ماذا تخبرنا إحصاءات التجارة الخارجية؟
في حين انخفض الناتج المحلّي الإجمالي، أي الدخل الوطني أو الثروة الوطنية، بأكثر من 40% منذ العام 2019، عادت الواردات في العام 2022 إلى مستواها قبل ثلاث سنوات، وبلغت 19.05 مليار دولار، وهي أكثر بنحو 3% من متوسّط الاستيراد في خلال السنوات العشر الماضية. ارتفعت فاتورة الاستيراد في العام 2022 بنحو 5.41 مليار دولار بالمقارنة مع العام السابق، وبزيادة 40% عن العام 2021 ونحو 69% عن العام 2020.
تُعزى هذه الزيادة إلى عاملين رئيسيين؛ عدم إقرار قانون ضوابط رأس المال التي تتمثّل وظيفته الأساسية في تنظيم الواردات. وسهولة اختراق الحدود مع سوريا التي ترزح تحت العقوبات، ممّا يسمح للتجّار والصناعيين السوريين بتلبية جزء من احتياجاتهم من لبنان.
بشكل عام، تُعدُّ الأزمات، المماثلة للأزمة التي يمرُّ بها لبنان، مؤلمة للغاية، بسبب انهيار القوة الشرائية بعد انخفاض قيمة العملة، ولكنّها تنطوي على ميزة واحدة وهي تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية وبالتالي تحفيز الصادرات. في الحالة اللبنانية، لا يحصل أيٌ من ذلك. وصلت الصادرات إلى ذروتها وبلغت 3.5 مليار دولار، أي أعلى بنسبة 4% من المتوسّط العام في خلال السنوات العشر الماضية. مع ذلك، بقيت هذه الصادرات أقل بنسبة 2% بالمقارنة مع العام 2020، و10% بالمقارنة مع العام 2021، و15.5% بالمقارنة مع العام 2019.
هذا الأداء الضعيف هو النتيجة الحتمية لعدم وجود برنامج تعديل هيكلي ضروري للتعافي، وأيضاً النتيجة الأساسية لتوقّف الائتمان وتمويل الاقتصاد بسبب رفض إعادة هيكلة القطاع المالي المُتعثر.
في الحصيلة، استمر عجز الميزان التجاري في الاتساع، علماً أنه أحد أسباب العجز الخارجي الهيكلي ومصدر الأزمة اللبنانية. ارتفع العجز التجاري إلى 15.5 مليار دولار في العام 2022، أي ما يساوي العجز في العام 2019، مع مفارقة أنه بات يمثّل الآن نحو 74% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 30% في العام 2019.
كيف يموِّل لبنان وارداته؟
السؤال الأول الذي يُطرح هو كيف يمكن لدولة في حالة انهيار كامل أن تحافظ على هذا المستوى المرتفع من الواردات، حتى لو لم تكن الإحصائيات دقيقة بسبب الانحرافات العديدة، بما فيها التهريب، وتزوير الفواتير، وكذلك قِدم قانون الجمارك نفسه. تمتلك الجمارك اللبنانية 8 أرقام فقط في نظام الجمارك الدولي المُنسّق (رمز النظام المُنسّق)، وهو ما لا يسمح بتحديد طبيعة العديد من المنتجات ويتيح مرور أشياء كثيرة تحت بند «وأخرى». في البلدان الأخرى، تنسّق المنتجات وفق 12 حاشية، مع خلق بنود جديدة ضمنها.1
من الناحية الهيكلية، استفاد لبنان منذ التسعينيات من دخل مُتاح أعلى من الدخل الوطني المُنتج (المُقاس وفقاً للناتج المحلي الإجمالي)، ممّا سمح له بالاستهلاك بأكثر من قدرته. وقد ساهم جزء كبير من رأس المال الخارجي المودع في البنوك اللبنانية في تمويل هذا الاستهلاك المُفرط. العملات الأجنبية التي دخلت البلاد، وخرجت منه مجدّداً، من دون احتسابها ضمن الميزانيات العمومية بسبب سياسة التثبيت النقدي بين الليرة والدولار. وبمرور الوقت، تجاوزت مطلوبات البنك المركزي بالعملات الأجنبية أصوله بشكل كبير، ولا سيما وأن البنوك وضعت أكثر من 80% من ودائعها بالعملات الأجنبية لديه.
