معاينة سوريا وتركيا والأردن:  اتفاق على إحياء سكّة حديد الحجاز التاريخية

سوريا وتركيا والأردن:
اتفاق على إحياء سكّة حديد الحجاز التاريخية

أعلنت كلٌّ من تركيا وسوريا والأردن وصولها إلى اتفاق لإحياء سكة الحجاز، في إطار مساعيها لإعادة وصل شبكات النقل البري والسككي وتسهيل حركة التجارة بينها. وكانت هذه السكة التي ربطت يوماً دمشق بالمدينة المنوّرة قد توقفت عن العمل فعلياً منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي.

يرى كثرٌ في المشروع خطوة يمكن أن تحقق مكاسب اقتصادية كبيرة للدول الثلاث، فضلاً عن السعودية، وتفتح ممرات نقلٍ جديدة في المنطقة. لكن يرى بعض النقّاد أنّ المشروع يواجه تحدياتٍ عدة، بدايةً من صعوبات التمويل والتأهيل التقني مروراً بالجدوى الاقتصادية مقارنةً بالمشروعات البديلة وإلى المخاطر الجيوسياسية والأمنية التي قد تُضعف فرص تنفيذه.

في 11 أيلول/سبتمبر، عقد ممثلو وزارات النقل في سوريا والأردن وتركيا اجتماعاً فنّياً تحضيرياً في عمّان، يمهّد لاجتماعٍ وزاريٍّ لاحق. أسفر الاجتماع عن توصياتٍ عامة تهدف إلى تيسير حركة التجارة بين الدول الثلاث وتطوير الروابط النقلية، كان أبرزها إعادة تفعيل سكة الحجاز. واقترحت تركيا المساهمة في ترميم الجزء المتضرر داخل الأراضي السورية، في حين تعهّدت الأردن بإعادة تأهيل القاطرات السورية وصيانتها. والجدير بالذكر أنّ السكة التاريخية كانت تصل دمشق بالمدينة المنوّرة، أما الجزء الواصل إلى إسطنبول فلم يُستكمل بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وفي 23 أيلول/سبتمبر، أعلن وزير النقل والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو أنّ بلاده وافقت على المساعدة في إتمام الجزء الناقص البالغ 30 كيلومتراً من خط الحجاز داخل الأراضي السورية، الرابط بين دمشق والحدود السورية الأردنية. وأضاف أنّ الأردن ستبحث الخيارات التقنية لإصلاح وصيانة وتشغيل القاطرات السورية، وربما تسيير قاطراتٍ أردنية على الخط حتى دمشق.

وأوضح إياد الأسعد، مدير مكتب التعاون الدولي في وزارة النقل السورية، لموقع ذا سيريا ريبورت أنّ فكرة إحياء السكة حاضرة منذ زمن طويل في أذهان الوزارات الثلاث. فمحاولات إحياء هذا الخط التاريخي ليست بالجديدة. فقد تعهّدت سوريا والأردن والسعودية في العام 2006 بإعادة تشغيل الخط، وفي العام 2010 أُعلِنت رحلاتٌ سياحية بين درعا والأردن قبل أن تُعلّق الخدمة لاحقاً.

وبيّن الأسعد أنّ الظروف السياسية السابقة، قبل سقوط نظام الأسد، حالت دون تنفيذ المشروع، وأنّ اجتماع 11 أيلول/سبتمبر كان مراجعة أولية لخيارات التنفيذ الممكنة. وأضاف أنّ الجانبان التركي والأردني قدّما مقترحاتٍ للمشاركة المباشرة في إصلاح البنية التحتية المتضررة للخط داخل سوريا.

وقال الأسعد: «تعمل الوزارات الثلاث حالياً على إعداد مذكرة تفاهم ثلاثية لبدء أعمال الصيانة والترميم والمضيّ قدماً في تنفيذ المشروع، على أن تُعرض في اجتماعٍ وزاري مرتقب في الأسابيع القليلة القادمة».

