
13 تقنية تعيد ترتيب العالم
يشهد العام 2025 تبدّلاً في قواعد اللعبة نتيجة التحوّلات في مسار التكنولوجيا العالمية. تدخل القوى الرقمية والهندسية والطاقة مرحلة جديدة من الابتكار وتعيد تشكيل الاقتصاد والمجتمع. يرسم تقرير «توجهات التكنولوجيا 2025» الصادر عن «ماكينزي» خريطة تضم 13 تقنية كبرى ويتوقع دفعها عجلة التغيير في كل قطاع، من الصحة والتعليم إلى النقل والطاقة. تتبلور القائمة وتدخل بعض عناصرها الحياة اليومية، وتقترب أخرى من التطبيق الواسع. فما هي هذه التفنيات وما هو تأثيرها المحتمل؟
1. الذكاء الاصطناعي الوكيل
ينفّذ خططاً متعددة الخطوات ذاتياً ويستخدم مزيجاً من النماذج اللغوية الكبيرة وأدوات رقمية متكاملة. يدير هذا الجيل من الذكاء الاصطناعي الحجوزات، ويعالج الطلبات، ويكتب السطور البرمجية، ويهيّئ التقارير، ويجري أبحاثاً وتحليلات واسعة. الذكاء الاصطناعي الوكيل هو منظومة ذكية تتولى إنجاز الأعمال أوتوماتيكياً، يفهم الأوامر المعقدة ويحوّلها إلى خطوات عملية من دون الحاجة إلى متابعة بشرية مستمرة. يعمل وكأنه موظف رقمي دائم متاح على مدار الساعة. تطلق شركات عالمية منصات عملية مثل OpenAI Operator لتنفيذ إجراءات الويب، وDarktrace لرصد التهديدات والاستجابة الفورية، وSalesforce Agentforce لإدارة خدمة العملاء والمبيعات. جذب هذا التطور تبنّياً واسعاً له في الأعمال والتعليم والصحة والخدمات العامة، ويرفع سرعة الإنجاز ودقته. سجّلت الاستثمارات في الوكلاء الذكيين 1.1 مليار دولار في العام 2024. وارتفعت إعلانات الوظائف المرتبطة بالوكلاء الذكيين بنسبة 985% بين 2023 و2024. يعتمد القطاع اليوم مرحلة «التجريب» على مستوى التبنّي المؤسسي.
2. الذكاء الاصطناعي التوليدي ومتعدد الوسائط
يدفع موجة الابتكار الرقمية وينتج نصوصاً وصوراً وفيديوهات ويستخرج تحليلات دقيقة من بيانات ضخمة. تنتشر النماذج الصغيرة عالية الكفاءة وتعمل مباشرة على الأجهزة، فتدمج الذكاء الاصطناعي في الهواتف والسيارات والأجهزة المنزلية والمعدات الصناعية. وترفع هذه النقلة تفاعل الإنسان والآلة وتفتح تطبيقات في التعليم والصحة والإبداع والتصميم وخدمة العملاء. تطوّر «ميتا» و«أنثروبك» و«غوغل» نماذج تقدّم ترجمة فورية على الهاتف، وتحلل مستندات معقّدة، وتوحّد النص والصورة والصوت في سياق واحد. تتيح هذه القدرات حلولاً مبتكرة للأعمال، وتسرّع البحث العلمي، وتضع أدوات شخصية قوية بيد المستخدمين، فتغيّر أنماط العمل والإنتاج والتعلّم. سجّل الذكاء الاصطناعي إجمالي استثمارات بقيمة 124.3 مليار دولار في العام 2024. وتجمع شركات الذكاء الاصطناعي 52 مليار دولار في الربع الأول من العام 2025، من ضمنها 40 مليار دولار لأحد أكبر الصفقات الاستثمارية. تنخفض كلفة الاستدلال (التدريب) في النماذج الكبيرة بمعدل يتراوح بين 9 مرات و900 مرة سنوياً ويبلغ الوسيط 50 مرة. وتتجه شركات التقنية الكبرى إلى إنفاق رأسمالي سنوي يتراوح بين 70 و100 مليار دولار في العام 2025 على مراكز البيانات والبُنى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
3. أشباه الموصلات المخصّصة
أشباه الموصلات المخصّصة هي شرائح إلكترونية تُبنى لتأدية وظيفة واحدة بكفاءة عالية، بخلاف المعالجات التقليدية المصمَّمة للاستخدامات العامة. هي أداة دقيقة الصنع تُنجز مهمة واحدة بسرعة ودقة. من أمثلتها شرائح TPU من «غوغل» المخصّصة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، ومعالجات Tesla FSD الخاصة بالقيادة الذاتية، ووحدات معالجة الصور من «آبل» في هواتف «آيفون».