وفقاً لتقدير حديث، يُموّل الدخل القومي نحو 45% فقط من الاستهلاك القومي حالياً - أي بانخفاض بنسبة 60% - بالمقارنة مع 75% قبل الأزمة. يتمّ توفير الأموال الباقية من خلال تدفّقات التمويل الخارجي و/أو من خلال الدولارات التي لا تزال مُخزّنة في البلاد. يُظهِر تحليل الميزانية العمومية للبنك المركزي أن تمويل الواردات في العام 2022 استمرّ من خلال الودائع: يواصل البنك المركزي السحب من احتياطيّاته بالعملات الأجنبية، أي أموال المودعين، لتمويل الواردات. وتشهد هذه الاحتياطيات انخفاضاً مستمراً منذ العام 2018، وقد سُجِّل الانخفاض الأكبر في العام 2022 حين بلغ نحو 13.2 مليار دولار. في المجمل، جرى تبديد حوالي 22 مليار دولار من العملات الأجنبية منذ العام 2019. ويعود النزيف جزئياً إلى الحفاظ على سعر الصرف الثابت تجاه الليرة اللبنانية عند مستوى أقل بكثير من سعر السوق بالنسبة لسلسلة من السلع المستوردة – ممّا شكل دعماً لها وضخّم الطلب. مع ذلك، من المرجّح أن الأموال الخارجة لا تغطّي حجم الواردات فحسب، وإنما أيضاً تدفّقات رأس المال ولا سيما في ظل غياب قانون ضوابط رأس المال. وحده التدقيق في حسابات البنك المركزي والبنوك يمكن أن يوضح ذلك.
مع ذلك، إن قيمة انخفاض الاحتياطيات لا تكفي لتمويل العجز. ففي العام 2022، بلغ العجز 15 ملياراً فيما الانخفاض في الاحتياطيات وصل إلى 2.6 مليار دولار فقط. هناك مصادر أخرى للتمويل يصعب تصنيفها بدقة في ضوء الإحصائيات غير المكتملة لميزان المدفوعات، ولكن، خصوصاً منذ الأزمة المصرفية، تزايدت حصّة الأموال النقدية والشبكات غير الرسمية. شكّلت خطوط الاعتماد المخصّصة للاستيراد، على سبيل المثال، نحو 262 مليون دولار في العام 2022، أي أقل من 1.5% من الواردات، بينما كانت هذه النسبة أعلى من 30% قبل العام 2019. وهذا أحد أعراض عدم تأدية القطاع المصرفي لدوره الوسيط، وهو أمر ضروري ليس فقط لتمويل الاقتصاد، وإنما أيضاً لرصد التدفقات.
تعدُّ الأزمات، المماثلة للأزمة التي يمرُّ بها لبنان، مؤلمة للغاية، بسبب انهيار القوة الشرائية بعد انخفاض قيمة العملة، ولكنّها تنطوي على ميزة واحدة وهي تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية وبالتالي تحفيز الصادرات. في الحالة اللبنانية، لا يحصل أيٌ من ذلكتأتي هذه الرساميل من مصادر عدّة: صافي تحويلات المغتربين، المقدرة بـنحو 4 مليار سنوياً بحسب البنك الدولي، وفائض ميزان الخدمات الذي يُغذّى بشكل رئيسي من عائدات السياحة، والمساعدات الإنسانية،2 وأيضاً الرساميل الآتية من السوق السورية والتي تمرّ عبر الصناعيين والتجّار السوريين من دون التصريح عنها لشراء الواردات اللبنانية. في العام 2022، بلغ إجمالي تدفقات رأس المال أكثر من 12.3 مليار دولار، أي ما يشكّل نحو 53% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى من النسبة المسجّلة في العام 2014. 3
أيضاً قد يعود الارتفاع الكبير في الواردات إلى ظاهرة الإفراط في التخزين المرتبطة بالانخفاض النسبي الحادّ للرسوم الجمركية أو ما يعرف بالدولار الجمركي. فحتى نهاية العام 2022 كان لا يزال يحتسب على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد. سجّلت الزيادة الأولى في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2022 وبلغت 15 ألف ليرة للدولار، ثمّ رُفِع إلى 45 ألف ليرة في الأول من آذار/ مارس 2023. ولكن في كلتا الحالتين، تبقى هذه المعدّلات أقل بكثير من سعر صرف السوق الذي تجاوز عتبة 41 ألف ليرة للدولار في كانون/الأول ديسمبر 2022، و88 ألف ليرة للدولار مطلع آذار/مارس الماضي.
