معاينة lebanon labor protests archive

الاتحاد العمّالي في لبنان: الهيئة الأكثر تمثيلاً لأصحاب العمل

تصرّ الحكومة اللبنانية على إصدار مراسيم تحدّد الاتحاد العمالي العام بوصفه الهيئة الأكثر تمثيلاً للعمّال في المجالس ثلاثية التمثيل، أي التي يفرض القانون تشكيلها من ممثلين عن العمال وأصحاب العمل والدولة، مثل مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أو لجنة مؤشر غلاء المعيشة، أو مجالس العمل التحكيمية… فهل الاتحاد العمالي العام يمثّل عمّال لبنان؟ وهل وحده يمثلهم؟

أولاً - حصرية تمثيل العمّال

لا تعتمد الحكومة حصرية التمثيل إلا للعمّال، فالاتحاد العمّالي العام وحده يمثّل جميع العمّال من الفئات كلّها في الهيئات والمجالس المذكورة، في حين أنها توزّع تمثيل أصحاب العمل على القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية وغير ذلك، كما توزّع تمثيل أصحاب المهن الحرّة على النقابات، فلا «الهيئات الاقتصادية» تمثّل أصحاب العمل بالجملة، ولا اتحاد نقابات المهن الحرّة يمثلهم بالجملة.

يعكس هذا الكيل بمكيالين الموقف السياسي للحكومات المتعاقبة إلى جانب أصحاب الرساميل لإخضاع العمّال وتقييد حقهم بالتنظيم والمفاوضة الجماعية. فحصر تمثيل العمّال بالاتحاد العمالي العام لا يتعلّق بمستوى تمثيله وتنوّعه، بل لأنه يمثّل القوى الطائفية نفسها المسيطرة على الحكومة ومجلس النواب، ويعتمد المحاصصة، وبالتالي لن يتمتع ممثليه بالكفاءة والفعالية في الهيئات الثلاثية التمثيل، وسيسهل ضبطهم.

ثانياً - أزمة عمالية عامّة

بلغ عدد الأعضاء في النقابات في لبنان نحو 74,578 منتسباً (بناء على محاضر انتخابات النقابات في وزارة العمل حتى أيلول/سبتمبر 2024).  ويشكل هؤلاء 4% فقط من الأجراء. 

لا تبيّن هذه النسبة حجم التمثيل الحقيقي للعمّال في النقابات، فهناك الكثير من المسجّلين غير ناشطين، وهناك نقابات غير عمّالية، مثل «نقابات مالكي وسائقي السيارات العمومية» و«محترفو الكيكو شنكاي والفنون القتالية»، وهناك روابط ولجان عمّالية غير مسجلة في وزارة العمل. ولكن مهما ارتفعت التقديرات أو انخفضت فإن نسبة تمثيل العمال في النقابات ستبقى منخفضة كثيراً، ويعبّر عن أزمة عامّة، وبالتالي يجعل معظم النقابات العمالية غير تمثيلية، فلا وجود لاتحاد عمالي واحد في لبنان تنطبق عليه صفة «الأكثر تمثيلاً»، وهذا مبرر آخر ليكون هناك أكثر من اتحاد عمالي يمثلون العمّال. فعلى عكس ضآلة التمثيل يوجد تخمة في الاتحادات العمالية، العامّة والجهوية والقطاعية.

63 اتحاداً عمّالياً في لبنان

ثالثاً - ضعف تمثيل الاتحاد العمالي العام

لا ينتسب إلى الاتحاد العمالي العام سوى 35 اتحاداً من أصل 63 اتحاداً عمالياً في لبنان، أي 55% من الاتحادات، وبالتالي هو ليس الممثل النقابي الوحيد للعمّال، لا سيما أن ثقلاً عمالياً كبيراً في القطاع العام ممنوعاً من حقه في التنظيم النقابي، ولا تنتسب روابط المعلمين والموظفين إلى النقابات والاتحادات العمالية المختلفة، بما فيها الاتحاد العمالي العام.

ويقدّر عدد الأعضاء المنتسبين لنقابات الاتحادات المؤلفة للاتحاد العمالي العام بنحو 33 ألف عضو. أي أن الاتحاد العمالي العام يمثل فقط 2% من القوى العاملة في لبنان وحوالي 44% من المنتسبين إلى النقابات، أي أن الاتحاد وبكل الأحوال ليس الهيئة الأكثر تمثيلاً للعمال، وليس وحده يمثل العمّال. 

