معاينة minerals mining

من المستفيد من التحوّل الطاقوي؟ ومن يدفع ثمنه الحقيقي؟

يقف العالم اليوم على حافة تجاوز الحدّ المناخي الحرج البالغ 1.5 درجة مئوية فوق مستويات الثورة الصناعية، وفي خضمّ هذا المشهد القاتم، تبدو الاستثمارات القياسية في الطاقة الشمسية والرياح وغيرها قصة أملٍ. لكن وراء هذا البريق الأخضر سؤالٌ جوهري غالبًا ما يُهمَل: من المستفيد من التحوّل الطاقوي، ومن يدفع ثمنه الحقيقي؟

يقدّم تقرير أوكسفام الأخير بعنوان «انتقال غير عادل: استعادة مستقبل الطاقة من الاستعمار المناخي» تحذيرًا صارخًا من أن الثورة الخضراء قد تعيد إنتاج منطق الاستغلال القديم في ثوبٍ جديد — حيث تُستنزف موارد الجنوب العالمي مجددًا لتغذية انتقالٍ «نظيف» في الشمال، ويُعاد رسم خرائط النفوذ على حساب الشعوب والأرض والعدالة البيئية.

التحوّل الطاقوي غير العادل

1. عدم المساواة في الطاقة

لا يزال نحو 666 مليون شخص في العالم يعيشون من دون أيّ وصولٍ إلى الكهرباء، فيما يفتقر 2.1 مليار آخرين إلى وقودٍ نظيف للطهي. يتركّز فقر الطاقة بشكلٍ حادّ وغير متكافئ، إذ تمثّل أفريقيا جنوب الصحراء نحو 85% من مجمل سكان العالم الذين لا يحصلون على الكهرباء. وفي خلال العقد الماضي، استهلك أغنى 10% من سكان العالم نصف الطاقة المنتَجة عالمياً، في حين لم يحصل أفقر 50% من السكان إلا على 8% منها.

ويتجلّى هذا التفاوت بأوضح صوره في حياة النساء والفتيات اللواتي يتحمّلن العبء الأكبر من فقر الطاقة، إذ تقضي النساء في المجتمعات الريفية في جنوب آسيا نحو 507 ملايين ساعة يومياً في جمع الوقود.

2. الاستخراج من الجنوب: القصة نفسها إنّما بمعادن مختلفة

يمتلك الجنوب العالمي نحو 70% من احتياطات المعادن الضرورية للتحوّل الطاقوي، غير أنّ القيمة الاقتصادية الكبرى تذهب إلى المستثمرين الأجانب. ففي أميركا اللاتينية على سبيل المثال، يوجد أكثر من 50% من احتياطي العالم من الليثيوم، المعدن الأساسي في تقنيات البطاريات، ومع ذلك يُستحوذ على أكثر من 90% من القيمة خارج المنطقة، وخصوصًا من قبل شركات في الصين وأوروبا والولايات المتحدة.

ومع تسارع الاقتصادات الكبرى في الشمال العالمي نحو إزالة الكربون، يُعاد تكريس الدور التقليدي للجنوب العالمي كمصدر للموارد الخام، في استمرار لديناميات استعمارية بثوب أخضر.

3. أراضٍ لا ينبغي أن تكون عرضة للاستيلاء 

تتطلّب مشاريع الطاقة المتجدّدة وتعدين معادن التحوّل الطاقوي مساحات شاسعة من الأراضي، ما يزيد الطلب عليها. وتشير التقديرات إلى أن نحو 60% من أراضي الشعوب الأصلية — أي ما يقارب نحو 22.7 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل تقريباً مجموع مساحات البرازيل والولايات المتحدة والهند - تواجه تهديدًا أو خطرًا وشيكًا من التنمية الصناعية المرتبطة بالتحوّل في قطاع الطاقة.

ويثير ذلك القلق نظراً إلى أن الشعوب الأصلية تدير نحو 40%  من الأراضي المحمية في العالم وتسهم بدور محوري في الحفاظ على التنوّع البيئي.

4. المستثمرون الأجانب يربحون حتى في استثمارات الجنوب 

في العام 2024، استحوذت الدول المرتفعة الدخل على نحو 50% من الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة، فيما بلغت حصة الصين 29%. أما أميركا اللاتينية فلم تنل سوى 3% فقط، في حين حصلت كلٌّ من جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا على 2% لكل منها.

غالبًا ما تصبّ مشاريع الطاقة في بلدان الجنوب في مصلحة المستثمرين الأجانب، ضمن شبكات معقّدة من الملكية. فعلى الرغم من أنّ الكيانات البرازيلية تملك رسميًا 89% من مزارع الرياح، فإنّ 68% منها فروع لشركات هي في الواقع فروع لشركات دولية معظمها من إيطاليا وفرنسا، ما يمنح المستثمرين الأجانب نفوذاً كبيراً؛ إذ يمتلك المستثمرون الدوليون نحو 78% من أصول طاقة الرياح و96% من أصول الطاقة الشمسية.

5. الغرق أكثر في الديون

بينما تضخّ الدول الغنية المليارات في انتقالها إلى الطاقة النظيفة، يُترك الجنوب العالمي مثقلًا بعبء الديون المتزايدة وأسعار الفائدة العقابية المرتفعة وتراجع الحيّز المالي اللازم للاستثمار في التنمية المستدامة. وتفاقم نماذج تمويل المناخ الحالية هذه الأزمة، إذ يُقدَّم 70% من التمويل المناخي الدولي على شكل قروض بدلاً من منح.

وبذلك تُدفَع الدول الأكثر هشاشة أمام آثار التغيّر المناخي إلى الغرق أكثر في الديون لمواجهة أزمة لم تتسبّب بها. وفي الواقع، فإن الدول الغنية هي التي يفترض أن تكوين «مدينة» بما يصل إلى 192  تريليون دولار في مقابل تجاوزها حصّتها العادلة من ميزانية الكربون العالمية.

6. طاقة نظيفة بأسعار قذرة

تواجه دول الجنوب معدلات فائدة تتراوح بين 9% و13.5% لمشاريع الطاقة النظيفة، بالمقارنة مع 3%  إلى 6% فقط في دول الشمال. فعلى سبيل المثال، تبلغ كلفة توفير الطاقة النظيفة لـ100 ألف شخص نحو 95 مليون دولار في الاقتصادات المتقدّمة، لكنها تصل إلى 139 مليون دولار في الهند (أعلى بنسبة 45%)، و188 مليون دولار في نيجيريا (أعلى بنسبة 97%)، بسبب ارتفاع كلفة التمويل والمخاطر التي يفرضها النظام المالي التابع للشمال العالمي. 

ترجمة بتصرف نقلاً عن موقع Equals Bulletin