومة پاشينيان الخائفين من انقلاب أو اضطراب شعبي برعاية روسيّة ضدّه. ومن جهة إيران، فسيكون الخطر في حال أصبح المشروع قاعدةً لوجودٍ عسكري أميركي، أو لعمليّات أميركيّة وإسرائيليّة ترمي إلى زعزعة الدولة الإيرانيّة أو تدميرها. وفي حالة كليهما معاً، يكمن التهديد إذا قطع المشروعُ خطّ التواصل بين روسيا وإيران. ويُضاف إلى ذلك خشية الطرفين من تضخّم النفوذ التركي في الإقليم بفعل ما يفتحه المشروع من مجالات.

وعلى الرغم من احتمال أن يُستغلّ الوجود الأميركي في القوقاز لأغراضٍ إمبراطوريّة مريبة، يجدر التنويه بأنّ المصالح الأميركيّة في الإقليم - وإنْ كانت حقيقيّة - تبقى محدودة. فترامب نفسه، ومعه قطاعات أساسيّة من قاعدته، يعارض نشر قوّات أميركيّة جديدة في أوراسيا، ويميل البنتاغون إلى تركيز قوّاته في مواجهة الصين. وكما أثبتت التجربة مراراً في القوقاز، فإنّ غياب قوّة عسكريّة جديّة على الأرض يجعل قدرة القوى الخارجيّة على التأثير في مجرى الأحداث محدودة دوماً. ويبدو أنّ الهدف الشخصي لترامب قبل كلّ شيء لا يتعدى اقتناص «انتصار» دبلوماسي يعوّض به تعثّر مسار السلام في أوكرانيا.

كما أنّ الولايات المتّحدة بعيدة جغرافياً، في حين تقف إيران وروسيا وتركيا على مقربة مباشرة؛ وأيّ محاولة أميركيّة–إسرائيليّة لاستغلال الممرّ في مهاجمة إيران أو بلقنتها ستواجه معارضة صلبة، لا من طهران وموسكو فحسب، بل من أنقرة أيضاً، الحليف الذي لا غنى عنه لأذربيجان. وستكون تركيا شديدة العداء لأيّ وجود أمني إسرائيلي على حدودها الشرقيّة، كما أنّ أيّ مسعى لتشجيع انفصالٍ كردي داخل إيران سيستثير مخاوفها العميقة من النزعة الانفصاليّة الكرديّة في أراضيها - وهو الهاجس الذي صاغ سياساتها الأمنيّة طوال الجيلين الماضيين. وأيّ استراتيجية أميركيّة في القوقاز تُغضب القوى الإقليميّة الثلاث مجتمعةً ستكون رعناء، حتى بمقاييس الولايات المتّحدة نفسها، ومصيرها شبه محتوم بالفشل. وبالنظر إلى اعتماد أذربيجان الكثيف على تركيا، يُستبعَد أن تُقدِم باكو على إغضاب أنقرة على هذا النحو؛ والواقع أنّها - رغم مشترياتها الضخمة من السلاح الإسرائيلي - ظلّت شديدة التحفّظ في السماح بأيّ وجود أمني إسرائيلي على أراضيها.

يبقى الرجاء ألّا يعتمد ترامب ولا أيّ إدارة أميركيّة لاحقة هكذا الاستراتيجيّة، وأن يدرك الجميع أنّ قبول أرمينيا أو أذربيجان بوجود عسكري أميركي مُسلَّح سيكون حماقة تبلغ حدّ الجنون. وقد صار الشعارُ المألوف في آسيا الوسطى وجورجيا وبيلاروسيا اليوم ضرورة اتّباع سياسة خارجيّة «متعدّدة المتّجهات»، تقوم على صون علاقات جيّدة وروابط اقتصاديّة مع روسيا والصين والولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، من غير الارتهان لأيٍّ منها. وفي هذا السياق سعى كلٌّ من الحكومتين الأرمنيّة والأذريّة إلى تهدئة هواجس روسيا وإيران بالتشديد على المكاسب الاقتصاديّة التي قد تجنيانها من مشروع الاتفاقية.

خيرٌ لدول القوقاز الجنوبي أن تنتهج سياسة «متعدّدة المتّجهات». فلو ألقى الأرمن بأمنهم كلّه في يد الولايات المتّحدة، وأثاروا غضب اثنين من جيرانهم الثلاثة الأقوى، لكان معنى ذلك أنّهم لم يتعلّموا شيئاً البتّة من تاريخهم ولا من سجلّ الالتزامات الدوليّة الأميركيّة. أمّا أذربيجان، فإنْ جعلت من نفسها قاعدةً لا لضغوط إسرائيليّة وأميركيّة على إيران جنوباً فحسب، بل أيضاً لضغوط أميركيّة على روسيا شمالاً، فسيكون حالها كالجوزة التي تتعمّد الجلوس بين فكيّ الكسارة.

في شتاء 1992 القاسي في يريڨان، سُئل مسؤولٌ أرمني عن كيف ستصمد بلاده أمام الآثار الاقتصادية للانهيار السوفياتي والحصار التركي والأذري (وكان الجواب: في الغالب بمعونة روسيّة وإيرانيّة). فاستهلّ رده بالقول: «حسناً، عليكم أن تتذكّروا أنّه في العام 782 قبل الميلاد…». والرجاء أن يتذكّر خلفاؤه في أرمينيا وأذربيجان أنّ التاريخ شأنٌ طويل الأمد، وأنّه وإنْ كان بمقدورهم أن يختاروا أصدقاءً أميركيّين في هذا الجيل، فإنّهم لا يملكون خياراً في جيران الماضي والمستقبل.

نُشِر هذا المقال في 19 أيلول/سبتمبر 2025 في New Left Review، وترجم إلى العربية ونشر في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة.

    علاء بريك هنيدي

    مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.