يحقّق هذا النهج كفاءة أعلى من المعالجات العامة، ويخفض استهلاك الطاقة، ويقلّل الحرارة، ويرفع السرعة. يدفع نمو الذكاء الاصطناعي والاتصال المتقدم والتطبيقات الصناعية شركات التقنية إلى تصميم شرائح للشبكات العصبية البرمجية ووحدات تسريع اتصال عالية السرعة ومعالجة حساسات على الجهاز من دون العودة إلى السحابة. تتيح هذه الابتكارات تشغيل تطبيقات متقدمة على الهواتف والحواسيب والروبوتات والمعدات الصناعية بسرعة واعتمادية أعلى، وتوسّع قدرات الأجهزة الذكية وترفع مستوى أدائها في العمل والحياة اليومية. يرتفع نشاط براءات الاختراع الخاص بالرقائق الموجّهة للذكاء الاصطناعي بشكل ملحوظ نتيجة طفرة الطلب على التدريب والاستدلال. وتسجّل هذه الفئة قفزة استثمارية ضمن اتجاهات «الحوسبة والاتصال» مع انتقال الشركات إلى تصميم رقائق مخصّصة للمهام.
4. الاتصال المتقدّم
الاتصال المتقدّم يعني البنية الشبكية التي تتيح نقل البيانات بسرعة شبه فورية وبأمان عالٍ، بما يسمح بدمج التقنيات الحديثة في الحياة اليومية. من أمثلته شبكات 5G التي تتيح الجراحة عن بعد، والأقمار الاصطناعية مثل «ستارلينك» التي توصل الإنترنت إلى المناطق النائية، وحلول الاتصال الصناعي التي تدير خطوط الإنتاج في المصانع. يوفّر تطوّر الشبكات الأرضية والفضائية سرعات أعلى وزمناً منخفضاً للاستجابة واعتمادية أكبر، ويمكّن تطبيقات تحتاج إلى تدفق لحظي للبيانات. تدعم شبكات الجيل الخامس وما بعده الواقع المعزّز والافتراضي وإنترنت الأشياء الصناعي والتحكم عن بعد بالآلات والمركبات. تؤمّن الأقمار الاصطناعية منخفضة المدار تغطية واسعة للمناطق النائية والبحار، وتفتح مجالات للخدمات اللوجستية والزراعة الذكية والرصد البيئي. يخلق الجمع بين الشبكات الأرضية والفضائية بنية مرنة تدعم الروبوتات الموزّعة والمركبات الذاتية وأنظمة المراقبة المتقدمة، وتعزّز كفاءة الأعمال وجودة الخدمات وتطلق نماذج تشغيل تعتمد الاتصال الفوري المستمر. في مناطق الأرياف العربية، توصل هذه الشبكات المدارس بمحتوى تعليمي لحظي وترفع جودة الخدمات الصحية عن بعد.
5. الحوسبة السحابية وحوسبة الحافة
توفّر الحوسبة السحابية موارد معالجة هائلة عبر مراكز بيانات ضخمة متصلة بالإنترنت. تشغّل هذه البنية التطبيقات وتخزّن البيانات وتدرّب النماذج الذكية، كما يحدث في خدمات «أمازون ويب سيرفيسز» و«مايكروسوفت أزور» التي تتيح لأي مؤسسة أو فرد الوصول إلى قدرات حوسبية تفوق بكثير ما يمكن للأجهزة المحلية توفيره. تسمح السحابة للشركات الناشئة بإطلاق تطبيقات معقّدة بسرعة من دون الحاجة إلى شراء أجهزة باهظة الثمن أو صيانة خوادم خاصة بها.