من يضم الاتحاد العمّالي العام؟

رابعاً - تشويه إضافي للتمثيل في قيادة الاتحاد العمالي العام

تتمثل الاتحادات الـ35 الأعضاء بالتساوي في المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي، فلكل اتحاد عضوين بمعزل عن عدد الأعضاء المنتسبين إليه. وينتخب المجلس التنفيذي مكتباً تنفيذياً مؤلفاً من 12 عضواً. ولا يحكم انتخاب مكتب المجلس أي معايير أو شروط تضمن التنوع والتعددية على مستوى القطاعي أو على مستوى المحافظات. ومن أصل 12 عضواً 4 أعضاء يمثلون اتحادات قطاعية، 2 للمؤسسات العامة وثالث للمصارف، ورابع في الزراعة. أما الاتحادات التي تمثل المناطق فمقتصرة على اتحادين هما اتحاد العمال والمستخدمين في الشمال واتحاد نقابات العمال والمستخدمين في محافظة بعلبك-الهرمل. 

يظهر شكل التمثيل في المكتب التنفيذي، وهو الهيئة الوحيدة المنتخبة داخل الاتحاد العام، حجم التشوه التمثيلي في أعلى مراكز القرار النقابي والذي لا يتماهى مع تركيبة الاقتصاد اللبناني فهو يستبعد تمثيل القطاع الصناعي ويعمل في هذا المجال حوالي 200 ألف عامل ما يعادل 25% من اليد العاملة المحلية

خامساً - القبض على القرار العمّالي

سمحت الصيغة الكونفدرالية في تنظيم الاتحاد العمالي بنشوء نقابات عمالية وهمية، بهدف تأسيس اتحادات والانضمام إلى الاتحاد العمالي والحصول على عدد أكبر من المقاعد في المجلس التنفيذي. وتملك وزارة العمل اللبنانية سلاح الترخيص للنقابات العمالية، فجميع الجمعيات تتأسس بالعلم والخبر ما عد نقابات العمّال تتأسس بالترخيص. ففي النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، مع انطلاق إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية تحت الوصاية السورية، عمدت وزارة العمل إلى ترخيص عدد كبير من النقابات والاتحادات النقابية لتغيير ميزان القوى داخل قيادة الاتحاد لصالح ممثلين للأحزاب المهيمنة وليسوا نقابيين يمثلون العمّال. يومها أعلن وزير العمل عبد الله الأمين، وهو الأمين العام القطري لحزب البعث: «إمّا ان تمشوا بهيكليتي أو سأقوم بإعطاء تراخيص لتأسيس نقابات واتحادات لكل الطوائف». 

سادساً - اتحاد عمالي ضد العمال!

في خلال ربع القرن الماضي، لم ينفّذ الاتحاد العمالي العام أي إضراب عمالي فعلي. الإضراب الوحيد الذي دعا إليه كان في 7 أيار/مايو 2008، الذي تحول إلى تبادل لإطلاق نيران الرشاشات والقذائف الصاروخية، وانتهى إلى «حرب أهلية صغيرة». 

لم تنخرط قيادة الاتحاد في أي نشاط ولم تدعم أي تحرّك عمّالي. وعلى الرغم من مرور 6 سنوات على واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ، لم يقم الممثل الوحيد للعمال بأي ضغط من أي نوع للدفاع عن مصالح العمال، الذين منيوا بالخسائر الأكبر بسبب انهيار الأجور الحقيقية ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وأنظمة الحماية الاجتماعية. 

اتخذت قيادة الاتحاد العمالي موقفاً سلبياً من الانتفاضة الشعبية في  تشرين الأول/أكتوبر 2019. ورفضت في بيان صادر عن هيئة المكتب تأييد مطالب الانتفاضة. قال البيان «إن الاتحاد لا يؤيد ولا يدين»، وهو لم يدعُ إلى هذه التحركات، «الاتحاد له أجندته الخاصة به ولا يتحرك بناءً على إيقاع الأجندات الأخرى وهو يحدّد متى وكيف وأين سيكون التحرك العمالي والشعبي المنظم والهادف والمحدد المطالب والساحات والمنظم بشكل دقيق وبالتعاون والتنسيق والتكامل مع مختلف الجهات التي تتفق مع هذه الأهداف التي تنطلق من مصالح وقضايا الناس وحدها وتؤدي إلى نتائج ملموسة».

كذلك، اكتفت قيادة الاتحاد العمالي بدعم كلامي لحراك العام 2015 على خلفية أزمة النفايات، «شرط أن لا يكون له أي عناوين سياسية». ولكن الخيانة الأكبر لتمثيل العمل ارتكبتها قيادة الاتحاد العمالي العام عندما وقفت مع أصحاب العمل في معركة تصحيح الأجور في القطاع الخاص في العام 2012، ففي الوقت الذي كان وزير العمل حينها شربل نحاس يحاول استغلال هذه المعركة لفرض تصحيح كبير بالتزامن مع تغيير في النظام الضريبي وإقرار التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين، ذهبت قيادة الاتحاد إلى توقيع اتفاق رضائي مع هيئات أصحاب العمل لإجهاض مشروع نحاس والقبول بمكاسب أقل بكثير مما كان يمكن للعمال الحصول عليه من الدولة وأصحاب العمل.