تحوّل في النظام المالي السوري:
مَن يستفيد مِن خفض ضرائب الأرباح؟
نُشِر هذا المقال في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2025 في The Syria Report، وترجم إلى العربية ونشر في موقع «صفر» بموجب اتفاق مع الجهة الناشرة.
أعلنت وزارة المالية السورية عن إصلاحات شاملة في النظام الضريبي في البلاد، في ما يُعدّ من أوسع عمليات المراجعة منذ اعتماد القانون رقم 24 لعام 2003. وقد نشرت الوزارة في 6 أيلول/سبتمبر مشروع قانون ضريبة الدخل، تلاه في الثالث والعشرين من الشهر نفسه مشروع قانون ضريبة المبيعات، على أن يدخل القانونان حيّز التنفيذ في مطلع العام 2026.
في الأيام التي تلت نشر النصَّين، عقدت وزارة المالية سلسلة من النقاشات وورش العمل بمشاركة أكاديميين واقتصاديين وممثلين عن مجتمع الأعمال السوري، بهدف جمع الملاحظات والاقتراحات قبل إقرار القانونين بصيغتهما النهائية. أثارت مسوّدتا القانونين ردود فعل متباينة؛ إذ أشاد البعض بـ«وضوحهما» وارتفاع حدود الإعفاء فيهما والنهج الموحّد لضريبة الدخل، فيما حذّر آخرون من احتمال أن يؤدي النظام الجديد إلى تراجع في الإيرادات الضريبية وتقييد قدرة الدولة على الإنفاق في القطاعات ذات الأولوية.
وعلى الرغم من تباين الآراء، يتّفق معظم المعنيين على أنّ الإطار الضريبي المقترَح يشكّل تحوّلاً جوهرياً عن النظام الحالي الذي بقي من دون تغييرات تُذكر طوال أكثر من عقدين. أكّد مسؤولو وزارة المالية في خلال ورش العمل أنّ الهدف الرئيس للسياسة المالية الجديدة هو تبسيط الإجراءات والانتقال من نهج الجباية إلى الشراكة والتنمية.
قانون ضريبة الدخل
يشكّل مشروع قانون ضريبة الدخل، الذي نشره وزير المالية محمد يسر برنية على حسابه على منصة "لينكد" إن في 6 أيلول/سبتمبر، خروجاً واضحاً عن النظام الضريبي السابق بالنسبة إلى الأفراد والشركات على حدّ سواء.
تحدّد المسودة الجديدة سقف الدخل السنوي المعفى من الضريبة لكل من الأفراد والشركات عند 60 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 5,450 دولاراً أميركياً وفق سعر الصرف الرسمي. أمّا الأفراد الذين تتجاوز مداخيلهم هذا الحد، تُفرض عليهم ضريبة بنسبة 6% على أول 5 ملايين ليرة (نحو 450 دولاراً)، في حين تفرض نسبة 8% على الدخل الذي يتجاوز هذا المبلغ.
يتيح المشروع للمكلّفين من الأفراد أيضاً حسم مجموعة من النفقات الإضافية من دخلهم الخاضع للضريبة، ويُمنح المكلّف المتزوج الذي لا يخضع زوجه لضريبة الدخل (إما لعدم عمله أو لأن دخله دون الحدّ الخاضع للضريبة) حسماً إضافياً قدره 6 ملايين ليرة (545 دولاراً)، فيما يستفيد المكلّفون الذين لديهم أولاد من حسم إضافي قدره 8 ملايين ليرة (727 دولاراً). لم يتّضح بعد ما إذا كان هذا الحسم يُحتسب عن كلّ ولد على حدة أم كمبلغ ثابت بغضّ النظر عن عدد الأولاد.
فضلاً عن ذلك، يتضمّن مشروع القانون حسومات جديدة تشمل نفقات العلاج الطبي والتعليم وإيجار السكن والفوائد على القروض السكنية. ولا يقتصر هذا الإعفاء على ما ينفقه المكلّف لنفسه، بل يشمل أيضاً أقاربه حتى الدرجة الثانية، أي الأجداد والإخوة والأحفاد. تُمنح الشركات إمكانية استثناء ما يصل إلى 25% من دخلها من الضريبة في حال تقديمه كتبرّع لأغراض دينية أو خيرية أو إنسانية أو علمية أو بيئية أو ثقافية أو رياضية أو مهنية.
