Preview البحر الأحمر

ما هي تأثيرات الحرب على قناة السويس؟
الإبحار في مياه عكرة

منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تؤثر الاضطرابات في البحر الأحمر بشكل كبير على نشاط قناة السويس، ما قلّص حركة السفن عبر القناة، وأجبرها على تغيير مسارها بين آسيا وحوض البحر المتوسط وأوروبا في الاتجاهين. لا تقتصر التداعيات على الدخل بالعملات الصعبة الذي تجنيه الدولة المصرية من النشاط على هذه القناة، بل يرصد تقرير حديث صادر عن «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» (أونكتاد) عدداً من الآثار التجارية والاقتصادية والبيئية، مثل ارتفاع أسعار الشحن والتأمين، وتأخّر وصول البضائع وإمدادات الطاقة وزعزعة سلاسل التوريد العالمية المُتشابكة، وارتفاع معدّل التضخّم العالمي، وزيادة استهلاك السفن للوقود مما يزيد من انبعاثات الكربون، كما يستعرض أبرز البلدان المتضرّرة، بالإضافة إلى مصر.

ما هي تأثيرات الحرب على قناة السويس؟

يحمل التقرير عنوان: «التأثير على التجارة العالمية نتيجة لتعطيل طرق الشحن في البحر الأحمر والبحر الأسود وقناة بنما»، ويشير إلى أن تعطّل حركة المرور من قناة السويس قد فاقم اضطرابات النقل البحري  بسبب الجفاف التي تتعرّض له قناة بنما والتوترات في البحر الأسود نتيجة الحرب في أوكرانيا.

فيما يلي ملخّصاً عمّا أورده تقرير «أونكتاد» عن قناة السويس.

بحسب تقرير «أونكتاد»، تتيح قناة السويس طريقاً مباشراً للشحن التجاري بين أوروبا وآسيا، من دون الحاجة إلى الدوران حول القارة الأفريقية. ووفق البيانات التي يستعرضها التقرير، فقد عبر قناة السويس نحو 26 ألف سفينة في العام 2023، وتشير التقديرات إلى أن 22% من تجارة الحاويات العالمية المنقولة بحراً قد مرّت عبرها، وبلغت الأحجام المنقولة بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال 10% من الإجمالي العالمي، وناقلات النفط 9%، وناقلات غاز البترول المسال 7%، وسفن البضائع السائبة 4%، وتعتبر شركات نقل السيّارات أيضاً من المستخدمين الرئيسيين لقناة السويس.

بحسب تقرير «أونكتاد»، انخفضت عمليات عبور السفن من قناة السويس بأكثر من 40% مقارنة بذروتها في آذار/مارس 2023، وحدث معظم الانخفاض في خلال الشهرين الماضيين. فبعد هجمات حركة «أنصار الله» اليمنية على السفن ذات الصلة بإسرائيل في البحر الأحمر، والضربات التي توجّهها الولايات المتّحدة الأميركية وبريطانيا إلى الأراضي اليمنية، تجنّبت العديد من السفن المرور عبر القناة التي تعدّ الممرّ الأقصر والأقل كلفة للانتقال بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر، والآن تختار هذه السفن الطريق الأطول حول جنوب أفريقيا. بين النصف الأول من كانون الأول/ديسمبر 2023 والنصف الأول من شباط/فبراير 2024، انخفضت حمولة السفن التي تدخل خليج عدن بأكثر من 70%. وفي الوقت نفسه، ازدادت حمولة السفن التي تعبر من رأس الرجاء الصالح بنسبة 60%. وبحلول 18 شباط/ فبراير كانت 621 سفينة حاويات قد غيّرت مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، وهذا أسفر تراجعاً في حمولة الحاويات التي تعبر القناة بنسبة 82%.

الابحار في مياه عكرة

الدول الأكثر تأثراً بالاضطرابات عند قناة السويس

تعدُّ قناة السويس مصدراً رئيساً لإيرادات العملات الأجنبية لمصر، إذ ساهمت بمبلغ 9.4 مليار دولار في العام المالية 2022/2023، ما شكّل 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. لكن أزمة البحر الأحمر أدّت إلى انخفاض إيرادات قناة السويس بما لا يقل عن 40%. ولا تنحصر التداعيات بمصر فقط، فقد يكون لتراجع الحركة عبر البحر الأحمر آثار سلبية على بلدان أخرى في المنطقة، مثل إثيوبيا والسودان.

تشير «أونكتاد» إلى اعتماد التجارة الخارجية للعديد من دول شرق أفريقيا على قناة السويس. تأتي السودان في المرتبة الأولى إذ يعبر 34% من حجم تجارتها من القناة (28% من الصادرات ونحو 36% من الواردات)، ويتم توجيه نحو 31% من حجم التجارة الخارجية لجيبوتي عبر قناة السويس، وتبلغ حصة القناة من تجارة كينيا وجمهورية تنزانيا المتحدة، نحو 15% و10% على التوالي. أيضاً تتأثّر تجارة المملكة العربية السعودية باضطرابات البحر الأحمر، لا سيما أن أكثر من ربع تجارتها (26.4%) تمرّ عبر قناة السويس.

ما هي تأثيرات الحرب على قناة السويس؟

زيادة القدرة الاستيعابية لسفن الشحن والمسافات التي عليها عبورها

زادت المسافات التي تقطعها البضائع البحرية على مرّ السنين مع التحوّلات في الجغرافيا العالمية للتجارة وتطوّر اتجاهات العولمة، ومن المتوقّع أن تعزّز الأحداث الحالية في البحر الأحمر هذا الاتجاه، الذي تفاقم أيضاً بسبب الحرب في أوكرانيا فيما يتعلّق بشكل خاص بتجارة النفط والحبوب، فضلاً عن تعطّل قناة بنما نتيجة الجفاف.