ما الذي تكشفه بنية الواردات؟
1. فاتورة طاقة ثقيلة: ارتفعت فاتورة استيراد المنتجات النفطية إلى 5.8 مليار دولار في العام 2022، ممّا يضعها على رأس السلع المستوردة، فهي تشكّل أكثر من 30% من مجمل الواردات، وتزيد هذه الحصّة عن متوسط السنوات العشر الماضية الذي سجّل 27%. إلى ذلك، تزيد قيمة هذه الفاتورة بنسبة 18% عن متوسّط السنوات العشر الماضية، أمّا من ناحية الحجم فهي أقل بنحو 32% (بلغ حجمها نحو 5.5 مليار طن في مقابل 8.1 مليار طن في المتوسط).
إلى جانب التقلّبات في أسعار النفط، تاريخياً هناك عوامل عدّة تفسّر الوزن المرتفع لفاتورة الطاقة على الاقتصاد اللبناني، والتي شكّلت 25% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.
من ناحية، يبرز غياب وسائل النقل العام التي تجعل البنزين والمازوت وقوداً أساسية. لدرجة أن موظّفي القطاعات بأكملها، لا سيما القطاع العام حيث تُدفع الرواتب بالليرة اللبنانية، لم يعد بإمكانهم الذهاب إلى أماكن عملهم بسبب غلاء أسعار المحروقات.
ومن ناحية أخرى، هناك أدوات توليد الطاقة – سواء محطّات الطاقة والمولّدات الخاصة – فهي ليست غير فعالة من حيث الإنتاج فحسب، بل تعتمد أيضاً على أنواع الوقود باهظة الثمن نتيجة عدم إخضاع القطاع للإصلاح لعقود. تمّ إنتاج الكهرباء على مدار سنوات من خلال محطات توليد الطاقة التي تعمل على الفيول بدلاً من الغاز، إلى جانب المولدات خاصة التي تعمل على المازوت. وقد أصبحت حصة المولدات من مجمل إنتاج الطاقة أكبر منذ اندلاع الأزمة. وهو ما يضيف إلى تأثير السعر، تأثير الحجم بسبب انخفاض عائد أداة الإنتاج وغياب وفورات الحجم. وكل ذلك بمعزل عن التطور العالمي في أسعار النفط الخام.
أخيراً، إن سهولة اختراق الحدود مع سوريا ونمو التهريب - مع وجود حوالي ثلاثين نقطة عبور غير شرعية حالياً - يفسّر جزءاً من هذه الزيادة من دون أن يكون من الممكن تحديدها كمياً.
2. بنية استهلاكية غير متكافئة: في العام 2022، كانت قيمة واردات الحبوب أعلى بنسبة 28% من متوسّط السنوات العشر الماضية، ويعود ذلك ربما إلى تأثيرات السعر في أعقاب الحرب في أوكرانيا. أمّا لناحية الحجم، فقد كان أقل بنسبة 13% من متوسط السنوات العشر الأخيرة، ممّا يعني أن استهلاك هذا العنصر الأساسي آخذ في الانخفاض، على الرغم من استمرار دعمه.
