
3 دوافع مُحتملة وراء اهتمام إيلون ماسك بلبنان
لماذا تهتمّ «ستارلينك» بالدخول إلى السوق اللبنانية؟ سؤالٌ يمكن اختصار الإجابة عنه بـ 3 أسباب رئيسة: أولاً، تعطّش لبنان إلى خدمة إنترنت سريعة يستبدل بها الخدمات المتردّية فيه. ثانياً، النشر المُحتمل لعدد من الأقمار الاصطناعية من أجل توفير هذه الخدمة، وبالتالي فرض رقابة جوّية غير مباشرة مستمرّة فوق المنطقة. وثالثاً، القيمة الجيوسياسية التي قد تكتسبها الشبكة في نقطة «حسّاسة» في شرق المتوسط.
تُعدّ «ستارلينك» شبكة إنترنت فضائي تديرها شركة «سبيس إكس» التي أسّسها إىلون ماسك، أغنى رجل في العالم. تعتمد على نحو 7 آلاف قمر اصطناعي منخفض المدار لتوفير إنترنت عالي السرعة، لا سيّما في المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية التقليدية. حالياً، تُسوَّق «ستارلينك» كخيار مثالي للمجتمعات الريفية والنائية حيث تكون كلفة مدّ شبكة أرضية مرتفعة عادة، وكذلك للملاحة البحرية والجوّية، ومؤخراً برزت أدوراها في العمليات العسكرية. وبالتالي، لا يروّج لها في المناطق الحضرية. لكن كما هو الحال غالباً مع «سبيس إكس»، ما هو واقع اليوم لا يُحدد بالضرورة المستقبل، وقد يتطوّر دور «ستارلينك» ليشمل الربط الحضري مستقبلاً.
1. اختراق سوق واعدة ومُربحة
على الرغم من أنّ لبنان هو الدولة العربية الأولى التي أدخلت خدمة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، غير أنّه كان من بين آخر الدول التي وفّرت خدمة DSL بدءاً من العام 2006، وهي تقنية اتصال بالإنترنت تعتمد على استخدام خط الهاتف الأرضي النحاسي التقليدي لنقل البيانات الرقمية من دون أن تعطل استخدام الخط لإجراء المكالمات الهاتفية. وعندما قرّرت الحكومة اللبنانية تحديث الشبكة والانتقال إلى الألياف الضوئية في أواخر العام 2010، فشلت في مسعاها، وبقي 65% من مشروع الفايبر أوبتيك غير مكتمل بحلول العام 2019، قبل أن يتوقف في العام 2020 بسبب انعدام القدرة على استيراد معدّات الألياف مع الانهيار النقدي والاقتصادي في لبنان. هذا الواقع، جعل انتشار الإنترنت عبر الألياف البصرية محصوراً ببعض مناطق بيروت وبعض المراكز الحضرية، في حين تعتمد أكثرية اللبنانيين على وصلات ADSL/VDSL القديمة أو الإنترنت الثابت اللاسلكي، اللذين يتسمان بسرعة تنزيل منخفضة كثيرا عن المعدّلات العالمية. وفي النتيجة بات لبنان يحلّ في المرتبة 142 عالمياً في سرعات الإنترنت الثابت في العام 2025. باختصار لا يزال الوصول إلى الإنترنت في لبنان محدوداً. وبحسب البنك الدولي، لا تتجاوز نسبة الأسر الفقيرة المتّصلة بالإنترنت 33%، بالمقارنة مع حوالي 68% من الأسر غير الفقيرة. وتعكس هذه الفجوة الرقمية عمق الأزمة البنيوية التي تعانيها خدمات الاتصالات في البلاد. وفي بيئة تتسم بانقطاع مزمن للكهرباء والاتصالات، ورداءة جودة الإنترنت المحلي، وتهالك البنية التحتية، يتفاقم منسوب الإحباط الشعبي ليخلق طلباً مكبوتاً على بدائل أخرى.
يعزّز هذا الواقع صورة «ستارلينك» كمزوّد إنترنت فضائي قادر على تجاوز القيود الأرضية، ويُكسِب الشبكة سوقاً متعطّشة لخدمات أفضل. وبالفعل تعد السوق اللبنانية كبيرة ومربحة بالنسبة إلى «ستارلينك». فبحلول تموز/يوليو من العام الجاري، بلغ عدد المشتركين في «ستارلينك» نحو 6.2 مليون شخص في 134 بلداً يضم 3 مليارات شخص. وفي لبنان، يوجد نحو 5.34 مليون مستخدم إنترنت، من ضمنهم نحو 1.4 مليون اشتراك سكني وبلدي وتجاري يحصلون على خدمة الإنترنت من «أوجيرو» أو مزوّدي الإنترنت المحليين المرخّصين وغير المرخّصين. ومع نمو الحديث عن اهتمام «ستارلينك» بالدخول إلى السوق اللبنانية، حذّر مزوّدو الإنترنت المحلّيين من أن هذه الخطوة قد تحرمهم من 25% من زبائنهم على الأقل، أي نحو 350 ألف مشترك سكني وتجاري في الإنترنت في لبنان، ما يشكّل نحو 5.6% من مجمل مُشتركي «ستارلينك» في العالم. وهذه حصّة سوقية وازنة.
