Preview القنابل الزلزالية

قنابل الأنفاق: قوّة تدميرية للحياة

لم تعد القنابل الزلزالية التي كشف عنها أخيراً الإعلام الإسرائيلي السلاح الوحيد المُعلن بهدف القضاء على الأنفاق في قطاع غزّة. منذ أيام، أُعلِن عن خيار لجوء القوّات الإسرائيلية إلى القنابل الإسفنجية كوسيلة أخرى ضمن مساعي مواجهة تحدّي الأنفاق. 

وبمعزل من الخصائص العسكرية لكلّ سلاح «جديد» تعلن عنه قوات الاحتلال في حربها الحالية، فإن أثرها يطال المدنيين أولاً عبر مضاعفة أعداد الضحايا وزيادة معاناة الناجين منهم، فيما تُشكك الكثير من التقارير البحثية من إمكانية تلك الأسلحة من تحقيق هدفها في القضاء على الأنفاق نظراً لوجود الكثير من التحديات.

القنبلة الزلزالية تصعّب عملية انتشال الضحايا تحت الأنقاض

في تشرين الأول/أكتوبر 2020، أعلنت السلطات البولندية العثور على قنبلة «ضخمة» في إحدى قنوات المياه القريبة من  مدينة سوينوجسي الساحلية. حينها، انشغلت الكثير من وسائل الإعلام الأوروبية في تغطية حدث تفجير «أكبر قنبلة يتم العثور عليها على الإطلاق في بولندا». تبيّن بعدها أنها قنبلة Tallboy المعروفة أيضاً باسم قنبلة «الزلزال» وتزن نحو 12 ألف رطل، وهي أسقطت من القوّات الجوية الملكية البريطانية في خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية على السفينة الألمانية لوتزو.

تُشكك الكثير من التقارير البحثية من إمكانية تلك الأسلحة من تحقيق هدفها في القضاء على الأنفاق نظراً لوجود الكثير من التحديات

قبل أيام، أعلنت «القناة 12» الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يستخدم قنابل زلزالية مُصمّمة لاختراق الأنفاق في قصف غزّة، مُشيرةً إلى أن بعض التقارير أفادت بوقوع هجمات زلزالية شعر بها السكّان في المناطق المستهدفة، ليخلص عدد من الخبراء فيما بعد أن إسرائيل تستخدم النسخة المتطوّرة من القنابل التي «وُلدت» على يد مهندس الطيران البريطاني بارنز واليس، الذي كان يهدف إلى دكّ المواقع العسكرية الأكثر تحصيناً بما فيها المنشآت المبنية تحت الأرض. 

تقول منظّمة First Life Defense المعنية بتخفيف مخاطر الذخائر غير المتفجّرة، أن أكبر قنبلة تقليدية كانت متاحة أثناء الحرب العالمية الثانية كانت تزن ألف رطل، في حين أن القنبلة الزلزالية أو Tallboy تزن نحو 12 ألف رطل، الأمر الذي يوضح الحجم الهائل لهذا السلاح.

هذه القنابل يتم إسقاطها من ارتفاعات عالية وتصبح سريعة جدّاً عند سقوطها وتخترق أعماق الأرض عند الاصطدام وتنفجر، ما يؤدّي إلى إنشاء كهوف أو حفر ضخمة. ووفق ما تشرح بعض المقالات البحثية، فإن النتيجة التدميرية الضخمة كانت الهدف الأساسي لاختراعها من أجل استهداف المنشآت الشديدة التحصين مثل سياجات الغوّاصات والكهوف والأنفاق والجسور ذات الجدران الخرسانية التي يبلغ سمكها أمتار عدّة. 

من هنا، جاء إعلان «قناة 12» الإسرائيلية عن أن الهزّات الأرضية التي تحدّث عنها الفلسطينيون ناتجة عن استخدام الجيش الإسرائيلي للقنابل «التي تم تصميمها لتدمير الأنفاق تحت الأرض»، مُشيرةً إلى أن تلك القنابل تخترق المخابئ لعشرات الأمتار تحت الأرض ثم تنفجر في العمق.