أيضاً يُعد انخفاض واردات المنتجات الصيدلانية عبر القنوات الرسمية مثيراً للانتباه: ففي العام 2022، بلغت 50% من حيث القيمة و32% من حيث الحجم بالمقارنة مع متوسّطات السنوات العشر الماضية. أحدث رفع الدعم عن واردات الأدوية تأثيراً كبيراً، وحالياً يتمّ تأمين بعض احتياجات الأدوية عبر الشبكات الخيرية والدوائر الخاصة أو عبر قنوات التهريب، وهو ما يحول دون إمكانية تحديدها كمّياً.
ارتفعت واردات اللحوم بنسبة 35% في العام 2022 بالمقارنة مع العام 2021، ولكنها لا تزال أقل في القيمة بنسبة 10% عن متوسّط السنوات العشر الماضية. وهو ما يعكس التغييرات في عادات أكل جزء من السكّان الذين أجبروا على تكييف مكوّنات غذائهم مع مداخيلهم.
من ناحية أخرى، لم تتأثر المنتجات الفاخرة بالأزمة. على سبيل المثال، كانت واردات السيجار في العام 2022 أعلى من حيث القيمة والحجم مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية. أمّا بالنسبة لاستيراد الكافيار فنلاحظ انتعاشاً قوياً في العام 2022. من حيث القيمة، بلغ أكثر من 80% بالمقارنة مع العام 2019، ومن حيث الحجم، عاد إلى مستوى متوسط السنوات العشر الماضية.
تعطي هذه الأمثلة لمحة عامّة عن تطوّر أنماط الاستهلاك في مجتمع يتزايد فيه انعدام المساواة. فمن ناحية، يستفيد أولئك الذين لا تزال مداخيلهم بالدولار مرتفعة من زيادة القوة الشرائية بفعل انهيار الأسعار المحلية. ومن ناحية أخرى، زاد فقر أصحاب المداخيل بالليرة اللبنانية، لدرجة أن الأمن الغذائي لنحو مليوني شخص بات مُهدّداً بحسب الأمم المتحدة.
تشهد احتياطيات العملات الأجنبية انخفاضاً مستمراً منذ العام 2018، وقد سُجِّل الانخفاض الأكبر في العام 2022 حين بلغ نحو 13.2 مليار دولار.سلّط مقال نشره المعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية في أيار/مايو 2022 الضوء على هشاشة لبنان بسبب اعتماده الشديد على الواردات لتلبية احتياجاته الغذائية، التي ينتج ثلثها محلياً فقط.
وبحسب الأرقام التي نشرها البنك الدولي في نيسان/أبريل 2023، يحتلّ لبنان المرتبة الأولى بين الدول العشر الأكثر تضرراً من تضخم أسعار الغذاء، حيث بلغ معدل التضخّم الاسمي 261%، أي ضعف معدل التضخّم في زيمبابوي التي تحلّ في المرتبة الثانية عالمياً.
3. ظاهرة الإفراط في التخزين والتهريب: هناك فئتان ضمن أكثر 10 سلع مستوردة شهدتا ارتفاعاً قوياً في العام 2022، وهو ما يمكن تفسيره على الأرجح بظاهرة الإفراط في التخزين والتهريب المرتبطة بانخفاض الرسوم الجمركية بسبب انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.
من حيث القيمة، بلغت واردات السيارات في خلال العام الماضي، على سبيل المثال، أعلى مستوياتها في سنوات العشر الأخيرة، بإجمالي 1.87 مليار دولار، أو 30% أعلى من متوسط السنوات العشر الماضية. أمّا من حيث العدد، فمن الواضح أن السوق تتعافى، وقد تم تسجيل 6,563 سيارة جديدة في العام 2022، بالمقارنة مع 4,840 سيارة في العام 2021، مع ذلك يبقى العدد أقل بكثير من 39,868 سيّارة بيعت في العام 2017. حالياً، سوق السيارات مدفوعة بشكل أساسي بمبيعات السيّارات المُستعملة: تم تسجيل 37,154 في العام 2022، أي 5,6 مرّات أكثر من السيّارات الجديدة، علماً أنه شكّل ضعف ما كان عليه في العام 2021 و165% أكثر من العام 2020.