تنقل حوسبة الحافة جزءاً من هذه المعالجة إلى قرب المصدر مثل الهواتف، المستشعرات، أو السيارات الذكية. يتيح ذلك معالجة البيانات محلياً فور حدوثها، ما يسمح باتخاذ قرارات لحظية مثل توقف السيارة ذاتية القيادة عند ظهور عائق مفاجئ، أو إصلاح خط إنتاج صناعي قبل حدوث عطل كبير. يقلّل هذا النهج الاعتماد الكلّي على السحابة ويمنع تأخير الاستجابة الناتج عن إرسال البيانات لمسافات بعيدة.
يوفّر الدمج بين السحابة والحافة نموذجاً متكاملاً: السحابة تدير البيانات الضخمة وتحفظها، والحافة تعالج المعلومات العاجلة على الفور. يخفّف هذا المزيج ضغط الشبكات، يقلّل زمن الاستجابة، ويحسّن الأمان من خلال إبقاء جزء من المعالجة قريباً من مكان حدوث البيانات. وتستفيد منه الأجهزة الطبية القابلة للارتداء التي تتابع حالة المرضى بشكل فوري، والمصانع التي تراقب خطوط الإنتاج لحظة بلحظة، وأنظمة المراقبة التي تحتاج إلى استجابة سريعة في حالات الطوارئ.
يرفع هذا الدمج قدرة المؤسسات على الابتكار، ويوفّر للمستخدمين خدمات أسرع وأكثر اعتمادية، ويتيح تطبيقات لم يكن من الممكن تنفيذها في السابق. ويشهد هذا المجال نمواً متجدداً في الاستثمارات العالمية عام 2024 مع دخول المزيد من الشركات إلى سباق تطوير البنية التحتية السحابية والحوسبة الطرفية.
6. تقنيات الواقع الغامر
تدمج العناصر الرقمية مع المشهد الحقيقي أو نقل المستخدم إلى بيئة افتراضية كاملة تمنحه شعوراً بالوجود داخلها. من أمثلتها نظارات الواقع الافتراضي مثل Oculus، ونظارات الواقع المعزّز مثل HoloLens، وتجارب الألعاب التفاعلية أو المعارض الافتراضية.
يتجاوز دورها الاستخدام الترفيهي إلى التعليم والتدريب والرعاية الصحية والصناعة. يستخدم العاملون نظارات تعرض تعليمات الإصلاح أو التركيب خطوة بخطوة أثناء التنفيذ، فيقلّ الخطأ وتعلو الإنتاجية. يدرّب الأطباء أنفسهم على محاكاة جراحية ثلاثية الأبعاد من دون تعريض المرضى للخطر. يوفّر التعليم الافتراضي محتوى ثلاثي الأبعاد يزيد الاستيعاب. تسمح الصناعات بمراقبة المنشآت والتحكم بها عن بعد باستخدام نماذج رقمية مطابقة للواقع، وتسهّل الصيانة الوقائية وتخفض الكلفة. يفتح التكامل مع الذكاء الاصطناعي والاتصال المتقدّم حلولاً تعتمد التفاعل اللحظي والمعلومات المدمجة في مشهد المستخدم. ينتقل من نطاق الاستهلاك إلى الاستخدام الصناعي والتدريب الجراحي والصيانة الميدانية، مع نمو استثماري إيجابي في 2024 بعد عام ضعيف. ينتقل من نطاق الاستهلاك إلى الاستخدام الصناعي والتدريب الجراحي والصيانة الميدانية، مع نمو استثماري إيجابي في 2024 بعد عام ضعيف.
