
الذكاء الاصطناعي احتيالٌ تام
- مراجعة لكتاب إميلي إم. بيندر وأليكس هانا «خدعة الذكاء الاصطناعي: كيف نواجه ضجيج شركات التكنولوجيا الكبرى ونبني المستقبل الذي نريده»، الذي يكشف كيف تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى غطاء لتبرير جشع الشركات. ويوضّح الكاتبان أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للعمل البشري ولا ثورة تقنية بقدر ما هو أداة لتأديب العمّال وزيادة أرباح الرؤساء التنفيذيين، داعيين إلى مقاومة هذا الضجيج عبر التنظيم النقابي، والنقد، والسخرية منه كسلاح اجتماعي وسياسي.
في العام 2022، سرّح البنك الرقمي السويدي وشركة التكنولوجيا المالية العملاقة «كلارنا» 700 موظف دائم، أملاً في استبدال خبرات وطاقات مئات الموظفين بمساعد مفرد ذكي اصطناعياً وعقلاني وقادر على التعامل مع ملايين المحادثات المختلفة بين المستهلكين بعشرات اللغات.
غير أن هذه الروبوتات لم تنجح. لقد بدأ العملاء يشكون على الفور تقريباً من أعطال متواصلة ومن عجزهم عن الحصول على الإجابة التي يريدونها. وسُرعان ما اضطرّت «كلارنا» إلى الاعتراف بخطئها. وهكذا، عادت إلى تعيين موظّفين بشريين هذا العام - لكنها، مع ذلك، انتهزت الفرصة للانتقال إلى نموذج عمل مُتقلقل يُمنح العمّال فيه عقود عمل «مرنة وعن بُعد» من دون تحديدٍ لساعات العمل، بهدف زيادة أرباح الشركة.
وهذه بالكاد الحالة الوحيدة التي مكّن فيها ضجيج الذكاء الاصطناعي من تحقيق جشع الشركات، إذ تستمر قصص جديدة بسمات مألوفة في الظهور يومياً. ولذلك، يأتي كتاب «خدعة الذكاء الاصطناعي: كيف نواجه ضجيج شركات التكنولوجيا الكبرى ونصنع المستقبل الذي نريده» لإميلي إم. بيندر وأليكس هانا في اللحظة المواتية والوقت المناسب.
بالنسبة إلى المراقبين القلقين وأولئك المتأثِّرين بما يحدث، يُعدّ الكتاب قراءة ضرورية لفهم السلوك المُختل بشكل متزايد للشركات والحكومات في فرض أنظمة الذكاء الاصطناعي على مجتمعنا والتصدّي له. وبصفتي نقابياً في فرع «العمّال المتّحدون في التكنولوجيا والقطاعات المتحالفة» التابع لـ«اتحاد عمّال الاتصالات»، فقد خبرتُ رؤساء تنفيذيين يسيل لعابهم لفكرة أن يُنظَر إليهم على أنهم يُقلّصون عدد الموظفين ويزيدون الإنتاجية بما يُطلَب منهم تسميته «الذكاء الاصطناعي».
غالباً ما تكون البيانات الصحافية بلا قيمة، ولا يُقدّم هؤلاء أي دليل عند مساءلتهم عن ادعاءاتهم. وقد بدأ المساهمون والمستثمرون يستيقظون، لكن القوى العاملة لا تزال تشعر غالباً بأنها في موقف دفاعي، إذ يُقال لها من دون دليل إن أصحاب العمل يرون مستقبلاً فانتازياً لا علاقة لهم به.
هذا الضجيج حول الذكاء الاصطناعي ليس وليد لحظة عرضية أو عفوية: بل إنه يُؤدي وظيفة تخويف، وبالتالي تأديب العمّال
يُصيب كتاب «خدعة الذكاء الاصطناعي» في الإشارة منذ البداية إلى أن مصطلح الذكاء الاصطناعي بالكاد يتجاوز كونه مصطلحاً تسويقياً. يكتب بيندر وهانا أن الذكاء الاصطناعي «ليس حسّاساً ولن يُسهّل عملك ولن يُعالج أطباء الذكاء الاصطناعي ما يُصيبك». ويضيفان: «بل من شأن هذا الضجيج أن يتسبّب في جعل عملك أكثر صعوبة وتقلقلاً».
والأهم من ذلك أن الكتاب يعود باستمرار إلى سؤال من المُستفيد، حيث يشير إلى أن هذا الضجيج حول الذكاء الاصطناعي ليس وليد لحظة عرضية أو عفوية: بل إنه يُؤدي وظيفة تخويف، وبالتالي تأديب العمّال، وينطوي على عرضٍ لأصحاب العمل بتأمين مبالغ طائلة.
يُحلل بيندر وهانا، على مدار «خدعة الذكاء الاصطناعي»، أصول وانتشار وتأثير ضجيج الذكاء الاصطناعي بعمق كبير (وحس فكاهة كبير أيضاً). وبوضوح وقوة، يستنتجان أن الذكاء الاصطناعي بديل رديء للعمل البشري وبناء العلاقات، وأداة لتكرار مجموعة واسعة من الأعمال الإبداعية بشكل أخرق ومن دون إسناد، من تخصيص المساكن العامة إلى التحقيق في إهمال الأطفال. لكن الكتاب ليس مجرد نقد يكتفي بالسخرية. فكما يؤكد المؤلفان: نكتشف الضرر الحقيقي للذكاء الاصطناعي وما يمكن فعله لمقاومته.