بعيداً من هذه الأرقام، إن تدهور أسطول السيّارات وتنامي سوق السيارات الفخمة يعكس الغياب التام للسياسة العامة وزيادة التفاوتات الاجتماعية. وللتسعير الجمركي أيضاً عواقب وخيمة تتجاوز الخسائر التي تتكبّدها خزينة الدولة. جرى تعديل الرسوم الجمركية مرّتين؛ في الأول التعديل الأول احتسبت على سعر 8 آلاف ليرة للدولار، وفي الثاني على سعر 15 ألف ليرة، وكلاهما أقل بكثير من سعر الصرف الحقيقي. عدا أن عدم تغيير الشرائح الضريبية كان بمثابة اقتصاص للسيارات الرخيصة وامتيازاً للسيارات الفخمة.4
وفي مقابلة مع أحد مستوردي السيّارات الجديدة يقول إن «حصّة السيارات الفخمة زادت بشكل كبير بسبب التعريفات الجمركية. ويصحّ ذلك بالنسبة لقطاع السيّارات الجديدة وقطاع السيارات المُستعملة. قبل الأزمة كانت التعريفات تبلغ بحدّها الأدنى 5 ملايين ليرة (3300 دولار قبل 2019) بمعزل عن نوع السيارة. ومنذ انهيار قيمة الليرة، أصبح هذا المبلغ مغرياً للمركبات الأعلى تكلفة».
نتيجة لذلك، يستمر أسطول السيارات اللبناني في التدهور مع وجود أكثر من مليون مركبة يزيد عمرها عن 17 عاماً. في العام 2022، تجاوز عمر أكثر من 76% من المركبات المسجلة خمس سنوات، وفقاً لأرقام جمعية استيراد السيارات الجديدة. وبحسب المستورد نفسه، تتشابه التشريعات اللبنانية مع تشريعات الدول الأكثر تخلفاً، نظراً لإمكانية استيراد سيارات يصل عمرها إلى ثماني سنوات. حاولنا تقليص العمر إلى 5 سنوات ولكن من دون جدوى. في بلدان أخرى، بما فيها الأردن، يُمنع ببساطة استيراد السيارات المستعملة.
يُموّل الدخل القومي نحو 45% فقط من الاستهلاك القومي حالياً بالمقارنة مع 75% قبل الأزمة، ويتمّ توفير الأموال الباقية من خلال تدفّقات التمويل الخارجي والدولارات التي لا تزال مُخزّنة في البلاد
تحلّ المعدات والمواد الكهربائية في المرتبة الرابعة بين أكثر السلع استيراداً في العام 2022 بإجمالي 1.67 مليار دولار، وبزيادة 543% عن العام 2020 و83% عن متوسّط السنوات العشر الماضية. علماً أن استيراد الألواح الشمسية والبطاريات، نتيجة لارتفاع فاتورة الطاقة، هو أحد دوافع هذه الزيادة. ويرجّح أن يكون هناك ظاهرة تخزين كبيرة من جانب اللاعبين في القطاع.
وبحسب أرقام الجمارك، بلغ إجمالي قيمة واردات الألواح الشمسية والبطاريات للأنظمة الكهروضوئية نحو 405 ملايين و351 مليون دولار على التوالي في العام 2022، في مقابل 7 ملايين و68 مليون دولار على التوالي في العام 2019. ما يعني أن الزيادات تبلغ نحو 715 و285% بالمقارنة مع متوسط السنوات العشر الماضية.
وفقاً لبيار خوري، رئيس المركز اللبناني للحفاظ على الطاقة التابع لوزارة الطاقة والمياه «استورد لبنان في العام 2022 مواداً كهروضوئية تكفي لإنتاج ما يعادل 1,300 ميغاواط من الطاقة. لا شكّ تمّ تخزين جزء كبير منها، ولكن يقدّر أنه جرى تركيب نحو 500 إلى 600 ميغاواط في العام 2022».