أما في ما يخصّ الشركات التي يتجاوز دخلها السنوي حدّ الإعفاء، يفرض مشروع القانون معدل ضريبة دخل بنسبة 10% على قطاعات الصناعة والتعليم والرعاية الصحية والاستشارات والتدريب والتكنولوجيا والطيران. أما القطاعات الأخرى فستخضع لمعدل ضريبي قدره 15%.
تنصّ المادة 9 من مشروع القانون على إعفاء الصادرات من السلع والخدمات المنتَجة محلياً من ضريبة الدخل، بالإضافة إلى إعفاء العائدات الناتجة عن الودائع المصرفية وتداول الأسهم. كما يُبقي النصّ الجديد على الإعفاءات السابقة، ومنها الإعفاء الكامل لمداخيل الأنشطة الزراعية والأرباح الموزعة من قبل الشركات العاملة داخل سوريا.
ارتبط حدّ الإعفاء الأدنى في النظام الضريبي السابق بالحدّ الأدنى للأجور، بينما خضعت المداخيل الأعلى لسلم تصاعدي تتدرّج نسبه بين 5% و15%. أما الشركات فكانت تخضع لضريبة تتراوح بين 15% و20%، تصل إلى 25% في القطاع المصرفي و35% لشركات النفط والغاز.
قانون ضريبة المبيعات
في 23 أيلول/سبتمبر، طرح وزير المالية محمد يسر برنية مشروع قانون جديد لضريبة المبيعات، ليحلّ محلّ المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2015 الذي كان قد نصّ على فرض رسم إنفاق استهلاكي على طيف واسع من السلع والخدمات بمعدلات متباينة.
يُحدّد مشروع القانون الجديد ضريبة مبيعات عامة بنسبة 5% تشمل غالبية السلع والخدمات، مع فرض ضرائب خاصة إضافية تتراوح نسبها بين 15% و85% على سلع وخدمات مالية محددة.
كما يسمح المشروع لوزير المالية بإجراء تعديلات سنوية على هذه النسب بقرار وزاري، بعد موافقة الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، بشرط ألا تزيد نسبة التعديل على 50% من معدل الضريبة الأساسي.
في منشور على لينكد إن، أشار الوزير برنية إلى أن ضريبة المبيعات المقترحة بنسبة 5% هي «الأدنى بالمقارنة مع المعدلات في الأسواق الإقليمية والعالمية»، مضيفاً أن النسب المماثلة تبلغ 20% في المغرب، و19% في الجزائر وتونس، و17% في مصر والسودان، و16% في الأردن، و15% في السعودية، و11% في لبنان.
تختلف ضريبة المبيعات عن ضريبة القيمة المضافة في كونها تُفرض مرة واحدة فقط، عند نقطة البيع النهائية للمستهلك، في حين تُطبَّق ضريبة القيمة المضافة في كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد، من الإنتاج حتى البيع بالتجزئة. وأوضح الوزير أن مشروع القانون يُعدّ خطوة انتقالية نحو تطبيق نظام القيمة المضافة. كما قال إن الوزارة تخطّط لتخصيص 25% من إجمالي إيرادات ضريبة المبيعات لصندوق خاص لدعم قطاعي الصناعة والتصدير، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والصناعة وجهات عامة أخرى.
التقييمات الأكاديمية المتباينة
قال ياسر المشعل، أستاذ العلوم المالية والنقدية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، لموقع The Syria Report إنّ النظام الضريبي المقترَح يتماشى مع الظروف الاقتصادية الراهنة في البلاد، موضحاً أنّه يعفي فعلياً الغالبية العظمى من السوريين من ضريبة الدخل، في الوقت الذي يُحفّز فيه قطاعات أساسية مثل الزراعة والصناعة والتصدير.