هذه القنابل ذات القدرات التدميرية الهائلة لا تتناسب «مع طبيعة المنازل السكنية في قطاع غزّة، ما يؤدّي إلى تدمير الكثير من المنازل في غارة واحدة، فضلاً عن وقوع أكبر عدد من الضحايا»، وفق وزارة الداخلية في قطاع غزّة، مُشيرةً إلى أن تلك الغارات الجوّية تُصعّب من انتشال الضحايا من تحت الأنقاض.

هذه القنابل التي طوّرت وتنتمي إلى «فئة» القنابل الذكية أو الموجّهة، يتم استخدامها بشكل عشوائي بهدف التدمير المُمنهج خلافاً لـ«أهداف» تطوير الأسلحة الموجّهة القائمة على التصويب الدقيق للأهداف العسكرية وتحييد المدنيين.

والتأثّر بهذه القنابل لا يشمل الموت المباشر بتدمير المباني السكنية وصعوبة انتشال الجثث من الأنقاض فقط، بل يشمل تدمير البنى التحتية والتسبّب بنقص المياه وانتشار الأمراض وغيرها من التداعيات غير المباشرة، وهو ما دفع المفوّض الأعلى للأمم المتّحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى التحذير من الكارثة التي يتسبّب بها القصف المستمرّ الذي يزيد من أعداد المدنيين الذين هم على حافة الموت.

يقول أحد المتخصّصين أن الأسلحة الذكية جعلت الحرب أكثر أماناً للجيش ولكنها عرّضت المدنيين لخطر أكبر

هذه المعطيات تنسجم وتصريحات سابقة نقلتها المكتبة الوطنية للطبّ الأميركية عن أن «الادعاء بأن الأسحلة الذكية لا تشكّل خطراً كبيراً على المدنيين هو منافٍ للعقل»، إذ يقول أحد المتخصّصين أن الأسلحة الذكية جعلت الحرب أكثر أماناً للجيش ولكنها عرّضت المدنيين لخطر أكبر.

إلى ذلك، تشرح مقالة بحثية بعنوان «آثار الحروب الحديثة والأنشطة العسكرية على التنوع البيولوجي والبيئة»، نشرت في العام 2015 على موقع Canadian Science Publishing كيف تزيد معدّلات الوفيات بين السكّان المعرّضين لضغوط الانفجارات الشديدة والشبيهة بالانفجارات النووية، مُشيرةً إلى أن التجارب أثبتت إمكانية تعرّض الساكنين إلى تلف شديد في الرئة، فضلاً عن تعرّضهم لدرجات عالية من النزيف في مناطق مختلفة من الجسم. أمّا ما يزيد من تفاقم هذه الآثار فهو «الكمّية الكبيرة من الحطام والشظايا التي يحملها الانفجار في الهواء ما يتسبّب في إصابة وموت مختلف الكائنات في المنطقة المحيطة».

ما هي القنابل الإسفنجية؟

عند سؤالها عن الخيارات التي يمكن للقوات الإسرائيلية اعتمادها من أجل القضاء على الأنفاق، ركّزت الأستاذة في جامعة رايخمان الإسرائيلية ومؤلّفة كتاب Underground Warfare، دافني ريتشموند باراك، على «تعقيد» عملية التدمير، مُشيرةً إلى أن الضربات الجوّية لا تزال حالياً الخيار الأبرز للجيش الإسرائيلي من دون أن تسمّي القنابل الزلزالية كخيار أساسي فعّال لتدمير الأنفاق.

وفق باراك، فإنه تم استخدام أسلحة قوية جدّاً تاريخياً لتدمير الأنفاق،  كقاذفات B52 التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية في حرب فيتنام، وهي قاذفات طويلة المدى عابرة للقارات وقادرة على حمل الأسلحة النووية. كذلك، استخدمت الولايات المتحدة في أفغانستان قنابل خارقة للتحصينات (Bunker Buster) وهي نوع من الذخائر المصمّمة لاختراق الأهداف الصلبة أو الأهداف المدفونة في أعماق الأرض مثل المخابئ العسكرية. أمّا في سوريا، فقد استخدمت قاذفات اللهب (Flame Thrower) لتدمير أنفاق داعش، وهي عبارة عن أجهزة مصمّمة لإطلاق نفّاثة من النيران يمكن التحكّم بها وتستخدم كسلاح تكتيكي ضد التحصينات.