7. الثقة الرقمية والأمن السيبراني
يضمنان نزاهة وأمان وتوثيق المعاملات والمحتوى الرقمي من خلال التحقق من الهوية وحماية الخصوصية ومنع التلاعب أثناء النقل أو التخزين. تبني المؤسسات دفاعاتها عبر التشفير القوي وأنظمة كشف التسلل والمصادقة متعددة العوامل. تقدّم حلول سلسلة الكتل أو البلوك تشاين سجلات غير قابلة للتغيير لتتبّع الأدوية وسلاسل الإمداد. ترصد أنظمة الذكاء الاصطناعي الأنماط الشاذة وتتعامل فوراً مع التهديدات. تمتد التطبيقات إلى التجارة الإلكترونية والخدمات المالية والرعاية الصحية والحكومات الرقمية وتضمن الأمان والشفافية في التفاعلات اليومية. يرفع تعزيز المنظومة مستوى الحماية للأصول ويزيد الجاهزية أمام التهديدات المتطوّرة. يزداد توظيف أنظمة ذكاء اصطناعي دفاعية ترصد الأخطاء وتتدخّل فوراً، ويستمر الاستثمار المؤسسي في أدوات الحوكمة والكشف والامتثال.
8. التقنيات الكمّية
يعالج الحاسوب التقليدي المعلومات باستخدام أصغر وحدة قياس تُسمّى «البِت» (bit) التي تمثّل صفراً أو واحداً. ينفّذ العمليات بترتيب متسلسل ويجرّب الاحتمالات واحداً بعد الآخر. لنفترض أن الحاسوب التقليدي دخل إلى حديقة فيها متاهة، لكي يعبرها عليه أن يدخل أول طريق، وفي حال فشله في الخروج يعود إلى البداية ويجرّب الطريق الثاني، ثم الطريق الثالث، حتى ينتهي الأمر بخروجه منها.
يعالج الحاسوب الكمي المعلومات باستخدام أصغر وحدة قياس تُسمّى «الكيوبت» (qubit) التي تمثّل صفراً أو واحداً أو صفراً وواحداً في الوقت نفسه عبر مبدأ التراكب الكمّي. ينفّذ العمليات بشكل متوازٍ ويختبر ملايين الاحتمالات دفعة واحدة. وبحسب المثل السابق، يدخل الحاسوب الكمّي كل الممرات في المتاهة في الوقت نفسه. كذلك يسمح التشابك الكمي بارتباط الكيوبتات معاً بطريقة تجعل حالة أحدها مرتبطة مباشرة بحالة الآخر، حتى لو فصلت بينهما مسافات شاسعة. فإذا تغيّرت حالة الكيوبت الأول يتغيّر الثاني فوراً في اللحظة نفسها، وكأنهما يتواصلان بطريقة خفية وسريعة لا يفسّرها العلم التقليدي. يوفّر هذا المبدأ قدرة كبيرة في الحسابات، لأن الكيوبتات المترابطة تعمل كوحدة واحدة متناسقة، فتزيد سرعة المعالجة وتعقيدها. كما يوفّر أماناً عالياً في الاتصالات، إذ يمكن رصد أي محاولة اختراق فوراً، لأن التشابك يتأثّر مباشرة عند التدخّل في النظام. ولهذا السبب تختبر دول مثل الصين وأوروبا شبكات اتصالات كمّية تعتمد على التشابك لتأمين رسائل غير قابلة للاختراق.