وأضاف الدكتور مشعل أنه على الرغم من إعفاء الدخل الزراعي من الضرائب بموجب القانون السابق، إلا أن القطاع لا يزال مثقلاً بعدد من الضرائب غير المباشرة، بما في ذلك ضرائب على مبيعات المنتجات الزراعية وتربية الماشية، وهي من مخلفات السياسات المالية التي تعود إلى العصر العثماني. وأوضح أن النظام الجديد يوفر إعفاءات شاملة للقطاع الزراعي بأكمله.
في المقابل، أعرب عدد من الاقتصاديين عن مخاوف جدّية، إذ اعتبر إبراهيم العدي، أستاذ المحاسبة الضريبية ونائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أن النظام «ينطوي على مشكلات جوهرية». وانتقد فرض ضريبة موحّدة تتراوح بين 10% و15% على الشركات، من دون أي تفرقة في الحجم أو الإنتاج أو الأرباح، واصفاً هذا النهج بأنه «غير عادل إلى حد كبير».
وأوضح الدكتور العدي أنّه «ليس من المنطقي أن تُفرض الضريبة بالنسبة نفسها على شركة كبرى تحقق أرباحاً ضخمة وورشة صغيرة أو متوسطة الحجم». كما تساءل عن جدوى منح حوافز ضريبية للشركات العاملة في قطاعي التعليم والرعاية الصحية، مشيراً إلى أنّ هذه القطاعات تُحقّق أرباحاً كبيرة أصلاً، وأنّ من واجب الدولة الحفاظ على دورها في تقديم هذه الخدمات الأساسية.
وأضاف أنّ الإعفاءات الضريبية الواسعة التي يتضمّنها مشروع القانون تعكس قناعة السلطات بأنّ مثل هذه الإجراءات ستُشجّع الاستثمار المحلي والأجنبي، وهي رؤية قال إنّها تتطابق مع توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ووصف هذا التوجّه بأنه «مضلل تماماً»، مذكّراً بأنّ معدلات ضريبة الدخل في سوريا في خلال خمسينيات القرن الماضي بلغت في بعض الحالات 49%، ومع ذلك كان النشاط الاستثماري مزدهراً. وختم بالقول إنّ المشكلة في سوريا لا تكمن في ارتفاع الضرائب، بل في بنية الحوكمة والاستقرار السياسي ومستوى الثقة العامة.
بين الأول والخامس من حزيران/يونيو، زارت بعثة من صندوق النقد الدولي سوريا وعقدت اجتماعات مع مسؤولين من وزارة المالية ومصرف سوريا المركزي وهيئة الاستثمار السورية. أوضح رون فان رودن، رئيس البعثة، أنّ الزيارة هدفت إلى «تقييم الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد ومناقشة أولويات السياسات لدى السلطات ووضع خارطة طريق لبناء القدرات بما يساعد في صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية». وحدّد في خلال الزيارة كلّ من صندوق النقد الدولي ووزارة المالية أولويات قصيرة الأجل للإصلاح المؤسسي والسياساتي، من بينها تحديث النظامين الضريبي والجمركي.
قالت سوزان عبيدو، المحاضِرة في قسم إدارة الأعمال بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق، إنّ مشروع قانون ضريبة الدخل يوفّر «فرصاً غير مسبوقة للتهرّب الضريبي»، من خلال السماح لأصحاب الأعمال باستغلال الثغرات القانونية لإعفاء جزء كبير من مداخيلهم من الضريبة.
وأوضحت عبيدو أنّ أصحاب الأعمال يمكنهم خصم نفقات كبيرة تتعلّق برفاه الموظّفين، بما في ذلك المساهمات في صناديق المنافع للعاملين وبدلات الوجبات وتكاليف السفر ومصاريف الضيافة للزوّار، إلى جانب النفقات المرتبطة بالتسويق والبحث والتطوير والتدريب. وقالت إنّ «هذه كلّها نفقات يمكن لأصحاب الأعمال التلاعب بها بسهولة في سجلاتهم المحاسبية»، مضيفةً أنّه «استناداً إلى حساب أولي أجريناه مع عدد من الزملاء، تبيّن أنّ أصحاب الأعمال يمكن أن يُخفوا ما يصل إلى 70% من دخلهم الخاضع للضريبة بموجب هذه الأحكام».