وأشار الأسعد إلى أنّ الجزء المتضرر يمتد من منطقة القدم في دمشق (إحدى المحطات التاريخية) حتى الحدود السورية الأردنية، وأنّ الأضرار تشمل المحطات والسكك والقاطرات والعربات وورش الصيانة. وتُظهِر الخريطة أدناه مشروع الخط المزمع بناؤه، و الخط القائم بالأصل.

سوريا وتركيا والأردن:  اتفاق على إحياء سكّة حديد الحجاز التاريخية

الآفاق الاقتصادية والإمكانات الإقليمية

ذكر الأسعد أنّ أهمية المشروع لا تكمن فحسب في وصل الخليج بتركيا، بل في إحياء ممرّ تجاري حيوي يمتد من البحر الأحمر (ميناء العقبة) مروراً ببلاد الشام وصولاً إلى تركيا وأوروبا. فالمسار الجديد سيُتيح نقل البضائع بسرعةٍ وكفاءةٍ أكبر وكلفةٍ أقل، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري، محوِّلاً البلاد إلى نقطة وصل بين اقتصادات الإقليم.

وترى أستاذة العلاقات الدولية في جامعة أنقرة حاجي بيرم ولي، صوَي أجيكالين، أنّ إحياء سكة حديد الحجاز «يحمل أهمية كبرى للمنطقة بأسرها لما لها من نفعٍ عملي»، موضحةً أنّ الخط سيُنشئ روابط تجارية مباشرة بين دول الخليج وأوروبا عبر الأردن وسوريا وتركيا. وأضافت أنّ التحرك التركي لإحياء السكة يتقاطع مع مساعي أنقرة لتوسيع الربط السككي مع العراق وأذربيجان، ضمن هدف أوسع لجعل تركيا «المنفذ الأكفأ لأوروبا نحو الشرق».

في المقابل، رأى أمين الجمعية الاقتصادية السورية، الدكتور فؤاد اللحّام، أنّ الحديث عن إحياء سكة الحجاز «رمزيّ بالأساس بحكم قيمتها التاريخية، أما استعادتها بصيغتها الأصلية فاقتصادياً غير مجدٍ». واستشهد بوجود عوائق تقنية عديدة، أبرزها اختلاف المواصفات بين سكة الحجاز وشبكة الخطوط السورية، بالإضافة إلى تدمير أصول كثيرة في سوريا والأردن والسعودية.

ورجّح اللحّام أن يُقتصر الأمر على تأهيل الخط الواصل بين سوريا والأردن، قائلاً: «وهذا بدوره يستلزم تعديلاتٍ فنية في الشبكتين، لكنّه خيارٌ أكثر واقعية، إذ يتيح لتركيا اتصالاً مباشراً بميناء العقبة، ومنه بالتجارة الدولية عبر البحر الأحمر».

أمّا مدير الشؤون الفنية في المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، محمد العمري، فقد أوضح أنّ الفرق التقني الرئيس بين خط الحجاز وسائر السكك السورية يتمثّل في العرض القياسي للمسار؛ إذ تعمل سكة الحجاز بعرض 1,050 ملم، في حين تعتمد الشبكة السورية الأخرى 1,435 ملم وفق المعايير الدولية.

أشار العمري إلى أنّ الخط بين معان الأردنية ودمشق موحّد العرض (1,050 ملم)، وبالتالي يمكن إصلاحه عبر استبدال الأجزاء المسروقة أو المتضررة وتنظيف المهد الحجري وتجديده وصيانة العربات. ويمكن بعد ذلك نقل البضائع إلى تركيا عبر الشبكة القياسية (1,435 ملم)، غير أنْ ذلك يستلزم إعادة تحميلها في محطة القدم، وهو خيارٌ أقل كلفة من توحيد العرض لكامل الخط.