خطّ الاستيراد البارز الآخر في هذه الفئة هو الهواتف المحمولة. استورد لبنان بقيمة 354 مليون دولار في العام 2022، وهو الرقم الأعلى في السنوات العشر الماضية، وهي تزيد بنسبة 36% عن العام 2019، وأعلى بنسبة 75% من متوسط السنوات العشر الماضية.
ما الذي تكشفه بنية صادراتنا؟
1. سلع غير مُعقّدة نسبياً: على صعيد تصدير السلع، تعطي نظرة سريعة على أرقام الجمارك فكرة عن ضعف القدرة التنافسية للبنان. من الواضح، بشكل عام، أن مستوى التعقيد والقيمة المُضافة يقتصر نسبياً على عدد قليل من القطاعات التي غالباً ما تتحكّم بها شركة واحدة أو عدداً صغيراً من الشركات.
يسمح تحليل وجهات تصدير السلع اللبنانية بإظهار تأثير السياسة الإقليمية القوي. نلاحظ أنه في العام 2002، لم تسجّل أي صادرات إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم من كونها واحدة من أكبر ثلاث وجهات تصدير للسلع اللبنانية. يأتي ذلك نتيجة المقاطعة السياسية التي فرضتها الرياض على لبنان، في حين كانت الإمارات العربية المتحدة المتلقي الرئيسي للسلع اللبنانية بنسبة 21% من مجمل الصادرات.
تعتبر سوريا مستورداً مهماً نسبياً للسلع اللبنانية، بحصة 10% من مجمل الصادرات، لكنها أيضاً نقطة عبور، إذ عبر 11% من الصادرات الرسمية للدولة اللبنانية عبر الحدود البرية مع سوريا في العام 2022، بالمقارنة مع متوسط 8% على مدى السنوات العشر الماضية.
باستثناء سويسرا، التي تُعدّ منصّة لإعادة تصدير الذهب والأحجار الكريمة، لا تتجاوز حصّة أي بلد في أوروبا أو أميركا نسبة 3% من مجمل الصادرات، ممّا يبيّن صعوبة دخول المنتجات اللبنانية إلى الأسواق المتقدّمة. القدرة التنافسية من حيث السعر ليست كافية، من الضروري أيضاً تلبية قواعد ومعايير الأسواق المعنية.
إذا استبعدنا إعادة التصدي، وخصوصاً للسيّارات، تحلّ المجوهرات في رأس قائمة السلع المصدّرة بإجمالي 748 مليون دولار في العام 2022، وهو ما يشكّل أكثر من 20% من مجمل قيمة الصادرات. ويعكس ذلك تطوّر وقوة هذا القطاع التقليدي في لبنان. لكن من الصعب جداً تقييم قيمته المضافة، لأن الأرقام تتضمّن أيضاً تصدير المواد الخام مثل الذهب والماس والأحجار الكريمة.
تأتي الرساميل من مصادر عدّة: صافي تحويلات المغتربين المقدرة بـنحو 4 مليار سنوياً، وفائض ميزان الخدمات الذي يُغذّى بشكل رئيسي من عائدات السياحة، والمساعدات الإنسانية، وأيضاً الرساميل الآتية من السوق السورية. وقد بلغت أكثر من 12.3 مليار دولار في العام 2022، أي ما يشكّل نحو 53% من الناتج المحلي الإجمالي
أمّا العنصر الثاني على لائحة الصادرات فهو للخردة بما فيها مجموعة واسعة من المعادن مثل الحديد، والنحاس، والألمنيوم، إلخ. بلغت قيمتها نحو 355 مليون دولار، وهو ما يشكّل نحو 10% من مجمل الصادرات. الرقم كبير! فلبنان ليس لديه صناعات لإعادة تدوير المعادن. توجد وحدات معالجة لهذه الخردة المعدنية، إلّا أن عدداً قليلاً من الصناعات تستثمر بالفعل في فرز ومعالجة وإعادة استخدام هذه النفايات.