2. رقابة غير مباشرة من الفضاء
بوجود سوق واعدة لن تتردّد «ستارلينك» من توجيه أقمارها الاصطناعية إلى لبنان التي تعد كلفة نشرها أقل بكثير من مدّ شبكة ألياف ضوئية. بحسب E-International Relations، يستطيع كل قمر صناعي بسرعة 1 تيرابايت في الثانية دعم ما يقارب 10 آلاف مبنى، مع طلب ذروة يبلغ 100 ميغابايت في الثانية بنسبة تزامن 20%. وهذا يعادل حوالي 200,000 مبنى لكلّ قمر صناعي، وفقاً لأنماط الاستخدام السكنية والتجارية المعيارية. ما يعني أن خدمة 350 ألف مشترك مُحتمل في لبنان، بمعدّل 10 مشتركين في كل مبنى يتطلْب نشر 4 أقمار اصطناعية في الفضاء اللبناني، وبالتالي فرض مراقبة غير مباشرة فوق هذه الأجواء، وبالتالي استخدام الاتصالات كأداة حرب في منطقة مُحتدمة بالصراعات. فمع أن الدور الأساسي لـ «ستارلينك» هو توفير الإنترنت، يشير المصدر نفسه إلى إمكانية استخدام أقمار الشبكة بطرق غير مباشرة لأغراض المراقبة، هو أمر سهل إذ لا يتطلّب سوى معالجة وتحليل البيانات من شبكة الأقمار الاصطناعية نفسها، وليس أن تكون الأقمار نفسها معدّات مراقبة بحد ذاتها.
3. اكتساب قيمة جيوسياسية
عادةً ما اعتُبرت البنى التحتية، مثل الاتصالات والطاقة والنقل، شأناً سيادياً يخضع لسيطرة الدولة، لكن في عصر العولمة والخصخصة، صارت شركات خاصة، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا والفضاء، تدير بنى تحتية عالمية ذات أهمية إستراتيجية. صحيح أن هذه الشركات تهدف أولاً إلى الربح والنمو التجاري، لكنها تتفاعل أيضاً مع الضغوط السياسية والدولية، وتمتلك سلطة قرار مستقلة بناءً على مصالحها الخاصة قد تتعارض مع سياسات الدول تماماً كما حدث في حالة أوكرانيا. ففي العام 2023، فرض ماسك قيوداً أحادية الجانب على العمليات العسكرية الأوكرانية في خيرسون، بعد أن وفّر لها الإنترنت في عمليّاتها منذ بدء الغزو الروسي، ولم يُعِد الخدمات إلا بعد تدخل البنتاغون بعقد مناسب.
وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، تصبح شبكة اتصالات فضائية أصلاً إستراتيجياً بالغ الأهمية. فعلى عكس شبكات الألياف الضوئية، التي عادةً ما تملكها وتديرها جهات محلّية أو وطنية، تخضع البنية التحتية لـ«ستارلينك» لسيطرة «سبيس إكس» بالكامل. تقول مجلّة European Journal of International Relations إن «ستارلينك» ليست منصّة محايدة، بل تُدار من قِبل إيلون ماسك، وهو شخصيةٌ غالباً ما كانت توجّهاتها وقراراتها السياسية متقلّبة. ففي مطلع العام 2025، تعهّد ماسك بتقديم 100 مليون جنيه إسترليني لحزب نايغل فاراج اليميني المتطرف، «إصلاح المملكة المتّحدة»، قبل أنّ يطالب باستبداله بعد بضعة أيام.
تُبرز هذه الأحداث هشاشة الاعتماد على جهة خاصّة للأمن القومي، ما يجعل الضمانات الأمنية التي يُقال إن «ستارلينك» قدّمتها للسلطات الأمنية اللبنانية شكلية، إذ يمكن خرقها وفقاً لمصالح ماسك المعروف بعلاقاته المتينة مع إسرائيل والإدارة الأميركية. بالإضافة إلى ذلك، يعد الحصول على إنترنت عبر «ستارلينك» يعني أن جميع طلبات الاتصال التي يجريها المشتركون في الخدمة لن تمرّ عبر الشبكة المحلّية، ما يُفقده الدولة جزءاً أساسياً من بنيتها التحتية الرقمية لصالح جهة خارجية ما يعقّد جهود فرض سيادة البيانات وحيادية الشبكة وسياسات الأمن. وبالتالي، يُنشئ هذا الواقع نقاط ضعف يُمكن استغلالها في خلال النزاعات أو الصراعات الجيوسياسية، إذ قد يخضع كل اتصال عبر الإنترنت - سواءً كان الوصول إلى الصحافة المستقلة أو المحادثات الشخصية أو البنية التحتية الحيوية - للتحكم أو التضييق أو التقييد التام.