سكة الحجاز: لمحة تاريخية

أُنشئت سكة الحجاز في أواخر القرن التاسع عشر إبان الحكم العثماني، بمبادرة من السلطان عبد الحميد الثاني لربط إسطنبول بمكّة والمدينة عبر خطّ يختصر زمن الحج، إذ كان السفر بالقوافل يستغرق نحو 40 يوماً. بحلول العام 1909، اكتمل الخط بين دمشق والمدينة المنوّرة بطول 1,300 كلم، فاختصر زمن الرحلة إلى 5 أيام.

بيد أنّ مد السكة المخطَّط من الأراضي السورية إلى إسطنبول لم يُنجز بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى واستنزافها موارد السلطنة.

وفي خلال الثورة العربية الكبرى، استهدف الثوّار العرب السكة مراراً لقطع إمدادات الجيش العثماني، ما ألحق بها ضرراً كبيراً أخرج أجزاءً منها عن الخدمة نهائياً

سوريا وتركيا والأردن:  اتفاق على إحياء سكّة حديد الحجاز التاريخية

بعد انهيار الدولة العثمانية وفرض الانتدابَيْن البريطاني والفرنسي على معظم بلاد الشام، عقّدت قضايا الملكية عمليات الخط، ليتوقّف عن العمل شبكةً واحدة في مطلع العشرينيات. ربطت خطوط أخرى في القرن العشرين عواصم المنطقة من بيروت مروراً بالشام وبغداد إلى إسطنبول، لكنّ التطورات الجيوسياسية كالت لها ضربات متلاحقة، من الحرب الأهلية اللبنانية إلى احتلال فلسطين.

اليوم تُعدّ المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي السورية واحدةً من الكيانين الوريثين للخط التاريخي، إلى جانب مؤسسة الخط الحديدي الحجازي الأردنية.

تُعّد المؤسسة السوريّة المشغّل الثاني للسكك في سوريا وتدير الخطّ ضيّق العرض بين سوريا والأردن ولبنان، بطولٍ إجمالي يبلغ 346 كلم تمثّل 8 قطاعات، مقابل 2,503 كلم تديرها المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية.

قطاعات الحجاز:

دمشق – درعا (127 كلم)

درعا – نصيب على الحدود الأردنية (13 كلم)

قم غرز في جنوب شرق درعا – بصرى (33 كلم)

درعا – الشجرة بين الجولان والحدود الأردنية (42 كلم)

الشجرة – الحمة في الجولان (25 كلم)

سرغايا قرب الحدود اللبنانية – دمشق (65 كلم)

القدم – قطنا (37 كلم)

سرغايا – الحدود اللبنانية (4 كلم)

تراجع قطاع السكك الحديدية في سوريا

تشير بيانات وزارة النقل إلى انخفاضٍ حادّ في عدد الركاب على شبكات المؤسستين في العقود الأخيرة. 

سوريا وتركيا والأردن:  اتفاق على إحياء سكّة حديد الحجاز التاريخية

سوف تحتاج إعادة تأهيل البنية التحتية السككية إلى استثمار هائل. فمن أصل 2,553 كلم من الخطوط، لا يعمل اليوم سوى 1,052 كلم، وتعطّلت 76 محطة من أصل 105، وخرج 262 جسراً من أصل 607 عن الخدمة بحسب ما ذكره مدير عام المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، أسامة حدّاد، في فيديو نشرته الوزارة في 28 أيار/مايو.

ذكر حدّاد أنّ السرعة القصوى المصمَّمة للشبكة تبلغ 120 كيلومتراً في الساعة، لكنّ المعدّل الفعلي انخفض إلى نحو 40 كيلومتراً في الساعة بسبب تردّي البنية التحتية. وأوضح أنّ المؤسسة العامة للخطوط الحديدية تؤمّن مادة الحصَى من شركة عامة تعجز عن تزويدها بها نتيجة شحّ السيولة. وأضاف أنّ المؤسسة تواجه نقصاً حادّاً في الموارد البشرية والمادية معاً، إذ تجاوزت أعمار أكثر من 70% من كوادرها الفنية الخمسين عاماً.

