Preview الحرب على الفلسطينينات

حرب إسرائيل على الفلسطينيات

أُمّان تُقتلان كلّ ساعة، ارتفاع حالات الإجهاض بنسبة 300%، ونحو مليون امرأة وفتاة مُهجرة. أرقام مرعبة، ولكنها تكاد تكون قطرةً في بحر الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء والفتيات الفلسطينيات في قطاع غزة، كمّا أنّها لا ترسم صورة مكتملة عن الفظائع الموثقة كالإعدامات الميدانية، والاعتداءات الجنسية، والحرمان من الخدمات الطبية والمنتجات الصحية، فضلاً عن سياسة التجويع المُمنهج عبر منع الوصول إلى المساعدات المتاحة. 

تستدعي الكارثة الماثلة أمامنا اتخاذ تدابير عاجلة لحماية النساء والفتيات الفلسطينيات، منها وقف إطلاق النار وسحب قوات الاحتلال المتوغلة، وإيصال المساعدات بكميات كافية، وتوفير الخدمات الطبية على أوسع نطاق ممكن في قطاع غزة.

الحرب على الفلسطينيات

على رأس ضحايا العنف

تعتبر الأمم المتحدة النساء والفتيات الضحايا الرئيسيين للعدوان على غزة، فهنّ يشكّلن «النسبة الأكبر من القتلى والمصابين والمُهجرين». فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، 70% من الذين قُتلوا في غزة كانوا من النساء والأطفال، بمعدّل أُمّين كل ساعة. تُشير تقديرات هيئةِ الأمم المتحدة للمرأة إلى أنّ النساء والفتيات يُشكلن قرابة نصف المُهجرين في القطاعِ، والذينَ يربو عددهم الإجمالي على مليونَي شخص.

كشف تقرير حديث للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أدلّة على تنفيذ إعدامات ميدانية طاولت نساء مع ذويهنّ، على الرغم من أنّهم كانوا في طريق الفرار أو يرفعون رايات بيضاء أو يحتمون في أماكن محمية بموجب القانون الدولي.

لفت التقرير نفسه إلى وجود أدلة على الاستخدام المُمنهج للاغتصاب كسلاح حرب، فقد تعرّضت نساء فلسطينيات محتجزات لدى قوّات الاحتلال الإسرائيلي إلى الضرب والتهديد بالاغتصاب، وفي بعض الحالات إلى اعتداءات جنسية وتفتيش عبر تجريدهن من ملابسهن. وذكر التقرير إحدى الحالات التي حُبِست فيها نساء في قفص في الهواء الطلق تحت المطر والبرد. ويُضاف ذلك إلى قيام جيش الاحتلال بإخفاء عدد مجهول من النسوة قسراً، ولا يُعرف لهنّ أثر حتى الآن.  

إلى جانب الانتهاكات المُمنهجة، برزت حالات فردية تفضح أنواعاً أخرى من الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، من بينها إقدام نقيب إسرائيلي على اختطاف رضيعة مجهولة الهوية من غزة زاعماً أنّها إسرائيلية نظراً لشعرها الأشقر. وبعد فترة من اكتشاف الحادثة، أشارت تقارير إلى مقتل النقيب في المعارك، من دون معرفة هوية الرضيعة ومكان تواجدها.  

على رأس ضحايا الحرمان

لا تقتصر معاناة الفلسطينيات في غزة على العنف المباشر الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي فحسب، فهنّ يرزحن كذلك تحت وطأة العنف بأشكاله غير المباشرة نتيجة الحرمان الشديد من أبسط حقوقهن الجنسية والإنجابية. 

تُعد النساء الحوامل من أكثر الفئات عرضةً للخطر في القطاع، ومن المتوقع أن تتعرّض 15% منهن لمضاعفات الحمل. ومع ذلك، فإن المرافق والخدمات الطبية تزداد نُدرةً ويصعب الوصول إليها، وبالتالي فإنّ «حوالى 840 امرأة حامل معرّضة لمضاعفات الولادة في الشهر المقبل، ما قد يرفع معدلات اعتلال الأمهات وحديثي الولادة ووفياتهم».1