تقف جماعات الضغط التابعة لشركات التكنولوجيا الكبرى والموجّهة لزيادة ثروات أصحاب المليارات وراء ضجيج الذكاء الاصطناعي. ولا شيء مما تقدّمه هذه الجماعات متماسك ولا «ذكي» حقاً، بل هو سلسلة من أنواع مختلفة من الأتمتة غالباً ما تُجمع معاً لتبدو أكثر تماسكاً وريادة مما هي عليه في الواقع.
ثم يُعزّز هذا العلاج الزائف من خلال صحافة زبائنية تضخ هذا السم في الخطاب العام وأروقة الشركات والسلطة السياسية. وبالنسبة إلى المشرّعين وأصحاب العمل، يُروّج إلى أن «العمل على الذكاء الاصطناعي» أمرٌ منطقي، وأنك بذلك تُعتبر مبتكراً وألمعياً، بل وتسبق «التغيير الحتمي».
يُعالَج هذا السؤال الجوهري المتعلق بالجشع على مدار «خدعة الذكاء الاصطناعي». فقد أثبت الذكاء الاصطناعي أنه غطاءٌ ممتاز للقرارات القائمة على الجشع في العمليات التجارية - أو، بشكل أكثر تحديداً، كيفية معاملة موظفيك. وكما هو الحال مع «كلارنا»، رأينا رؤساء تنفيذيين يُصدرون تصريحات صحافية جريئة عن إلغاء آلاف الوظائف لإفساح المجال للذكاء الاصطناعي، مع اتخاذ قرارات على أمل أن يُنظر إليهم من نظرائهم وأصحاب الأسهم على أنهم بارعون تقنياً ومالياً.
لسنا مُضطرين لقبول الهراء الذي يُباع لنا حول الذكاء الاصطناعي: يُمكننا السخرية منه كجمهور مُفكِّر ومقاومة تطبيقه من خلال قوتنا كعمال مُنظّمين
لكننا الآن، ومنذ منذ بضع سنوات، في هذه الفقاعة التحزّرية، وقد بدأ هذا النموذج الموعود بالانهيار بسرعة. فهل بدأ الناس يدركون الوضع؟ إلى حد ما. على سبيل المثال، نعلم أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من شركات رأس المال الاستثماري آخذ في الانخفاض. ولم تعد طنطنة عبارات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الأسهم تُثير إعجاب المستثمرين بالطريقة نفسها. ويدرك الرؤساء التنفيذيون أيضاً أنه على مستوى ما، هناك فجوة بين ما وُعِدَ به وما قُدّم.
لكن من دقوا ناقوس الخطر بثبات هم العمّال الذين أدركوا هذا الوضع منذ البداية. وعلى الرغم من تحذيرهم المتواصل من الجوانب الضارة للذكاء الاصطناعي وتأثرهم بها أكثر من أي أحد آخر، فإنه لم يستمع أحدٌ إليهم. وحتى عندما لا يفقدوا وظائفهم بسببه، فغالباً ما يكون عملهم أكثر إرهاقاً وبؤساً. ويسلِّط «خدعة الذكاء الاصطناعي» الضوءَ بشكل خاص على أشكال الذكاء الاصطناعي الأكثر خطورة المستخدمة لتأديب العمال، مثل المراقبة النصية والصوتية والبصرية المُستخدمة في أماكن العمل، وهي أمور مُلِحّة بالنسبة إلى النقابيين الذين يحتاجون إلى إدراك هذا الوضع والاستعداد لمقاومته.
كمؤلفين، لا يكتفي كل من بيندر وهانا بوصف الأحداث الجارية، بل يقدمان حلولاً ورؤية لمستقبل مختلف لا يكون فيه الذكاء الاصطناعي - مهما كان معناه - حتمياً. لسنا مُضطرين لقبول الهراء الذي يُباع لنا حول الذكاء الاصطناعي: يُمكننا السخرية منه كجمهور مُفكِّر ومقاومة تطبيقه من خلال قوتنا كعمال مُنظّمين. يُفضِّل أصحاب العمل وصانعو السياسات استمرار الذكاء الاصطناعي من دون هوادة، لأن مُعارضة «منحنى الابتكار» تُلحق الضرر بالذوات الهشّة. لكننا، نحن العمّال، لسنا مُلزمين بقبول ذلك.
بإعطائه وزناً واقعياً وثقةً تُشجع على هذا الرفض، يُعدّ كتاب «خدعة الذكاء الاصطناعي» إنجازاً رائعاً. فهو، في الوقت نفسه، مصدرٌ لنزع الوهم عن الذكاء الاصطناعي للمهتمين به حديثاً، وتدخلٌ يُشجّع المشكّكين المخضرمين على صقل انتقاداتهم، كما يُمثّل دعوة للسخرية من ضجيج الذكاء الاصطناعي كمستهلكين ومعارضته كمواطنين ومقاومته كعمّال.
نُشِر هذا المقال في 12 آب/أغسطس 2025 في Tribune.