إيرادات مؤسسة الخط الحديدي الحجازي وممتلكاتها

منذ توقف الخط عن العمل في عشرينيات القرن الماضي، واقتصار نشاطه على رحلاتٍ محدودة ثم تضرّره بعد العام 2011، تراجعت عوائد النقل لدى المؤسسة إلى حدٍّ كبير. وأضحت معظم إيراداتها تأتي من أنشطة غير نقلية، أهمها استثماراتها العقارية وامتيازها الحصري في إصدار لوحات المركبات السورية.

وصرّح نائب مدير الدائرة المالية في المؤسسة، أيمن سعد، بأنّ المؤسسة مُنحت حق إدارة واستثمار مقاطع الخط وأملاكها بموجب المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 1964، لكن المرسوم رقم 30 لعام 1965 أعاد تصنيف أصولها وقفاً إسلامياً لا ملكاً عاماً للدولة، ومنذئذٍ تُدار على هذا الأساس.

 نفى سعد وجود خلاف مع وزارة الأوقاف التي سعت في الآونة الأخيرة إلى استعادة عدد من أملاك الأوقاف التي كانت تديرها في السابق وزارات أو جهات أخرى. وقال: «لا يوجد إلى الآن أي نزاع في هذا الشأن. نحن جهة حكومية سورية تتولى إدارة أملاك الوقف، وهذا أمر طبيعي ويحدث في دول إسلامية عديدة، حيث لا ما من نص ديني أو قانوني يمنع المؤسسات الحكومية من الإشراف على أملاك الوقف».

وأضاف أنّ المؤسسة تمتلك عقاراتٍ وأصولاً في دمشق وريفها ودرعا والحمّة في القنيطرة، فضلاً عن ممتلكاتٍ في بيروت والبقاع، وفي فلسطين التاريخية في حيفا ويافا ونابلس والمجدل وعفولة وميسلون. وأشار إلى أنّ المؤسسة لا تجني من أملاكها في فلسطين أيّ عائدٍ بسبب الاحتلال الإسرائيلي، لكنّها تحصل على إيراداتٍ من عقارٍ في بيروت.

حصلت ذا سيريا ريبورت على وثيقة لبعض ممتلكات مؤسسة الخط الحديدي الحجازي في سوريا ولبنان تتضمن:

سوريا وتركيا والأردن:  اتفاق على إحياء سكّة حديد الحجاز التاريخية

ذكر سعد أنّه غير مخول بالكشف عن حصة المؤسسة في شركة سوليدير(الشركة اللبنانية لتطوير وإعمار وسط بيروت)، وهي شركة مساهمة لبنانية أسسها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري لتتولى الإشراف على تخطيط وإعادة إعمار وسط بيروت بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990).

في تشرين الأول/أكتوبر 2022، صرّح المدير العام آنذاك للمؤسسة، ممدوح أحمد العلان، لصحيفة الوطن شبه الرسمية بأنّ المؤسسة تلقت إيرادات من استثماراتها في سوليدير بلغت 203 آلاف دولار نقداً إلى جانب 36,363 سهماً. ووصف هذه المبالغ بأنّها أحدث المتحصلات من دون تحديد تاريخها بدقة. وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تراوح سعر سهم سوليدير في بورصة بيروت بين 55 و57 دولاراً، أيّ أنّ قيمة الأسهم تُقدَّر بحوالي مليوني دولار.

وكشف السيد العلان أنّ إجمالي حصة المؤسسة في سوليدير تبلغ 448,121 سهماً تُقدَّر قيمتها بحوالي 25 مليون دولار بالسعر السائد. وأضاف أنّ المؤسسة واجهت صعوبات في تحصيل إيراداتها بسبب الأزمة المصرفية في لبنان التي عقدت عمليات التحويل وهو ما يفسر على الأرجح تلقي معظم الإيرادات على شكل أسهم بدلاً من مبالغ نقدية.

نُشِر هذا المقال في 30 أيلول/سبتمبر 2025 في The Syria Report، وترجم إلى العربية ونشر في موقع «صفر» بموجب اتفاق مع الناشر. 

    علاء بريك هنيدي

    مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.