العمّال العرب يزدادون فقراً
ارتفعت الأجور الحقيقية في كلّ مناطق العالم بالمقارنة مع العام 2023، وتراوحت الزيادات بين 0.3% في أميركا الشمالية و17.9% في منطقة وسط وغرب آسيا، باستثناء البلدان العربية، إذ تشير التقديرات إلى أن متوسّط الأجور الحقيقية سوف يظل مستقرّاً، وفقاً لتقرير الأجور العالمي 2024-2025 الذي أصدرته منظّمة العمل الدولية أخيراً.
يُعرّف الأجر الحقيقي على أنه مقدار المال الذي يكسبه العامل أو الموظّف بعد احتساب التضخّم. وتصبح الأجور أقل قيمة بعد ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مثل ربطة الخبز أو أسعار المواصلات أو إيجارات المسكن… ويقدّم مقياس «الأجر الحقيقي» صورة أكثر دقة للقوة الشرائية للأجور بمرور الوقت، ويتيح المقارنة بين الأحوال المعيشية للعمّال حالياً قياساً إلى الماضي.
بين عامي 2006 و2024، لم يرتفع الأجر الحقيقي في البلدان العربية إلا في 10 سنوات فقط من أصل 19 سنة، بينما ظلّ على حاله أو انخفض في السنوات الباقية. لم يكن الأمر بهذا السوء في أي منطقة في العالم باستثناء أفريقيا، لكن في مناطق مثل أوروبا الشرقية، ارتفع الأجر الحقيقي في 16 سنة، وارتفع في آسيا والمحيط الهادىء في كلّ السنوات المرصودة.
وهذا يعني أن ركود الأجور هو ظاهرة متكرّرة في البلدان العربية، لذلك لا يتوقّع كثير من العمّال في المنطقة تحسّناً في أوضاعهم مع مرور الوقت، وفي كثير من الأحيان يخشون أن المستقبل لا يحمل لهم إلا الأسوأ، وخصوصاً العمّال الفقراء الذي يشكّلون قسماً كبيراً من عمّال المنطقة.
عمّال فقراء
يشير فقر العمل، كما حدّدته منظّمة العمل الدولية، إلى الحالة التي يكون فيها دخل العمّال من العمل غير كافٍ لرفعهم وأسرهم من براثن الفقر.
اعتباراً من العام 2019، كان 5.2 مليون عامل، أي 10% من إجمالي العمّال في البلدان العربية، يُعتبرون في حالة فقر العمل، ويعيش الفرد منهم مع أسرته على أقل من 2.15 دولار أميركي في اليوم الواحد (وفقاً لمقياس تعادل القوة الشرائية).
في العام 2020، ارتفع عدد العمّال في البلدان العربية المصنّفين على أنهم في حالة فقر العمل بالمقارنة مع العام 2019، ما يشير إلى تدهور ظروف العمل نتيجة لجائحة كوفيد. وعلى مرّ السنوات، استمر عدد هؤلاء وحصّتهم من العمالة في النمو، إلى أن بلغ عدد العمّال الفقراء نحو 7.1 مليون عامل في العام 2023، أي 12.6% من مجمل العمالة في المنطقة العربية.
المتوسّطات تخفي التفاوتات
يرتفع معدّل الفقر بين العمّال في البلدان العربية في الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغ فقر العمّال في الدول غير النفطية نحو 27.7% من إجمالي عمّالها في العام 2023. ويرتفع معدّل فقر العمّال بين العمّال المهاجرين في دول مجلس التعاون الخليجي.
في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، كان 40% من العاملين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجوراً أقل من الحدّ الأدنى للأجور في العام 2022. وتظهر التفاوتات بشكل أكبر ضمن المحافظات في كلّ بلد عربي. في لبنان، على سبيل المثال، وقع 15.6% و15.2% من جميع العاملين في بيروت وجبل لبنان على التوالي ضمن فئة العمّال ذوي الأجور المنخفضة في العام 2022، في حين تجاوز المعدل نسبة 30% في جميع المحافظات الأخرى، مع وجود أعلى تركيز للفقر في عكار، التي تعبر من أفقر المحافظات وأقلّها نمواً في لبنان.
قد تأخذ التصنيفات أشكالاً أكثر تعقيداً، ففي ظل انهيار العملة في لبنان والموجة التضخّمية المتواصلة، صار العمّال في القطاع العام أكثر فقراً من القطاع الخاصّ، فقد حصلت بعض التعديلات للأجور في القطاع الخاصّ، ولكنها غير الكافية، وجرى التحوّل ولو جزئياً إلى دولرة الأجور، في حين تقاعس القطاع العام عن تصحيح أجور عمّاله بحجّة الموارد الحكومية المحدودة.
فقر العمل جندري أيضاً
ينتشر فقر العمل أكثر بين النساء، وقدّرت منظّمة العمل الدولية الفجوة في «الأجور» بين الرجال والنساء بنسبة 67.5% في العام 2023. وبشكل عام، تمثّل النساء بشكل زائد في المهن والقطاعات وأماكن العمل التي تصنّف تحت قطاع العمل غير النظامي، الذي يعاني من فقر العمالة الشديد، كما في حالة العمل المنزلي والعمل من المنزل.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف القوى العاملة في البلدان العربية هم عمّال لا نظاميين وعاملات لا نظاميات أو يعملون ويعملن في أنشطة ومؤسّسات لا نظامية، إذ أن هناك نحو 28.6 مليون عامل وعاملة يجري استغلالهم من أصحاب العمل والمشاريع في أعمال شاقّة لساعات طويلة في اليوم من دون أي حمايات قانونية أو اجتماعية، ويجري تشغيلهم غالباً على أساس المياومة في مقابل أجور زهيدة تقلّ عن الحد الأدنى للأجور المعتمد في كلّ بلد. ما يعني أن فقر العمالة قد تكون أكثر انتشاراً بين هؤلاء، كون غالبية العاملين غير النظاميين في العالم العربي (73.9%) هم عمّال بأجر، يليهم العمّال المستقلون (23.1%) والعاملون في الأسرة (2.9%).