تفتح هذه القدرات آفاقاً في التشفير واكتشاف الأدوية ومحاكاة المواد وتحسين سلاسل الإمداد. يتقدّم المجال عبر مُعالجات أكثر استقراراً وتقنيات أفضل لتصحيح الأخطاء وزيادة عدد الكيوبتات القابلة للاستخدام. تستثمر الشركات والحكومات في مختبرات ومراكز أبحاث وبنية تحتية للتطبيقات المقبلة. يعيد هذا المسار تشكيل ميزان القوة في الأمن القومي والابتكار الصناعي والبحث العلمي ويمنح أفضلية لمن ينجح في تشغيل الأنظمة على نطاق واسع. إذ يمتلك الحاسوب الكمي قدرة نظرية على فك التشفير وكسر كلمات المرور بسرعة هائلة. الحواسيب التقليدية تفك الشيفرات عبر تجربة الاحتمالات بشكل متسلسل، ما يجعل العملية شبه مستحيلة عند التعامل مع مفاتيح ضخمة. أمّا الحاسوب الكمي فيستخدم مبادئ التراكب والتشابك ليختبر ملايين الاحتمالات في الوقت نفسه. بفضل خوارزميات مثل شور (Shor’s Algorithm) يستطيع الحاسوب الكمي تحليل الأعداد الكبيرة التي تبنى عليها أنظمة التشفير الحالية خلال وقت قصير جداً. هذا يعني أنّه في حال توفر حاسوب كمي متقدّم، يمكنه نظرياً كسر معظم أنظمة الحماية وفك كلمات المرور التي يعتمد عليها العالم الرقمي اليوم.
يمتد أثر هذه القدرة إلى الأمن القومي للدول بشكل مباشر. تعتمد الحكومات والمؤسسات العسكرية والمالية على التشفير لحماية الاتصالات، حركة الأموال، وأسرار الدولة. في حال امتلكت دولة ما حاسوباً كمياً قادراً على كسر التشفير، يمكنها التنصّت على الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية، الوصول إلى البيانات السرية، واختراق البنية التحتية الرقمية والنووية لمنافسيها. تتقدّم الأبحاث وتصحيح الأخطاء والكيوبتات الفعّالة، وتزيد الاستثمارات الحكومية والشراكات الصناعية، مع بقاء التبنّي في طور التطوير.
9. مستقبل الروبوتات
ينتقل من منشآت الإنتاج المغلقة إلى المستودعات والمزارع والصحة والخدمات اللوجستية. يعتمد على الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية والاستشعار المتقدّم، فيتنقل ذاتياً ويتعرّف على الأجسام ويتكيف مع البيئات. ينفّذ التجميع والفحص بدقة ثابتة، ويدير الفرز والنقل لتسريع تلبية الطلبات. يراقب المحاصيل، ويكشف الأمراض، ويضبط الري والحصاد بترشيد للموارد. يُجري عمليات جراحية دقيقة ويقدّم دعماً للمرضى وكبار السن. تعزّز البطاريات الخفيفة والمواد المتينة والتحكم عبر الشبكات مرونة الأداء وتسهّل الاندماج في بيئات العمل اليومية، فترتفع الإنتاجية وتتحسّن جودة الخدمات. يحقق الاستثمار تعافياً في العام 2024 ويستفيد من تكامل الوكلاء الذكيين والتعلّم المتعدّد الخطوات في التدريب والتشغيل.
10. مستقبل التنقل
يتجه إلى أنظمة أذكى وأكفأ تعتمد المركبات الكهربائية والقيادة الذاتية والطائرات المسيّرة، وترتكز إلى شبكات اتصال متقدّمة وبنى رقمية متكاملة. تخفّض المركبات الكهربائية الانبعاثات والكلفة التشغيلية. تحلل تقنيات القيادة الذاتية بيانات الحساسات وتتخذ قرارات لحظية فتزيد السلامة وتخفف الازدحام. تخدم الطائرات المسيّرة نقل البضائع السريع والمراقبة البيئية ودعم الطوارئ. تعتمد المدن الذكية أنظمة إدارة مرور بذكاء اصطناعي تنسّق حركة المركبات والإشارات وتدمج النقل العام مع مشاركة المركبات والدراجات الكهربائية لرفع الكفاءة وتقليص زمن الرحلة. تدعم تطورات التخزين والشحن السريع والبنية الشبكية الانتشار الواسع لهذه الحلول، وتعيد تشكيل أنماط التنقل وتفتح فرصاً للصناعات اللوجستية. يحافظ الاتجاه على موقعه بين أعلى مسارات الاستثمار عبر 2022–2024، ويعود إلى النمو في العام 2024 بعد هبوط في العام 2023. يتسارع إدماج المركبات الكهربائية والذاتية مع بنى الاتصال المتقدّم.