توفر قناة السويس قدراً كبيراً من الوقت والمسافة للسفن، على سبيل المثال، يتعيّن على ناقلة النفط المتّجهة من ميناء رأس تنورة في المملكة العربية السعودية إلى روتردام في مملكة هولندا أن تقطع مسافة 10,358 كيلومتراً عبر قناة السويس، أما الرحلة البديلة عبر رأس الرجاء الصالح فستكون 17,975 كيلومتراً، أي أن العبور من القناة يقلّل طول الرحلة بنسبة 42%. بالمثل، إن رحلة الحاوية التي يتم شحنها من سنغافورة إلى روتردام قد تُختصر بنسبة 29% عند استخدام قناة السويس بدلاً من رأس الرجاء الصالح.

يشرح تقرير «أونكتاد» إن إعادة التوجيه السفن التي تنطوي على قطع مسافات أطول، قد تزيد الحاجة إلى المزيد من السفن، أو الحاجة إلى سفن ذات قدرة استيعابية أكبر. على سبيل المثال، تستغرق الرحلة ذهاباً وإياباً بين الهند وأوروبا 56 يوماً و8 سفن، وإذا امتدّت الرحلة إلى 63 يوماً، فستكون هناك حاجة إلى سفينة إضافية.

تُترجم الأميال والأيام الإضافية إلى تكاليف إضافية مثل تكاليف الوقود والقيمة المفقودة للبضائع الحسّاسة تجاه الوقت، وتنشأ تكاليف إضافية أخرى من الاعتبارات الأمنية السائدة، بما في ذلك خطر القرصنة (قبالة القرن الأفريقي)، وتولد هذه الظروف طفرة في أسعار التأمين والمطالبات القانونية على الشركات التي تتأخّر سفنها، فقد تتعطّل الشحنات، وتتضرّر السفن وتفسد البضائع.

ما هي تأثيرات الحرب على قناة السويس؟

زيادة سرعة السفن وانبعاثات الكربون

يرى تقرير «أونكتاد» أن الاضطراب في البحر الأحمر وقناة السويس يمكن أن يؤدّي إلى جانب العوامل المرتبطة بقناة بنما والبحر الأسود، إلى تآكل المكاسب البيئية التي تحقّقت من خلال اعتماد تقنية «التبخير البطيء»، الذي تعمد فيه سفن الشحن إلى السير بسرعات منخفضة لتقليل الجهد على المحرّكات، وتوفير الطاقة، فحالياً تعمل السفن على زيادة سرعتها لتغطية مسافات أطول، ويتجلّى هذا بشكل خاص بين سفن الحاويات، حيث تؤدّي زيادة السرعة بنسبة 1% عادةً إلى زيادة بنسبة 2.2% في استهلاك الوقود. على سبيل المثال، تؤدّي زيادة السرعة من 14 إلى 16 عقدة إلى زيادة استهلاك الوقود لكل ميل بنسبة 31%، ونتيجة لهذا فإن المسافات الأطول الناجمة عن تغيير المسار من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح تعني زيادة بنسبة 70% في انبعاثات الغازات المسبّبة للانحباس الحراري العالمي في رحلة ذهاباً وإياباً من سنغافورة إلى شمال أوروبا.

ارتفاع تكلفة التأمين

زادت أقساط مخاطر الحرب للسفن التي تمرّ عبر البحر الأحمر. ووفقاً لبعض المصادر التي تعتمدها «أونكتاد»، قفزت تكاليف مخاطر الحرب في الأسابيع الأخيرة من العام 2023، حيث أصبح العبور يكلّف علاوة تزيد عن 0.3% من قيمة السفينة، وهو ضعف ما كان يتم تحصيله في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، وأعلى مما كان عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبحلول أوائل شباط/فبراير 2024، تشير بعض التقارير إلى ارتفاع أقساط التأمين من 0.7% إلى 1% من قيمة السفينة.

ارتفاع تكاليف الشحن والأسعار

تباينت التأثيرات على أسعار الشحن باختلاف قطاعات الشحن، حيث يواجه شحن الحاويات والسلع الاستهلاكية والمصنّعة أكبر الزيادات. ووفق تقرير «أونكتاد»، ارتفعت أسعار شحن الحاويات على الطرق من آسيا والمحيط الهادئ إلى أوروبا بشكل حادّ منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ولوحظ ارتفاع أسبوعي قياسي قدره 500 دولار للحاوية في الأسبوع الأخير من كانون الأول/ديسمبر 2023. وزاد متوسّط الأسعار الفورية لشحن الحاويات من شنغهاي في أوائل شباط/فبراير 2024 بنسبة قدرها 122% مقارنة بأوائل كانون الأول/ديسمبر 2023، وقفزت المعدّلات من شنغهاي إلى أوروبا بنسبة 256%.

على الرغم من أن الارتفاع في أسعار الشحن كان الأكبر نسبياً على الطرق التي تعبر قناة السويس، تشير «أونكتاد» إلى ظهور آثار الاضطرابات في مواقع بعيدة عن القناة، مثل الطرق التي توصل آسيا بالساحل الغربي للولايات المتّحدة، فقد ارتفعت أسعار الشحن إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة بنسبة 130% منذ أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

ما هي تأثيرات الحرب على قناة السويس؟