وجهة نظر قطاع الأعمال
قال غسّان سكّر، نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، إنّ من أبرز التحسينات التي يتضمّنها النظام الضريبي الجديد نقل صلاحية البتّ في النزاعات الضريبية من وزارة المالية إلى محاكم ضريبية متخصّصة.
وأوضح سكّر أنّه في الإطار السابق كانت الوزارة تؤدّي دور «الخصم والحكم» في آنٍ واحد، إذ كان أصحاب العمل يقدّمون بياناتهم إلى وزارة المالية، وإذا ارتابت الوزارة في صحتها، كانت تصدر قرارها مباشرة. أمّا في مشروع القانون الجديد، فإذا اشتبهت الوزارة بوجود تلاعب في التصاريح المالية، يتوجّب عليها تقديم أدلّة أمام المحاكم الضريبية، بدلاً من رفض البيانات بشكل تعسّفي.
وأضاف أنّ هذه الضمانات القضائية من شأنها تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى سوريا.
كتب الاقتصادي السوري–السويسري جوزيف ضاهر في مجلة المجلة الصادرة في بريطانيا في 5 تشرين الأول/أكتوبر، أنّ النظام الضريبي الجديد يعكس التوجّهين السياسي والاقتصادي للسلطات الحاكمة في سوريا. وبحسب ضاهر، فإنّ القوانين الجديدة «تمنح الأفضلية لرأس المال والأرباح، ولا سيّما تلك العائدة لكبار رجال الأعمال والشركات الأجنبية الكبرى»، وتُشجّع «أنماط استهلاك دينامية في الاقتصاد المحلي عبر خفض الضرائب بدلاً من تعزيز القدرة الإنتاجية للبلاد».
وأضاف أنّه بدلاً من ترسيخ نظام يخدم نخبة ثرية صغيرة ويزيد الارتهان لرأس المال المحلي أو الأجنبي وللمساعدات المالية الخارجية، تحتاج سوريا إلى نظام ضريبي تصاعدي قادر على إعادة توزيع الثروة وتعزيز الخدمات العامة وحماية المصلحة العامة بما يضمن حياة كريمة لغالبية السوريين ويُسهم في تحقيق استقلال اقتصادي فعلي.
الأبعاد الدينية والأخلاقية
أفاد موظف مدني يعمل في مديرية مالية دمشق، فضّل عدم ذكر اسمه، لـThe Syria Report إنّ بعض بنود مشروع قانون ضريبة المبيعات «تعكس جزئياً التأثير الأيديولوجي الإسلامي لهيئة تحرير الشام».
وأوضح المصدر أنّه وللمرة الأولى في سوريا، رُفعت الضريبة الإجمالية على المشروبات الكحولية من 20% بموجب المرسوم السابق إلى 90% في المشروع الجديد (5% ضريبة المبيعات العامة + 85% ضريبة المبيعات الخاصة الإضافية). وبالمثل، فُرضت ضريبة مبيعات بنسبة 50% على منتجات لحم الخنزير، المحظورة شرعاً، بعد أن كانت تُعامَل سابقاً كغيرها من منتجات اللحوم.
أضاف المصدر أنّه في خلال المناقشات الداخلية التي جرت في مديرية مالية دمشق، في إطار مشاورات أوسع شملت المديريات المالية في المحافظات، عبّر عدد كبير من الموظفين عن اعتراضهم الشديد على هذه الإجراءات. وقال: «اعتبر كثيرون منّا أنّ من المعيب التعامل مع لحم الخنزير بطريقة مختلفة، خصوصاً أنّه يُستهلك من قبل أبناء طوائف دينية متعدّدة في سوريا».
وأضاف: «من غير المنطقي أن تكون ضريبة المبيعات على الكافيار والروبيان بنسبة 20%، بينما تبلغ 50% على لحم الخنزير. ورغم أنّ هذا الرأي كان الغالب بين الموظفين، إلّا أنّ وجهات نظرنا لم تُؤخذ بالاعتبار في الصيغة النهائية للمشروع».
تواصل موقع The Syria Report مع المكتب الإعلامي لوزارة المالية للحصول على ردّ بشأن الانتقادات الموجّهة إلى مشروعي القانونين، إلّا أنّه لم يتلقَّ جواباً حتى لحظة النشر.