11. مستقبل الهندسة الحيوية
يطوّر علم البيولوجيا التركيبية والهندسة الحيوية تصميم الكائنات والأنظمة البيولوجية لخدمة احتياجات الصحة والزراعة والصناعة. يحلّل العلماء الخرائط الجينية باستخدام تقنيات متطورة مثل «كريسبر» ويجرون تعديلات على الحمض النووي لإنتاج علاجات شخصية. يحوّل الباحثون عيّنات الأورام إلى أجسام مضادة تهاجم الخلايا المصابة مباشرة. يرفع هذا النهج فعالية العلاجات ويقلّل آثارها الجانبية.
يعزّز القطاع الزراعي مقاومة المحاصيل للأمراض والجفاف عبر التعديل الجيني. يضيف العلماء عناصر غذائية إلى محاصيل أساسية مثل الأرز والقمح لمعالجة سوء التغذية. يطوّر المزارعون نباتات تتحمل البيئات القاسية وتزيد الإنتاجية الزراعية.
تستخدم الصناعة كائنات دقيقة مهندَسة لإنتاج مواد كيميائية ووقود حيوي بطرق أكثر استدامة. توفّر هذه العمليات بدائل منخفضة الكلفة للطرق التقليدية التي تستهلك طاقة عالية وتلوّث البيئة. يرفع ذلك قدرة الصناعة على تلبية معايير الاستدامة.
يشمل التطبيق تطوير لقاحات أسرع عند ظهور الأوبئة. ينتج الباحثون بروتينات علاجية مثل الأنسولين والإنزيمات الخاصة بالأمراض النادرة. يحسّن هذا المجال جودة الأغذية ويطيل عمرها التخزيني. تفتح الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد مجالاً لبناء أنسجة بشرية ونماذج أولية للأعضاء، ما يقرّب حلولاً ثورية في زراعة الأعضاء.
ترتفع الاستثمارات في عام 2024 في مجالات الجينات والطباعة الحيوية. تكثّف المختبرات والشركات التجارب السريرية والتطبيقات الصناعية. يضع هذا التوجّه أسس عصر جديد في الطب الشخصي والزراعة الذكية والصناعة الحيوية المستدامة.
12. تقنيات الفضاء
يتسع النشاط الفضائي مع دخول الشركات الخاصة والمؤسسات البحثية مجالات كانت حكراً على وكالات وطنية. تطلق هذه الجهات أقماراً اصطناعية صغيرة ومنخفضة الكلفة تؤمّن إنترنت عالي السرعة لمناطق نائية. تراقب هذه الأقمار المناخ وترصد التغيرات البيئية بدقة زمنية وجغرافية عالية.
تطوّر شركات الفضاء تقنيات دفع جديدة تخفّض الكلفة وتسمح بإعادة استخدام المركبات. ترفع هذه الابتكارات وتيرة الإطلاقات وتجعل تكرار المهمات ممكناً بوتيرة شهرية وأسبوعية. يتيح ذلك تنفيذ مشاريع استكشاف علمية وتجارية كانت مؤجلة لعقود.
تتوسع الاستخدامات التجارية لتشمل مراقبة سلاسل الإمداد العالمية وتقديم صور فورية عن حركة البضائع. يحصل المزارعون على بيانات آنية تساعدهم في إدارة المحاصيل ومواجهة الجفاف. تستخدم أجهزة الأمن الصور الفضائية لمراقبة الحدود، وتستفيد هيئات الطوارئ من البيانات لرصد الكوارث الطبيعية وإدارة الاستجابة السريعة.
تطوّر مراكز الأبحاث منصات مدارية لإجراء تجارب في بيئة انعدام الجاذبية. تسمح هذه التجارب بكشف خصائص جديدة للمواد وتطوير تقنيات طبية لا يمكن اختبارها على الأرض. تفتح هذه التطبيقات مسارات لصناعة أدوية مبتكرة وهندسة مواد متقدمة للاستخدام الصناعي والعسكري.