تشير تقارير منظّمة «أطباء بلا حدود» إلى أن ثلث النساء اللواتي يسعين للحصول على الرعاية السابقة للولادة يعانين فقر الدم، وهي حالة خطيرة بالنسبة للنساء الحوامل. والحل البسيط هو تناول مكمّلات الحديد. غير أنّ هذا العلاج الأساسي غير متوفر بسبب القيود التي يفرضها الاحتلال على المساعدات. وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أنّ «ما يقرب نصف هؤلاء النساء يعانين من التهابات الجهاز البولي التناسلي، مثل التهابات المسالك البولية». وفي ظل نقص الكميات الكافية من مضادات الالتهابات والرعاية المناسبة، فإن هذا الوضع يعرّض أمهات غزة إلى خطر وفاة أعلى. وبالإضافة إلى العبء المتزايد للأمراض، تقدّر الأمم المتحدة أنّ 155,000 امرأة حامل ومرضعة في غزة معرّضات لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة التي يمكن منعها.2

لا تقتصر انتهاكات الحقوق الجنسية والإنجابية هذه على النساء الحوامل فحسب، فبغض النظر عن حالة الحمل، تعاني النساء عموماً حالة من الحرمان الشديد. فعلى سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن النساء المحتجزات لدى جيش الاحتلال محرومات من المنتجات الصحية والغذاء والدواء. ويُقدّر عدد النساء والفتيات الحائضات في غزة بحوالى 690,000 امرأة وفتاة لا يحصلن على المنتجات الصحية الخاصة بالدورة الشهرية إلا بشكل محدود.3  وقد دفع ذلك العديد منهن إلى استخدام بدائل غير صحية، بما في ذلك المناشف غير المغسولة، مما يؤدّي إلى الإصابة بالعدوى. ويلجأ بعض النساء والفتيات إلى الحبوب الهرمونية، عند توفرها، لتأخير الدورة الشهرية.

عنف وحرمان متعمدان

أمام التعدي الإسرائيلي المتعمد والمُمنهج على الحقوق الإنجابية والجنسية للنساء والفتيات الفلسطينيات، يُنكر جيش الاحتلال الادعاءات بوقوع هذا الاضطهاد الممنهج؛ وبدورها هاجمت الحكومة الصهيونية بشدة تقرير الأمم المتحدة حول العنف الجنسي الذي يرتكبه جنودها، واصفةً إياه بـ«الادعاءات الحقيرة التي لا أساس لها من الصحة». وردّاً على تقرير الأمم المتحدة عن استخدام الجيش الإسرائيلي للاغتصاب كسلاح حرب، أصدرت منظمات غير حكومية إسرائيلية تقريرها الخاص حول مزاعم العنف الجنسي الذي قيل إنّ النساء الإسرائيليات تعرّضن له في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد صدرت جميع الادعاءات الواردة في هذا التقرير عن منظمة «زاكا» المعروفة بعدم مصداقيتها.

لا شكّ في أنّ الحرمان العنيف للنساء الفلسطينيات من احتياجاتهن الأساسية هو الآخر متعمّد ومنهجي، إذ تنتظر شحنات كبيرة من المساعدات دخول القطاع، ففي الأسابيع الأولى من شهر كانون الثاني/يناير وحده، كان لدى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية 29 بعثة مساعدات مقررة للقطاع المحاصر. غير أن الإسرائيليين لم يسمحوا إلا بدخول سبع منها فقط، ومنعوا البعثات الـ22 الأخرى من الدخول.4  ويأتي ذلك في وقتٍ يواجه سكان غزة نقصاً في الغذاء والدواء وغيرهما من الأساسيات، فيما تشير التقديرات إلى أنّ 90% منهم يعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، المُصنف في المرحلة الثالثة أو أعلى (أزمة أو أسوأ) من التصنيف الدولي للأزمات.

في المحصلة، يعكس وضع النساء والفتيات في غزة بوضوح القمع والعنف الذي يتعرّض له سائر الفلسطينيين المقيمين في القطاع. وما لم يُصار إلى وقف فوري لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات بأمان إلى القطاع، فمن المرجح أن تتفاقم الأوضاع الإنسانية لسكان غزة، ويُرخي شبح الموت والعنف والأمراض بظلاله عليهم، ما سيؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات.

  • 1UNFPA, CRISIS IN PALESTINE UNFPA Palestine Situation Report, Issue #5, 24 January 2024.
  • 2UNFPA, CRISIS IN PALESTINE UNFPA Palestine Situation Report, Issue #5, 24 January 2024.
  • 3UNFPA, CRISIS IN PALESTINE UNFPA Palestine Situation Report, Issue #5, 24 January 2024.
  • 4UNFPA, CRISIS IN PALESTINE UNFPA Palestine Situation Report, Issue #5, 24 January 2024.