العنصر الثالث الذي شكّلت قيمته نحو 267 مليون دولار فهو المواد الخام المخصّصة لصناعة البلاستيك والتي يتم إرسالها بشكل أساسي إلى سوريا وتشكل 74% من الصادرات الرسمية إلى هذا البلد.
أخيراً، تعكس بعض خطوط التصدير أداء القطاعات الصناعية أو حتى المجموعات الصناعية الرائدة ضمن قطاعها. هذه هي حالة صادرات الأسمدة والمبيدات، ومولدات الكهرباء، والأغذية الزراعية، والأدوات الكهربائية المنزلية، بالإضافة إلى قطاع الطباعة والخشب وبعض المنتجات الزراعية مثل التفاح والعنب.
2. هيمنة السياحة على الخدمات: فيما يتعلّق بالخدمات، تكاد تكون البيانات أقل تفصيلاً، عدا أن السرية المصرفية تسهّل عدم الإعلان عن جزء مهمّ من هذه الأنشطة. وفقاً للإحصاءات المتاحة، يرتبط معظم تصدير الخدمات بالسياحة، التي تشكّل نحو 50% من مجمل صادرات الخدمات، علماً أنها آخذة في الارتفاع منذ عودة انتعاش القطاع مع نهاية جائحة كوفيد-19. في المقابل، تعدّ مساهمة القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى مثل الاتصالات أو تكنولوجيا المعلومات أو التمويل أقل بكثير. يشهد قطاع السياحة انتعاشاً، ولكن من غير المرجّح أن يستعيد مستواه قبل الأزمة حين كان يشكّل نحو 20% من الناتج المحلّي لعام 2019 قبل العام 2025 بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
الخلاصة
يسلّط الميزان التجاري الضوء على الهشاشة الشديدة للاقتصاد اللبناني. وفقاً لمؤشّر مرصد التعقيد الاقتصادي، الذي يقارن الاقتصادات وفقاً لمدى «المعرفة» التي تضفيها، يحتل لبنان المرتبة 47 من بين 137 دولة. وهنا يكمن التحدي للمستقبل: الاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية وقادرة على المنافسة الدولية وحماية نفسها من عدم الاستقرار العالمي والإقليمي.
إن صادرات السلع والخدمات - لا تصدير الشباب اللبناني - هي التي ستقودنا نحو نموذج جديد للنمو الاقتصادي. ويفترض هذا الهدف وجود إستراتيجية وطنية ذات سياسات واضحة، بدءاً من إقرار قانون ضوابط رأس المال الذي ينظّم مؤقتاً تدفّق الرساميل بما فيها تلك المخصّصة لتمويل الواردات، وسياسة جمركية مدعومة بدبلوماسية نشطة وضوابط فعّالة، وقبل كلّ شيء سياسة ماكرو اقتصادية تحرّر القدرات الإنتاجية للقطاع الخاص والاستثمارات في القطاعات ذات المزايا النسبية.
- 1مقابلة مع نقابة الصناعيين.
- 2يصعب تقدير المبلغ الإجمالي بسبب غياب الشفافية على صعيد الدولة والمؤسسات العامة، وهذا ما يؤكّده تقرير مؤسّسة غربال، وإنما أيضاً بسبب تدفّق هذه المساعدات من خلال المنظّمات غير الحكومية والطائفية.
- 3وفق حسابات عامر بساط.
- 4جرت مراجعات متتالية، الأولى بقيمة 8 آلاف ليرة للدولار والثانية بقيمة 15 ألف ليرة. بينما بالنسبة للسلع المستوردة الأخرى فقد رفعت أسعار الرسوم الجمركية للمرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2022 إلى 15 ألف ليرة، ويفترض دفعها إلى 90 ألف ليرة في أيار/مايو 2023.