يعزّز البناء الفضائي الجديد التكامل مع الأنظمة الأرضية مثل شبكات الاتصال والإنترنت. يولّد هذا المجال فرصاً اقتصادية واستراتيجية كبيرة للمستثمرين الأوائل. يفتح أيضاً نافذة أمام المنطقة العربية لبناء قدرات اتصالات مستقلة ومراقبة بيئية وطنية. يزداد الاستثمار في الأقمار الاصطناعية الصغيرة وتقنيات إعادة الاستخدام خلال عام 2024، وتوسّع الشركات الخاصة حضورها في السوق المداري بخطى متسارعة.
13. الطاقة المستدامة
يدفع التحول العالمي إلى إنتاج واستهلاك نظيفَين عبر الشمس والرياح والمياه وحلول التخزين التي تضمن الاستمرارية. ترفع الابتكارات في الألواح والتوربينات كفاءة التحويل وتخفض الكلفة. تخزّن البطاريات عالية السعة الفوائض وتطلقها عند الحاجة. تمنح الشبكات الصغيرة الموزعة المجتمعات قدرة إنتاج محلي وإدارة مستقلة، فتقلّ الحاجة إلى الشبكات المركزية وتتعزّز المرونة أمام الانقطاعات. تتكامل المشروعات مع أنظمة إدارة ذكية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الطلب وضبط التوزيع لحظياً فتتحسن الاستفادة من الموارد ويقلّ الفاقد. يدعم هذا المسار تشغيل المركبات الكهربائية وشبكات الشحن ويخفض الانبعاثات الصناعية ويقلّص الكلفة التشغيلية، ويعزز أمن الطاقة ويمهّد لاقتصاد منخفض الكربون. ارتفع الاستثمارات في العام 2024 بعد هبوط في العام 2023، ويبقى ضمن أعلى مسارات التمويل بين الاتجاهات الـ13. تتقدّم الشبكات الصغيرة والتخزين والبرمجيات الذكية لإدارة الحمل والفاقد.
كيف يتكامل هذا كله؟
يبني الترابط بين هذه المجالات منظومات تقدّم حلولاً معقّدة تتجاوز قدرة كل تقنية منفردة. تدير روبوتات مزوّدة بذكاء اصطناعي ووكلاء رقميين صيانة المصانع، وتكتشف الأعطال قبل وقوعها، وتطلب المكونات، وتنفّذ الإصلاحات اعتماداً على تحليل بيانات محلي عبر حوسبة الحافة. توصل الهندسة الحيوية أدوية مصممة للمرضى بطائرات مسيّرة إلى المناطق البعيدة، وتتابع أنظمة بلوك تشاين بيومترية سلسلة الإمداد. تدير الشبكات الذكية مزارع الرياح والطاقة الشمسية بتحليلات آنية، ويعرض الواقع المعزّز إرشادات ميدانية للعاملين، ويتكفّل الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية بالربط المستمر. يطلق هذا الترابط نماذج تشغيل مرنة وسريعة الاستجابة، ويقدّم حلولاً مبتكرة لصناعة وصحة وطاقة ونقل.
يشكّل العام 2025 مرحلة انتقالية تدخل فيها التقنيات الثلاث عشرة مسار التطبيق الواسع وتؤسّس لبنية اقتصادية ومجتمعية جديدة. توحّد المؤسسات الراغبة بالصدارة الاستثمار في التبنّي والبنى التحتية وبناء المهارات المتقدمة، فتزيد الكفاءة وتحسّن جودة المنتجات والخدمات وتوسّع القدرة التنافسية. يدعم البحث والتطوير والشراكات العامة-الخاصّة وتيرة الابتكار ويحوّل الإمكانات إلى نتائج ملموسة. تمكّن المجتمعات التي تمنح التعليم التقني والتدريب الرقمي أولوية حقيقية من مواكبة التحوّل واستثماره. يفتح هذا المنعطف فرصة استراتيجية لإعادة صياغة البنية الاقتصادية على أسس الاستدامة والكفاءة والاعتمادية، ويطلق مرحلة نمو قائمة على ابتكار وتكامل يومي بين التكنولوجيا والحياة.