لكن اللافت هو ما أشارت إليه باراك لجهة لجوء الجيش إلى خيار القنابل «الإسفنجية» (Sponge Bombs) وهي قنابل كيميائية غير متفجّرة تطلق انفجاراً مفاجئاً من الرغوة المتوسّعة التي تتصلّب بسرعة لسدّ فتحات الأنفاق. 

وبحسب ما نشر موقع «تلغراف» الأسبوع الماضي، فإن قوّات الاحتلال الإسرائيلية تقوم باختبار القنابل الكيميائية، التي «لا تحتوي على متفجّرات ولكنها تستخدم لسدّ الفجوات أو مداخل الأنفاق التي قد يخرج منها المقاتلون».

لكن استخدام هذا النوع من القنابل دونه عوائق لوجستية كثيرة أهمّها، وفق باراك، تعرّض الجنود والرهائن أنفسهم للخطر.

هل أنفاق غزّة منيعة ضدّ الضربات الجويّة؟

«إن أي محاولة لهدم الأنفاق تتطلّب دخول قوات برّية إسرائيلية إليها ووضع عبوات تفجير بداخلها»، هذا ما يرد في تقرير صدر في 23 نيسان من العام 2015 عن معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركية بعنوان: «القتال تحت الأرض: تاريخ حفر الأنفاق في الحروب»، مُشيراً إلى أن حرب الأنفاق لفتت مؤخراً انتباه الجيوش الغربية بسبب استخدامها في معارك هذه الجيوش المتزايدة في مناطق عدّة من العالم بما فيه الشرق الأوسط.

قوّات الاحتلال الإسرائيلية تقوم باختبار القنابل الكيميائية، التي «لا تحتوي على متفجّرات ولكنها تستخدم لسدّ الفجوات أو مداخل الأنفاق التي قد يخرج منها المقاتلون»

وإذ يشير التقرير إلى أن البناء المستقرّ للأنفاق جعلها منيعة أمام الضربات الجوّية، لافتاً إلى أن عملية تطهير شبكة الأنفاق وتدميرها عملية مُكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً، ويستعرض عدداً من الإجراءات المُضادة الأكثر فعالية ضدّ الأنفاق التي اتخذت لقرون عدّة، كالحصار، وإنشاء خنادق عميقة، واستخدام وسائل تكنولوجية استشعارية، وتفعيل الرقابة عبر عمليّات التجسّس لاستكشاف المداخل وغيرها.

ويخلص إلى أن الأنفاق قد تخلق كابوساً دفاعياً للمهاجمين «وتبطل العديد من المزايا التي تتمتع بها القوّة التقليدية المتفوّقة من الناحية التكنولوجية». 

اللافت أن التقرير لم يذكر خيار استخدام القنابل الزلزالية في الحروب على مرّ الزمن كوسيلة فعّالة للقضاء على الأنفاق. كذلك يغيب ذكر هذا الخيار في  تقرير «ملاحظات من تحت الأرض: التاريخ الطويل لحرب الأنفاق» لآرثر هيرمان الصادر عن معهد هدسون في العام 2014. ويستعرض الأخير الوسائل التاريخية التي استخدمت  لتدمير الأنفاق في الحروب على مرّ السنوات القديمة من ضمنها الحرب الفيتنامية التي نفّذت فيها استراتيجيات وتكتيكات خاصّة (أجهزة الاستماع تحت الأرض وتتبع نشاط أنفاق العدو، العبوات الناسفة تحت الأرض، الحرب النفسية والتضليل، الغاز السام وغيرها) من دون الإشارة إلى استخدام القنابل الزلزالية.

ويخلص التقرير إلى القول بأنه «إذا كان هناك أي رهان مؤكّد للخروج من القتال في غزّة، فهو أن حرب الأنفاق في أيدي حركات التمرّد والجماعات المسلّحة في المُستقبل سوف تُشكّل مشكلة مستمرّة على الرغم من كلّ الأسلحة والأدوات عالية التقنية التي تمتلكها الجيوش التقليدية، ومن يعتقد أن هناك ضوءاً واضحاً في نهاية هذا النفق عليه أن يفكّر مرّة أخرى».